الأربعاء، 13 يناير 2021

حشد الأجندة، ورصد الأرصدة، في نقد فهم حديث: "أهل اليمن أرق أفئدة" نقد فهْمٍ -للشيخ صالح آل الشيخ-.

 حشد الأجندة، ورصد الأرصدة، في نقد فهم حديث: "أهل اليمن أرق أفئدة" نقد فهْمٍ -للشيخ صالح آل الشيخ-.



نمي إلى سمعي، كلمة عجيبة غريبة، للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بالمملكة العربية السعودية، سابقاً- في كتابه (الطريق إلى النبوغ العلمي: ٣٠٥) في فهم حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


قرأت له هذه العبارة، وهو يردّ على من قال: أن طلب العلم؛ يقسّي القلب.. 

قال -في صدد رده-: "تُسرع البدع والأهواء؛ إلى قلوب فيها لِين، وليس عندها تحصين بالعلم النافع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة، وألين قلوباً).

قال: "وهذا؛ ظاهره المدح لهم، وفيه ما يشير إلى أنه تسرع فيهم الأهواء؛ لأجل رِقّة تلك الأفئدة، فالفؤاد الرقيق، أو العاطفي، أو المتحمس، أو الكثير الوجل والخوف؛ قد يأتيه أهل الأهواء؛ فيجرفونه، وأما العلم؛ فإنه يورث خشية العلماء، وليست خشية العباد الجهلة"!


هذا كلام الشيخ صالح، بعد أن قرأت سابقه ولاحقه، فتعجبت غاية، وتحيرت جداً، وتساءلت: على ماذا بنى الشيخ هذا الرأي الحائف؟

وهل سبقه أحد من أهل العلم إلى هذا الفهم الجائف؟

وأنا أجيب نفسي، ومن شاء من بني جنسي، عن السؤال الثاني؛ لأنه لا علم لي بالسؤال الأول، ولا أتدخل في النيات، وشق القلوب، واكتناه الصدور!


فأقول -مستعيناً بالمُعين-: لقد بحثت في كتب الحديث والمعاجم والمسانيد والمشيخات والأثبات والفوائد والأمالي وغيرها؛ فوجدت كل من ذكر هذا الحديث؛ يذكره في "باب الفضائل"، أو "فضائل أهل اليمن"، أو "المناقب"، أو "مناقب أهل اليمن"، أو "فضل الأشعريين"، أو في "مناقب الأشعريين"، (القبيلة، وليست الفرقة، -كما لا يخفى-) أو "فضل أبي موسى وقومه"، أو في "كتاب الإيمان"، أو في صدد الثناء وتعداد المزايا على العموم.


وقد جاء الحديث بألفاظ متعددة،  كلها تؤدي معنى المدح والثناء، وأن "رِقّة الفؤاد، ولين القلب؛ وصفان ملازمان للإيمان القوي، والدين السوي". 


وهاك بعض الألفاظ:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (الفخر والخيلاء؛ في الفدّادين أهل الوبر، والسكينة؛ في أهل الغنم).


زاد شعيب عن الزهري: (والإيمان يمان، والحكمة يمانية).


وفي رواية: (رأس الكفر؛ نحو المشرق، والفخر والخيلاء؛ في أهل الخيل والإبل، والفدادين؛ أهل الوبر، والسكينة؛ في أهل الغنم).


وفي رواية: (أتاكم أهل اليمن، هم ألين طوعاً، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق).


وفي رواية: (والفخر والخيلاء؛ في أهل الإبل، والسكينة والوقار؛ في أصحاب الشاة).


وفي رواية: (الإيمان يمان، والفتنة هاهنا؛ حيث يطلع قرن الشيطان).


وفي رواية: (أتاكم أهل اليمن، أضعف قلوباً، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية).


وفي رواية: (جاء أهل اليمن؛ هم أرق أفئدة، وأضعف قلوباً، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، السكينة في الغنم، والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، قبل مطلع الشمس).


وفي رواية: (جاء أهل اليمن؛ هم أرقّ أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية).


وفي رواية: (الإيمان يمان، والكفر قِبَل المشرق، والسكينة في أهل

الغنم، والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر). 

ينظر: (الإفصاح، لابن هبيرة: ٦/ ١٦٨). 


قال أبو نعيم -كان الله له ومعه-: وجاءت -أيضاً- ألفاظ أخرى، منها:

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بطريق مكة؛ إذ قال: (أتاكم أهل اليمن، كأنهم قطع السحاب، هم خير أهل الأرض. فقال رجل من الأنصار: ومنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمة خفية: إلا أنتم). 

رواه أحمد والبيهقي في الدلائل. وينظر: (الصحيحة: ٣٤٧٣).


وقال الجندي: وذكر ابن أبي الصيف في كتابه "الميمون المتضمن لبعض فضل أهل اليمن": أن القاضي أبا عبد الله الحسين بن علي الصيمري: ذكر في أخبار الإمام أبى حنيفة وفضائله، بسند إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن؛ هم أرق قلوباً، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم).

ينظر: (السلوك: ١/ ٦٠)


وقال الشافعي: "أخبرنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: (أتاكم أهل اليمن.. هم ألين قلوباً، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية).

هكذا روي بهذا الإسناد موقوفاً".

(معرفة السنن والآثار، رقم: ٢٢٦)


وقال الشوكاني في رسالة: (القول الحسن في فضائل أهل اليمن): "وأما ما ورد في فضلهم، من السنة:

فما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة، وألين قلوباً، الإيمان يمان، والحكمة يمانية).


وفي لفظ للبخاري: (أتاكم أهل اليمن، أضعف قلوباً، وأرق أفئدة).


وفي لفظ لمسلم: (جاء أهل اليمن، هم أضعف قلوباً، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية).


وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (الإيمان هاهنا. وأشار بيده إلى اليمن ...). الحديث.


قال: "وهذه الألفاظ الثابتة في الصحيحين وغيرهما؛ قد اشتملت على مناقب عظيمة، وفضائل كريمة.

الأولى، منها: أنه أثبت لهم صلى الله عليه وآله وسلم؛ رقة الأفئدة، ولين القلوب، وهذه منقبة عظيمة؛ لأن هذا الوصف، هو شأن أهل الإيمان؛ ولهذا جعل صلى الله عليه وآله وسلم، القسوة، وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر، هكذا في الصحيحين.


وفي لفظ لهما، أنه قال بعد قوله: الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق؛ فرِقّة الفؤاد، ولين القلب؛ وصفان ملازمان للإيمان القوي، والدين السوي".

(الفتح الرباني: ١١/ ٥٧٧١).


هذا ما وجدت من ألفاظ هذا الحديث الشريف. 

وأما جمع الأحاديث في اليمن وأهله؛ فقد جمع جمع وفير، من أهل العلم، أجزاء، في فضائله ومناقبه، وقد كتبت جزءاً، أسميته: (الأربعين في فضل اليمن واليمنيين) -يسره الميسر-.



وهاك نزر، من تفسير العلماء المحققين، والفقهاء المتقنين، في معنى اللين والرقة في الحديث:


قال حمْد الخطابي: "قوله: "هم أرق أفئدة، وألين قلوباً" أي: لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رقّ؛ نفذ القول، وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ؛ بعُد وصوله إلى داخل، وإذا كان القلب ليّناً؛ علِق كل ما يصادفه".

ينظر: (فتح الباري: ٨/ ١٠٠).

قلت: والسياق هنا، للمدح، فتأمل.


وقال القاضي عياض: "وقد يكون الإشارة بـ "لين القلب": إلى خفض الجناح، ولين الجانب، والانقياد والاستسلام، وترك الغلو، وهذه صفة الظاهر، والإشارة بـ "رقة الأفئدة": إلى الشفقة على الخلق، والعطف عليهم، والنصح لهم، وهذه صفة الباطن، وكأنه أشار إلى أنهم أحسن أخلاقاً: ظاهراً، وباطنا".

(إكمال المعلم بفوائد مسلم: ١/ ٣٠١) 


وقال النووي: "وأما وصفها باللين والرقة والضعف؛ فمعناه: أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الغلظ والشدة والقسوة- التي وصف بها قلوب الآخرين". 

(شرح مسلم: ٢/ ٣٤)



وقال البيضاوي: "(الرقة): ضد الغلظ والصفاقة، و(اللين): مقابل القساوة؛ فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق، وأعرض عن قبوله، ولم يتأثر بالآيات والنذر؛ يوصف بالغلظ، وكأن شغافه صفيق لا ينفذ فيه الحق، وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ، وإذا كان بعكس ذلك؛ يوصف بالرقة واللين، وكأن حجابه رقيق، لا يأبى نفوذ الحق، وجوهره لين يتأثر بالنصح.

ويحتمل: أن يكون المراد بالرقة؛ جودة الفهم، وباللين؛ قبول الحق؛

فإن رقة الفؤاد؛ تُعدّ لقبول الأشكال بسهولة، واللين يقتضي عدم الممانعة والانفعال عن المؤثر بيسر، ولعله لذلك؛ أضاف الرقة إلى الفؤاد، واللين إلى القلب؛ فإنه وإن كان الفؤاد والقلب واحداً، لكن الفؤاد فيه معنى التفؤد، وهو التوقد، يقال: فأدت اللحم، أي: شويته، والقلب فيه معنى التقلب، يتقلب حاله حالاً فحالاً؛ بسبب ما يعتريه،

ثم لمّا وصفهم بذلك؛ أتبعه ما هو كالنتيجة والغاية، فإن صفاء القلب، ورقته، ولين جوهره؛ يؤدي به إلى عرفان الحق، والتصديق به، وهو الإيمان والانقياد، لما يوجبه ويقتضيه، والتيقظ والإتقان فيما يذره ويأتيه، وهو الحكمة، فتكون قلوبهم معادن الإيمان، وينابيع الحكمة، وهي قلوب منشؤها اليمن، نسب إليه الإيمان والحكمة تبعاً لانتسابها إليه، تنويهاً بذكرها، وتعظيماً لشأنها". 

ينظر: (تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: ٣/ ٥٧٨) و (شرح المشكاة للطيبي: ١٢/ ٣٩٥٦).


وقال البغوي: "هذا ثناء على أهل اليمن؛ لإسراعهم إلى الإيمان، وحسن قبولهم إياه".

(شرح السنة: ١٤/ ٢٠١)


وقال ابن تيمية -شارحاً حديث: (إني لأجد نَفَس الرحمن من قبل اليمن)-: "فقوله: (من اليمن)؛ يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين قال فيهم: "من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه"، وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؟ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري، وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله: (أتاكم أهل اليمن؛ أرق قلوباً، وألين أفئدة؛ الإيمان يمان، والحكمة يمانية) وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار؛ فبهم نفّس الرحمن عن المؤمنين الكربات".

(مجموع الفتاوى: ٦/ ٣٩٨)


وقال الشوكاني: "... فرِقّة الفؤاد، ولين القلب؛ وصفان ملازمان للإيمان القوي، والدين السوي".

(الفتح الرباني: ١١/ ٥٧٧١).


وقال الشيخ ابن جبرين: "يعني: أنهم تدخل الموعظة إلى قلوبهم؛ لرقتهم، ولينهم وليس في قلوبهم شيء من النظرة، ولا من القسوة، ثم زكاهم بقوله: الإيمان يمان، والحكمة يمانية. الإيمان يعني: الأصل أنهم فيهم الإيمان، وفيهم الحكمة التي هي الحكمة".

(موقع الشيخ) 



وأنت -أخي القارئ-؛ تُدرك أن كل من أوردتهم، فسروا الرقة؛ بسرعة دخول الإيمان، وقبول الحق، والرحمة بالخلق على تفاوت العبارات والألفاظ، ولم أجد أحداً بعد السبر والخبر -على قدر وكدي-؛ من فسّر الحديث، بما فسره به الشيخ صالح!

ومن علم تفسيراً، يناقض ما أوردت أو يضاده؛ فليفدني به مشكوراً موفوراً.



قال أبو نَعيم: ومن المعلوم؛ أن الضعف واللين والرقة؛ وردت ممدوحة أكثر من ورودها مذمومة.. 

فماذا يقول الشيخ صالح؛ عن قول الله تعالى: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"؟!


وماذا يقول، عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة؛ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبرّه، وأهل النار، كل جواظ عتل مستكبر)؟!

رواه البخاري. 


وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم، بمن يحرم على النار، وبمن تحرم النار عليه.. على كل هيِّن ليِّن قريب سهل)؟!

رواه الترمذي.


وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هينون لينون، كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، و إذا أنيخ على صخرة استناخ)؟!

رواه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي، والقضاعي، والعسكري، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.



قلت: ويحسن التفريق بين صفتين تقاربتا لفظاً، وتفارقتا معنىً؛ وهما: الهين، والهوان.

أما الهين: فهي بمعنى السهولة واللين، زنة ومعنى، وهي صفة مدح.

وأما الهوان: فهي بمعنى الذل والمهان، زنة ومعنى، وهي صفة ذم.


فماذا يقول الشيخ صالح؛ عن هذا الضعف واللين والهين، الذي هو من صفة المؤمنين في الدنيا، وصفتهم في الجنة؟!



ثم، لو تأمل الشيخ؛ أن القصة التي وردت فيها هذا اللفظ: (أرق قلوباً، وألين أفئدة)؛ قد جاءت مشيرة، إلى أبي موسى الأشعري وأصحابه الأشعريين، أو وفود من الصحابة آخرين، حين نزول سورة النصر.


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت "إِذا جاء نصر الله والفتح"؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية). 

أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره"، وأحمد في "المسند"، من طريق عبد الرزاق أيضاً، وصححه الألباني في (الصحيحة: ٣٣٦٩).


قال ابن جرير، في (جامع البيان: ٦/ ٢٨٥): "وأَولى الأقوال عندنا بالصواب؛ ما روي به الخبر عن رسول الله؛ أنهم أهل اليمن، قوم أبي موسى الأشعري".


فهل نقول: أن الأهواء؛ تسارعت إليهم، بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ومعلوم أن أبا موسى، من خيار الصحابة، وفضائله جمة، ومزاياه عمة.


وهذا على من يقول: أن الفضائل خاصة بذلك الزمان -وهذا ضعيف- أو على القول الآخر -وهو الراجح-: أن الفضائل، تشمل أهل اليمن في كل زمان -كما أوضحه العلامة ابن الأمير، في"التنوير"-؛ فلا يزال أهل اليمن؛ على خير، وفي خير، وإلى خير، إن شاء الله، - والحمد لله-.


ثم إن سُلّم، للشيخ صالح، بهذا المعنى الغريب؛ فماذا يقول؛ في سائر الأحاديث الواردة في فضائل أهل اليمن، الذي لا ينكرها أو يكابرها منصف مسلّم.



والعجيب؛ أن التاريخ يشهد بوهاء ما قاله الشيخ صالح.. فقد نُقل الإجماع؛ على أن أهل اليمن، أسلموا كلهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا ينافي؛ سرعان ميلهم إلى الفتن، وحنفهم إلى الإحن! 


قال محب الدين الطبري، في كتابه (خلاصة سيرة سيد البشر: ١٦٣) وتبعه المزي في (تهذيب الكمال: ١/ ١٩٩): "فأسلم عامة أهل اليمن: ملوكهم وعامتهم، طوعاً من غير قتال"!


وأزيد هذه المراجع:

ابن القيم، في (زاد المعاد: ١/ ١١٩) وابن حديدة، في (المصباح المضي: ١/ ٢٥٠) وأبو بكر الكلاباذي، في (بحر الفوائد: ٧٣) والصفدي، في (الوافي بالوفيات: ١/ ٨٢) والمناوي، في (التيسير: ١/ ٣٦) وابن الديبع، والألوسي، والصنعاني، والشوكاني وغيرهم من أهل العلم والتحقيق.


قلت: وقد حصل من بعضهم؛ ارتداد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبقية القبائل، مثل: بني حنيفة وغيرهم، ولكنهم سرعان ما فاؤوا إلى الإسلام: مسلمين مستسلمين.


وبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ارتدت كثير من القبائل؛ فثبت أهل اليمن، بل كانوا خير عون للخليفة أبي بكر الصديق، في قتال المرتدين.


قال الشوكاني: "وقد نقل الإخباريون والمفسرون: أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة قبيلة من قبائل العرب، وأهل اليمن: باقون على الإسلام، كلهم متمسكون بشعائره، مقاتلون من خرج عنه".

(الفتح الرباني: ١١/ ٥٧٦٧)


قلت: وأما الجواب، على ما ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية: ٩/ ٤٨٣): "وأما أهل اليمن.. فقد قدمنا: أن الأسود العنسي -لعنه الله- لما نبغ باليمن، أضل خلقاً كثيراً، من ضعفاء العقول والأديان، حتى ارتد كثير منهم أو أكثرهم عن الإسلام".


فالجواب عليه، من ثلاثة جوانب:

الأول: أن ابن كثير، يعني: بعض ارتداد أهل اليمن، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أتباع الأسود العنسي، وهم يمثلون قلة قليلة، في: الأتباع والزمن والمكان، بينما الشوكاني يعني: ارتداد العرب، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: قد يقصد باليمن، قبيلة أو قبائل معينة، لا سيما لمن لا يعرفون جغرافية اليمن، وهذا معلوم حتى في زمننا، فقد يطلق أهل مصر -مثلاً- مصر، على القاهرة، وهكذا بقية الأماكن.

الثالث: أن بعض أهل العلم، يفرّقون في ارتداد العرب، في زمن الصديق، بين ارتداد عن إسلام، ونكول عن أداء الزكاة، فأطلق على الجميع "مرتدون" تغليباً، لا أنهم في الحكم سواء.

وقلت هذا؛ لأن الله تعالى، يقول: "يأيها الذين من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه"، وقد رجح الطبري، أنهم أهل اليمن، وعدوا هذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد حصل ارتداد بعض العرب، وكان أكبر قاض عليهم، هم أهل اليمن.


وقال ابن تيمية: "ولما نزل قوله تعالى: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"؛ سئل عنهم، فقال: هم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى الأشعري، وقال: إني لأجد نفَس الرحمن، من قبِل اليمن. وفي الصحيحين، عنه، أنه قال: (أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً، وألين أفئدة؛ الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية).

فلما ارتد من ارتد عن الإسلام؛ أتى الله بهؤلاء- الذين يحبهم ويحبونه، فقاتل الصديق بهم أهل الردة، وغلب بهم أبو بكر وعمر؛ كسرى وقيصر".

(الجواب الصحيح: ٦/ ١٠٩).


بل قال القاضي عياض، في (إكمال المعلم بفوائد مسلم: ١/ ٣٠٢) -عند شرح حديث: الإيمان يمان-: "قيل: معناه: أهل اليمن؛ أكمل الناس إيماناً".


وأختم بكلام لطيف، لشيخنا العلامة عبد الله الجبرين، قال في (شرح مختصر صحيح مسلم): "اليمن: هو ما كان جنوب مكة، أو وراء الطائف كل هذا من اليمن إلى نهاية البلاد اليمنية.

ذكر في هذا الحديث؛ فضيلة أهل اليمن؛ وذلك لأنهم استجابوا للدعوة ولم يقاتلوا، ولما جاءهم الدعاة إلى الإسلام؛ استجابوا، ودخلوا في أول مرة، في أول دعوة دخلوا في الإسلام، وبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة؛ فبعث إليهم معاذ بن جبل؛ فاستجاب له من وصله، ثم بعث أبا موسى؛ وأبو موسى من أهل اليمن، ثم بعث عمار بن ياسر، وسلمان كلهم دعاة، وتفرقوا في اليمن؛ لسعة البلاد، وصاروا يعلّمون الناس، وكل من دعوه؛ استجاب ولم يتلعثم، ولم يقولوا: "إنا وجدنا آباءنا على أمة"، ولم يتمسكوا بعادات آبائهم؛ فدل ذلك؛ على رقة في قلوبهم، وعلى تقبّل منهم. 

جاء وفد منهم إلى المدينة؛ فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءه قوم من بني تميم؛ فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم؟ قالوا: بشرتنا فأعطنا -هكذا عادة في الجفاة- فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن؛ إذ لم يقبلها بنو تميم! فقالوا: قد قبلنا، جئناك؛ لنسألك عن أول هذا الأمر.

ثم لما وفدوا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاءكم أهل اليمن؛ أرق قلوباً، وألين أفئدة). يعني: أنهم تدخل الموعظة إلى قلوبهم؛ لرقتهم، ولينهم وليس في قلوبهم شيء من النظرة، ولا من القسوة، ثم زكاهم بقوله: الإيمان يمان، والحكمة يمانية. الإيمان يعني: الأصل أنهم فيهم الإيمان، وفيهم الحكمة التي هي الحكمة؛ كلام قيم لطيف).



هذا ما أردت زبره؛ إحقاقاً للحق، ودفاعاً عن أمة، وإماتة للنعرات، ورد الحق إلى نصابه.

حفظ الله بلاد اليمن، والمسلمين وبلادهم؛ أجمعين أكتعين أبتعين أبصعين.

"والله يعيذنا من أن نقول ما لا نعلم، أو ندعي ما لا نحسن، أو نتكثر بما لم نؤت، وفقنا الله للصواب، وأداء النصح فيما قصدناه، ولا حرمنا ما أملناه من الثواب" "وأسأل الله ذا الحول والقوة؛ أن يزيننا بلباس التقوى، وصدق اللسان، وأن يعيذنا من العجب ودواعيه، ويعيننا على ما نويناه وتوخيناه؛ ويجعلنا ممن توكل عليه فكفاه، وحسبنا هو ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عليه نتوكل وإليه ننيب"، "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٤٠/١١/٢٩


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق