الجمعة، 19 أغسطس 2022

قال لي ولدي! (٢)

 


قال لي ولدي! (٢)


كنت ماشياً وولدي إلى مسجد خديجة، لأداء فريضة المغرب، فإذا به يسألني قائلاً: بابا، هل في الجنة صلاة؟

قلت له: لا، ليس في الجنة صلاة؛ لأنها دار جزاء، وليست دار تكليف، بل التكليف، في الحياة الدنيا، فمن أحسن هنا، سعد هناك، ومن أساء هنا، شقي هناك!


كان هذا، ما دار بيني وبينه، ثم نظرت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيأكل أهل الجنة؟ قال: نعم، ويشربون، ولا يبولون فيها، ولا يتغوّطون، ولا يتنخّمون، إنما يكون ذلك جشاء ورشحاً كرشح المسك، ويلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النّفَس.

رواه مسلم.


وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في صفة أول زمرة تدخل الجنة.. (يسبّحون الله بكرة وعشياً)

رواه البخاري.



فإذا فيه.. أن في الجنة شيء من العبادات، والعبادات تكليفية، لكني، تدبرت الحديث، فوجدت فيه: "يلهمون"

والإلهام، ليس من التكليف في شيء، بل هو محض تفضل وتمنن بل وتنعم.


وقد قرر شيخ الإسلام، أن تسبيح أهل الجنة، من قبيل التنعم والتلذذ، فقال: "فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل، هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به".

(مجموع الفتاوى: ٤/ ٣٣٠)


فهي عبادات ملهمة، دون كلف ومشقة، مثل النفَس الذي لا يفتقر إلى عناء.


قال القرطبي: "هذا التسبيح، ليس عن تكليف وإلزام؛ لأن الجنة ليست محل تكليف، وإنما هي محل جزاء، وإنما هو عن تيسير وإلهام، كما قال في الرواية الأخرى: (يُلهمون التسبيح والتحميد والتكبير، كما تلهمون النفس)

ووجه التشبيه: أن تنفس الإنسان لا بدّ له منه، ولا كلفة ولا مشقة عليه في فعله، وآحاد التنفيسات مكتسبة للإنسان، وجملتها ضرورية في حقه؛ إذ يتمكن من ضبط قليل الأنفاس، ولا يتمكن من جميعها، فكذلك يكون ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنة.

وسر ذلك: أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته، وأبصارهم قد تمتعت برؤيته، وقد غمرتهم سوابغ نعمته، وامتلأت أفئدتهم بمحبته ومخاللته، فألسنتهم ملازمة ذكره، ورهينة بشكره، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره".

(المفهم: ٧/ ١٨١)


 

وعلى هذا، عقد ابن القيم، في كتابه: (حادي الأرواح: ٤٠٤) فصلاً، عنونه، بـ (فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة) ثم ذكر حديث جابر الآنف.



وقال تعالى -عن أهل الجنة-: "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"


قال ابن القيم: "ومعنى الآية، أعم من هذا، والدعوى مثل الدعاء، والدعاء يراد به الثناء، ويراد به المسألة، وفي الحديث: (أفضل الدعاء: الحمد لله رب العالمين) فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة، فأخبر سبحانه عن أوله وآخره، فأوله تسبيح، وآخره حمد، (يلهمونهما كما يلهمون النفس) وفي هذا إشارة.. إلى أن التكليف في الجنة يسقط عنهم، ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها"

(حادي الأرواح: ٤١٧)



وهنا مسألة: إذا تمنى أهل الجنة، العبادة، هل يمكّنون منها؟!

والجواب: أن الجنة، دار جزاء وإكرام، وإقامة العبادات، تنافي هذا، ثم إن أمور الجنة، على خلاف أمر الدنيا، ولا تقاس بها، ولا تشبهها، ثم إن هذا مما استأثر الله بعلمه؛ إذ لم يرد في الوحيين، ما ينبئ عن ذلك.


لكن جاء عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً من أهل الجنة، استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء.

ولكن، هذا في غير أمر العبادة، فالله أعلم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/١/١٧



الأربعاء، 17 أغسطس 2022

قال لي ولدي! (١)

 


قال لي ولدي! (١)


بعد أن سلّم الإمام، من إحدى صلوات الجهر؛ إذ بابني، يهمس في أذني: بابا، أرى الأئمة، هذه الأيام، يقرؤون: سورة النصر؟!

قلت له -مبتدهاً-: هذا -إن شاء الله- إشارة، إلى نصر الله المسلمين، وفتح البلدان للإسلام!


ثم تدبرت ما قال وقلت، ونظرت إلى أحوال المسلمين، في كل مكان، فقلت مستشهداً:

أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصاً جناحاهُ


فالمذابح في كل بقعة، والمنايح في كل قرية، والدماء تسيل، والأشلاء تتقطع، والنفوس تزهق، إما بين كفر وإسلام، وإما بين إسلام وإسلام، ولا قوة إلا بالله.


ثم نظرت، فرأيت، أن الإسلام في اشتهار وانتشار، لكن المسلمين في اندثار واندحار!


وبيان ذلك:

أن الإسلام، دخل كل بيت في أنحاء المعمورة، وعمّ البسيطة، وهو مصداق، قوله تعالى: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" وقوله: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" وقوله: "ألا إن نصر الله قريب" وقوله: "والله غالب على أمره" وقوله: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"


ومصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم، -كما عند مسلم-: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها، ما زوي لي منها)


وفي رواية عند أحمد: (ليبلغن هذا الأمر، ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر، ولا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر)


فلا يأس ولا أسى ولا قنوط، ما استمسكنا بديننا، وجاهدنا أنفسنا، وعملنا، واتكلنا:

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق بما به الصدر الرحيبُ


وأوطأت المكاره وأطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوبُ


ولم ترَ لانكشاف الضر وجهاً *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ


أتاك على قنوط منك غوثٌ *** يمنّ به اللطيف المستجيبُ


وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج قريبُ



وأما المسلمون، فقد أصيبوا بضعف وغربة، وانحسار واستحسار وانجرار، وكلف ولهث خلف الغرب الكافر، بعجره وبجره، وغثه ووعثه، فانهزموا في أنفسهم، وفشلوا رغم كثرتهم، وتنازعوا وتقاطعوا، وتدابروا وتنافروا، وقد حذرهم الله ذلك، فقال سبحانه: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".


إن نصر الله آت، وفتحه قادم، وهذا زمان الغربة، الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قيله: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) رواه مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.


وبعد الغربة والكربة، عودة وأوبة.. قال عليه الصلاة والسلام: (بشّر هذه الأمة، بالسناء، والدين، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض.. فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب)

عن أُبي بن كعب رضي الله عنه، ورواه أحمد، وصححه الألباني.


لكن، النصر مشروط، بـ: "إن تنصروا الله ينصركم"، وبـ: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً"


فيا ويح، من تمسك بالإسلام، واستمسك بالسنة، (فإن له أجر خمسين شهيد)، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/١/١٥


الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

حلقي حلقي!

 حلقي حلقي!

هذه كلمات الطفلة أسماء.. التي لم تجد ما تعبّر به عن نفسها .. عن وجعها .. عن ألمها .. عن شكواها.. لم تجد من يربت على كتفها .. لم تجد من يسعى في علاجها .. لم تجد ناساّ ولا إنسانية، ناهيك عن الإسلامية!


أسماء، عضها كلب كلِب.. فتأوهت وتألمت وتلوعت وتهلعت، لكنها، استراحت بعد ذلك، نعم، استراحت للأبد، إلى الجنة -إن شاء الله-.


يا أسماء .. هناك الملقى والملتقى، عند من لا تخفى عليه خافية.. عند الرحمن الرحيم، عن العلام العليم .. عند العزيز الحكيم، هناك، حيث "يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" .. هناك، حيث لا نصب ولا مناصب ولا أنصاب .. هناك، حيث الموازين والقسطاس المستقيم.


عذراً أسماء، ورب البنية العظيمة، لم أعلم بك إلا الساعة، ولو علمت، ما إخالني، أجد لك شياً، لكن، "معذرة إلى ربكم".


آه أسماء، هل أنت مسامحتني، وإن كنت لا تعرفني ولا أعرفك، لكن يجمعنا الإسلام وكفى.. أرجوك أسماء، لا تشتكيني إلى ربي سبحانه وتعالى؛ فإني أكتب هاته الكلمات، وأنا ساكب الدمعة، مثخن الجراح، موجوع القلب.. هل يشفع هذا لي؟ لا أظن، إنها كلمات على قرطاس، لا تنفع ولا تشفع!

أقسم لك بالله، أني لا أملك من الأمر شيئاً، ولست من أهل الحل والعقد، إنما أولئك الذين تبوؤوا المناصب، ولبسوا الشارات، وركبوا الفارهات، وسكنوا القصور والدور، وتولوا أمرنا، وغفلوا عنا، فبيننا وبينهم الله!


آه آه.. قتلوا الطفولة -قتلهم الله- ذبحوها ببطء -ذبحوا- دمروا البلاد -دمّروا-، أبادوا العباد -أبيدوا-!

وإلى لقاء تحت ظل عدالةٍ *** قدسية الأحكام والميزانِ


رباه، نجأر إليك بشكوانا .. ببلوانا .. بلأوانا، رباه رباه رباه، لك العتبى حتى ترضى، ولا قوة إلا بك.


الموجع والموجوع،،

١٤٤٤/١/١١