الجمعة، 29 يناير 2021

الناشر الوفي والكريم الحفي!

 الناشر الوفي والكريم الحفي!

#وفاة_علم

توفي في يوم الجمعة المباركة، بتاريخ ١٤٤٧/٤/١٩.. الأستاذ الجليل، والمربي الأصيل، والداعية الكبير، والناشر الخبير: أبو سليم محمد علي دولة الشامي.


صاحب دار القلم، التي عرف بها، وعرفت به، والذي لها بصمة واضحة لائحة في تاريخ الطباعة، وسماء النشر.


أسس هذه الدار الرصينة، في عام ١٩٦٧م؛ غَيرة للدين، وذباً عن أفكار المسلمين، وذوذاً عن شُبه الملحدين والمنحلين، مع حسن ديباجة، وجمال إخراج، وروعة صف، وجودة ورق، وإن كان هذا عاد على القيمة، فضاعفها، إلا أنك تقرأ براحة واطمئنان.


وقد بلغت منشورات، دار القلم، نحواً من ألف عنوان أو تزيد، كلها في إبراز محاسن دين الإسلام، وإظهار أعلامه الأعلام، ورداً على الأفكار الزائغة، والديانات المحرفة.


ثم عضد دار القلم، بدارين.. دار البشير، بـ جدة، والدار الشامية، بـ بيروت، فصارت دور نشر ثلاث، عاضدة رائدة ماجدة.


وكان يوجهها.. الرجل الطلعة محمد علي دولة، بمعونة أولاده: عماد الدين، في بيروت، وعبد الرحمن، في دمشق، وسيد، في جدة.


ولم يكن ناشراً فحسب، بل كان أستاذاً خريتا، ومربياً ماهرا، تخرج على يده، كوكبة من الأجيال، ثم ترك التعليم النظامي؛ ليتفرغ لرسالته المتقنة، فوفاها، بحق وصدق، وعزم وحزم، بل كانت له مشاركات في التحقيق والتأليف.


وكان الفقيد -رحمه الله- دمث الخلق، وافر الأمانة، كريم الخلق، ندي الكف، وكان يعطي المؤلفين حقهم دون غمط أو إرجاء.


ذكر أحد المؤلفين في عمّان.. أن أبا سليم -رحمه الله- كان قد طبع لأحد العلماء، في عمان، مؤلفاته، فلما مات، كان يتعهد أولاده، بمبلغ جيد مرة، كل سنة، ولا يظهر هذا العمل لأحد.


ومن وفائه: أنه أرسل للنشر كتاب (الفاروق عمر) للعلامة شبلي النعماني، وعندما قيل له: إن الكتاب تجاوزه الزمن، وقد ترجم إلى العربية، وطبع في القاهرة، لماذا التكرار؟ قال: لقد وعدت أبا الحسن الندوي، بطبع الكتاب، ولا بد أن أفي بوعدي.


ومن ورعه في المعاملة: عُرِضَ عليه كتاب (فقه المعاملات في الفقه الشافعي) تأليف الأستاذ محمد الحموي، قال سأطبعه، بعد استئذان الورثة؛ لدفع الحقوق لهم. قيل له: يا أستاذ، لقد مضى على وفاة المؤلف، أكثر من خمسين عاماً، وبهذا تسقط حقوق التأليف، لمرور المدة القانونية. قال: لا شأن لي بالقانون، أنا لا تسقط عندي الحقوق.


وكان شديد الخشية، وجِل القلب، عفّ اللسان.. فكان يحرص، أن لا يَذكر أحداً بسوء، ولا يسمح ذكر أحد بسوء في مجلسه.


وزار مرة، عالماً كبيراً، من علماء مصر، -وكان يجري في مجلسه ذكرُ الناس بما يخالف الشريعة- يقول فقيدنا: دعوت الله قبل أن أدخل مجلسه، ألا يغتاب أحد في حضوري، ولقد جلست مع العالم أكثر من خمس ساعات، لم يجر ذكر أحد بسوء، بل كان المجلس كله علم وفوائد.


وبعد حياة مترعة بالعطاء، مفعمة بالإعطاء.. أُصيب بجلطة، نُقِل إلى المستشفى، ووضع تحت العناية المركزة، ثم تحسنت صحته، لكن بقيت آثار ذلك المرض تعاوده، حتى ظهرت عليه أمراض أخرى، ولم ينقطع عن القراءة والكتابة والنشر، حتى أواخر أيامه.


استيقظ قبل الفجر، وسأل زوجته أم سليم: هل أذَّن الفجر؟ قالت: لم يؤذن، قام من فراشه وتوضأ، وصلى ركعات في جوف الليل، ثم اضطجع على فراشه، ينتظر الفجر، فسبقه الوعد، فكانت تلك الركعات آخر عهده بالدنيا!


توفي -رحمه الله-:عن عمر، ناهز ٧٧ عاماً، أمضاها في الدرس والتعليم، والدعوة إلى الله تعالى، والذود عن الدين الإسلامي، ونشر الكتاب الهادف.


فلله دره، وعلى الله شكره، وفي أخلاقه الرفيعة هذه، وديانته الوافرة.. حض للناشرين، أن يقتدوا به، ويتسنموا خطاه، ويتسمتوا خطواته.


أسأل الله تعالى، أن يرحمه رحمة الأبرار، ويسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، ويعظم أجر أهله وذويه وذريته، ورجاؤنا.. أن يكونوا خير خلف، لخير سلف.


وختاماً، ليس لي من هذه الترجمة إلا التهذيب والتشذيب والترتيب، فقد اعتمدت في بعضها، على غيري ممن ترجم له، والبعض الآخر: انطباعاتي نحو الرجل ونشراته، وما قيل عنه.



وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٤٧/٤/١٩

١٤٤٢/٦/١٥



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق