قطع اللجب فيما يتعلق بشهر رجب!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.
وبعد:
فهذه تنبيهات وتنويهات، عن شهر رجب الحرام، وبعض ما يتعلق به من أحكام، أرجو أن تكون وافية كافية شافية، ونافعة دافعة شافعة.
جمعتها في هذا المقال، لعل فيها فائدة وعائدة، والأجر من الكريم المتعال.
سمي رجب رجباً؛ لأنه كان يرجب: أي يعظم.
(قاله الأصمعي، والمفضل، والفراء).
وقيل: لأن الملائكة، تترجب للذكر، وقد ورد في ذلك حديث، لكنه لا يصح.
أسماء شهر رجب:
وقد وردت أسماء عديدة، لشهر رجب، مما يدل على شرفه وفضله، كما هو معلوم لدى العرب، وهذا ما وجدته من أسمائه:
١- شهر الله.
٢- ورجب.
٣- ورجب مضر.
٤- ومنصل الأسنة.
٥- والأصم.
٦- والأصب.
٧- ومنفس.
٨- ومطهر.
٩- ومعلي.
١٠- ومقيم.
١١- وهرم.
١٢- ومقشقش.
١٣- ومبرئ.
١٤- وفرد.
١٥- ورجم بالميم.
١٦- ومنصل الآلة.
١٧- ومنزع الأسنة.
دعاء دخول رجب:
قد دعاء خاصاً، عند دخول شهر رجب، وهو: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه أحمد، والبيهقي، وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، وهو ضعيف.
ينظر: (شعب الإيمان: ٣/ ٣٧٥)
وقد ضعف الحديث، جمع من أهل العلم، منهم: النووي، في (الأذكار:١٨٩) وابن رجب في (لطائف المعارف: ١٢١) والألباني، في (ضعيف الجامع، رقم: ٤٣٩٥)
قلت: ولكن، قد ورد دعاء عام، عند رؤية هلال كل شهر، في روايات كثيرة، منها: عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا رأى الهلال، قال: (اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام ربي وربك الله).
رواه الترمذي، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وينظر: (سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: ١٨١٦)
صلاة الرجبية:
قال النووي: "واحتج به العلماء، على كراهة هذه الصلاة المبتدعة، التي تسمى: الرغائب، قاتل الله واضعها، ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة جهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة، مصنفات نفيسة، في تقبيحها، وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها، وتضليل فاعلها؛ أكثر من أن تحصر".
ينظر: (شرح صحيح مسلم: ٨/ ٢٠) و(نيل الأوطار، للشوكاني: ٤/ ٣٣٧)
صلاة النصف من رجب:
وهي بدعة محدثة، اعتمد محدثها، على حديث من الأحاديث الموضوعة.
ينظر: (الموضوعات، لابن الجوزي: ٢/ ١٢٦)
قلت: وللعلامة أبي القاسم بن أحمد بن إبراهيم ابن مطير اليمني، تـ٨٤٤، رسالة، أسماها: (الكفاية في الرد على من أنكر صلاتي رجب وشعبان)!
لم أطلع عليها، ولكن، لا أدري، ما الذي أورده فيها، والأمر واضح البينة والدلالة، على بطلانها.
صلاة ليلة المعراج:
وهي صلاة، تصلى ليلة السابع والعشرين، زاعمين أنها ليلة المعراج، وهذا تاريخ لم يثبت، بل هي من البدع المحدثة، التي لا أصل لها صحيح.
ينظر: (خاتمة سفر السعادة: ١٥٠) للفيروزابادي، ويرجع إلى كثير من الكتب المؤلفة في البدع.
وقد "ذكر بعض القصاص: أن الإسراء، كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح.. عين الكذب".
ينظر: (الباعث الحثيث: ٢٣٢) و(مواهب الجليل: ٢/ ٤٠٨)
العمرة في رجب:
لا دليل على تخصيص شهر رجب، بعمرة فيه، وليس له مزية أو فضيلة، وردت في الشرع المطهر.
ولكن تبقى المسألة، محل اجتهاد؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم: اعتمر في رجب، ولكن وهّمته عائشة رضي الله عنها، في ذلك. كما في (صحيح مسلم، رقم: ١٢٥٥)
وهذه بعض الآثار في ذلك:
ثبت وصح، أن ابن عمر، كان يعجبه العمرة في رجب.
(فضائل شهر رجب: ٩) للخلال.
وجاء بسند صحيح، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه، قال: اعتمرت مع عمر وعثمان، في رجب.
(مصنف ابن أبي شيبة: ١٣٥٠١) (13501)
وجاء بسند صحيح، أن أم المؤمنين عائشة، كانت تفعلها.
(مصنف ابن أبي شيبة: ١٣٤٩٦)
قال الحافظ ابن رجب: "ونقل ابن سيرين: عن السلف أنهم كانوا يفعلونه".
(اللطائف: ١٨٧)
وفي (مواهب الجليل: ٣/ ٢٩): "واستمر عمل الناس اليوم، على الإكثار منها، في رجب وشعبان ورمضان".
قلت: وهو قول العلامة ابن باز. ينظر: (مجموع فتاواه: ١١/ ٤٨٩)، والشيخ ابن عقيل، كما في (فتاويه: ٢/ ٢٥٥)
الفرع والعتيرة:
وردت في فعلها ونسخها.. أحاديث، صحيحية، عن النبي عليه الصلاة والسلام، والجمع: أن النسخ عنها، نسخ للوجوب أو الاستحباب.
ينظر: مقالي (الوفيرة في حكم العتيرة)
الصيام في رجب:
يستدلون بأحاديث، ولكنها موضوعة.
ينظر: (الواهيات) و (الموضوعات) و (ميزان الاعتدال) ونحوها.
قال ابن القيم: "كل حديث، في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه.. فهو كذب مفترى". ينظر: (المنار المنيف: ٩٦)
قلت: هذا في تخصيص شهر رجب، ولكنه، جاء عن عثمان بن حكيم قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب -ونحن يومئذ في رجب-؟ فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم).
وهذا صوم عام، لا يختص بزمن معين، بل قد يوافق شهر رجب، وقد لا يوافق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما صوم رجب، بخصوصه.. فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات".
(مجموع الفتاوى: ٢٥/ ٢٩٠)
وقال ابن القيم: "كل حديث في ذكر صيام رجب، وصلاة بعض الليالي فيه؛ فهو كذب مفترى".
(المنار المنيف: ٩٦).
وقال الحافظ العراقي: "لا يصح في فضل رجب حديث".
ينظر: (فيض القدير: ٤/ ١٨).
وقال ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح، يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك: الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره".
وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة.. فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة".
(تبيين العجب: ١١)
قاعدة مهمة في شهر رجب:
وردت عدة أحاديث مخصوصة، في فضل مجموعة من الأعمال، في شهر رجب، كصيام بعض الأيام المعينة، وصلاة بعض الصلوات المخصوصة، وبعض الأدعية والأذكار، وما إلى ذلك، ولا يصح منها شيء، ولا يثبت في فضل رجب حديث مخصوص، باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
وهاك بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة عن شهر رجب:
- إن في الجنة نهراً، يقال له رجب ... من صام من رجب يوماً، سقاه الله من ذلك النهر ...)
قال الذهبي: باطل.
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رجب، قال: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان).
ضعيف، كما مر.
- لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد رمضان، إلا رجب وشعبان.
ضعيف.
- رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي.
باطل.
-من صام من رجب إيماناً واحتساباً ومن صام يومين ... ومن صام ثلاثة ...
موضوع.
-فضل رجب على سائر الشهور ... موضوع.
- رجب شهر الله ويدعى الأصم ...
موضوع.
- من فرج عن مؤمن كربة في رجب ...
موضوع.
-إن أيام رجب مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإن صام الرجل منه يوماً ...
في إسناده كذاب.
-الحديث الوارد، في صلاة أول ليلة منه.
موضوع.
-صيام يوم من رجب، مع صلاة أربع ركعات فيه، على كيفية معينة في القراءة.
موضوع.
- من صلى ليلة سبع وعشرين، من رجب اثنتي عشرة ركعة ...
موضوع.
- من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة ...
موضوع.
- بعثت نبياً في السابع والعشرين من رجب ...
إسناده منكر.
هذا ما تيسر تجميعه وترتيبه، وأسأل الله أن يهدي قلوبنا، ويشرح صدورنا لقبول الحق، والعمل به، والانشراح له، والدعوة إليه، والاستمرار عليه، والصبر على الأذى فيه.
والحمد لله رب العالمين.
وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٧/٨
١٤٣٨/٧/٣
١٤٤٢/٧/٣