الأربعاء، 27 يناير 2021

نظَر الكَثَب إلى تتْرِيب الكُتُب!


نَظَر الكثَب إلى تتريب الكتب!

مِن الأمور التي كان يمارسها الكتّاب، في كتبهم (المخطوطات).. هو أنهم كانوا بعد الكتابة؛ يُترِّبون ما كتبوا!


ورووا في ذلك أحاديث وحكايات، أسوق ما أطقت، ثم أنقل حكم أهل السبر والمعرفة عليها، من المتقدمين والمحدَثين. 


فمما رووا:

(ترِّبوا صحفكم؛ أنجح لها، فإن التراب مبارك)

(تربوا صحفكم؛ أعظم للبركة)

(تربوا الكتاب؛ فإن التراب مبارك)

(تربوا الكتاب؛ فإنه أعظم للبركة)

(تربوا الكتاب؛ فإنه أنجح له)

(تربوا الكتاب، وسجوه (أو قال: وسحوه) من أسفله؛ فإنه أنجح للحاجة)


جاءت بألفاظ كثيرة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء رضي الله عنهم، وروي قريب منها عن بعض الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


رواه ابن أبي شيبة، وابن ماجة عن يزيد بن هارون عن بقية عن أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما مرفوعاً.


ورواه ابن عدي، وابن عساكر، والضياء المقدسي، عن عمار بن مضر أبي ياسر.


ورواه المخلص في (الفوائد المنتقاة) وقال ابن عساكر: قال الدارقطني: "تفرد به بقية عن عمر بن أبي عمر".


وروى ابن عدي عن أحمد بن أبي يحيى البغدادي قال: "سألت أحمد بن حنبل، في السجن عن حديث يزيد بن هارون؟ فقال: هذا منكر، وما رواه بقية عن بحير وصفوان وثقاته.. يكتب، وما روى عن المجهولين لا يكتب". 

ينظر: (السلسلة الضعيفة: ٤/ ٢٢٤)


وأخرجه ابن حبان، وابن عدي، من طريق هشام بن خالد الأزرق حدثنا بقية، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.

وقال ابن حبان -بعد أن ذكر أحاديث بهذا الإسناد-: "كلها موضوعة".

(المجروحين: ١/ ٢٠٢)


تعقبه السخاوي، فقال: "قلت: وفيه نظر، فهو عند الترمذي في "الاستئذان" من (جامعه) من طريق حمزة النصيبي، عن أبي الزبير، عن جابر رفعه: (إذا كتب أحدكم كتاباً، فليتربه؛ فإنه أنجح للحاجة)

وقال عقِبه: إنه منكر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، كذا قال.

وقد رواه ابن ماجة في "الأدب" من (سننه)، من طرق بقية بن الوليد عن أبي أحمد بن علي الكلاعي عن أبي الزبير، لكن بلفظ: (تربوا صحفكم أنجح لها؛ لأن التراب مبارك)

بل في الباب عن ابن عباس، وأبي هريرة وكلاهما، عند ابن عدي في كامله لفظ أولهما: (تربوا الكتاب وامسحوه، أي: اقشروه من أسفله؛ فإنه أنجح للحاجة)

وعن هشام بن زیاد أبي المقدام، عن الحجاج بن يزيد عن أبيه رفعه: (تربوا الكتاب؛ فإنه أنجح له) إلى غيرها من الطرق الواهية.

ويمكن إن ثبت، حمله على الرسائل التي لا تقصد غالباً بالإبقاء".

(فتح المغيث: ٣/ ١٠٣)


وقال ابن معين: "ذاك إسناد لا يسوى فَلساً".

(أدب الإملاء والاستملاء: ١٧٣)


وقال الترمذي: "هذا حديث منكر، لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه.

وحمزة هو عندي: ابن عمرو النصيبي، وهو ضعيف في الحديث".

(سنن الترمذي: ٥/ ٦٦)


وقال العقيلي: "لا يحفظ هذا الحديث بإسناد جيد". 

(الضعفاء الكبير: ١/ ٢٩٠)


وقال ابن أبي حاتم: "قال أبي: هذا حديث باطل".

(علل الحديث: ٦/ ١٩٠)


وقال البيهقي: "وأبو أحمد عمر بن أبي عمر الدمشقي، منكر الحديث عن الثقات.

وهو من مشايخ بقية المجهولين، ورواياته منكرة، والله أعلم". 

(السنن الكبير: ٦/ ١٢٧)


وقال المناوي: "وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه؟ فقال: حديث منكر. 

وأورده ابن الجوزي، عن جابر؛ من أربعة طرق، وزيّفها كلها. 

وفي (الميزان)، كـ (اللسان): ما حاصله: أنه موضوع.


ثم قال المناوي: "وجميع ما في الباب؛ ضعيف". 

(فيض القدير: ٣/ ٢٣٩)


وضعفه الشيخ الألباني في (الضعيفة، رقم: ١٧٣٨)


وضعفه الشيخ أحمد شاكر، في تحقيق (سنن الترمذي: ٥/ ٦٦)


وضعفه الشيخ شعيب الأرناؤوط، في تحقيق (سنن ابن ماجه: ٤/ ٦٩٦)


ومعنى: (ترِّبوا) أي: اجعلوا عليه التراب؛ يقال: تربت الكتاب أُتربه ترباً، من باب ضرب، وأتربته إتراباً، وتربته تتريباً: جعلت عليه التراب، والتشديد للمبالغة.

ينظر: (صحاح الجوهري: ١/ ٩١) و(نهاية ابن الأثير: ١/ ١٨٥) و(أدب الكتاب، للصولي: ١٢٦) و(مصباح الفيومي: ١/ ٣٧)


قال أبو نعيم: وإن لم يثبت الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قد ورد فعل التتريب، عن كثير من السلف والعلماء، فالتتريب، قد حصل ووقع، لكن تعليل التتريب بالبركة، لا يجوز إثباتها إلا بدليل؛ لأنها علم غيب، ليس لها إلا طريق الوحي، ولا دليل صحيح.


وقد اختلف العلماء، في الحكمة، من التتريب، على أنحاء، هاكها:

قال بعضهم: ليجف الخط، فلا ينطمس، فيلتبس.

وقال بعضهم: للبركة في التراب.

وقال بعضهم: للوقاية من الأرضة.

وقال بعضهم: لقصد التواضع، واحتقار النفس.

وقال بعضهم: لأنه مطهر، وخلق منه الإنسان، وإليه يعود، فأمر بتتريبه؛ ليتذكر ذلك.


وإليك بعض أقوالهم في ذلك:

قال القلقشندي: "لا نزاع في أن تتريب الكتاب، بعد الفراغ منه بإلقاء الرمل ونحوه عليه؛ مطلوب، وفيه معنيان:

المعنى الأول: التبرك؛ طلباً لنجح القصد".

قلت: ثم ساق مستدلاً، بعض الأحاديث والآثار التي قدمتها، مع الحكم عليها.


وذكر، أن "صاحب (مواد البيان) وغيره من قدماء الكتّاب: قد صرحوا بأنه يستحب وضع التراب أولاً على البسملة، ثم يمره الكاتب منها على سائر المكتوب؛ ليعم الكتاب بركة البسملة.


ولقائل أن يقول: إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه، لا يخلو أيضاً من بركة؛ لملامسة التراب أولاً الحمدلة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والحسبلة.. وربما بلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة، ثم أعاده؛ فيجمع فيه بين البركتين".


قلت: قد قدمت، أن ادعاء البركة، يفتقر إلى دليل من أحد الوحيين.


ثم قال: "المعنى الثاني: التجفيف لما كتبه، بطرح التراب عليه؛ كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف.

قال: وهذا المعنى أضعف من الأول.


ومقتضاه: أنه إذا جف الكتاب لا يترب، وعليه عمل كتّاب الزمان، ومن هنا: يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهداً بالكتابة، فيحتاج إلى التجفيف، بخلاف أول الكتاب، فإنه يكون قد جف عند نهاية الكتاب غالباً، لا سيما في الزمن الحار، أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته".

(صبح الأعشى: ٦/ ٢٥٩).


وقال المباركفوري: "قال (في المجمع): أي: ليسقطه على التراب اعتماداً على الحق تعالى في إيصاله إلى المقصد، أو أراد ذر التراب على المكتوب، أو ليخاطب الكاتب خطاباً على غاية التواضع.


قيل: ويمكن أن يكون الغرض من التتريب، تجفيف بلة المداد، صيانة عن طمس الكتابة، ولا شك أن بقاء الكتابة على حالها؛ أنجح للحاجة، وطموسها مخل للمقصود.


قلت: قول من قال: إن المراد بتتريب الكتاب، ذر التراب عليه للتجفيف؛ هو المعتمد.

في (القاموس): أتربه جعل عليه التراب".

(تحفة الأحوذي: ٧/ ٤١٠) بتصرف يسير.


قلت: ومما يرجح، أن المراد بتتريب الكتاب، ذر التراب عليه للتجفيف.. ما قاله صدر الأفاضل في تعريفه بكتاب الورقة، لابن الجراح-: "وقد كتبت بخط كوفي جلي، وعلى السطر الأول من صفحة ٦٨؛ ذرات لامعة، هي من الرمل الذي كان ينثر على المكتوب؛ ليسرع جفافه. انظر "ترب" في (القاموس) و(درة الغواص)".

مقدمة (الورقة: ١٠) بتحقيق عبد الوهاب عزام، وعبد الستار فراج. 


وتقدم أن بعضهم: جعل التتريب؛ لطرد الأرضة، لكن ذكر بعضهم: أنه من أسباب إقبال الأرضة، وإسراعها إليه! 


قال السخاوي: "فإن أحب الإسراع -أي: في التجفيف-؛ تربه بنحاتة الساج، (قلت: نحاتة الساج، نوع من الخشب) ويتقي استعمال الرمل، إلا أن يزيل أثره بعد جفافه، فقد كان بعض الشيوخ، يقول: إنه سبب للأرضة.

وكذا يتقي التراب، كما صرح به الخطيب، في (الجامع).

(فتح المغيث: ٣/ ١٠٣) وينظر: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: ١/ ٢٧٨)


وجاء عن عبد الوهاب الحجبي قال: كنت في مجلس بعض المحدثين، وابن معين، بجانبي، فكتبت صحفاً، ثم ذهبت لأتربه؟ فقال لي: لا تفعل، فإن الأرضة تسرع إليه، قال: فقلت له الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تربوا الكتاب، فإن التراب مبارك، وهو أنجح للحاجة) قال: ذاك إسناد لا يسوى فلسا.

(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: ١/ ٢٧٨) وينظر: (فتح المغيث: ٣/ ١٠٣)


قال أبو نعيم: لعل من جعل التراب في الكتب؛ للبركة.. بمعنى: أن بركة هذا التراب؛ تعود على حفظه، أو نشره.. 

أقول: لعل هذا القائل، أخذه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا اشتكى الإنسان، أو كان به جرح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم، بإصبعه هكذا -ووضع الراوي سبابته بالأرض ثم رفعها- فقال: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا) رواه البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها.


قلت: فكما أن التراب، يكون به استشفاء الأبدان، فكذلك يكون به حفظ ما يملي الجنان.


قال ابن الجوزي: "والاستشفاء بتراب وطن الإنسان؛ معروف عند العرب، وكانت العرب: إذا سافرت، حملت معها من تربة بلدها، تستشفي به عند مرض يعرض.


قال رجل من بني ضبة:

نسير على علم بكنه مسيرنا *** وعدة زاد في فناء المزاودِ

ونحمل في الأسفار منها قبيضة *** من المنتأى النائي لحب الموالدِ


(كشف المشكل: ٤/ ٣٦٨)


قلت: ولكن، لقائل أن يقول: هذا نص خاص لشفاء جروح الأجساد، فلا يعمم، ولا قياس في العبادات، ولكن يستأنس بها ويتأنس.


فصل: أي التراب يكون به التتريب؟

قال القلقشندي: "اصطلح كتّاب الزمان، على التتريب بالرمل الأحمر، أما تخصيصهم التتريب بالرمل؛ فلأنه لا غبار فيه يَعْلَق بالكتاب، فيذهب بهجة الورق.

ومن أحسنه (أي: الرمل)؛ رمل يؤتى به من صحراء ماردين، فيه شذور صفر كشذور الذهب، يلقى في الرمل الأحمر، فيترِّب به الأمراء والوزراء، ومن في معناهم.


وأما اختيارهم الأحمر دون غيره؛ فلأنه أبهج إذا لصق بالكتاب.

قال محمد بن عمر المدائني: وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان، ومالوا إلى النشارة والأشنان.

قال: وبلغنا أن بعض الأئمة من أهل العلم: كان يترب الحديث بالصندل (قلت: الصندل: خشب له رائحة طيبة يؤخذ من أشجار الصندل) ويقول: لا أطرح على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، التراب.


وكان حيوة بن شريح: يخرج إلى الصحراء، فيأخذ الطين الأسود، فيدقّه وينخله؛ فيترب به.


وقد صرح الرافعي وغيره، من أصحابنا الشافعية: أنه يحرم التتريب من جدار الغير، ومعناه ظاهر؛ لما فيه من الاغتصاب والاعتداء. 

ينظر: (صبح الأعشى: ٦/ ٢٥٩) بتصرف كثير. 


فصل: تتريب الملوك:

كان أئمة اليمن وعلمائه.. يتربون كتبهم المهمة بالحمرة عوض التراب! 

ومن حسن التعليل، لدى العلامة الإمام أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين، ما قاله من مرثيته للعلامة الحسين بن علي العمري، تـ١٣٦١، بقوله:

إني لأكتب هذا والدموع دم *** وانظر عظيم الأسى في وجه قرطاسي!


وقد أزعج الأتراك.. تتريب كتب أئمة اليمن بالحمرة؛ لأنها تحمل معاني الحرب والدماء!

حتى أنه لما كان الصلح بين الإمام القاسم بن محمد، وجعفر باشا.. شرط الباشا شروطاً، منها: عدم تتريب الكتاب بالحمرة!

ينظر: (تحفة الإخوان: ١٥٠) وحواشيها. 


علق العلامة عبد الله الجرافي، في الحاشية: فائدة تاريخية: أشار مولانا سیف الاسلام -حفظه الله- في هذا البيت، إلى وضع الحمرة في القرطاس، وهو من حسن التعليل بمكان، وفي وضع الحمرة في كتب أئمة اليمن.. حكاية ذكرها مؤلف (بغية المرید) وخلاصتها: أن مولانا الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، لما أنشأ الدعوة باليمن أيام الأتراك، في سنة ١٠٠٦، کتب إلى الوزير حسن کتاباً مزيجاً، وأرسله مع رجل من ذی غيلان، ولما وصل الرسول إلى الروضة -شمال العاصمة صنعاء- وكان الوزير حسن متنزهاً بها، انتبه له سنان باشا، وأخذ منه کتاب الإمام القاسم، وأدخله إلى الوزير حسن، ولما اطلع عليه، وفي أوله: من المنصور بالله -إن شاء الله- قال: من ينصره الله فلا غالب له!

وسأل من كان حاضراً من أعيان اليمن، عن شأن الحمرة في الكتاب؟ فقالوا: إن أئمة اليمن يتربون كتبهم المهمة كذلك!

فقال الوزير حسن: لعلهم يشيرون بذلك إلى قتل الحسين بن علي عليه السلام، وأمر وزيره سنان بأن ينقل القض والقضيض من الروضة إلى صنعاء، ثم كان ما عرفه التاريخ من مناضلة القبائل اليمنية مع الإمام القاسم، وكانت الأتراك قد تغلبت على اليمن من صعدة الى عدن، وتقريباً كان به منهم سبعون ألفا.


وفي (الجوهرة المنيرة) للجرموزي: إنه لما كان الصلح بين الإمام القاسم بن محمد والأتراك.. شرط جعفر باشا شروطاً، منها: عدم تتريب الكتاب بالحمرة!

فلما كان نقض الصلح بين المؤيد بالله محمد بن القاسم وحيدر باشا، بسبب الأحداث التي كانت من حيدر باشا.. كان يترب الكتاب من المؤيد بالله بالحمرة؛ إيذاناً بنقض الصلح، وذلك لما لم يرجع حيدر باشا إلى تحكيم الشرع، وبنى أمره على المغالطة، وكان من مواصلة الحرب الضروس بین آل القاسم والأتراك، حتى غادرت الأتراك اليمن أجمع، سنة بضع وأربعين وألف، وخرجوا أيضاً من جزيرة كمران، وجزر فرسان، وتملك الجميع آل القاسم.

وتفاصيل الحوادث، مذكورة في محالها، من كتب التاريخ.

ينظر: (تحفة الإخوان: ١٥٠) 


فصل: أشعار في تشبيه طي الشباب بتتريب الكتاب:

قال العماد الأصفهاني:

أصدوداً ولم يصدّ التصابي *** ونفاراً ولم يرُعك المشيبُ

وكتاب الشباب لم يطوه الشـ *** ـوق، ولا مس نقشه تتريبُ


وقال محمد القيسراني:

إذا كتب الشباب سطور مسك *** وأتربهن كافور المشيبِ

فيا أسفي، وما أسفي وحزني *** سوى طي الصحيفة عن قريبِ


وما أحسن قول أبي إسماعيل الطغرائي في وصف كتيبة، من قصيدة له:

إذا ما دجا ليل العجاجة لم يزل *** بأيديهم جمر إلى الهند مشبوبُ

عليها سطور الضرب تعجمها القنا *** صحائف يغشاها من النقع تتريبُ


وقال المهذب ابن أسعد الموصلي:

تردي الكتائب كتبه فإذا غدت *** لم تدرِ أنفذ أسطراً أم عسكرا

لم يحسن الإتراب فوق سطورها *** إلا لأن الجيش يعقد عثيرا


وقال الخفاجي:

جيش كأن الأرض من تحته *** صحف غدت أقلامهن الرماحُ

مذ سطر الجند على وجهها *** تربها النقع فلاح الفلاحُ


ينظر: (ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا: ٨٥) وما بعدها، للشهاب الخفاجي، و(وفيات الأعيان: ٣/ ٥٩) و(خريدة القصر: ٢/ ٤٣٠)


وقد صاغ بعضهم، حديث تتريب الكتب، شعراً؛ فقال:


كتبت الكتاب وترّبته *** لـــعلّـي بتتـريــبـه أفلـــحُ

لقول النبي لأصحابه: *** ألا (ترّبوا كتبكم؛ تفلحوا)


(فيض القدير: ١/ ٤٣٢) وينظر: (سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ١٠٩) لرفاعة الطهطاوي.


وقد كره بعضهم التتريب؛ فقال:

لا تشنْه بما تذر عليه *** فكفاه هبوب هذا الهواءِ

فكأن الذي تذر عليه *** جدري بوجنة الحسناءِ! 


لطيفة:

كان الفرزدق كتب وصية، وأعتق عبداً عن دبر، فترّب الكتاب العبد، فقال: استنجحت الحاجة، واستعجلت المنية لي يا ابن الفاعلة؛ احذفوا اسمه من الوصية!


لطيفة أخرى:

رفع رجل قصة، إلى عبد الله بن طاهر، وقد أكثر عليها من التراب، فوقّع فيها: إنْ ضمن لنا من الصابون ما ينقي ثيابنا من تراب كتابه؛ ضمنّا له قضاء حاجته! 

(محاضرات الأدباء: ١/ ١٣٤)


لطيفة ثالثة:

حكى ابن خلکان ما معناه: دخل بعض علماء العربية، على بعض الأمراء، فسأله مسألة استحسن جوابه فيها، فأمر له بجائزة، ثم قال له: كيف نأمر من التراب؟ قال : ترّبه. قال: فالكتاب، ماذا؟ قال مترّب. قال : ومن الطين؟ قال: طِنْه. قال: فهو ماذا؟ قال: مطين.. فمكن غلامه الكتاب.. وقال له: ترّبه وطِنه. 


هذه بعض الخواطر نبشتها من الدفاتر، عن تتريب الكتاب، والحكمة من ذلك، وقانا الله المهاوي والمهالك، وحفظنا في أنفسنا وأهلنا وأموالنا وأولادنا وبلادنا وكتبنا.

وأسأله تعالى أن يؤنسني بالأهل والأولاد، والكتب والأوراد، ويعيدني إليهم سالماً غانماً، ملائماً موائماً.. 


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي

١٤٤١/٤/٢١

١٤٤٢/٦/١٤

مكة المشرفة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق