سِتّتهـم مُـعَـاق!
كنت في مكان ما؛ فدخل خمسيني -أحدسه-، قد ابيّض شعره، واعوجت رجله، وأنهك جسده، ومعه زوجه العجوز، لعلها في سنّه أو قريبة منه.
دخلا ومعهم أولادهم= خمسة من الذكور، وبنت واحدة .. وكان هؤلاء الستة.. ما بين حامل ومحمول، وأعرج ومخبول، ما منهم من أحد إلا وهو مصاب في بدنه أو عقله، بين مقل ومستكثر من العاهات -عافانا الله وإياهم-!
ضجّ المكان، بالحوقلة والاسترجاع والدعاء، وقد حملقوهم بأبصارهم، ورمقوهم بأحداقهم، لا يلوون على شيء، رغم ما بهم من طول المكث، ومرارة المماحكة، وتكدر الخاطر، وتعكر المزاج، (والانتظار مؤذٍ للنفوس والأجساد)!
نظرت متأملاً في هذين الأبوين، ومعاناتهما وصبرهما واحتسابهما؛ لأني رأيتهما يحدبان على أولادهم، ويحنون إليهم رؤوسهم، ويرفقون بهم جداً.
نظرتهم، وهم يميطون عنهم الأذى، ويمسحون القذى- الذي يخرج من أنوفهم وأفواههم!
حزرتهم، وهم يضعون اللقم، ويطيبون الكلم، ويشربونهم الماء، ويحاجفونهم الهواء!
تخيلتهم، وهم يذوذون عنهم الذباب والبعوض -ولم يكن ثَم- لكني هكذا تخيلتهم -وهم لا شك يفعلون-!
توهمتهم، وهم يناغونهم عند نومهم، ويضاحكونهم حين حزنهم، ويأسونهم وقت وجعهم!
وسبحان الله، ما أحكم الحكيم سبحانه وتعالى، فإنّ كل أفعاله، وفق حكمة باهرة، ورحمة ظاهرة، وقد تغيب عن الخلق، ولكن المؤمنين، يعرفون رحمته، ويعترفون بحكمته- سبحانه جل وعز.
انحنيت نحو نفسي وولدي، فنظرت رحمة الله تعالى فينا، من عفو وعافية، وصحة وسلامة.. فحمدت الله تعالى، على نعمه العظيمة، وشكرته على آلائه الفخيمة- التي نعيشها ونحياها، ولكننا لم نؤدّ -حقاً- حقيقة شكرها.
فيا أيها الناس: احمدوا الله واشكروه، وأنيبوا إليه واستغفروه؛ فربكم يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، و(الشكر قيد النعم)
ومن الشكر الغائب عن الجم: مواساة الآخرين، بالقول والفعل.. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل عباداً اختصهم بالنعم، لمنافع العباد، يُقِرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها حوّلها عنهم، وجعلها في غيرهم).
رواه أبو نعيم والطبراني بإسناد جيد.
فيا رب حمداً على نعمك الجليلة، وشكراً على آلائك الجزيلة.
رب يسر وسهل، وأعن واغنِ.
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٣/٣/١٩