الثلاثاء، 26 يوليو 2022

حُبّ جميع الصَّحبِ.. منهجي ومذهبي!

 حُبّ جميع الصَّحبِ.. منهجي ومذهبي!


اللهم إني أتقرب إليك؛ بحب نبيك صلى الله عليه وسلم، وحب جميع صحابة رسولك صلى الله عليه وسلم، وموالاتهم، وتوقيرهم، "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"


وهنيئاً لمن فاز، بحب جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يضطغن قلبه على أحد، ولم يجترر لسانه سب أحد، فـ "كلاً وعد الله الحسنى" "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم"


"ومن نظر في سيرة القوم- بعلم، وبصيرة، وما منّ الله به عليهم من الفضائل.. علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة- التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله تعالى".

(مجموع الفتاوى: ٣/ ١٥٦)


و"لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، معجزة إلا أصحابه؛ لكفوه في إثبات نبوته".

(الفروق: ٤/ ١٧٠)



ويا خسارة، من جاء القيامة، وقد نال من أحدهم، بفري لسانه، أو ضغن قلبه:

"وقد خاب من حمل ظلماً"

"ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا"

(والله لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه)


"‏فنصف مُد شعير يتصدق به أحدهم -أي: الصحابة- يفضل جميع أعمال أحدنا، لو عُمِّر مائة سنة؛ لأن نصف مدِّ أحدهم أفضل من جبل أُحُدٍ ذهباً ننفقه نحن في وجوه البر؛ وما نعلم أحداً ينفق في البرِّ زِنة حجر ضخم من حجارة أُحُد، فكيف الجبل كله"

(المحلى: ٢٠٧/٤)


وقال الإمام النسائي: "إنما الإسلام، كدار لها باب، فباب ‎الإسلام: ‎الصحابة، فمَن آذى الصحابة، إنما أراد الإسلام؛ كمَن نَقَر الباب، إنما يريد دخول الدار".

(تهذيب الكمال: ١/ ٣٣٩)


آمنا بالله، وسلمنا ما جاء عن الله، وعن رسول الله.. على لسان أصحاب رسول الله: الأَمنة البررة:

"ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"

"يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان"



قال الإمام مالك: "إنما هؤلاء، أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه؛ حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين".

(رسالة في سب الصحابة: ٤٦) عن (الصارم المسلول: ٥٨٠)



وقال الإمام أحمد: "إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء.. فاتهمه على الإسلام".

(البداية والنهاية: ٨/ ١٤٢)


وقال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنة، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".

(الكفاية: ٩٧)



وقال أبو نُعيم: "فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزللهم، ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة.. إلا مَفتون القلب في دينه".

(تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة: ٣٤٤)



ويقول أيضاً: "لا يبسط لسانه فيهم، إلا من سوء طويّته في النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته، والإسلام، والمسلمين".

(تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة: ٣٧٦)



(اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسّكنا بالإسلام حتى نلقاك به) (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)



وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٣/١٢/٢٨

الخميس، 21 يوليو 2022

كلمة عابثة في حق الشيوخ الثلاثة!

 


كلمة عابثة في حق الشيوخ الثلاثة!


أرسل لي أحد إخواني الفضلاء، مقطعاً صوتياً، لدكتور يدعى عبد القادر محمد الحسين الأشعري الحنفي، يتساءل فيه، قائلاً: الألباني، وابن باز، وابن عثيمين.. هل هم علماء؟


نظرت المقطع؛ متعجباً من علوانه وغلوانه، لا سيما، وقد أشعرني أبا الحارث، بغلوائه!

أردت تجاوزه؛ ضناً بوقتي، لا ظن سوء، فالسوء حاصل دون ظن!

"ولتعرفنهم في لحن القول"


لكني قلت: سأسمع.. سمعت، ويا لهول ما سمعت، ويا ليتني لم أسمع؛ سمعت كذباً وبهتاً، وزوراً وتزويراً، وغمطاً وخلطاً، وتعاظماً وتفاخراً، إلى غيرها من تيك الخلال القميئة، والخصال القميعة!


وأقبح شيء أن يرى المرء نفسَه *** رفيعاً، وعند العالمين وضيعُ!


وحقيقة، لم أسمع لهذا الدكتور، بل لم أسمع به.. إلا الساعة -والحمد لله-!


واترك خلائق قوم لاخلاق لهم *** واعمِد لأخلاق أهل الفضل والأدبِ



ويضيق صدري، حين رؤيتي أمثال هؤلاء الأغمار، الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغون الطريق عوجاً، بل يقطعونها على السابلة!


ومن مكرهم.. أنهم يلبسون الحق بالباطل؛ تمويهاً على الناس، وتزجية لباطلهم، "ولا يَنْفَقُ الباطل في الوجود، إلا بشَوْبٍ من الحق"!

كم في (مجموع الفتاوى: ٥٣/ ١٩٠)


ومن أعاجبهم.. أنهم يأتون إلى أعظم رموز الأمة، فيغمطونهم حقهم، بل يسلبوهم، ويتناولونهم بالإقذاع والتشويه، ولكن، "والله متم نوره" ولو كرهوا.

وليس لهم فضل، "وإنما فضيلة أحدهم؛ باقتداره على الاعتراض والقدح والجدل، ومن المعلوم أن الاعتراض والقدح، ليس بعلم ولا فيه منفعة، وأحسن أحوال صاحبه، أن يكون بمنزلة العامي".

(الانتصار: ٤١)



فالشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين، وأضيف إليهم: الوادعي.. كل منهم قنة في فنّه وتفننه، وقمة في مكانه وزمانه.

وأربعتهم.. قد تواطؤوا -دون تواطؤ- على صفات العلم والفهم والاتباع، وشيات النهج والمنهج، وسمات الصفاء والوفاء والنقاء والإخاء.


فالشيخ الألباني، وطّد علم الحديث، حتى غدا سهلاً ميسوراً لدى العامة فضلا عن الخاصة، ولا زال اسمه يلمع بين السطور، ويفصح به في كل مجلس ودور، وسبحان من وضع له القبول، بين أهل القبول!

مع تمكن في الفنون الأخرى، لا سيما: العقيدة، والفقه، والسلوك؛ فإنه في الرأس.

وعندما تسمعه، تعجب من قوة استدلاله، ونصاعة تبيانه، ومتانة حجته، مع لين جانب، وخفض جناح.

ولكن القوم، ينقمون عقيدته!


والشيخ ابن باز، وطّد علم العقيدة والتوحيد، حتى شاع وذاع، في جميع البقاع.

مع تمكن من سائر الفنون، من: فقه، وحديث، وسلوك ونحوها، بل إنه صار أمة وحده، في: العلم، والكرم، والرحمة، والخلق:

وليس على الله بمستنكرٍ *** أن يجمع العالَم في واحدِ


وقد أعظم -الأشعري- الفرية، في زعمه؛ أن الشيخ، لا يحسن قراءة سورة الملك!

وحينما تسمع لقراءة الشيخ ابن باز.. تدرك الخشوع، وترى الخشية، وتحس الصدق، بقراءة محدورة، دون لحن أو إخلال.

ولكن القوم، ينقمون عقيدته!


والشيخ ابن عثيمين، وطّد علم الفقه، حتى غداً مشاعاً ميسوراً لدى الصغير والكبير، من دون نكير.

مع تمكن في كل الفنون، مصنفاً وشارحاً وناظماً، وسارت مصنفاته مسير الشمس، وصارت هي الدرس!

مع زهادة وعبادة، وتواضع جم، وكرم زائد.

وضحكت، حينما أخبر الناقد، عن الشيخ وشيخه ابن سعدي؛ أنهما لا يحسنان فهم بيتين من الألفية! والشيخ، قد شرحها، برصانة ومتانة.

لكن القوم، ينقمون عقيدته!



والشيخ مقبل، وطّد علم الدعوة، حتى دخلت كل بيت، لا سيما بلاد اليمن، واتسعت حتى وصلت كل فنن.

مع تمكن في بقية الفنون، من: حديث، وعلل، وعقيدة، وفقه، إلى هضم نفس، ولزوم عبادة، وسلامة صدر، وكرم وبذل.

وإن تصانيفه، تشبه تصانيف الأقدمين، في: الفحوى والمحتوى، والطريقة والمنهج.

لكن القوم، ينقمون عقيدته!



لا تظلموا الموتى وإن طال المدى *** إني أخاف عليكم أن تلتقوا



ولعمري، إن هؤلاء الأقرام القماقيم.. ليسوا بمحاويج، إلى دفاعي ومدحتي، ولكن، كما قال القائل:

جمالك غير محتاج لشعري؛ *** مدحتك، كي أزيد أنا جمالا!



فيا أبا الحارث، إنك لتشكّ في دخائل هؤلاء، وما يريدون، وإنْ كانت ألقابهم -لا أنسابهم-، تنبيك عن قصودهم -والقصود، يعلمها الله، لكن الدلائل فضاحة-.



وإنك لتجد الأتباع الرعاع، أشد الناس محاربة للعقد الصحيح، والسنة الصريحة.


ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مراً به الماء الزُلالا


وإنك لتعجب، من عظيم فريهم وافترائهم، وشديد بهتهم وتكفيرهم، فلا زال بعضهم، يصمُ شيخ الإسلام ابن تيمية، بالكفر، نعم، بالكفر، ولا أدري، أأضحك أم أبكي، لكن خير من ذاك وذلك؛ سؤال الله العافية، والحمد له على السلامة.


وإِذا الفتى عرف الرشاد لنفسهِ *** هانتْ عليه ملامة الجهَّالِ



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٢/٢١





الأحد، 10 يوليو 2022

التهاني: بين اليوم والقوم!

 


التهاني: بين اليوم والقوم!


اليوم، عصر السرعة في كل شيء، حتى صارت الحياة سريعة في كل شيء إلا في أمر الآخرة -إلا ممن رحم الله-.


ومن ذلك: تهاني اليوم؛ فإن أكثرها، تهاني صورية أو قل: وهمية، لم تنبع من شغاف القلب، ولم تنبت من حبة الفؤاد!


فأكثر هاته التهاني، ليس المهنِّئ هو كاتبها، وليس هو ابن بجدتها، ولا أبو عذرتها، ولا مفترعها ولا مخترعها، بل هو عالة على القالة، ومقتات على الفتات .. وجدها مكتوبة مرقومة مختومة ممهورة، فأخذ بخطامها، وأرسلها على غير بينة، ودون هدى!


فربما وقع في الحرج؛ إذ كتبها صاحبها لصديق باسمه، أو كتبتها امرأة لصديقتها، أو كانت لعيد الفطر مثلاً، ونحن في أضحى، أو العكس.. فأرسلها على علاتها وهناتها، فأصابت في مقتل!


وإما كانت التهاني، عبارة عن ملصقات جاهزة، لا عمل له فيها ولا يد، بل ربما لا يدري ما فيها.. فبعثها مقيدة دون انبعاث، فأفأدت!


وهذا في الحقيقة، يدل على ما وصلت إليه حياتنا وحالتنا، من سرعة وتسرع وجفاف وتشاغل وتثاقل!


وقد يُتعذر، بكثرة المرسلين أو المرسل إليهم، ولكن، مهما اُعتذر، فهذا هو الحال ليس به خفاء، ولا أستثني نفسي من هذا الحال، فاللهم غفراً وجبراً.


أما تهاني القوم.. فقد كانت تهاني مقصودة مفؤودة مصدورة منفوسة، تكتب بخط اليد، وتوشى بوشي الذهب والفضة، وتقرطس بقراطيس محكمة، و:

في قراطيس جياد أُحكمتْ *** وبخط أي خط أي خط!


ويتعنى في كتبها، ويبالغ في شذبها، وذلك؛ لأنها نابعة من الصميم، ونافذة من الصفاء، بل ربما غدت بعض تهانيهم، رسائل سائرة، أو أجزاء مجزئة.


وقد كتبوا عنها، الجم الغفير، ورووا فيها العم الكثير، وأدخلوها في شجرة إسنادهم؛ تخليداً وتمجيداً.

فيا ويلنا وويحهم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٢/١١


الأربعاء، 6 يوليو 2022

وداعاً "حي النسيم"! سبعة أشهر حسوم في حي النسيم!

 وداعاً "حي النسيم"!

سبعة أشهر حسوم في حي النسيم!


جفاني الكرى، وعاودني الوسن، وزارني الحنين؛ لأيام خلت، وليالي مضت في حي جميل، ومحياً خميل، وجدت فيه مناي، وأدركت فيه مرماي، إنه "حي النسيم"، الذي كان لي كعليل النسيم؛ هبوباً وهدوءاً، وراحة وروحاً، وسكينة وطمأنينة!


وأنا رجل ألوف عيوف!

أما ألوفي، فكما قال الكندي:

خُلقت ألوفاً لو يعاودني الصبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكيا!


قال الخطيب البغدادي: "سمعت محمد بن عبيد الله بن توبة الأديب يقول: لا أعلم نقل في معنى الإلف، أحسن من بيت المتنبي:

خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكيا"

(تاريخ بغداد: ٥/ ١٦٤)


وقال الواحدي: "هذا البيت، رأس في صحة الإلف؛ وذلك أن كل أحد يتمنى مفارقة الشيب، وهو يقول: لو فارقت شيبي إلى الصبا، لبكيت عليه؛ لألفي إياه؛ إذ خلقت ألوفاً".

(شرح ديوان المتنبي: ٣١١)


وحالي، كحال الأديب الطنطاوي؛ حيث يقول: "ولا انتقلت من دار إلى دار، ولا من بلد إلى بلد، ولا تحولت من عمل إلى عمل.. إلا أسيت على فراق ما تركت ورائي، وخشيت ما سألقاه أمامي. فهل كان المتنبي ينطق بلساني، حين قال:

خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكيا"؟!

(ذكريات الطنطاوي: ٥/ ١٥٦)


وأما عيوفي، فكما قال البارودي:

خُلقت عيوفاً لا أرى لابن حرةٍ *** علي يداً، أغضي لها، حين يغضبُ!


فلله، ما أعز هذه النفس، وأبعدها عن مواطن التطامن، وأنزهها عن مواقع الاعتساف، لكنها، تحفظ حق الإخاء، لمن عرفه، أما من رأى نفسه، فوق صحبه، وصار يتوقى حين غضبه، فلا كرامة ولا شهامة، إن أغضي له، وهرع إليه.


‏قال المبرد:

إذا تاهَ الصديق عليك كبراً *** فَتِهْ كبراً على ذاك الصديقِ


فإيجاب الحقوقِ لغير راعٍ *** حقوقك؛ رأس تضْييع الحقوقِ


ومثلها:

زِنْ من وزنك بما وزنك *** وما وزنك به فزنهُ


من جا إليك، فرُح إليه *** ومن جفاك، فصد عنهُ


وعوداً، إلى حي النسيم، أقول: تفيأت ظلاله، وتروحت خلاله .. استعذبت نميره، واستروحت جويره .. استوطنت مساجده، وتوطنت معابده .. تنسمت أنواره، وتسنمت أغواره!


مساجده كبيرة كثيرة وفيرة، ضخمة فخمة .. نظيفة لطيفة، تزخر بالتهجد والعبادة، وتضج بالسجود والتلاوة.


فمسجد خديجة بغلف، الجامع الكبير الجميل، الذي لا يخلو من عبّاده وقصّاده، من شتى الأعراق والأجناس، يأتي بعضهم، قبل الأذان، ولا يزال في تهجد وإخبات، وقراءة للقرآن، لا سيما في رمضان.


ومسجد زهية لنجاوي، المسجد الزاهي بتواضعه، متوسط الحجم، إلا أنه معمور بالصلاة والقراءة، فبعضهم: لا يكاد يسبقه أحد، وثان: لا يغادر مصحفه، وثالث: لا يفتر عن القراءة، ونحوهم وغيرهم.


ومسجد رقية، تدخل قبل الأذان، لا سيما أذان المغرب، خاصة الإثنين والخميس، فترى الصائمين قد أخذوا مواطنهم في الصف الأول، ويأتي بعض موسريهم، فيوزع الماء والتمر والقهوة، ورأيت قراطيس، ربما فيها أكبر من ذلك!

وبعضهم، يجلس ما بين المغرب والعشاء، للذكر والقراءة، عدا طلاب التحفيظ، الذين كأنهم خلية نحل!


ومسجد الفتح، مفتوحة أبوابه للذكر والعبادة، كغيره من المساجد التي يذكر فيها اسم الله.


ومسجد الكوثر، كالكوثر في جماله، والقمر في جلاله، مع توزع الحلقات بين جنباته.


ومسجد الفردوس، تسأل الله الفردوس الأعلى حين ولوجه، وتسأل الله دوام الثبات، وإدامة الخير.


ومسجد اليحيى، رحب الفناء، واسع الأفياء، تقام فيه دورات علمية، وفي أيامي، أخبرت عن قيام دورة فيه، للشيخ خالد المشيقيح، ولكن للأسف، لم أعلم إلا بعد انتهائها، فالله المستعان.


ومسجد التقوى، تتوشح التقوى عند دخوله، وتلازمها حين خروجه، وتتفكر في آيات الله وهباته -جعلنا الله من أهلها-.


ومسجد الفرقان، جميلة أرجاؤه، رحيبة ساحاته، يقصده الشيوخ الطاعنين، والشباب النابهين.


ومسجد المحطة، صغير كالمفحص، ومتواضع كالكوخ، أحب الصلاة فيه؛ لأن ابني كان يتدرب فيه على الأذان، بل تجرأ مرة، وسألني أن يؤم آمّيه؛ فنهيته؛ لعدم نضج نُهاه!


كل هذه المساجد -وربما غيرها- في حي واحد، يؤمه جيرانها، ولا يتوانون عن شهودها، حتى أنها قد تمتلئ في بعض الصلوات.


وإني رأيت شيئاً، -ولا أدري- ربما لم أره في غيره من الأحياء، وهو: ازدحام المساجد، وكثرة عمارها، ووفرة زوارها!

وكنت أخبر بهذا، من يزورني، فيوافقني!


إنه حي جميل الأنحاء، خميل الأفياء، وافر الصلاح، هادئ الضجيج، قليل الصخب، هذا وصفي للديار والدور.


أما الإنس والأناسي.. فلم أكد أتعرف على أحد؛ لانزوائهم على ذواتهم، وإقبالهم على أنفسهم، ونفورهم من غيرهم، ومن طبعي.. أن لا أقتحم الناس في خصوصاتهم، ولا أفرض نفسي على غيري، بل إذا وجدت إقبالاً، أقبلتُ وأكثر، وإذا رأيت إدباراً، نفرتُ وأكثر؛ لأن نفسي علي عزيزة، لا أحب إهانتها ولا امتهانها.


كما قال حاتم:

‏ونفسُك أكرمها فإنك إن تهُن *** عليك، فلن تلقى لها الدهر مُكرِما!


‏‎ويقول آخر:

فنفسك أكرم عن أمور كثيرة *** فما لك نفس بعدها تستعيرها!


 وقال آخر:

‏‎إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها *** هواناً بها، كانت على الناس أهونا!


ولا أعمم تعميماً، يخرجني عن القسط والعدل؛ فقد صادفت رجالاً، وصادقت أبطالاً، ذوو شهامة وشمم، وكرامة وكرم، وهؤلاء اليوم في قلة ونزر، فإذا وجدتهم، فابسط إليهم يديك، وعض عليهم بناجذيك، فإنهم أنذر من الكبريت الأحمر!


قال يوسف بن أسباط: أتيت سفيان الثوري رحمه الله، فقلت: يا أبا عبد الله، أوصني. قال: أقلل من معرفة الناس. قلت: زدني يرحمك الله، قال: أنكر من عرفت. قلت: زدني يرحمك الله. قال: 


اُبلُ الرجال إذا أردت إخاءهم *** وتوسمن أمورهم وتفقدِ


وإذا ظفرت بذي الأمانة والتقى *** فَبِهِ اليدين قرير عينٍ فاشددِ


بعد هذا الوصف المعتصر والمختصر، لهذا الحي الحي، أحب أن أقول- لمساجده ودوره، وشوارعه ومروره، ولا بأس، حتى ناسه، أقول لهم: وداعاً وداعاً، فقد عشت أياماً حسنة، وليالي مباركة، ازددت فيها خيراً، وسيرت فيها سيراً، لم أحبك لغرض دنيوي، فلم أجد فيك دنيا، إنما وجدت فيك الدين والأخرى، والحمد لله في الآخرة والأولى.


مسافر أنت، والآثار باقيةٌ *** فاتركْ وراءك ما تحيي به أثركْ


وأقول: لولا أمور وأمور؛ لما رغبت عنها، ولما خرجت منها، ولكن، لا بد مما أراده الله وقضاه، وشاءه وقدره، فالحمد لله على كل حال.

ولا أدري، لمَ تذكرت القاضي عبد الوهاب البغدادي، تـ٤٢٢ -رحمه الله وغفر له-؟؟


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١١/١٦