الثلاثاء، 27 أبريل 2021

رحيل المسند اليمني الكبير!

#وفاة_علم

رحيل المسند اليمني الكبير!


توفي في يوم الخميس ١٤٣٨/٧/١٦ الوالد الصالح الشيخ المسند السيد أحمد بن قاسم بن علي المساوى اليقيني الحسني، بقريته المصعلية، شرق مدينة الضَحِي، وهو علم من أعلام اليمن السعيد، في السماع والإجازة.


وكنت قد زرته قبل سنتين تقريباً، بصحبة بعض الإخوة، واستجزناه وقرأت عليه بعضاً من الأحاديث، وطلبنا منه نصحاً وتوجيها؛ فما بخل ولا تردد.

رغم أن صحته كانت في غاية التدهور، ولكنه يعي ما يقول، ويدري ما يقال له.


وهو -رحمه الله- قد نيف على المائة، وشهد له العلماء والصالحين بحرصه على العلم والتعليم، والصلاح والإصلاح.


رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.


وأنا لست في مقام الترجمة له، بل هي انطباعاتي نحوه، وقد ترجم له البعض.


وقد استجزته حينها، لبعض المشايخ الكرام من أنحاء العالم؛ فتكرم مشكوراً مأجوراً.


وتخيلوا هذه الصورة، له التقطتها له -رحمه الله- قبل سنتين تقريباً، ويبدو فيها وكأنه ميت، لا حرك به!

بل عندما خرجت من عنده، قالت لي زوجه: إنه يعاني سكرات الموت!

ولعمر الله.. إنه ليدرك ما يقول، وما يقال له، فسبحان الله الواهب المتفضل.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٨/٧/١٦

الجمعة، 16 أبريل 2021

شَـنــاظِـيرُ الـرِّجــال!

 شَـنــاظِـيرُ الـرِّجــال!


يتعامل مع زوجته.. أنها خادمة أو جارية، لا أنها شريكة حياة، ونائبة في بيته عن القيادة!


يريد من زوجته.. أن تكون في وضع الجاهزية متى أرادها، أو أراد منها، وكأنها ليست آدمية، بل آلة حديدية!


يجوع؛ يريد أن يكون الطعام مقدماً بين يديه!

يظمأ؛ يريد الكأس أن يكون مقدماً إليه!

يشبق؛ يريدها أن تكون عروساً أمامه!

يطرق الباب؛ يريدها أن تكون واقفة خلفه!

يفكر بخروج رحلة،أو زيارة أهل؛ يريدها أن تكون تجري نحوه إلى السيارة!

إلى غيرها من صور الحيف والعسف والجنف والحنف!


والممض؛ أنه ربما اجتمع بعض هذه الخصال، في وقت واحد، فكيف يكون حال المسكينة؟!


ويا ويل هذه الزوجة والخادمة والسكرتيرة والأمة.. -في فعله المعكوس المنكوس-، إذا تأخرت أو طلبت التأخير، أو كانت نائمة أو صائمة، أو مريضة أو مهمومة أو نحوها مما يعتري الإنسان..


إنه يقيم نفسه ويقعدها، مزبداً مرعداً مهدداً متوعداً مندداً معلنداً، وربما لطم أو هضم أو حطم، وأهونها: السباب والخصام والشتام!


يتعامل معها، وكأنه لا يتعامل مع مخلوق مثله، بل يتعامل مع جهاز ذكي تقني!


أتساءل: أهذا رجل، أو شبه رجل، أو هو من البُهُم -بضم الباء والهاء، لا بفتح الهاء-؟!

والجواب: ليس هو أحدها؛ لأني أخشى ظلمها!

والحقيقة: هو إنسان، لكنه منزوع التأنسن، مخلوع التحنن، ملحوق بالتفرعن، ومشوب بالتقرنن!


وأقول لهؤلاء ما قالت كبشة الزبيدية:

لا ترتدوا إلا فضول نسائكم *** إذا ارتملت أعقابهن من الدم


وحسبي أن أقول لها -موصياً لا مقصياً-: أكثري من الدعاء، والذكر، والحوقلة أو الحولقة، والحسبلة، والهيللة، مع دوام المراقبة لخالقك، والمحافظة على صلاتك، والمسارعة إلى أورادك؛ سيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.


جبر الله مصابك، وخفف أوصابك، وأعانك على مخلوقك الغرير، ومخنوقك الشنظير، فلا بلاغ إلا بالله، ولا قوة إلا بالله.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٠/١٠/٢٥


أحزان وندوب على فراق محمد أيوب!

 أحزان وندوب على فراق محمد أيوب!


استيقظت من نومي، وإذا بزوجتي تخبرني بفاجعة، وتصدمني بباقعة، وأتت بالخبر عن طريق السؤال -وهذا تلطف منها- أتدري من مات اليوم؟

حلقت وحملقت، ثم قلت لها: خيرا، من؟

قالت لي: مات القارئ محمد أيوب!

قلت: محمد أيوب القارئ؟

قالت: نعم، وهل تعرف قارئا غيره؟!


طأطأت رأسي: أسى وأسفا، ثم أخذت علاجا شافيا كافيا، وليس مهدئا خاويا، بل هو علاج رباني، أوصاني به ربي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم: (إنا لله، وإنا إليه راجعون).

"الذين إذا أصابتهم مصيبة...." الآية.


 رحمك الله يا محمد، وأسكنك فسيح الجنان، وأنالك الرضوان، وأخلفك في الصالحين.


وكم تمنيت أن ألتقيك وأشافهك، وأثافنك، وأقرأ عليك القرآن الكريم الذي تترنم به، وتلهج به منذ صباك، حتى صارت قراءتك تخرج من قلبك وليس من لسانك!


تمنيت أن أقرأ عليك، وأنال منك الإجازة الإسنادية السماعية المتسلسلة إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، إلى جبريل، إلى رب العزة والجلال، والملكوت والكمال، من تلفظ به ونطق، وأنزله على رسوله بحق "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" آخذه عنك حتى أسنجم في سلككم، وأنعقد في عقدكم، ولكن: "إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر" وماأخرني عنك إلا نأيي عن بلدك، وبعدي عن مقعدك، ولم أستطع تجاوز بلدي، والتجافي عن مرقدي -والحمد لله- فصبرت نفسي وعزيتها، وسليتها وواسيتها، ثم كتبت عنك كتابة خاطفة في (الفيس) فرأيت من الإقبال عليك لا عليها، والإعجاب بك لا بها، مئات من المترحمين عليك والمترجمين، والداعين لك والباكين -وهذا (من عاجل بشرى المؤمن)، كما جاء في الحديث-.


وكم تلهثت للصلاة عليك، -إن فاتتني الصلاة خلفك في حياتك-، حتى أنال فضل الله وكرمه، لكن بيني وبينك بعد المشرقين، فليت المعين!


لكني استبدلت شد الرحال -ولا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد- بالنظر إلى من صلى عليك من الرجال!! فرأيت ذلك الجمع الهائل، والحرم الكامل يصلون على من صلى بهم سنين عددا، ثم انقطع عن الإمامة لسنوات، فتمنى قبل موته أن يعود لذلك الشرف، فأعاده الله له وعطف، وبه لطف -وهذه من الكرامات الحسنة- وأهل السنة يؤمنون بالكرامات للصالحين، وهي من تثبيت الله للمؤمنين.

 

ورأيت الأعناق إليك مشرئبة، والرقاب إليك مرتقبة، والعيون عليك منتحبة !! فقلت: كأني بهذه الأعناق تتطاول لتنظر ذاك الراقد المحمول، وكأني بتلك الأعين تقول: اكشفوا الستر عن وجهه؛ لنقبله ونحضنه، ونودعه وداع الدنيا الآخر!


رحمك الله أيها المترنم بكلام ربك، والتالي لآياته آناء الليل وأطراف النهار "أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ..."


رحمك الله، فوجهك مضيء، يشي بالخير والصلاح "سيماهم في وجوههم من أثر السجود".


هنيئا لك، فإني سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثا، يقول: (من ملئت أذنه من ثناء الناس، وجبت له الجنة) فنرجوا لك ذلك، وأنت خلو من معاديك، بل لم أسمع عنك إلا ثناء طيبا مباركا.


بل إني اليوم، أخبرت شابا عاميا لا يعرف عن الشيخ شيئا، سوى أنه يسمع له القرآن في إذاعة المملكة، فلما أخبرته؟

نظر إلي مدهوشا مشدوها متسائلا، وقد ترك ماكان بيده: أحقا ماتقول؟

قلت له: نعم.

فحولق واسترجع، وحزن عليه شديدا، مكررا عليه بالترحام.


وثان وثالث ورابع ... وعدّ ماشئت، ماأخبرت أحدا إلا ورأيت الحزن عليه باديا، والأسى منه شاكيا.


رحمك الله أيها المفضال، فقد سمعت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (من صلى عليه أربعون، إلا شفعوا فيه) وأنت قد صلى عليك أضعاف وآلاف، وألاف وخلاف!!


رضي الله عنك، لقد أحسنت التربية لبنيك، فحفظتهم كتاب الله الكريم، وهذا -لعمري- خير زاد وأفضل تركة، وهو من الصدقة الجارية (أو ولد صالح يدعو له) وأين يكون صلاح الولد، إلا بحسن التربية، فهنيئا لك.


وأخيرا: نصيحتي ووصيتي لأبنائك وذويك، بالصبر والاحتساب، والسير في طريقك الصالح، والاقتفاء لآثارك الطيبة، والصدقة الجارية عنك، وإخراج ترجمة وافية كافية شافية عن حياة والدهم، فإنهم يعلمون مالا يعلم الكثير.


آنسك الله في قبرك، وأعاد عليك من آثارك، وجعل القرآن أنيسك وونيسك وجليسك، وبوأك المنازل العالية، وأدخلك الجنة الغالية.


وأشهد الله على حبك، دون أن أراك، وإنما شيئ قذفه الله في قلبي، بدون تكلف مني أو ملق، بل هذا محض فضل من الله وكرم، أن يحبك من لا يعرفك.

وسلام الله عليك في الأولين والآخرين.


كتبه: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧/٧/٨

الخميس، 15 أبريل 2021

عُـمْـــرة أُمُـــي!

 عُمْرةُ أُمّي


نُمِي إلي.. أن خالي الفاضل -حفظه الله ورعاه- عزم على السفر؛ لتأدية العمرة.


هاتفته فوراً، وسألته؟ فقال: نعم، مسافر غداً بعد العصر -إن شاء الله-!


قلت له: لو أنك كلمتني؛ لتسافر أمي معك؟

قال: أنا كلمت أمك!

قلت له: يا خال، أنت تعرف أن الحياء طاغ على أمي حتى من أولادها، فلا تقوى أن تطلب منا شيئاً -ولكن نحن نبادرها بحاجاتها، والحمد لله-.

أنهيت المكالمة معه، على بصيص من أمل.. أن ينتظر والدتي الكريمة.


صوّت هاتفي، منوهاً بوجود رسالة؛ فتحتها.. فإذا فيها البشرى، بالانتظار، ولكن: عليها السفر من محافظة إلى العاصمة الآن -يعني: بعد الظهر-.


فرِحت، واتصلت على والدتي، وأخبرتها؛ ففرحتْ، حتى سمعت حشرجة صوتها، وحثثتها على السفر -وهي -عافاها الله- تكره السفر جداً، فهي حلس بيتها، لا تخرج إلا إلى مسجد تحفيظ القرآن الكريم، أو زيارة قريباتها وصديقاتها-.


سافرتْ مع ابن أختي إلى صنعاء، وتعبت أشد التعب، ولم تخبرني بذلك -شفقة علي- إلا بعد أيام، حتى قالت لي: والله يا ابني، لقد شاهدت الموت أمام عيني؛ وذلك لأنها كانت تتقيأ على طول الطريق، في مدة لا تقل عن خمس ساعات، ولا تطيق أكلاً تعوِّض به ما خرج منها!


وعند وصولها صنعاء، أخذ خالي وأبناءه جوازها -جزاهم الله الخير- وذهبوا به إلى بيت الموظف، ولم ينتظروا وقت الدوام، فأخذه منهم، وأرسله ليحظى بالتأشير!


وبعد يومين؛ تصلني رسالة من خالي، يخبرني أن جواز الوالدة قد تأشر، وسيسافرون -إن شاء الله- غداً بعد العصر!


قرأت الرسالة، وأنا لا أكاد أصدّق -لكنه الصدق والتوفيق-؛ إذ أن الجواز يأخذ غالباً من أسبوع إلى أسبوعين ربما!

-والحمد لله-.


سافروا، ونحن على تواصل مستمر معهم على طول الطريق، حتى أني لم أذق لذة النوم مدة سفرهم!


ولعلكم تعجبون، إذا علمتم أن السفر استمر ثلاثة أيام بلياليها، لا يتوقفون إلا غِباً؛ وذلك لأن الطريق بعيدة جداً، وزد عليه، أنها بمنتهى السوء، فلا تتجاوز كيلو متر، إلا وحفرة أو مرتفع!


وبعد طول انتظار، -وما أشد انتظار من تحب، كيف والمنتَظر، هو أمي وقرة عيني- وصلوا الساعة العاشرة صباحاً..

ولا تسألوني عن كيفية لقائي بوالدتي، فلا أستطيع وصفه؛ لما يحويه من نشيج مع شعور بهيج، وقُبَل الرحمة والمحبة..


نزلوا في قلوبنا قبل بيوتنا -على المجاز؛ لأنه لا بيت لي- والحمد لله- وطلبتُ من والدتي الراحة، والاعتمار في اليوم الثاني؛ لتنفض غبار السفر ووعثائه؛ فأبت إلا رؤية الكعبة والحرم، وشرب زمزم، ولم ترها قط إلا عبر الشاشات الوهمية -على قلة مشاهدتها؛ لأنها لا تحبها ولم تُدخلها بيتها قط-.


ولما أن بدا لنا الحرم من بعيد، وأنا آخذ بيدها، شعرت بحركة واضطراب، وسمعتها تتمتم بكلمات مع حشرجة، تحاول إخفاءها، ولكن:

(تفيض العين عند امتلائها)!


لما بدأنا العمرة، أشرت عليها؛ أن آتي لها بعربة كهربائية، فرفضتْ تماماً، ووالدتي -حفظها الله ووالديكم- جاوزت الستين، مع زور الأمراض لها، ومع هذا؛ طافت برجليها وسعت، دون تعب أو إجهاد -والحمد لله- على نيل المراد.


وكانت في طوافها، لا يفتر لسانها عن الدعاء والذكر لنفسها وأولادها ووالديها، بل حتى أصدقائي لم تنسهم!


وكانت تكثر من التعجب، وتقول لي: يا وليد، هل حقيقة هذه هي الكعبة، والله، لكأني في حلم!

ثم تواصل في حمدها وشكرها لربها سبحانه وتعالى.


بعد أيام؛ ذهبت بها إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، -وكانت هي زورتي الأولى لها، وقد تشوقتُ لها كثيراً، وكتبت مقالاً، وسمته، بـ: الصبابة إلى طابة!


وصلنا المدينة النبوية، -ومن توفيق الله عز وجل، أن يسر لنا السكن بجوار الحرم المدني، وهذا من الأمنيات-.. ففرحتْ كثيراً كثيراً، وكانت تذهب الحرم المدني، مصلية فروضها، بانشراح وارتياح، وسكينة وطمأنينة.


وذهبتُ بها إلى بعض مشاهد الرسول عليه الصلاة والسلام، والصحب الكرام، كـ جبل أُحد، وجبل الرماة، ومسجد قباء، وصلينا فيه ركعتين؛ مؤتسين بالحبيب عليه الصلاة والسلام، وإن كان الوقت كان وقت نهي، ولكني جعلتها من ذوات الأسباب.


ثم رجعنا إلى مكة المكرمة، وأرادت عمرة ثانية؛ فأحرمنا من ميقات ذي الحليفة، ووصلنا مكة بعد صلاة العشاء، وكانت متعبة، فأتيت لها بعربة كهربائية، فارتاحت جداً، وانتهينا الساعة الثانية عشر ليلاً تقريباً؛ لشدة الزحام من الأنام.


وبعد يومين أو ثلاثة؛ اعتمرت عمرة ثالثة عن أمها (جدتي) -رحمها الله وغفر لها-.


وبعدها بثلاثة أيام؛ أزف الوقت المسموح به للعمرة على الانقضاء والانتهاء؛ فبدأت عقارب الساعة تسير بسرعة، (وهكذا هي ساعات الصفاء).

أزف الترحال والوقت دنا!


وفي هذا اليوم، يوم الأحد ١٤٤٠/٨/٩، كان يوم سفرها إلى الديار، حيث العناء والشقاء، ولكن هناك أهلها وأولادها والأقرباء.


ذهبت معها إلى محطة الركوب، وانتظرتها حتى ركبت، وصعدتُ معها مودّعاً لها، ومسلمِّاً عليها، ودمعي محتجر في مقلتي، ولكني غالبته حتى لا أغلبها، فتبكي، (وبكاء الوالدة غال على النفس).


إني أحاول أن أكون مودّعاً *** لكنَّ قلبي لا يطيق تودُّعك


صوت الأسى في داخلي قد بُح هل *** أبقيت وسط المحجرين مدامعك؟!


نزلت، وأنا مفتقد لأعز إنسان عرفته، إنها أمي .. إنها أنسي .. من حملتني .. من ربتّني .. من حفظتني .. من وجهتني.. وفضائلها لا تعد، وفواضلها لا تحد، ولكن: أجرها عند الواحد الأحد "هو أهل التقوى وأهل المغفرة".


نزلت، ولم أسمح لنفسي بالانصراف، حتى تكون الراحلة هي من تنصرف أولاً، ولا زلت ملوّحاً لها بيدي من خلف زجاجات النافذة، وهي تلوّح لي بكفها غير المخضوبة، ولم يبق في المحطة من المودّعين سواي، ولا زلنا كذلك حتى مخر عباب الراحلة، وغابت عني الفاضلة!


نكستُ رأسي إلى الأرض، مطرقاً حزيناً كئيباً سليباً، ولكن، عزائي: أنها عني راضية، ولي داعية.


تولّت؛ فولى الصبر عني، وعادني *** حزازٌ عليها، شفّ جسمي وأسقما


ولم يبق إلا ذكرها يبعث الأسى *** وطيفٌ يوافيني إذا النوم هوّما


آهٍ يا أمي..

أحنّ إليك في الظلمة الظلماء .. أحنّ إليك في الصبح والمساء .. أحنّ إليك في اليقظة والإغفاء..


كنت أُمتّع طرفي بنظرةٍ على وجهك البريء، وأهفو للقياك في كلّ حين، فتسعديني بربتك على كتفي، وابتسامتك في وجهي، وتصبيرك إياي، وتذكار الزمن الماضي الجميل الأصيل.


من مثل أمّي؟ وكل واحد.. من مثل أمّه؟!

يا أمّي، أنتِ ربيعُ الحياة، ولونُ الزهورِ، ونبع الوفاء.


يا أمي، أنت موطن الرحمة، ومصدر الدفء، ومكان الإحساس.


إخواني: الأُم هي الحضن الدافي، والحب الوافي، والبلسم الشافي.. ومهما كبر الشخص في العمر؛ يظلّ محباً لها، محتاجاً إليها، وتراه هي في عينيها صغيراً، فلا تزال تشتاقه، تحضنه وتضمه، وتقبّله وتشمه!


الأُم نعمة.. يجب أن تجل وتُقدّر، ويعتنى بها ويفتخر، وينظر إليها وتبجل، وتتفقد صباحاً ومساء..


رضي الله عنك يا والدة، وحفظك في حلك وترحالك، وأوصلك سالمة غانمة، ويسر لك -يا أماه- حج بيته الحرام -كما وعدتك بذلك -بعون الله ومشيئته- وخفف عنك شدة السفر ولأوائه، ومشقته ووعثائه.

وإلى لقاء عن قريب -بإذن القريب-.


فلذة كبدك: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٤٠/٨/٩

الخميس، 8 أبريل 2021

وفاة أحد الأشياخ المُعمّرين!

 


وفاة أحد الأشياخ المُعمّرين!

#وفاة_علم


بلغني وفاة مجيزنا، المحدث المعمر ظهور الحق الداماني الشاشي، المولود، سنة ١٩٢٤م!


تخرج من دار العلوم الحقانية اكوره ختك (باكستان) في سنة ١٩٤٩م.


ثم درّس الحديث مدة طويلة، في الجامعة المدنية بلاهور.


ولما ضعف، لم ينقطع عن شرف التدريس، فكان يدرس في مسجد الحي.


من مشايخه:

حكيم الإسلام القاري محمد طيب القاسمي، والشيخ عبد الحق مدير دار العلوم الحقانية ومؤسسها، والشيخ عبد الحليم الزروبوي، وشيخ القرآن غلام الله خان وغيرهم من أشياخ العلم والمعرفة.


رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.


(ملحوظة: ليس لي من الترجمة، إلا الترتيب والتهذيب، ولا أدري، من صاحبها، فجزاه الله خيراً)



الأحد، 4 أبريل 2021

حمّال سبعيني!

 حمّال سبعيني!

الآن، العاشرة ليلاً، رأيت سبعينياً.. يجرّ عربة حمار، محمّلة بالأسمنت.. حنطي اللون، طويل القامة، شاحب الوجه، يلبس لباساً ممزقاً ممزعاً!


أردت إدخال السرور عليه، وإزاحة الكآبة عنه؛ فحادثته وساءلته، عن حاله وحالته؟!

فرأيت البِشر بادٍ عليه، والاستبشار واضح على محياه!

صحيح، أنه لم يبتسم، لكن لكْنة لسانه، وسحنة وجهه، وحركة لسانه.. تشي وتنطق بذلك.


وكان كل حديثه، حديث عقل ومروءة، وإباء وعزة، فمما قال بالعامية -مع إصلاح بعض الجمَل-:

- لا أمدّ يدي لمخلوق، إلا في مقابل عمل!

- ما دام تعمل بالحق والعرَق، فلن تقع!

- إذا جاء الليل، وأنا بدون فلوس، أمرض؛ رحمة بأحفادي!

- الأطفال أصحاب مُشترى، فما رأوه اشتروه!

- أولادي طلبوا مني ترك العمل، لكني لا أترك، ما دام عندي حيل وقوة!

- لا أستطيع ترك العمل، وأنا أرى حاجتي إلى الفلوس!


إلى غيرها من الكلمات الجميلة، والعبارات الحكيمة، وقد نسيت أكثرها؛ فإن حديثه كان كله كذلك، محتو على حكَم وتجارب وأمثال!


نظرت إليه، وقد احدودب ظهره، ورقّ عظمه، وابيض شعره، ونحل جسمه، واسود جسده، وتجعد جلده.. وهو لا زال في كفاح وعمل، وفأل وأمل!


إنه حمّل من متجر البائع على عربته، عشرين كيساً من الإسمنت- وزن الواحد ٥٠ كيلو، ثم أنزلها إلى المشتري!


يالله، أي قوة يملكها، وأي روح يعيشها، وأي نفْس ينفسها؟! أما قوته، فقد خارت، بتتابع السنين، وكلاحة الزمان، لكنه يملك روحاً لا تهدأ أو تمل، ونفساً لا تعرف الكسل! -قواه الله وأيده-.


إنّ حديثه، كان ممتلئاً بشكر الله وتحميده، والثناء عليه وتمجيده، وذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى، مفطور في النفوس تعظيمه، مؤصل في القلوب تفخيمه، لكن، لم يعرف ذلك الملحد، بلى، إنه عرف، ولكنه في مكابرة لنفسه، ومصادرة لعقله!

فاللهم ثباتاً وسداداً.


نظرتُ إليه، مشدوهاً، من جَلَده وصبره، مع حمده الله تعالى وشكره، وغيره الآن، ممن هم في سنّه، في راحة ودَعة، بل مَن هم في سن أولاده وأحفاده!


صحيح، أن هذا قضاء الله وقدره "ذلك تقدير العزيز العليم" ولكن، النفوس الشفيفة، مفطورة، على رحمة هؤلاء، والنظر إليهم بعين الشفقة.

وأيّ عربي أبيّ.. لا يرحم هؤلاء؟! اللهم، إلا، القساة الجفاة العتاة، فاللهم نأياً عنهم، ونعياً عليهم.


وتالله، إني احتقرت نفسي أمام كده وجده، ووددت، لو أقدر على مساعدته ومعاونته، لكن، الله يعلم ما تحمل كل نفس وكسبها!


فيا إخواني.. رفقاً بالآخرين، وشفقة عليهم، وحباً لهم، وإيصال الخير إليهم.. تكسبوا رضا ربكم، وثناء غيركم.

والله يتولانا بعنايته، ويرعانا برعايته.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٨/٢٣