قراءة ونقد لرواية "الرهينة"!
دهشت عند قراءة رواية (الرهينة) المهينة، وهالني ما وجدت فيها من سخف وإسفاف، وبعدٍ عن الحشمة والعفاف.
وفزعت، لِما رأيت فيها من الكلام المبتذل، والسقوط القذر في الحب الحرام، والجنس المشاع!
مع ما فيها من اعتوار سردي أدبي، بيّن بعضه الشاعر الناقد عبد الله البردوني، في كتابه (الثقافة والثورة في اليمن: ٢٢٢ - ٢٣٢) -كما أفادني الأستاذ محمد السواري-.
من اختياره لبطلته الزائفة، اسم (حفصة) غائباً عنه، أن الأئمة يندر أن يسموا (حفصة) مما "يشي عن قلة اختبار الروائي، بثقافة البيت الذي منه حفصة" "وقلة الاختبار في الأسماء، تقود إلى قلة اختبار أسباب الرهانة ورهن الآباء".
ومع هذا.. يُزعم أنها تحكي حياة ذلك الوقت، أو تصوّر ذلك الزمان؟!
وهذا محض افتراء وكذب؛ لأنه جسّد لنا ذلك الزمن، أنه زمن مغامرات غرامية، ولقاءات جنسية، وفحيح وسجيح!
فتراه بفجاجة وصفاقة؛ يروي لنا أن ذاك الطبشي صنع بتلك البغلة ما صنع، وأن النائب أمر بخياطة فروج الدواب!
ثم عقّب: لو أنهم خاطوا فروج النساء!
إشارة إلى ممارسة الرذيلة من النساء في تلك القصور، ويدل كلامه على الكثرة الكاثرة!
وهذا هُجر ومنكر من القول وبور وزور وفجور..
ولا يستحي دمّاج من نفسه؛ إذ يذكر: أن ذاك الشاعر صنع به وصنع، وأنه أوصل يده ... لا أدري إلى أين؟!
فيا لله، ماهذا الانحدار الوسخ، والانحطاط في الأخلاق، والتردي في الرذيلة!
والعجيب، أنه صور نساء القصر، وهن يتهافتن عليه أو على الشباب بذلك الأسلوب المضحك الساخر!
ومعلوم أن نساء تلك الطبقة، أبعد ما يكنّ عن تفشي أسرارهن، إن كن يعملن تلك الأعمال المهينة.
فما بالهن يسعين خلف صبي مراهق، أو لم يبلغ الحلم بعد، لا يعرف السر فضلاً عن حفظه وصونه!
زد، أنهن يعلمن أن آباء الرهائن من ألدّ أعداء الإمام وحاشيته، فالفضيحة منه متوقعة بل مستلزمة.
فكيف يغامرن بحياتهن، ويُراهنّ على سمعتهن، وسمعة أهلهن وقبيلتهن؟!
ويبين البردوني، أن الرهائن قسمين: رهائن تمرد، ورهائن ضمان، وأن رهائن الضمان، في مكان عال مشرف، ويحرص الأشياخ على تقديم أبنائهم رهائن؛ لمزيد قرب واعتلاء، وهو الذي يكون دويداراً، وله التنزه والخروج متى شاء، ولا يكون إلا صغيراً، أما رهائن التمرد (ومنهم: العائب الخائب) فيكونون في السجون وربما في تعاسة، ولا يختصون بسن معينة، بل يرتهنون الصغير والكبير، ولا يصلون إلى رتبة الدويدار.. فما بال دماج، يصل دويداراً، وهو رهينة تمرد؟!
ويخبر الخائب.. كيف كان لبس النساء، وأنه شفاف أبيض، يشف عما بداخله من بياض، ويكشف عما تحته من غياض!
وينسب هذا اللباس، إلى الشريفة حفصة أخت النائب!
إنها كذبة صلعاء، لا تنفق على العقلاء الذين يخبُرون ذلك الزمان، هذا أمر.
والأمر الآخر: كيف يليق بأخت النائب أن تظهر بهذا المظهر المخزي أمام رهائن أذلاء في نظرها حقراء؟!
إن البغِي، قد تخجل من هذا الفعل لأول وهلة، كيف بعفيفة شريفة؟! اللهم غفراً.
ولم يكتف حتى فضح كذبه، وكشف سوأته.. حينما يخبر: أن النائب علم بعلاقة مشبوهة، مع أخته الشريفة حفصة!
ولم يزد أن قطع حديثه، ليسأله عما دار بينه وبين الغلام!
إن هذا لا يفعله الديوث، فضلاً عن نائب له مكانته في المجتمع، لا سيما، أن الأمر قد ذاع وشاع، وما قصة نبي الله يوسف عليه السلام، عنا ببعيد؛ إذ تهمة ماكرة من زوجة العزيز، جعلته يقضي أعواماً مديدة في السجن!
فيا هذا، كفّ عنا قيئك وجشاءك، فقد آذيت وآنيت وأقذيت وأخديت.
وحدثنا، أن القصور في ذلك الآن، فيها الخمور والمجون والعهر!
وهذا إن سلمنا به، فلا نسلّم أن يكون هذا مشاعاً لدى الجميع حتى لدى الدويدار المهين!
ثم، بعد هذا وذاك.. لماذا حكاية هذه الأخبار السافلة، والقصص الرخيصة، والأدب المكشوف؟
ألم يكن في سواه من وصف الأرض والحرث والزرع، والمعيشة والعادات ما يكفي ويفيد؟
ويكون قد أحسن في ذلك بتاريخه لحقبة مهمة من تاريخنا، وإن شاركه غيره، إلا أن كلاً يدلي بدلوه.
ولكن:
(إن الذباب يراعي موضع العلل)!
وأي جراءة يملك هذا الصبي الوقح، حتى يحذّر سيدته من مغبة ذلك الحب الوحيد الفريد الوخيم، مع الشاعر الوسيم؟!
كيف أمن مغبة العواقب منها، ومن شاعر الإمام؟
ومن المعلوم في التاريخ.. أن هذه الأمور لا يقبل فيها المزاح أو الهوادة، بل يُضحّى فيها بأقرب قريب؛ ليسلم للحبيب حبيبه، فكيف سلم صاحبنا اللاعب، بل لم يكتفِ ببجاحته حتى ذكر أنها راجعته، وهي من طلبت المصالحة بينهما؟!
ياللهراء!
وهو لم يستحِ ولم يخفِ الله، حينما أشار إلى جريمتين كبيرتين، وتهمتين عظيمتين:
إحداهما: أن ولي العهد أحمد، له ابن غير شرعي من امرأة كان يعاشرها!
وكلنا يعلم أنه كان عالماً ورعاً عن هذه الدناءات، ولم نعلم عنه هذا العهر، بل كان مهتماً بشؤون المملكة وما يحاك حولها.
أفيفعل ما يكون سبباً لسقوط العرش؟
والثانية: أن ولي العهد، يحب المردان، وربما ما هو أبعد من ذلك! إذ أنه يفضل الغلام على زوجاته! وأنه يخلو به في غرفة خاصة بعيداً حتى عن زوجاته الجميلات!
فماذا بعد؟!
ولم يكتفِ الغاوي حتى قضى عربدته الغرامية في المقبرة حيث أشباح الموتى!
وهذا فعل ينأى عنه الفسقة العتاة، فكيف بصبيٍ يناهز الاحتلام؟!
إنها كذبات شنيعة، ونزوات كلامية.. تسيئ لذلك الزمن بما فيه ومن فيه!
وفيه من إغراء وإغواء الشباب والشابات ما فيه!
وهذا أكثر ما يطمح إليه بعض الكاتبين الفارغين "الذين مردوا على النفاق"!
وفي الرواية.. إشارة لم يتنبه لها الكثير، وهي أنه أوصل رسالة: أن الصلاة والتعلق بالله غير مجدٍ، وليس هو الحل النافع للتخلص من المشاكل والأزمات!
إذ أخبر، أنه لجأ إلى الصلاة مبتهلاً لربه أن يخلصه من حبه الواهم للسيدة حفصة!
وذكر أنه لم يشف منها، قائلاً: (تركت الصلاة، فلم تبلغني مأربي)! بل زاد هيمانه، واستعر حبه، ودهش لبه!
وهذا مسقط وخيم، يوحي للنشء أن الصلاة والإقبال على الله سبحانه، لا يخلص من الآلام النفسية، والنكبات المادية!
وهذا محض جحدٍ وافتراء، ولا يحتاج مني لإقامة دليل وبرهان؛ إذ هو معلوم من الدين بالضرورة.
وأختم قائلاً: قد كثر السقط والإسقاط في كثير من الروايات الخيالية، والقصص الغرامية.. التي تضيع أوقات الشبيبة فيما لا يعيد على عقولهم بالنفع والمعرفة، بل تبلبل أفكارهم، وتسلبهم آراءهم، وتثير الشهوات، وتمكّن الشبهات، فتركس وتنكس وتعبس وتنجس وتحبس!
وهذا ما بلينا به، من بعض كتّاب لا خلاق لهم، ولا همّ لهم.. إلا إفساد المجتمع الإسلامي وانحلاله، وإغوائه وإخلاله.
والداهية.. وجود هؤلاء الحقراء في أوطاننا العربية والإسلامية، وما العلمانية والليبرالية والحداثية.. عنا ببعيد، ولكن لا ولم ولن يعدموا ناقضاً لخيمهم الواهنة، وخداعهم الهش، من غيورين عن دين الله تعالى "ولينصرن الله من ينصره" ونحن نستعدي عليهم القوي المتين، و"إن ربك لبالمرصاد".
والخلاصة: أن رواية "الرهينة".. رواية غالطة مغالطة حابطة ساقطة هابطة، متناقضة في أخبارها؛ "إذ وصف الروائي مداخن البيوت، وهي تغطي الأجواء، ثم صور انتفاخ البطون جوعاً، فكيف اجتمع عمران المطابخ الشعبية، وجوع الشعب"؟!
ففيها من الكذب والهراء، والانحدار الأخلاقي، ما ينبو عنه السمع، ويصم الأذن، وقد تأذيت حين قراءتي لها جداً؛ لإساءاته الفجّة، وتجنياته الوقحة، بأسلوب يحسبه البعض منصفاً، والنار تخبو تحت الرماد!
وأنها "لا تعبر بصدق فني عن المضمون الاجتماعي، ولا عن تاريخ فترة الأربعينات".
ولم أكن أصدّق، أن يصل البعض، إلى ذلك الانحدار السافل، والتصوير المقذع، لذلك الوقت الذي كان أبعد ما كان عن التسفل الخلقي، والهبوط البهيمي، وإن وجد، فمن أفراد.
على كل، اكتأبت شديداً، فاكتتبت حديدا، وقدمت نقدي وقراءتي لهاته الرواية الساقطة.
فحذار -أخي وأختي- من الانسياق وراء كل مقروء أو مسموع أو مشاهد، بل ليكن لدينا الحس النقدي لما يخالف ديننا وقرآننا وقيمنا وأخلاقنا، مهما كان وممن كان، وإلا سقطنا في هوة سحيقة، وحفرة عميقة، لا مُنجي لنا منها، إلا أن يشاء الله (والسلامة لا يعدلها شيء) سلمني الله وإياكم.
وما ذكره هذا الفدم الغمر المراهق؛ عار عن الصحة؛ لما قدمت من أسباب، ولأن الوقت كان محافظاً لدرجة كبيرة -ولا زال الكثير- والحمد لله- ولم تكن المدنية الزائفة قد ضربت أطنابها، خصوصاً في يمننا الحبيب.
ولا أخالف في تفشي المنكرات والمسكرات في قصور الأئمة من قديم الزمان، لكن كلامي هنا، يتوجه إلى تناقض الرواية، ونظرها للنظرة الجنسية والإباحية، بينما لو أنصف وابتعد عن الفحش والهجر؛ لأخبرنا بأمور مهمة حصلت في قصور ذلك الآن.
ولا أنكر أو أنفي وجود الفحش، لكنه مِن أفراد وفي كل زمان ومكان، فمن الظلم والحيف أن تنزّل حالات فردية على أمة من الأمم، إنها لإحدى الظلَم!
لكن الخليع، أبى ذلك كله، وانطلق يروي الجنس بصفاقة، وما ذلك إلا ابتزاز لأخلاق الشباب، والدليل: أن الرواية صنفت كأفضل ماية رواية!
ثم لنفرض وجود ما أخبر به، مالذي يفيدنا أن نروي ذلك للأجيال؟ هل هذا يغير الحال أم أنه يفسد الأحوال؟
ودمّاج هذا، لا أدري ماذا أراد بهذا الخطل الشانئ، والكذب المهترئ.. الذي أساء فيه لأمة عريقة عتيقة، لها تاريخ باذخ في الدين والعروبة والعفة، والكرامة والشهامة؟
لا أدري، أهي الكراهية الشديدة لحكم الأئمة، أم البغاضة الأكيدة للدين والأمة؟!
أم أن ذمته مشتراة من أعداء الإسلام -وما أكثر هؤلاء الرخصاء- لا كثّروا-!
أياً كان، فهو قد أتى "منكراً من القول وزورا"، وتسقّط في روايته لحد السخف، حتى ارتفع السجف! و
فالله حسيبه وطليبه.
وهذا رأيي الذي أدين الله به تجاه هذه الرواية، وإن خالفني غيري، فلا يضيرني؛ إذ الحق مقصدي ودليلي، وما أردت بهذه الأسطر إلا إدراك الخطر المطبق، واستدراك المكر المحدق.. من بعض الأقلام المسمومة التي لا تسمّ البدن، بل تسمّ العقول فتفسدها، وتتركها خراباً يباباً.
والله المستعان.
"إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
كتبه: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٣٨/٢/١١