آأدب الكاتب، للمغفّلين؟!
وقفت على مقولة مقوِلة، للعلامة أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدِّيَنَوْرِي، في مقدمة كتابه الغالب، (أدب الكاتب: ١١)، يقول: "فلما أن رأيت هذا الشأن -يريد: العلم- كل يوم إلى نقصان، وخشيت أن يذهب رسمه ويعفو أثره؛ جعلت له حظاً من عنايتي، وجزءاً من تأليفي؛ فعملت لمغفّل التأديب، كتباً خفافا في المعرفة، وفي تقويم اللسان واليد، يشتمل كل كتاب منها على فن، وأعفيته من التطويل والتثقيل؛ لأنشطه، لحفظه ودراسته إن فاءت به همته، وأقيد عليه بها ما أضل من المعرفة، وأستظهر له بإعداد الآلة لزمان الإدالة، أو لقضاء الوطر عند تبين فضل النظر، وألحقه -مع كلال الحد، ويبس الطينة- بالمرهفين، وأدخله -وهو الكودن- في مضمار العتاق"!
هذا ما فاهه هذا القمقام المدرب، والسميدع المجرب.. وقد وقفت عندها وتوقفت، ووجف قلبي وأوجفت، وتساءلت: كيف يكون هذا السفر العتيق- الذي عدَّه ابن خلدون، في (تاريخه: ١/ ٧٦٣) من أمهات كتب الأدب العربي؛ حيث قال: "وسمعنا من شيوخنا، في مجالس التعليم؛ أن أصول هذا الفن وأركانه، أربعة دواوين، وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها"!
فإذا كان هذا الأصل الأصيل، والمتن المتين، يخطه مفترعه، للمغفلين، -أي: الغافلين عن رصين العلم ومتينه، أو المشتغلين بغيره أكثر منه-.. فمن هو سالك جادّة العلم، وأين هو آمّ درب المعرفة؟!
اللهم عفواً وغفراً.
وأقول: عفا الله عنك، أبا عبد الله.. فإنك قد أزريت بنا، حتى كدنا أن نقع، إن لم يكن بعضنا، قد وقع حتى قعقع!
وقد أضر بنا إزراؤك، وآذانا ازورارك، ولو ترفقت بنا؛ لكان أولى بضعفنا، وأنسب لحالنا، وأخب لسيرنا!
فالله المستعان.
قال أبو نعيم: وقد كتب ابن قتيبة، هذا الكتاب النفيس، لأبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير الخليفة المتوكل، وأهداه له، وكانت وشائج العلم والأدب، بينهما في أوجها، وعلى أشدها.
فواهاً لهم واها.
وقد كسر ابن قتيبة، رائعه، إلى أربعة أقسام:
-كتاب تقويم اليد.
-كتاب المعرفة.
-كتاب معاني أبنية الأفعال.
-كتاب تقويم اللسان.
ولِعويص هذا السفر وغويصه.. شرحه جماعة من العلماء، ومنهم:
-ابن السيد البَطَلْيُوسي، في شرحه المسمَى: "الاقتضاب في شرح أدب الكتاب".
-وأبو منصور الجواليقي، في شرحه المعنون: "شرح أدب الكاتب".
والشرحان مطبوعان، على طرف الثمام، من شادي المعرفة وناهلها.
على كل، لقد أطلت ذيل المقالة، وذلك؛ لغضبي من الإغضاء، ومحاجفتي عن الإجحاف، لأدفع الهضم والقضم، وأرفع قومي إلى الهامة.
تولانا الله بعنايته، ورعانا برعايته، "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين".
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٤/٢/٢٩