الاثنين، 26 سبتمبر 2022

آ"أدب الكاتب"، للمغفّلين؟!

  آأدب الكاتب، للمغفّلين؟!


وقفت على مقولة مقوِلة، للعلامة أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدِّيَنَوْرِي، في مقدمة كتابه الغالب، (أدب الكاتب: ١١)، يقول: "فلما أن رأيت هذا الشأن -يريد: العلم- كل يوم إلى نقصان، وخشيت أن يذهب رسمه ويعفو أثره؛ جعلت له حظاً من عنايتي، وجزءاً من تأليفي؛ فعملت لمغفّل التأديب، كتباً خفافا في المعرفة، وفي تقويم اللسان واليد، يشتمل كل كتاب منها على فن، وأعفيته من التطويل والتثقيل؛ لأنشطه، لحفظه ودراسته إن فاءت به همته، وأقيد عليه بها ما أضل من المعرفة، وأستظهر له بإعداد الآلة لزمان الإدالة، أو لقضاء الوطر عند تبين فضل النظر، وألحقه -مع كلال الحد، ويبس الطينة- بالمرهفين، وأدخله -وهو الكودن- في مضمار العتاق"!


هذا ما فاهه هذا القمقام المدرب، والسميدع المجرب.. وقد وقفت عندها وتوقفت، ووجف قلبي وأوجفت، وتساءلت: كيف يكون هذا السفر العتيق- الذي عدَّه ابن خلدون، في (تاريخه: ١/ ٧٦٣) من أمهات كتب الأدب العربي؛ حيث قال: "وسمعنا من شيوخنا، في مجالس التعليم؛ أن أصول هذا الفن وأركانه، أربعة دواوين، وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها"!


فإذا كان هذا الأصل الأصيل، والمتن المتين، يخطه مفترعه، للمغفلين، -أي: الغافلين عن رصين العلم ومتينه، أو المشتغلين بغيره أكثر منه-.. فمن هو سالك جادّة العلم، وأين هو آمّ درب المعرفة؟!

اللهم عفواً وغفراً.


وأقول: عفا الله عنك، أبا عبد الله.. فإنك قد أزريت بنا، حتى كدنا أن نقع، إن لم يكن بعضنا، قد وقع حتى قعقع!

وقد أضر بنا إزراؤك، وآذانا ازورارك، ولو ترفقت بنا؛ لكان أولى بضعفنا، وأنسب لحالنا، وأخب لسيرنا!

فالله المستعان.



قال أبو نعيم: وقد كتب ابن قتيبة، هذا الكتاب النفيس، لأبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير الخليفة المتوكل، وأهداه له، وكانت وشائج العلم والأدب، بينهما في أوجها، وعلى أشدها.

فواهاً لهم واها.


وقد كسر ابن قتيبة، رائعه، إلى أربعة أقسام:

-كتاب تقويم اليد.

-كتاب المعرفة.

-كتاب معاني أبنية الأفعال.

-كتاب تقويم اللسان.



ولِعويص هذا السفر وغويصه.. شرحه جماعة من العلماء، ومنهم:

-ابن السيد البَطَلْيُوسي، في شرحه المسمَى: "الاقتضاب في شرح أدب الكتاب".

-وأبو منصور الجواليقي، في شرحه المعنون: "شرح أدب الكاتب".


والشرحان مطبوعان، على طرف الثمام، من شادي المعرفة وناهلها.



على كل، لقد أطلت ذيل المقالة، وذلك؛ لغضبي من الإغضاء، ومحاجفتي عن الإجحاف، لأدفع الهضم والقضم، وأرفع قومي إلى الهامة.


تولانا الله بعنايته، ورعانا برعايته، "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين".


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٢/٢٩



الخميس، 22 سبتمبر 2022

آلمحلّى للعامّة؟!

 


آلمحلّى للعامّة؟!

اقشعر جلدي، حين قرأت، هاته المقولة، للإمام الجهبذ أحمد بن علي ابن حزم، في (محلاه: ٥/ ٣٣) تحت باب: (صلاة الخوف): قال: "قد بيناها غاية البيان والتقصي في غير هذا الكتاب، والحمد لله رب العالمين. وإنما كتبنا كتابنا هذا، للعامي والمبتدئ، وتذكرة للعالم، فنذكر ههنا بعض تلك الوجوه، مما يقرب حفظه ويسهل فهمه، ولا يضعف فعله، وبالله تعالى التوفيق"!



قال أبو نعيم: حقاً، إن عقول الناس على قدر زمانهم، فإن الناس في هذا الزمن، لا يكاد عالمهم بله طالبهم، يلمّ بهذا الكتاب، إلا لِماماً؛ لعويص العبارة، وغويص الإشارة!


بل إن نفراً منهم، جعله غرضاً للرمي، وناصبه العداء، وأعلنها للناس جهرة: احذروا من المحلى!


قلت: وإن كان في المحلى، مسائل مرجوحة، أو شدة خصومة، وحدة حجاج، إلا أنه بالمكان العالي من العلم والفقه والفهم، بل هو أحدُ كتب الإسلام الأربعة التي عليها المعوّل!


قال العز ابن عبد السلام: "ما رأيت في كتب الإسلام، في العلم، مثل "المحلى" لابن حزم، وكتاب "المغني" لابن قدامة".

(سير أعلام النبلاء: ١٨/ ١٩٣)


وقال شيخ الإسلام: "ويوجد في كتبه، من كثرة الاطلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام، ولجانب الرسالة.. ما لا يجتمع مثل ذلك لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديث، يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح.

وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف، ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء".

(الانتصار لأهل الأثر: ٣١)



وكان العلامة الوادعي.. يوصي به؛ لنأيه عن التقليد، وهروبه من الجمود.


فيا شداة العلم، وطلاب المعرفة.. ترفقوا في نقدكم، وارفقوا بأنفسكم، وتدبروا: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" وإلا، أصيبت المقاتل، وسيمت الكلاكل، و"إن أصل العلم، خشية الله"


رضي الله عن ابن حزم، (وسقى بقعته صوب المطر)


وقد أفردت ترجمة ابن حزم، بالطبع سنة ١٩٤١م في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، بتحقيق العلامة اللغوي سعيد الأفغاني، وقد ذكر أن هذه الترجمة، أرسلها إليه وجيه جُدة/ محمد نصيف، منقولة من نسخة، لسير أعلام النبلاء، بصنعاء، في خزانة الإمام يحيى حميد الدين.

"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة"



وكتب: أبو نعيم الوصابي

١٤٣٧/١٠/١٥




الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

تحرّق الأنفس من رثاء الأندلس!

 تحرّق الأنفس من رثاء الأندلس!


هذه قصيدة فذة فردة، في رثاء الأندلس "الفردوس المفقود"، للشيخ أبي البقاء الرندي الأندلسي.


وهي قصيدة مبكية مشجية، مدمية محمية، مدمعة مجدعة، تصوّر حال أهل الأندلس حين سقوطها، على يد الصليبية الحمقاء الهمجاء العوجاء الشوهاء.


وكيف أذيقوا الويلات والنكبات على يد النصارى الصليبيين الإرهابيين، الذين يتشدقون زوراً وميناً بـ (حقوق الإنسان)!

ولعمر الحق، إنه عقوق للمسلم، بل زهوق لروحه.


وقد سمعت الشيخ ابن باز، ينشج نشجاً عندما سمعها بصوت أحد الإخوة.


وكم تثور الغَيرة في نفوس الغيورين حين سماعها .. وكم يتفطر القلب حين قراءتها.. ولكنها، تجعل العقلاء، يعودون إلى ربهم، ويتبعون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويحذروا الذنوب والمعاصي؛ فإنها مَهلكة مُهلكة.


واليوم، تذهب بلاد المسلمين وتسلب، والخطب جلل.. فأين الحماة الكماة؟!

اتركوا الفلل، واتجهوا نحو القلل!


وكيف لا يغار المسلم، وهو يسمع عرضاً انتهك، وروحاً أُزهقت، وأطفالاً يتموا، ونساء رمّلن، وبلاد سلبن؟!


أعاد الله الأندلس إلى حَضارتنا الإنسانية، وخلصها من حضيرتهم الحيوانية.


وهذه القصيدة مكتوبة مضبوطة لمن أرادها، دون عناء:


رثــــاء الأنـــدلـس


لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ *** فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ


هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ


وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد *** ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شانُ


يُـمزّق الـدهر حـتماً كل سابغةٍ *** إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ


ويـنتضي كـلّ سيف للفناء ولوْ *** كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدانُ


أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ *** وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ؟


وأيـن مـا شـاده شـدَّادُ في إرمٍ *** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟


وأيـن مـا حازه قارون من ذهب *** وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطانُ؟


أتـى عـلى الـكُل أمر لا مَرد له *** حـتى قَـضَوا فكأن القوم ما كانوا


وصـار ما كان من مُلك ومن مَلِكٍ *** كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ


دارَ الـزّمانُ عـلى (دارا) وقاتِلِه *** وأما كـسـرى فـما آواه إيـوانُ


كـأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ *** يـوماً ولا مَـلكَ الـدُنيا سُـليمانُ


فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعةٌ *** ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ


ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها *** ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ


دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له *** هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدّ ثَهلانُ


أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ *** حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ


فـاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) *** وأيـنَ (شـاطبة) أمْ أيـن (جَيّانُ)؟!


وأيـن (قُـرطبة) دار الـعلوم فكم *** مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ


وأين (حِمص) وما تحويه من نُزهٍ ***  ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ


قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما *** عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ


تـبكي الحنيفية البيضاءُ من أسفٍ *** كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ


عـلى ديـار مـن الإسلام خالية *** قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ


حيث المساجد قد صارت كنائسَ، مـ *** ـا فـيـهنّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ


حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ


يـا غـافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ *** إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ


ومـاشياً مـرحاً يـلهيه مـوطنهُ *** أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟


تـلك الـمصيبةُ أنـستْ ما تَقدمها *** ومـا لـها معْ طولَ الدهرِ نسيانُ


يـا راكـبين عِتاق الخيلِ ضامرةً *** كـأنها فـي مـجال السبقِ عقبانُ


وحـاملين سـيُوفَ الـهندِ مرهفة *** كـأنها فـي ظـلام الـنقع نيرانُ


وراتـعين وراء الـبحر في دَعةٍ *** لـهم بـأوطانهم عـزٌّ وسـلطانُ


أعـندكم نـبأ مـن أهـل أندلسٍ *** فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟


كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قـتلى وأسـرى فما يهتز إنسان؟


مـاذا الـتقاطع في الإسلام بينكمُ *** وأنـتمْ يـا عـبادَ الله إخـوانُ؟


ألا نـفـوسٌ أبيّاتٌ لـها هـممٌ *** أمـا عـلى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ؟


يـا مـن لـذلةِ قـومٍ بعدَ عزِّهمُ *** أحـال حـالهمُ جـورٌ وطُـغيانُ


بـالأمس كـانوا ملوكاً في منازلهم *** والـيومَ هـم في بلاد الكفر عُبدانُ


فـلو تـراهم حيارى لا دليل لهمْ *** عـليهمُ مـن ثـيابِ الـذلِ ألوانُ


ولـو رأيـتَ بـكاهُم عـندَ بيعهمُ *** لَـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحزانُ


يـا رُبَّ أمّ وطـفلٍ حـيلَ بينهما *** كـمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ


وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت *** كـأنـما هي يـاقـوتٌ ومـرجـانُ


يـقودُها الـعلجُ لـلمكروه مكرهةً *** والـعينُ بـاكية والـقلبُ حيرانُ


لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ *** إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

ُ

هل للجهادِ بها من طالبٍ فلقدْ *** تزخرفتْ جنة المأوى لها شانُ


وأشرق الحور والولدان في غرفٍ *** فازت لعمري بهذا الخير شُجعانُ


ثم الصلاة على المختار من مُضرٍ *** ما هبّ ريح الصبا واهتز أغصانُ



قال أبو نعيم: ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أقيس ما مضى على ما أتى.. فلقد تخاذل المسلمون وتقاتلوا، وسلّموا بعضهم بعضاً للأعداء وتواصوا بذلك وتواصلوا.. "أتواصوا به بل هم قوم طاغون"!


وإن أقربهم مجلساً من مجلس الكفر، أحاسنهم مصانعة لهم، ومماكرة بنا!


في كل بلاد مذبح، وفي كل بيت منيح:

والناس في غفلة عما يراد بهم *** كأنهم غنم في بيت جزارِ


إي والله، كأنهم قطيع غنم، بل هم كذلك في أعين أعدائهم، بعد أن كنا أعزة، صرنا أذلة، وما ذاك، إلا بسبب: التخاذل والتقاتل والتعاضل والتصاول والتقاول وهلم جراّ وسحباً من صفات السوء، وسمات الشر.

فلا بلاغ إلا بالله العزيز الحكيم، هو الملاذ والمعاذ.



وكتب: وليد أبو نعيم،،

١٤٣٧/١٢/١٨

السبت، 17 سبتمبر 2022

أمَوسقةٌ للعلم!

 


أموسقةٌ للعلم!

إن العلم، أصل شريف، ومعدن منيف، لا يداخله الدخل، ولا يخالطه الدغل؛ لأنه نقي المنبع، تقي المنتع!


وإن مما يجر ويحر ويخز صفاؤه ونقاؤه، وقراحه ونقاخه.. ما يصاحبه ويساقبه، من مؤثرات مزعجة، وموسيقى مصخبة، تعمّ وتصمّ وتغمّ!


وقد يتزيا بالهوى غير أهله *** ويستصحب الإنسان من لا يلائمه!



تسمع درس علم عتيق.. فإذا في أوّله، هيشة سوق بل أهيش، وشوهة سوقة بل أشوه!


وما من لحظة إلا وفيها *** إلى فتن القلوب لها دواعي!



ما هذا الكدر المكدر .. ما هذا الخلط المجدر .. ما هذا الشوب المقذر.. ألم يكتفوا بموسقتهم حتى أرادوا موسقتنا .. ألم يقصروا شرورهم على أنفسهم حتى سعوا لإشراكنا .. ألم يحملوا أوزارهم حتى سعوا لوزرنا؟!


وإنك، لتأسى حقاً؛ على بعض شداة النور، وهداة الدرب، تساهلهم وتمايلهم، في هذا المهيع الصخيب، والمَمتح الآسن!

فاللهم هداية وكفاية ووقاية.



وكيف تريد أن تدعى حكيماً *** وأنت لكل ما تهوى رَكوبُ؟!




وأنتم -أيها المموسقون-.. ألا تكفّون عنا جشاء دندنتكم، وتصعرون خدود نتنكم؛ فإنكم قد آذيتم وآنيتم، وأقذيتم وأنكيتم، فسلوا الله العافية، قبل حرمانها.



وإن عجزت عن الخيرات تفعلها *** فلا يكن دون ترك الشر إعجازُ



وبعد،

فاللهم إن هذا داء دوي، وعاهة معيوهة.. آذت آمّي العلم، وأدمت حاملي المعرفة= فاكفناها بما شيت وكيفما شيت.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٢/٢٠


الأحد، 4 سبتمبر 2022

قال لي ولدي! (٣)

 


قال لي ولدي! (٣)


كنت في حديث مع أهلي وولدي، في أمور العبادة والطاعة، والرزق والمعيشة..


هرع ولدي، يقول: بابا، نريد أن نعتمر، ونقبّل الحجر الأسود، لعل الله يستجيب لنا؟!


فرحت بتعلقه بالعبادة، وحبه للطاعة، وعجبت من شفقته على الرزق!


فقلت: نعم، صدقت، فما أعظم الاعتمار، والافتقار للواحد القهار، والعمرة محتوية على أذكار وأدعية، وأقوال وأفعال وأحوال، وطاعات وقربات، مع ما يصحبها من تطامن وإخبات، ولا شك، أن ذلك، مظنة الإجابة، لا سيما عند الملتزم، وهو: ما بين باب الكعبة والحجر الأسود.


وأما الحجر الأسود.. فيشرع التكبير عند استلامه، وتقبيله، وإن لم يستطاع؛ فتكفي الإشارة إليه!


ويسنّ عند استلامه، قول: (بسم الله، والله أكبر، وإن زاد: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم)



وأما الرزق، وما أدراك ما الرزق.. فهو المؤرّق والمقلق لجميع الخلق، ولكن، من توكل على الله، وعمل بالأسباب، وأيقن واستعان، مع صدق اللجأ إلى ربه المستعان.. أعانه الله ووفقه، ويسر أموره وسهلها.



قلت: وإن من النعيم العاجل والآجل.. نشوء النشء على العبادة، وحب الطاعة، والتعلق بالله سبحانه، ومراقبته في السر والعلن.



فيا أيها الآباء: اغرسوا في أبنائكم، مراقبة الله سبحانه، مع حمايتهم مما يضر.


وقد كان بعض السلف، يعلّم أطفاله الصغار، كيف يستحضرون رقابة الله عليهم، عن طريق ذكر الله بالقلب، فيعلّم ولده أن يقول: "الله معي .. الله يراني .. الله ناظري"

ويكرر ذلك مراراً، حتى يرسخ في قلبه هذا المعنى العظيم.


وهذا أسلوب نافع ناجع، إن استمر عليه الوالد والولد، مكّنه ذلك من استحضار مشاهدة الله له ومراقبته.


وللأسف، هذه تربية غائبة عن كثير من الآباء والأمهات، بل يلجؤون إلى مراقبتهم هم، وهم قاصرون!


وما أجمل، أن تجمع لولدك، بين: حمايتهم من المضار، ومراقبتهم للرقيب الجبار.


حفظك الله يا بني، وسددك وأسعدك، وإخوتك وإخوانك أجمعين.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٢/١