الثلاثاء، 30 يونيو 2020

رحيل المعمر الصالح: ثابت جمال مجمل!


رحيل المعمر الصالح: ثابت جمال مجمل!


"إنا لله وإنا إليه راجعون" (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى).

وصلني الآن، نبأ وفاة الوالد الكريم، والعم الفاضل: ثابت جمال مجمّل.

فأسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، ويسكنه الجنات الشاسعة..

وقد عرفت هذا الرجل المبارك، وهو مسابق إلى الخيرات، مشمر على الطاعات، رغم كبر سنه، إلا، أنه لا يتوانى عن السباق واللحاق بالصف الأول في الصلاة، ومكابدة الصيام، والحرص على عبادة الملك العلام. 

العم ثابت، صاحب ابتسامة براقة، ووجه مشرق، ولحية كثيفة، يزينها وقار الشيب، مع طول قامة، وعراضة جسد، استعمله في طاعة ربه ومولاه.

العم ثابت، كان لا يلقاني إلا سلّم وهش وبش، وسأل عن حالي وعن أهلي ووالدي، ولا زلت أذكر قبضة كفه الضخم على كفي الصغير، برفق ورحمة، ولا يكاد يترك يده من يدي!

أحسب، أن العم ثابت، كان مخموم القلب، عف اللسان، ليس في قلبه شحناء ولا بغضاء، ولا أعرف عنه خصومة ولا شكاية.

كان العم ثابت -رحمه الله- باراً بوالدته، حتى عرف عنه ذلك، حتى وافاها الأجل المحتوم -رحمها الله-.

كان -غفر الله له- يحب زيارة أصحابه ورفقائه وإخوانه، ويأنس بلقائهم، ويستعذب حديثهم.

آخر مرة، زرت فيها هذا الوالد الكبير.. قبل أشهر، في مدينة جدة، وكان قد أصيب بأمراض وأوصاب، إلا أني كما عهدته: ذاكراً شاكراً، حامداً مصلياً.

وكان يتوق، أن يعود إلى بلدته الحبيبة، ولكن: دون ذلك أهوال، -صرف عنا ذو الجلال، الأهوال وسوء الأحوال-.

وقد جاء عند النسائي، وحسنه الألباني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا مات بغير مولده، قِيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة).
فنرجوا الرحيم الرحمن، أن يحقق له، هذه البشارة العظيمة، والجائزة الفخيمة، إن ربي على كل شيء قدير.

وعزائي لأولاده الكرام، وأقربائه، وأهله، ومحبيه، وأسأل الله أن يربط على قلوبهم، ويلهمهم الصبر والسلوان.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١١/٩



السبت، 27 يونيو 2020

المهندس الكتبي: حامد إبراهيم، ومكتبته الزاخرة- التي كانت مأوى لفئام من الناس!


المهندس الكتبي: حامد إبراهيم، ومكتبته الزاخرة- التي كانت مأوى لفئام من الناس!

المهندس الشيخ الفاضل الفذ: أبو المحامد حامد إبراهيم الدروي المنوفي، تـ١٩٩٦م، صاحب مكتبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالدمرداش، -رحمه الله تعالى-، سمعت عنه أول ما سمعت، في برنامج "سفينة حياة" في رمضان من هذا العام ١٤٤١، مع فضيلة الشيخ أبي إسحاق.. متعه الله بالصحة والعافية.

(وأظن السبب في عدم معرفتي به من قبل؛ هو بعدي عن الديار المصرية، وعدم سفري إليها قط، ولا أنفي عدم التقصير في معرفة أهل العلم والفضل! والله المستعان).

ورأيت في تيك الحلقة، تقييداً للشيخ أبي إسحاق، على طرة كتاب "صحيح ابن حبان" كلمات ثناء عن الشيخ حامد، لم أتبينها؛ لأني رأيت صورتها في البرنامج!

وفور سماعي عنه في رمضان؛ تُقت لمزيد أخبار عنه؛ لعظيم أثره، وخمول ذكره.. فتواصلت بالفاضل هيثم بن الشيخ الفاضل أبي إسحاق الحويني؛ لمزيد معرفة عنه، من والده الكريم، الذي يبدو من حديثه عنه.. أنه يحمل عنه، ذكريات ذاخرة، ومذاكرات زاخرة؛ إذ كان كثير الترداد على الشيخ حامد ومكتبته، بل سمح له مرة، أن يبات فيها، ولم يكن يأذن لأحد، بل بعض تحاقيقه، كانت نقطة بيكارها؛ مكتبة الشيخ حامد!

ومما يذكر عنه: دماثة خلقه، وكبير أدبه، ومتين ديانته، ورقيق دعابته، وعظيم أمانته، وخموم قلبه، وغمور ذكره، وسخاء يده، ورخاء طبعه، ومرح فعله، ومزح قوله، ونقاوة معدنه، وطيب محتده، وصفاء جرثومته..

اهتم المهندس المبارك.. بتحقيق بعض الكتب، وتأليف أخرى، وألّف موسوعات حديثية ورجالية، تبلغ المجلدات الكثار الكبار؛ لموافقتها لهندسته، وما أجمل، أن يسخر العاقل عمله الدنيوي، بما يفيده في الأخرى!

واليوم، أثير خبره في المجموعة العالية (أخبار الكتب والمحققين) وأفيض عن أخباره، بومضات من حياته، ولمضات عن مكتبته، أرجو أن تكون نواة؛ لإصدار ترجمة موسعة، أو رسالة علمية عنه وعن مكتبته الآمة العامة، والتي -أخبر-، أنها نهبت بأخرة!

ومثل هذا الرجل (حامد إبراهيم) يستأهل، أن يذكر فيشكر، ويترجم له فيُكبر..

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١١/٦

#العثور_على_الغمور
#أنابيش_الكنانيش 


الاثنين، 22 يونيو 2020

إفادة الداري وإعانة الذاري في ومضات من حياة القاضي محمد بن أحمد الهتاري!

إفادة الداري وإعانة الذاري في ومضات من حياة القاضي محمد بن أحمد الهتاري!


شيخنا ومجيزنا العلامة الشيخ الفقيه الفرضي القاضي محمد بن أحمد بن عبد الخالق سبأ الهتاري.. سمعت عنه من الأستاذ ياسين الهتاري، فتشوفت للقائه، وتشوقت لسماع حديثه (ويا للذاذة حديث العلماء!)

بدأت رحلة البحث عنه، من الحصول على رقم يوصلني إليه، إلى معرفة مكانه، إلى التمكن من إتيان مدينته، إلى الترتيب لزيارته.. وتُجووزت كل هذه الصعاب -والحمد لله-.
وكانت زيارته بدلالة ابنيه: الأستاذ عبد الرقيب، والأستاذ عبد الكريم.

زرته إلى نُزله، في العاصمة صنعاء الشماء، فوجدت شيخاً ربعة من الرجال، وإلى الطول أقرب، أبيض اللون، قد هدته العقود، وآذته السنون، ومع هذا، فقد أبى إلا أن يظل جالساً، طيلة حديثي معه، بل لم يغير جلسته المقرفصة!

وهو شيخ كبير السن، أعمى البصر، صمِم السمع، ولا أظنه يتمكن من الخروج، لكني، وجدته لابساً ثوباً أبيضا، وعمامة بيضاء! مما يدل أنها ليست ملابس التعمل والتخفف، بل تكلف لبس ذلك؛ لاستقبال مَن هو في منزلة أحد أبنائه أو أبناء أبنائه، ولم يعرفه! لكنه الكرم والشمم في آن واحد!

الشيخ -رحمه الله- من أهالي بني هتار، عزلة بني الضبيبي، مديرية الجبين، محافظة ريمة، من بلاد اليمن السعيد.

سألته عن مشايخه ورحلاته وتواليفه، فكان لا يكاد يستذكر إلا نزراً؛ لأنه قد حمل على كاهله، سنين كثيره، فناء بثقلها، إلا أنه كثير الذكر لله عز وجل.
حتى جرى كلام بيني وبين ابنه، عن رحلات والده وتواليفه، فقال: اذكروا الله، واتركوا هذا الكلام!

وكان أحياناً يطيل الصمت عندما أسأله، ثم يقول:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه *** ولا القلب إلا لأنه يتقلبُ

ومع معونة أولاده، فقد خرجت بهذه الجذاذات:
ولد شيخنا، سنة ١٣٤٣، وقال لي: قرأت القرآن القرآن، عند والدي، وهو الشيخ الحافظ أحمد بن عبد الخالق.

وفي السادسة عشرة من عمره، توجه إلى مدينة زبيد؛ لطلب العلم، وهو دون العشرين، وقد كان متزوجاً، قال: لأن الزواج عندنا يكون مبكرا.

فدرس فيها على يد عدد من العلماء، ومنهم: العلامة محمد بن سليمان الأهدل، والعلامة محمد بن علي البطاح الأهدل، والعلامة أحمد داوود البطاح الأهدل، والعلامة محمد بن أحمد السالمي، والعلامة محمد بن أحمد الحنفي، والعلامة عبد الله بن زيد المعزبي، والعلامة أحمد الخليل، والعلامة حسين بن محمد الوصابي، والعلامة محمد بن عمر الأهدل وآخرون.

وسألته عن العلامة عبد الخالق بن محمد علي سبأ؟ فقال: كان من العلماء، ولكنه لم يقرأ عليه، فقد أدركه وهو صغير السن.

وذهب إلى المراوعة أيضاً، -وهي مدينة علم وفقه-، ولكنه لم يدرس في غير زبيد، فلعله ذهب إليها للزيارة أو المعرفة.

وقد درس على أيدي هؤلاء العلماء، كثيراً من متون العلم وفنونه، ومنها: "المنهاج" للنووي، و"السراج الوهاج" و"الكواكب الدرية شرح متممة الآجرومية" و"النفحة العطرية شرح الآجرومية" كلاهما للعلامة محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل، و"كاشفة السجا" و"مواهب الصمد" و"سفينة النجاة" و"الزبد" و"أبي شجاع" و"الآجرومية" وغيرها من متون العلم ومتينه، في الفقه، والفرائض، والحساب، والنحو، والصرف، والبديع، والمنطق.
وكل ذلك.. بعد درس تفسير القرآن العظيم وقراءته.

ولم يترك أولاده دون تعليم أو عناية، بل حرص على تعليمهم وتهذيبهم، فقد درّس أبناءه، في "الآجرومية"، و"شرح القاسمي"، وبعض "المنهاج" ومقتطفات من "الكواكب الدرية"، وبعضاً من "الأم" للشافعي، و"الرحبية"، و"سفينة النجاة"، وهذا صنيع فالح، على خلاف كثير من الأشياخ، يهتمون بأنفسهم طيلة سنين، ثم يتفرغون لتدريس غيرهم، أو الاشتغال بالتأليف، أو أعمال أخرى، فيهملون من ولاهم الله أمرهم، وفي الحديث: (كفى بالمرء إثماً، أن يضيّع من يعول) رواه أبو داوود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفقد بصره، بأخرة، فقد فقده سنة ١٤٣٦، أي: قبل وفاته بستة عشر سنة تقريبا.

وعندما ذهب إلى زبيد، لطلب العلم.. رغّب وشجع، إثني عشر طالباً، حتى أقنعهم بالذهاب إليها، فدرسوا العلم، وترووا من المعرفة، وصار منهم، العالم والشيخ والأستاذ والدكتور والأمين.

وبعد أن نهل وعل، من معين أولئك الأعلام.. أجازوه بما رووا ورأوا.

ثم زاول بعد ذلك، شرف القضاء، فكان مساعداً للقاضي علي بن عبد الله الهتاري، الذي كان حاكم مديرية السخنة قبل قيام الجمهورية، أيام الإمام أحمد حميد الدين.

وعمل شيخنا، كثيراً في مجال الإفتاء، وحل قضايا ومشاكل مجتمعية، وكان مرجعاً للفتاوي الشرعية في كافة أنحاء محافظة ريمة، ولم يكن يحب هذا اللقب؛ تواضعاً وزهداً.

وكان -رحمه الله- يعمل على إظهار الحق بين المتخاصمين، فإذا حُكم على شخص، وهو صاحب الحق، يأت إليه المحكوم عليه؛ لتحرير المرافعات والطعون في الأحكام!
من ذلك: أنه مرة طعن في أسباب وحيثيات حكم وأبطله؛ مستدلاً بتناقضه من حيث المعاني والبديع والنحو!

وكان المتخاصمون، يستخدمون
مصطلحات، بلهجة بلدتهم، في الأعبوس، قضاء الحجرية، لا يعرفها، فكان يرجع لكتاب "المنجد"؛ لمعرفة معانيها واشتقاقاتها ومفرداتها.

ويعدّ المفتي الفعلي لمحافظة ريمة، وقد رشح رسمياً لذلك، ولكن قامت ثورة ٢٠١١، فلم يتم الترسيم!

وقد زكاه، وشهد له.. ما يزيد على خمسة عشر رئيس محكمة، المتعاقبين في محكمة الجبين الابتدائية، ومعظم محاكم المحافظة، إضافة إلى تزكيات عدد من مشايخ العلم، وذوي الوجاهة، والشخصيات الاجتماعية، ومسئولي السلطتين: المحلية، والتنفيذية، لفترات متعاقبة في محافظة ريمة.

ولم يشغله عمله، عن المشاركة في التأليف، وأبى إلا أن يختلس ساعات من يومه وليلته، يكرع من فيض علمه، على ورقه وبياضه.
وقد كتب عدداً من الكتب والرسائل الطويلة والقصيرة في عدد من الفنون، ومنها:
-نيل الوطر في أحكام متعلقة بالمبتدأ والخبر" وهي منظومة شعرية، ومنها:
يجب حذف المبتدأ في أربع * مواضع فهاكها واستمع
أولها: النعت له إن قد قطع * لمدح أو ذم فراع ما وضع
والثاني: إن يك الخبر قد خصصا * بنعم أو بئس فراجع وافحصا
وثالث: جاء صحيحاً للقسم * كقولك: لأفعلن مغتنم
ورابع: كون الخبر جا مصدرا * نائب مناب الفعل فافهم واشكرا
إلى آخرها.

-تحذير القسام من العمل في الوصية خلاف شريعة الإسلام، كتاب في كيفية العمل بالوصية.

-الدر المنثور فيما يبقى بعد تقسيم التركة من الكسور، وهو في كيفية العمل بالكسور عند تقسيم التركة.

-زاد المحتاط إلى طريق الثمرة من القيراط، وسماه أيضاً: الرق المنشور في معرفة القيراط والتركة والكسور.

وغيرها من التواليف، التي لا زالت في مكنونها محتجبة، تنتظر من يتقدم إليها؛ ليميط عنها اللثام!

ويعتبر شيخنا.. من مؤسسي التعليم النظامي في اليمن، فقد كان مديراً لمدرسة عتيقة، اسمها "النور"، وقد كان مدرسوها، يتلقون مرتباتهم
عن طريق جمعية في عدن
ممونة من الاحتلال البريطاني.

وكانت له -رحمه الله- مقترحات، فمن تلك المقترحات التي اقترحها: أن يحفظ الطلاب قصيدة "وصية الإخوان" وتكرر في طابور الصباح،
وعمم هذا المقترح ونُفذ.
وأولها:

أوصيكم يا معشر الإخوان *** عليكم بطاعة الديانِ
إياكم أن تهملوا دروسكم *** فتندموا يوماً على ما فاتكم

ثم ترك التعليم؛ بسبب أن أكبر أولاده عبد اللطيف، -الذي كان سبق وأن عقد له عقد الزواج-، توفي، ووصلت إليه التعزية، فطلب الإذن من مسؤوليه؛ ليحضره ويشهده؟ فكان الرفض؛ بحجة قرب الاختبارات، فانزعج، وقدم استقالته، وعامل على إخلاء طرف في غضون أسبوعين تقريباً، وترك العمل.

يقول ابنه الأستاذ عبد الرقيب: وجدت دفتراً، بخط يده، فيه محاضر اجتماعات بالمدرسين، والمدراء، يحدد فيها أولاً، المواضيع المراد مناقشتها، ثم ما توصلوا إليه من المقترحات والتوصيات، فجاءت متوافقة مع الطريقة الحديثة لكتابة التقارير.

وكان أولاً، مديراً للمدرسة، ثم ترقى بعدها، ليكون مدير مدارس قضاء الحجرية.
وكان يتحدث عن تاجر هناك محب للخير، اسمه عبد الجبار راشد، تعاون مع المدرسة كثيراً، وسهل لهم بعض الاحتياجات المادية.

ولكون التاجر وجيهاً، فقداستعان  بالشيخ هناك؛ للفصل في الخصومات، وتدوين وتحرير الأحكام الشرعية.

وشيخنا، كثير التواضع، هاضم نفسه.. فقد كان يذكر بعض تلاميذه، ويقول عنهم: هما من مشايخي؛ لأنهم فاقوا شيخهم!

هذه بعض المقتطفات والمقطوفات عن حياة شيخنا العالم -رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار- حرصت غاية على معرفة كنهها، وكشف جوهرها، أرجو أن أكون وفقت إلى جلو علم من أعلام اليمن، ومسح القتمة عن سيرته ومسيرته.
وسبحانك الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٣/١٤
١٤٤١/١٠/٢١


الجمعة، 19 يونيو 2020

عتاب العلامة أحمد راتب النفاخ، للأستاذ حاتم الضامن!

عتاب العلامة أحمد راتب النفاخ، للأستاذ حاتم الضامن:

وقفت على رسالة، أرسلها العلامة النفاخ، إلى الأستاذ الضامن، يعاتبه فيها؛ لأنه (أي: الضامن) أرسل إليه رسالة، تذوب حياء، في طلبه الحصول على بعض المخطوطات، فعاتبه، وأخبره، أن ما بينهم، يرتفع عن هذا، وناشده الله تعالى، أن لا يحتاج شيئاً منه، إلا كلفه بلفظ الأمر!

فقلت معلقاً:
عندما تقرأ تراثهم، وتطالع سيرتهم.. يفك لغز هذا الأدب العالي، والأخلاق النادرة!
إنهم رجال، -نحسبهم- عملوا لله تعالى بجد وكد، لا يبغوا لعاعة، ولا ثناء زائفاً، وفي المقابل: لم يبالوا بنقد أجوف، غرضه؛ التعويق عن سباق المجد، وعالي الرتب!
إن سيرة هذا العملاق الراسي.. تبعث في نفسك الهمة، وتنفخ في روحك القوة، وترفدك بكريم الخلق، وتقفّي مدارج العلو..
لله درك أيها الشيخ الأشم، والأستاذ الأفخم، ورحمك الله كفاء ما بذلت في سبيل الدفاع عن الإسلام ولغته.

وليد أبو نعيم.
١٤٤١/١٠/٢٧


الاثنين، 15 يونيو 2020

رحيل المقرئ الكبير عبد الفتاح مدكور!

 رحيل المقرئ الكبير عبد الفتاح مدكور!
 
#وفاة_علم
توفي اليوم، الإثنين ١٤٤١/١٠/٢٣، مجيزنا العلامة المقرئ الكبير المعمر: عبد الفتاح مدكور محمد بيومي، عن عمر يناهز التسعين عاماً، قضاها، في العلم والتعليم، والدرس والتفهيم، والقراءة والإقراء، والسماع والإسماع.

ولد الشيخ -بل الله ثراه- في قرية أبو النمرس، بمحافظة الجيزة، ٢٨ أغسطس ١٩٣٢م. 

وقد كان والده، لا يعيش له ولد، فنصحه الشيخ قطب سليمان، أن يدعو الله، أن يرزقه الولد، وينذره لله، وحِفظ قرآنه، فاستجاب الله دعاءه، فكتب له الحياة. 

بدأ حفظ القرآن، في السادسة من عمره، وأتمه في الحادية عشرة من عمره..

رباه والده على حب القرآن، وكذلك عمه إبراهيم مدكور، ودرس عنده في صغره، وكانا يشجعانه على ذلك ويرغبانه، ويمنيانه بأن يصير شيخاً وقارئا. 

هنيئاً مريئاً، والداك عليهما *** ملابس أنوار من التاج والحُلا

فما ظنكم بالنجل عند جزائه *** أولئك أهل الله، والصفوة الملا

ويعدّ الفقيد.. آخر تلاميذ العلامة المقرئ علي الضباع -رحمه الله-، الذي كان شيخاً لمعهد القراءات، ثم شيخاً للمقارئ المصرية.
ولم يكتفِ به، بل تتلمذ على غيره، منهم:
الشيخ عثمان بن سليمان مراد، والشيخ عبد الباسط هاشم، والشيخ عامر السيد عثمان، شيخ المقارئ الأسبق، والشيخ عبد الفتاح القاضي وغيرهم من أهل القرآن والقراءات والإقراء.

والفقيد -سقى الله جدثه-، شديد العناية بالقرآن، وكل ما يتصل بالقرآن، فعلى طعنه في السن، وتعجم لسانه، وهذرمة حروفه؛ للكبر والضعف.. مع هذا، إلا أنك لا تخطئه، وهو يستشهد بأبيات "الشاطبية" وغيرها، مما يدل على الاحتشاد والاحتفال، وجودة الحفظ في الصغر والاهتبال.

ولتميزه ونبوغه.. فقد أرسله الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله-، إلى أمريكا؛ لتعليم القرآن، واللغة العربية. 

والفقيد.. يحب الشباب، ويدعو لهم، ويؤمل فيهم الخير والمجد؛ متأثراً بتربية والده وعمه له، ويوصي بالرفق بهم، والإحسان إليهم، وعدم إسماعهم، ما يكرهون من كلمات نابية، وعبارات قاسية.
بل يذكر، أنه يحب الشباب، ويحبونه؛ لأنه يعتني بهم، ويحسن إليهم، ويدنو منهم.

رحم الله الشيخ الجليل، رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة، وجزاه كفاء ما علِم وعلّم، ووجّه وربّى، وأسمع وسمّع، وقرَأ وأقرأ.

وبعد، فهذه ومضات ولمضات، من جميل سيرته، وجليل مسيرته، وقد أخذت هاته الترجمة، من فِيّ الشيخ، عن طريق بعض اللقاءات معه.
والحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٠/٢٣

الخميس، 11 يونيو 2020

رحيل المعمر الصالح!

رحيل المعمر الصالح!

بلغني يوم الأربعاء ١٤٤١/١٠/١١، وفاة العم الشيخ الفاضل المعمر قاسم حمراء المريدي: رجل كبير في السن، منور الوجه، لا يستطيع المشي، منذ سنوات مقعد في بيته، تعلو وجهه مهابة فطرية، وتكسوه لحية بيضاء، وقسماته، تشع جمالاً ووسامة.

وقد كان كبير القرية، وإليه المرجع في فصل الخصومة، وفض النزاع، بدون كثير كلام، أو رفع صوت، أو لسع سوط!

وقد كان يحبه أهل القرية جميعاً، ويزورونه كل جمعة، وقد زرته في جمعة كنت هناك، فاستأنست وأنست.

كان أول خطيب للجمعة في تلك القرية المباركة، التي لطالما نزلت بها رحلي، فشعرت وكأني بين أهلي، بل وشارك في تأسيس مسجد القرية!

وهو رجل سهل الحياة، فلم يكن يحب الدَّين، وقد مات وليس لأحد عليه شيئاً، فاعجب!

كان يحب أهل العلم، ويستمع لفتاويهم، ولا يكاد يفارق مسمّعه (الراديو) أذنه؛ ليأنس بأهل العلم وفتاويهم!

ابتلي بكسر رجله منذ سنوات عديدة، لعلها وصلت العشر، ولم يظهر -كما أخبرت- شكاة أو تبرماً، بل كان مجتهداً في تلاوة القرآن الكريم، وقد ختم في مرضه، نحواً مائة ختمة!

وقبل موته، جمع أهله وأولاده، ونظر إليهم، ثم تشهد، واضطجع على فراشه، وعرق جبينه..
وكان هذا آخر العهد به، فما أجملها من خاتمة!

وكان قد خلف ذرية كبيرة: أولاداً وبناتاً، وأحفاداً وأسباطاً -حفظها الله- على عدد سني عمره، أحد عشر نفساً!

رحمه الله رحمة الأبرا، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، وأحسن الله عزاء أولاده الفضلاء، وأبنائه النبلاء، وعلى رأسهم، الشيخ المتفنن أبو مالك درويش بن قاسم المريدي، وجميع أهله وذويه ومحبيه.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٠/١٧

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

رحيل محب الدعوة!

رحيل محب الدعوة!

نمي إلي أمس، وفاة العم الشيخ الكريم أحمد شلب (أبو رجائي) الرجل الذي عاش حياته للمسجد وفي المسجد!

رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات، وجبر مصاب أهله وذويه ومحبيه.

وقد عرفته، بالحب الشديد للدعوة إلى الله تعالى، والحرص عليها، والخروج إليها، ودعوة الناس، رغم كبر سنه، وتقدمه في العمر، إلا أن فيه روح الشباب في الهمة والقوة والحرص.

وهو صاحب همة عالية، فكما أذكر، أنه حفظ القرآن بعد أن تكهل، بل وحفظ رياض الصالحين وغيره -فيما أحدس-!

وهو رجل مستوطن بيوت الله، فمنذ عرفته، وهو في مسجد التقوى: يؤذن، ويؤم، ويدرس، ويخطب، على طول سنوات كثيرة.

بسمته لا تفارق محياه، والبشر يفتر عن وجنتيه، والحب للآخرين يظهر على قسمات وجهه، وحسن تعامله ورفقه.

أبا رجائي، رحمك الله وأكرم نزلك، ووسع مدخلك، ولقاك نضرة وسرورا، وإستبرقاً وحريرا.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/١٠/١٧

الجمعة، 5 يونيو 2020

وترجّل الشيخ الطموح بعد ثمانية عقود!

وترجّل الشيخ الطموح بعد ثمانية عقود!

سمعت، بوفاة الشيخ الكريم، والعم المبارك: سليمان طهبوشي..

رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.

والعم سليمان.. من خيرة الناس: صفاء وصلاحاً، ونقاء وفلاحاً.. عرفته منذ سنوات، وهو يحب الخير والدعوة إلى الله تعالى، ويقدِّم أحياناً لبعض المشايخ، ويعرّف بهم.. إذا أتوا إلى قريته للمحاضرة أو الدرس.

والشيخ سليمان.. رغم كبر سنه، الذي شارف الثمانين أو خنقها، إلا أن فيه روح الشباب، وشجاعة الأبطال، وهمة الكبار.. فهو لا يترك قيام الليل ولا يفتر عنه، ويصوم الإثنين والخميس.
وهو يحب المشي على قدميه، ولو مسافات طويلة، لا يعرف الكسل والملل والعلل -رغم علله المتتالية المتوالية-، بل تراه -تبارك الله- يفري الطريق فرياً، ويخب الأرض خبّاً.

كان مزوراً لأصحابه وأقاربه، لا يتوانى عن زورتهم، أو يتكاسل عن صلتهم.
وأذكر، أنه كان يذهب إلى بيت والدي -حفظه الله في عافية-؛ لزيارته، والتأنس معه، والتحدث إليه!

وكان لا يأتي مدينتي، إلا وزارني -أنا الصغير، الذي بمنزلة أحد أبنائه-، بل ويأتي لي بالهدايا والحدايا.
وإذا جاءني، أعزم عليه، إلا تناول معي الغداء.. فيهاتف أخته الكبرى -حفظها الله-، ويستأذنها!

وإذا جاءني، ولم يجدني؛ فيحرّص على الأولاد، أن يخبروني!
وإذا وجدني نائماً؛ قال لهم: أيقظوه، قولوا له: عمك سليمان؟ فأهبّ من نومي -والله- فرحاً مسرورا!

وأنا رجل، أحب الجلوس مع كبار السن، لا سيما، إذا كانوا ذوي عقل رجيح، ولسان فصيح، وتجارب حياتية..
وحقيقة، إن الجلوس معهم؛ يزيد عمرك، ويعمر قلبك، ويبني حياتك، ويبهج لبك؛ لأن الطيش قد غادرهم، والنزق قد فارقهم، فلا تجد عندهم أثرة أو أنانية، بل يمحضونك النصح، ويشيرون عليك للأرشد، دون غلاظة أو فظاظة، بل ينزلونك منزلة أولادهم، وما تظنون في أب مع ابنه؟!
فالزموا الكبار، تكونوا كبارا!


وقد وعدته كثيراً.. أن أزوره إلى بيته، ولكن:
كيف الطريق، ودون ذلك أهوالُ؟!
فاللهم غفراً وعذراً..

كان -رحمه الله- متزوجاً باثنتين، وأنجب منهما ذراري وذرية، وكان يود أن يثلث بثالثة، ولكن، له فيها شرائط معيية على مثله، منها: أن تكون حافظة للقرآن الكريم، والبخاري ومسلم، إلى ثالث ورابع!
بل، وينظم في عروسه الغائبة الحاضرة، وفي أوصافها.. الأشعار المشعورة، ويضحكنا، ويؤنس السامعين، وندعوا له بالتوفيق والتحقيق.

ولم يكن، من ذوي العبث العابث، والعهد الناكث، الذين يتزوجون شهوة ونزوة فقط، دون مراعاة مقاصد الزواج، أو جبر الخواطر -كفى الله المسلمات شرهم، ورد كيدهم في نحرهم، وكسرت خواطرهم، وعسفت مخاطرهم-.

وكان صاحب دعابة محببة، ونكتة مضحكة، بدون شطط في القول، أو حطط في الفعل، وإذا انتهى من حكاية نكتة، أتبعها، بالاستغفار، وهو كثير الذكر والاستغفار والابتهال!

وقد كان في شبابه.. جواب آفاق، وعَشاق أسفار، فقد سافر إلى بلدان كثيرة؛ ابتغاء الرزق والبلهنية!


وأنا في تحسر وتكدر وتعكر وتصدر؛ لفراقه، دون إكحال عيني برؤية وجهه الجميل، ولحيته الحمراء الكثيفة، وقامته المعتدلة، ولكن: إنها الحرب الهوجاء، التي تفرق وتشت -أنهاها الله-!
كلما قلنا: عساها تنتهي *** قالت: الأيام: هذا مبتداها!

لكنا، نرجوا الله، أن يكون الحال:
وإذا قلنا: عساها تنتحي *** قالت الأيام: هذا منتهاها!

وقبل أشهر.. تاقت روحه؛ لزيارة البيت العتيق، والصلاة في المسجد الحرام، ومشاهدة ذاك الجلال والجمال.. فأزمع الرحيل، رغم عجزه وكبره ومرضه، ولكنه: الحب الذي يقطع كل الأبعاد، ويقرب بين المسافات! فكان له ما أراد، من الزيارة والعمرة والطواف، والتروي بزمزم، فبلّ روحه المتعبة، وبلبل قلبه المثخن بالأمراض!

وكنت على تواصل معه- في سفره وحضره، حتى أعياه المرض الخبيث، والداء الدوي، فصار رهن الفراش، وقيد المكان؛ لمدة لا بأس بها، وكنت أطلب مهاتفته، لكنه لا يقوى على الكلام!

حتى أسلم الروح لباريها، في ليلة وترية من العشر الأخيرة من رمضان، لهذا العام ١٤٤١.

فما نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. 
وأحسن الله عزاءنا، وعزاء أهله وذويه ومحبيه، وأسكنه فسيح الجنان، وعالي الرضوان.

وهذا حال الدنيا: اجتماع وافتراق، وأفراح وأتراح، وحلول وارتحال.
إنا لله وإنا إليه راجعون.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٠/١٤

الأربعاء، 3 يونيو 2020

رحيل الصديق المصفى.. مصطفى!

#وفاة_علم
رحيل الصديق المصفى.. مصطفى!
بلغني يوم الأربعاء ١٤٤١/١٠/١٠، نبأ وفاة الصديق الصدوق، والصاحب البسام: مصطفى نجد.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة.. فقد كان دمث الخلق، براق الثنايا، صاحب وقار ورزانة، يكاد وجهه يشع بالنور، ويكأن ثغره ينفتح عن ضحكة، ولكنه يكتمها بابتسامة خجولة.
كان هميس الصوت، لا يكاد يسمعه إلا نجيه!
لا أعلم، له هوشاً أو عراكا.. لا يحب الخوض فيما لا يعني، ولا التدخل فيما لا فائدة فيه ولا منه.

مصطفى.. كان دؤوباً في عمله، ينشر الفأل فيمن حوله بجمال روحه، وإشراق وجهه، وتزين وجهه، لحية كثيفة، قاتمة السواد.

عرفت مصطفى، منذ عقد ونيف، يوم أن ذهبت خطيباً (خُطبة لا خِطبة) صغيراً، دون البلوغ، في قريته، بمحافظة البيضاء، وأظنها (عريب) ودعاني بعد الخطبة إلى تناول الغداء في بيته الكريم، وكان نعم المضيف الشهم.

وأتذكر، أن ولده عبد الرحمن، كان في مهده، لا يعي من أمر الدنيا شياً، ومات قبل أن يدرك كثير شيء! فرحمه الله رحمة الأبرار، وجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام، فإني أحدس، أنه مات قبل البلوغ.

وكأن مصطفى، قد سئم الدنيا، منذ فراق ولده عبد الرحمن، ليس اعتراضاً على القدر، ولكني كنت أراه ذابل الغصن، واجم الفؤاد، ولكنه، يروح ويأتي، ويبيع ويشتري، حتى كان اللحاق، أمس، بفلذة كبده العزيز!

فاللهم اجمعهم في جنتك، وأفض عليهم من رحمتك، واخلف على أهله وولده.. بخير وصبر وثبات ويقين وسكينة وطمأنينة. 
رحمك الله أبا عبد الرحمن.

وكتب: وليد الوصابي. 
١٤٤١/١٠/١١

الاثنين، 1 يونيو 2020

تدلي اللها، إلى حقيقة اسم "بديعية" ابن حجة الحموي، وشرحها!

 تدلي اللها، إلى حقيقة اسم "بديعية" ابن حجة الحموي، وشرحها!
 
البديعيات: مصطلح يطلق على القصائد الطويلة، التي تزيد على مائة بيت، وتشتمل كل بيت فيها، على لون أو أكثر من ألوان البديع: اللفظي، والمعنوي.
وهي في الأساس: منظومة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وربما خرج بعضهم، عن هذا القيد، إلى مدح الصحب الكرام، أو الملوك والأمراء ونحوهم.

وأول من ابتكرها، هو صفي الدين الحلي، الذي أملى بديعيته، سنة (٧٣٧) في (١٤٥) بيتاً، سماها: (الكافية البديعية)، وأتى بها على (١٥١) نوعاً، ومن هاته التسمية، جاء الابتكار، وحدا من بعده هذا الاختيار.

فتكون القصائد البديعيات.. قد ولدت في القرن الثامن الهجري، وتناسلت لها قصائد نبوية بديعية، خلال العصور الإسلامية حتى هذا اليوم.

ولقد كانت قبل الحلي، تعرف بالقصائد النبوية المدحية؛ إذ كان الشاعر، يتغنى بحب الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، ويمتدح صفاته، وأخلاقه، وقيمه، ومثله.
ينظر: مقدمة (شرح الكافية البديعية) للحلي، تحقيق: الأستاذ رشيد عبد الرحمن العبيدي.

وقيل: إن أول، من ابتكرها، هو: أمين الدين علي بن عثمان بن علي بن سليمان الأربلي الشاعر الصوفي، تـ٦٧٠.

وممن جرى في هذا المضمار.. العلامة الأديب أبو بكر بن علي بن حجة الحموي الحنفي الأزراري، المولود، سنة ٧٦٧، الذي كان يعمل في بيع الأزرار، فتولع بالأدب، ومهر به.
وقد كان، طويل النفس في النظم والنثر، واسع الباع فيهما، وله مقاطيع بديعة، وإسهابات وسيعة، وإيرادات شسيعة.
وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر وتلميذه أيضاً.
توفي سنة ٨٣٧.
رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.

وتسمى بديعيته (بديعية ابن حجة الحموي، أو تقديم أبي بكر) سار فيها على طريقة الصفي الحلي، وتقع في (١٢٠) مائة وعشرين بيتاً، وهي في مدح الرسول الكريم، عليه الصلاة وأتم التسليم، وعدّ فيها من أنواع البديع، (١٤٢) مائة واثنين وأربعين نوعاً.
استهلها ببراعة الاستهلال، قائلاً:
لي في ابتدا مدحكم يا عُربَ ذي سلم *** براعة تستهل الدمع في العَلمِ

وكان معجباً بها، مزرياً بغيرها، فاسمعه، يقول -في تحكيمه بين الشيخين: صفي الدين الحلي، وجمال الدين ابن نباتة-:

تصفحت ديوان الصفي، فلم أجد *** لديه من السحر الحلال مرامي

فقلت لقلبي دونك ابن نباتة *** ولا تتبع الحلي، فهو حرامي! 

وقد طبعت بمطبعة بولاق سنة ١٢٩١، ثم طبعة أخرى، في سنة ١٣٠٤، ثم في المطبعة الأدبية ببيروت، عام ١٣٢٣.
ينظر: (معجم المطبوعات: ١/ ٧٦)

ثم إن ابن حجة.. شرح (بديعيته)، في معلمة كبرى، زاخرة بالفنون، فاخرة المتون، وإن كان -عفا الله عنه- غشيها، بالمجون!

ولم أقف لشرحه هذا، على اسم خاص، سوى (شرح البديعية) لكنها طبعت، باسم: (خزانة الأدب وغاية الأرب) لكني، لم أجد هذا الاسم، عند معاصريه، ومن بعدهم، ولم يتبدى سافراً، إلا عند المتأخرين، أمثال: الزركلي، وادوارد كرنيليوس فانديك، وإليان سركيس ونحوهم من العصريين.

ووجدت ابن حجة، في مقدمة شرحه: ١/ ١٨) يقول: "وسميتها: تقديم أبي بكر".

قلت: وهذا ما ذكره السيوطي، في (الإتقان: ١/ ٢٩٧) والسخاوي، في (الجواهر والدرر: ٢/ ٧٢٨) وابن العماد، في (شذرات الذهب: ١/ ٨٩)
والحاج خليفة، في (كشف الظنون: ٢/ ١٩٦٢) والشوكاني، في (الفتح الرباني: ٣/ ١٤١١) وغيرهم.

ثم اختصر هذا الشرح، بكتاب، سماه: (ثبوت الحجة على الموصلي والحلي لابن حجة" منه نسخة في برلين، برقم (٧٣٦٩).

ينظر: (ابن حجة الحموي، شاعراً وناقداً) للدكتور محمود الربداوي، و(البديعيات في الأدب العربي) للأستاذ علي أبو زيد، و (خزانة الأدب) تحقيق الدكتورة كوكب دياب.


وفي تسميتها "تقديم أبي بكر" مطمحان وملمحان:
-الإلماح، إلى نفسه؛ إذ أن كنيته (أبو بكر) فيريد أن يقول: إن بديعيتي، مقدمة على بديعيات غيري.
-الإطماح، إلى تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، على علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 

وهي معلمة رائعة، ومفخرة ذائعة، حوت جواهر ودررا، واحتوت بواهر وغررا، بل ضم بين جنبتيها، من التواليف، رسائل، وجمع إلى لابتيها، من العلوم، وسائل.

قال الحاج خليفة -عنها-: "وهو مجموع أدب، قلّ أن يوجد في غيره، ولعل مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن فيه إلا جودة الشواهد، لكل نوع من الأنواع، مع ما امتاز به، من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين، فإن مصنفه مرتفع عنه كلفة العارية، وهذا وحده مقصود لكل حاذق؛ كذا نقل من خط ابن حجر على ظهر نسخة منها".
(كشف الظنون: ١/ ٢٣٣)
 

وقد شرحها وعارضها وناجزها، كثير من أهل العلم.
فممن عارضها: السيوطي في بديعية رصينة، تقع في مائة وثلاثة وثلاثين بيتاً.

وممن انتقدها.. العلامة عبد القادر بن محمد الطبري المكي، برد، سماه (عليّ الحجة بتأخير أبي بكر ابن حجة).

والعلامة أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن شهاب الدين، باعلوي السقاف الحسيني، تـ١٣٤١، برد، سماه: (إقامة الحجة على ابن حجة).

هذا، ما تيسر تحريره، وما وسع تقريره، من تحرير من سبق، وتقرير من لحق، وإنما، أنا من موائدهم، مؤتدم، ومن أقواتهم، ملتحم، والله العاصم والقاسم.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٠/١٠