الأحد، 10 يناير 2021

وفك القيد بعد طول وثاق!

 وفك القيد بعد طول وثاق!

#وفاة_علم

بلغني اليوم، الجمعة ١٤٤١/٥/١٦؛ وفاة مجيزنا الشيخ العلامة هادي بن أحمد خميسي -رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة-.


وهو شيخ معمر، قارب الثمانين من عمره، قضاه في الدرس والتدريس، والعلم والتعليم، والفتيا والتفهيم.


ابتلي بكثير من الأوصاب والأنصاب، والفقر والقلة، ولكنه كان وافر العقل، عزيز النفس، كريم اليد، بشوش الوجه، زاهداً عابداً نصوحاً غيوراً..


زرته عندما سكن مدينة الحديدة، هارباً من جحيم الحرب في بلده، بتاريخ ١٤٣٩/٩/٥، دخلت عليه، وإذا رجل ملقى على سرير، منور الشيبة، كث اللحية، متوسط القامة، يلبس إزاراً ورداء كعادة أهل تلك البلاد.


سلّمنا عليه، وقبلنا رأسه ويده، فقام هو الآخر بتقبيل أيدينا!(١)

ثم أشار إلينا بالجلوس، ولم نكدْ نجلس، حتى سألَنا عن أسمائنا وأسماء آبائنا وألقابنا! (هكذا)!


ثم أخبرنا، أنه درس أوائل الطلب، في مدينة صامطة، عند الشيخ المقعَد القعيد ناصر خلوفة طياش مباركي ورفاقه الذين كانوا هناك.


وأخبرنا، أن الشيخ مقبل الوادعي والشيخ محمد المحمدي.. من زملائه. قلت: وعلمت أن الأخير، من طلابه أيضاً.


كان هذا الشيخ الجليل.. يسكن مدينة حرض، ويقوم بالتعليم والفتوى هناك منذ سنوات عديدة، وهو متحرٍ غاية في فتاويه، مع إثقاله بالأمراض، فالأمراض دائماً له زائرة، لا تكاد تنفك عنه.


وعندما جاءت هذه الحرب الهوجاء، ذهب إلى مكان آخر، فلحقته الحرب إلى منزحه، فأتى إلى الحديدة، واستأجر بيتاً بمبلغ كبير بالنسبة له.

ثم علمت بأخرة، أنه انتقل إلى مدينة معبر!


وزرته ثانية في ١٤٣٩/٩/٢٥ وتكلمت معه قليلاً، وكان عاجزاً جداً، قليل الكلام، شديد الكُلام!


وأخبرني أنه درس -أيضاً- عند الشيخ محمد الأفغاني، والشيخ شيبة الحمد في المدينة النبوية.


وأثنى على الشيخ مقبل كثيراً، وقال: هذا رجل مخلص لأمته، ومخلص لعلمه -رحمه الله-.


وسألته: هل أدرك الشيخ عبد الله القرعاوي؟

قال: نعم، أدركته وهو هرم، ولم أستجز منه، وكذلك الشيخ حافظ حكمي، والشيخ ناصر خلوفة.. لم أستجزهم أيضا.


قال أبو نعيم: وهذه عادة غالب أشياخنا اليمنيين، يطلبوا العلم سنوات عند مشايخهم، ثم يستحون أن يطلبوا منهم الإجازة؛ لهضمهم أنفسهم، وهيبتهم أشياخهم، واهتمامهم بالدراية عن الرواية.

بخلاف اليوم، انشغل الكثير، بالرواية عن الدراية.. فتجد أحدهم، وقد جمع مئات من الإجازات، وهو -والله- لا يعرب الكلمات، ولا يحسن العبارات، فيا ضيعة النشء!


وقد لزمت أحد البقية من هؤلاء، مدة، ثم طلبته الإجازة، على استحياء -والله-.. فقال لي: استمر يا بني، وإن شاء الله، أكتبها لك نظماً!

فوجمت عن الكلام، وعجزت عن البيان، ولم أعد لمثلها -والحمد لله-.


رحمك الله أيها الشيخ الجليل، والعالم النبيل، الصابر المحتسب، الزاهد المحتجب.

أبدلك الله بدار الشقاء، دار الصفاء، ولقّاك نضرة وسرورا، وكساك إستبرقاً وحريرا، وأخلف على أهلك وأولادك وذويك خيرا، وكفاهم شراً وضيرا.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤١/٥/١٦


ح.....................

(١) وهذا -والله- مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن؛ أرق قلوباً، وألين أفئدة)!

أقول هذا؛ لأني قابلت بعضاً من أهل العلم، في بعض البلاد، - لولا جلال العلم، لقلت: ليس عنده أخلاق أهل العلم!

تراه مقطب الجبين، معقد الأسارير، غضوباً غشوماً، سباباً شتاماً!

يأبى -والله-، حتى المصافحة، بله السلام لا يرده!

ولا أدري، أهذه ضريبة العلم الذي يحملونه في صدورهم؟!

اللهم عفواً وغفرا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق