"المقامة السيارية"
سيارة ليست بِسارّة!
قُدّر لي.. أن أشتري راحلة مرحولة، لكنها هزيلة مهزولة، بادٍ كُلاها، ونادٍ علاها .. كانت بدراهم معدودة؛ بسبب الحال المجذوذة .. اشتريتها على علاتها؛ رجاء غلاتها، فكانت حديدة لا حميدة، ومذيقتي الويلات العديدة!
لقيت منها الألاقي، وأوقفتني على أطراف الطرق وفي التلاقي، حتى غبت ولغبت، وعبت وتعبت!
تقف عند الطلوع، حتى تتخالف منها الضلوع، وتخلّف لراكبها المزوع، فتسيل الدموع!
أشعر أني أنا الحامل لا المحمول، والعامل لا المعمول، فأبذل جهداً جهيداً؛ لأني أقاوم دابة حديداً!
أما سائسوها.. فحدث عنهم ولا حرج، فأكثرهم خدج وخرج؛ إما لفقدهم الأمانة، وإما لنقصهم الصيانة، فكم أتعبوا أرباب هذه الدواب، وأعطبوا عقول أولي الألباب؛ بِلَفّهم ودورانهم، وكذبهم وجورانهم!
واليوم، وما أدراك اليوم.. أردت اختبار مركوبي الجامح، بعد أن أصلحه صالح!
وللأسف الأسيف، والتعس الرعيف؛ فقد أزمعت التجربة المنحوسة، إلى الطائف المأنوسة، وما معي من صاحب أو صيال، سوى الأهل والعيال!
أردت النفه والنفس، عن وعثاء النفس، من أوضار الضجر، وأضرار السجر؛ فإذا بي وبهم نلقى الشدائد الكبار، والخدائد الكثار، في حرور الظهيرة، حتى وصلت الروح النحيرة!
توقفت بنا في بدء العقبة الكؤود، فلم تحلْ طلوعاً ولا عَود، أردت ضربها، فتذكرت أنها لا تعي ولا تسمع، بل ترغي وتدمع .. ارتفعت الحرارة، واشتدت الخرارة، وعظمت الجرارة!
طلبت العونة السمحة، فلم تقف لي إلا "السطحة"، حاشا القلة، التي لا تدري ما العلة، فتتركني مأوها، وفي بليتي مُدلّها!
ثم جاءني شاب من بني السودان، يعرض النجدان، ومعه دابة متهالكة، وفي طريقها متعارجة، لكنه صحيح الأقوال، صريح الأفعال، فحاول ترياقها، حتى تلمظت ريقها، وعادت لها الحياة، فابتسمت الشفاه!
ولما عرضتُ عليه الأجر، غضب وزجر، فحمدت له جميل الصنع، ودعوت له بسلامة النجع.
فلم أكد أخطو خطوات، مستعيذاً بربي من الخطيئات، إلا و"عادت حليمة لعادتها القديمة"، فحاولتها وصاولتها، وأقسمت لها، أن لا أواصل رحلتي، وإن غضبت عيلتي، فهادنتني وهاودتني!
ولما رجعت القهقرى، وعدت الطريق الأخرى، عائداً إلى منزلي، وراجعاً إلى مغزلي.. وقفتْ بي في نصف الطريق، حيث لا رفيق ولا وفيق، زجرتها، فصاحت صيحة، وناحت نيحة، كان فيها الهلاك، ونزلت أقلبها، فإذا بها لا حراك!
رجعت أجرّ أذيال الخيبة، خليَّ العيبة، لكني -والحمد لله- أتبسم تبسم الراضي، طالباً عوضاً من القاضي، جل وعز سلطانه، سبحانه سبحانه ما أعظم شانه.
ولست مريداً الشكوى، أو طالباً البلوى، وإنما هي محنة أرجو أن تكون منحة، أردت التخفيف عن لواعج النفس المتعبة، والتهوين من كوامن الروح المعذبة، والحمد لله على كل حال، في الآن والمآل.
هذه قصتي مع دابتي اللعيبة، وسيارتي التعيبة، التي بذلتْ لكنها بدّلت، وأعطتني لكنها عيطت، ولكل أجل كتاب، والحمد للملك الوهاب، الذي يعطي ويهب، ويكرم ويصب، ومنه البدل والعوض، والعافية من المرض.
"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" جُعلنا من الصالحين الفالحين الناجحين.
وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٣/١٠/٢٠