الجمعة، 1 يناير 2021

التوظيف المُخيف!

 التوظيف المخيف!

الآن، كنت أقرأ في السيرة الذاتية، للدكتور محمود الربيعي، المسماة: (في الخمسين عرفت طريقي)؛ إذ كان يتذمر، من توظيف زوجته في بورسعيد، وهو في القاهرة!


ثم قال: "وكان هذا الوضع -الذي يشتت شمل الأسرة على هذا النحو- عادياً جداً، في نظر وزارة التربية والتعليم"! (ص: ١٤٩)


وبعد أن ذكر، إقامتها في بورسعيد، أياماً.. أخبر أن هذا الوضع، لا يمكن أن يُستمر عليه، ويستحيل نقلها إلى القاهرة، فكان الحل؛ أن قدّمت استقالتها من وظيفتها!


أقول: حقاً، إن من الأمور المقضة والممضة والمعضة، في كثير من بلدان المسلمين -حسب ما سمعت-؛ التوظيف في غير بلد الموظَّف، فهو توظيف عسيف مخيف!


يفرح المسكين، بل يكاد يطير فرحاً.. إذا نزلت درجته الوظيفية، ولكن، لم تكمل الفرحة، حين أن يعلم مكان وظيفته!


يقرأ خبر توظيفه، فيقرأ اسمه بين لفيف من الأسماء .. يحملق بعينيه، ويزم شفتيه، ويشير بأصبعيه، إلى مكان وظيفته، فإذا بها بلدة بعيدة نائية عن محل إقامته!


يضرب بيديه رأسه، ويحولق ويسترجع، ثم ينظر إلى زوجه وأولاده، وإخوانه ووالديه، فيقارن بين الأمرين الأمرّين، فيختار أهونهما مرارة -في نظره- وهو السفر إلى وظيفته، التي ستدر عليه الدراهم المراهم!


يذهب بجسمه وجسده، أما قلبه وروحه، فيجعلهما رهينة عند أهله وولده:

جسدي معي، غير أن الروح عندكمُ

 *** فالجسم في غربة، والروح في وطني!

فليعجب الناس مني.. أن لي بدناً *** لا روح فيه، ولي روح بلا بدنِ!


ولسان حاله، حال ابن المستوفي، القائل:

والله لو أن أيامي تطاوعني *** على اختياري.. ما فارقتكم أبدا! 


يرحل المسكين، ولواعج الحزن تستعر بين جوانحه، ولهيب الحنين يجتمر بين جوانبه!

يبقى في غربته تيك، حائراً سادراً، وربما، لم يؤد عمله كما ينبغي؛ لتبلل قلبه، وتبلبل لبه!


وإذا تقدم، بطلب انتقاله.. لاقى -في سبيل ذلك- الألاقي، بل كان ذلك أقرب إلى المستحيل! -على حد تعبير الدكتور الربيعي-.


وأعرف صديقاً، من أهل العلم والتحقيق.. مكث مدرساً، في بلدة نائية عن بلاده، نحواً من عشرين سنة!

حتى منّ الله عليه، فأعتق من هذه الربقة الآبقة، بجرة قلم من مسؤول، جمعه وإياه مجلس صفاء -كثرت أيامها-!


ولا زلت أتساءل: لمَ لا يواءم بين الموظَّف ومكان وظيفته، مع مراعاة حال الزوج والزوجة والأولاد والوالدين؟


فإن قيل: نخشى الالتهاء، عن وظيفته، بالأهل والأصحاب!


أقول: إن ما منه حذِرتم، فيه وقعتم، بل أشد وأقد.. فإن بعضهم، يداوم ثلاثة أيام أو نحوها، ويطلب إلى صديق تحضيره؛ كفاء ارتشاء، وبعضهم: يتكرم، فيجعلها صدقة أو صداقة -أستغفر الغافر الغفور الغفار-!


وتزداد السوأة، إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة!

لا تسل عن خلطتها واختلاطها، وحاجتها واحتياجها، وخلوها وخلوتها، وربما كان في ذلك، ضياعها!


ولا تسل، عن حال الرجل هناك في عزبته وعزوبته، إلا إذا اعتصم ربه، واحتزم لبه، واعتزم قلبه.


ولا تسل، عن ضياع زوجه وأولاده، فإن لم يكن ضياعاً حقيقياً، كان ضياعاً معنوياً، من جهة فقدان عاطفة الأبوة، والشعور بالنقص، وتشتت الشمل، وتفرق الجمع.


طبعاً، وبلا شك، كل هذه الاحتمالات والتوقعات، لا تطرأ على الموظِّفين، بل ولا تروق لهم، ويرونها ضرباً من الهذيان، ونوعاً من الجنان، ولكن: من جرب، عرف -ولست أنا-.

والله العاصم والقاسم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٥/١٦


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق