الأربعاء، 27 يناير 2021

مسند بقي بن مخلد.. بين الوجود والفقود!

 مسند بقي بن مخلد.. بين الوجود والفقود!


مسند الإمام بقي بن مخلد القرطبي القطواني الأندلسي.. مسند كبير؛ لما حوى من دواوين السنة، حيث أنه أدخل فيه كتباً برمتها، كـ (مسند أحمد) و(مصنف ابن أبي شيبة) وغيرهما؛ لكن لعل له روايات ضمنها فيه لنفسه، لم ينقلها عن أحد من المسندين، وليست موجودة في غيره من الكتب.


يقول الذهبي، في (سير أعلام النبلاء: ١٣/ ٢٩٤): "فعندي مجلدان من مسنده -يعني: بقي بن مخلد- وما فيهما عن أحمد، كلمة".


لكن يعكر على هذا؛ ما ذكره ابن كثير، في (البداية والنهاية: ١١/ ٦٠)، بقوله: "والظاهر أن مسند أحمد، أجود منه وأجمع"!


فلا ندري، هل اطلع  ابن كثير عليه كله، وقارن بينه وبين مسند أحمد، أو وازن بينهما، أم على ماذا حكم وجزم؟


ويذكر الشيخ توفيق عمر سيدي، في كتابه: (لقط العناقيد في بيان المسانيد) أن: "له (المسند الكبير) المبوب على الفقه، روى فيه عن ألف وثلاثمائة أو ستمائة صحابي، في نحو مائتي جزء، -ذكر هذا ابن خير، في (فهرسة ابن خير: ١٤٠)-، وفيه من الحديث (٣٠٩٦٩) بزيادة (٩٦٩) حديثا على مسند الإمام أحمد".

وقال بعضهم: بل يزيد على مسند أحمد، بـ ٣٢٠٠ حديث.


وقد نقل عن مسند بقي.. كثير من العلماء،  كـ ابن عبد البر، والذهبي، وابن القيم، في (زاد المعاد: ١/ ٤٢٥) حيث يقول: " ... إلى أن رأيت بقي بن مخلد الحافظ، قد ذكر هذا الحديث في مسنده ..."، وابن حجر، وابن رجب، والصنعاني، والشوكاني، ولعل بعضهم: نقل عنه بالواسطة.


وقد افترقت كلمة أهل العلم المعاصرين، بين مثبت وجده، وبين جازم فقده.

وهاكم ما وقفت عليه، -بعضه من مصدره، وبعضه عن ناقله-:


ذكر أبو العلا عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، تـ ١٣٥٣، في (تحفة الأحوذي: ١ /٣٣١) أن مسند بقي بن مخلد القرطبي.. موجود في المكتبة الجرمانية!


وقد نقل هذا، الشيخ أكرم ضياء العمري، في كتابه: (بحوث في تاريخ السنة المشرفة: ٣٩٥)، ثم عقب: "ولا يعلم عن هذه المكتبة شيئاً، وقد فتشتُ في مكتبات برلين وكوته ولايبزك؛ فلم أقف على أثر لـ (مسند بقي بن مخلد)، ولكن توجد مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية في مكتبة برلين، لم تفهرس بعد.

وكذلك مكتبة برلين الشرقية، حيث لم تفهرس مخطوطاتها بعد، فلا زال ثمة أمل في العثور عليه في المكتبات الخاصة، وبعض المكتبات العامة، وخاصة في مكتبة برلين الغربية، وبلاد المغرب وتركيا، ونحن نعلل النفس بذلك، ونسأل الله أن لا يخيب رجاءنا في ذلك، فما أعظمه من رزء!!".


ونقل الدكتور أحمد بن علي القرني في رسالة الماجستير له: (مدرسة الحديث في قرطبة من الفتح إلى السقوط: ٢٣٥) قال: "جاء في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط: ١٤٤١): "أنه موجود، في مكتبة دار العلوم الألمانية بألمانيا الشرقية سابقاً في لايبزج / كارل ماركس".


وأشار إليه، الشيخ حمد الجابري، في مقدمة (كتاب الإيمان: ٣٩) وقال: "وهذا غير مؤكد، والاطلاع على تلك المكتبة من العسير؛ لأنها في دولة شيوعية".


وقال أبو عبد الرحمن بن عقيل، في كتابه: (الشروح والتعليقات على كتب الأحكام: ١/ ١٨١): "حدثني شيخي أبو تراب، في مجلس شيخنا حمد الجاسر: أن مسند بقي، في سبعين جزءاً، يوجد في ألمانيا،

ثم حدثني الدكتور عبد الله الجبوري: أن هذا لا يستبعد بتجزئة الأصل الصغيرة، وأن منه صورة في ثلاث مجلدات، عند أحد علماء الشام، وقد نسيت اسمه، ثم حدثني الشيخ أبو تراب تلفونياً، أن الكتاب عُدّ الآن للطبع؛ فكانت بشرى تثلج الصدور".

ينظر: (معجم المصنفات الواردة في فتح الباري: ٣٧٤)


قلت: ويثبت وجوده -أيضاً- الشيخ صبحي السامرائي، ولعله كان معتمداً في إثباته، على المباركفوري أو غيره.


ولعل الأمر، قد اشتبه على بعض الجازمين بوجوده؛ إذ أنهم رأوا كتاب بقي (الحوض والكوثر) فظنوا أنه قطعة من المسند، وهو جزء مستقل، والمخطوط موجود عند الشيخ أبي أويس محمد بوخبزة الحسني، وعليه ذيل ابن بشكوال، ولعله الكتاب الوحيد الموجود الآن لـ بقي بن مخلد. 


قال الشيخ محمد الأمين بوخبزة التطواني، في مقال له منشورة باسم (مكتبتي):

"فإنني وجدت من بين مقتنيات مكتبتي المتواضعة، ما لم أجد له ذكراً في سائر الخزائن التي وقفتُ على فهارسها أو زرتها، وهي كثيرة، منها (جزء الحوض وما ورد فيه) للإمام بقي بن مخلد -رضي الله عنه- ولم أرَ من أشار إلى وجوده، أو سمع به، وقد ذكره ابن خير في (الفهرسة) مع ذيله لابن بشكوال، وعلى نسختي الفريدة، طُبع الجزء بالسعودية".

وقد ظن البعض؛ أن الشيخ بوخبزة.. يعني مسند بقي بن مخلد؛ فنشر أن الشيخ بوخبزة، عنده جزء من مسند بقي!


قلت: ولعل اعتماد المثبتين أيضاً؛ كان على نقل الشيخ المباركفوري، الذي اعتمد على فهرس رآه، بل يجزم ابنه الشيخ عبد الرحمن المباركفوري أن والده رآه هناك..

فلعله من ضمن ما احترق في الحرب العالمية الثانية، أو لا زال راقداً أو رابضاً مع قرنائه من الأفذاذ، ينتظر من يمسح عنه الكرى؛ ليجوب المدن والقرى.


واعتمدوا أيضاً، على الشيخ عبد الجميل (أبي تراب) الظاهري؛ وأنه رأى بعض أجزائه بنفسه.

فلا ندري، هل وهم الشيخ الظاهري في خبره، أو اشتبه عليه الأمر، أم أنه رآه بالفعل؛ ثم عبثت به أيدي البلى، وأعداء العلى.


وقال المعلق على (زاد المعاد: ١/ ٣٤٥) الأستاذ عبد القادر عرفان العشا حسونة: "وهو الآن ما زال مفقوداً، وقد قمت بالبحث عنه؛ فلم أعثر إلا على نموذج صغير لهذا المسند في مكتبة برلين تحت الرقم (٩٩١٥)، أسأل الله العلي القدير، أن يعيننا على إخراجه، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل".


وقد زار الشيخ حماد الأنصاري هذه المكتبة، وبحث عن المسند؛ فلم يعثر له على خبر.


وفي بعض الفهارس القديمة للمخطوطات ببغداد: أن مسند بقي بن مخلد.. يوجد منه ورقتان.


وقال محمد التليدي، في (تراث المغاربة: ٢٥٨): "أذكر أن بـ "الظاهرية" بدمشق، جزءاً منتقى من حديث بقي، وهناد، والفارسي، والجوهري، وأمالي ابن السمرقندي".


ويرى بروكلمان في (تاريخ الأدب العربي: ٣/ ٢٠١): أن الكتاب مفقود.


ونفى وجوده أيضاً؛ الشيخ محمد الأمين بوخبزة.


وعلى كل؛ فالأيام حبالى بالجديد، يوشك أن تضع العديد، ولا زالت هناك مكتبات أبكاراً، لم تفض ولم تطمث، لا من إنس ولا جان!

سيقيض الله لها الأيّد الجيد، والمكين الأمين. 


وفي اليمن المهيض -جبره الله وأقامه، وبلاد المسلمين-؛ من المكتبات الخاصة البكر، التي لم تفهرس ولم تقرطس، بل هي قابعة حزنى، رهن القيود الثقال المفروضة عليها من بعض الجعاظرة الجواظ الغلاظ، لم يأذنوا بخطبتها، وعليه؛ فإن المناظرة والمصافحة، واللثم والشم والضم حرام؛ لأنها أجنبية عنا! -كأن هذا لسان حالهم- وما علموا أن بيننا وبينها أواصر قربى، وحبائل إخاء، فلمَ الصد عن الحِب الهائم، والصب الحائم؟! "اللهم اجمع بين المحبين معنى ومغنى".


هذا ما فتشته وقمشته ونكشته ونبشته، والله تعالى أعلى وأعلم.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٤٠/٥/١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق