الاثنين، 30 نوفمبر 2020

ذِكَر.. مع قطرات المطر! من نافذة النافذة..


ذِكَر.. مع قطرات المطر!


خلدت إلى فراشي بعد نهار طويل، ذهبت فيه وأتيت، وفرحت وأنّيت.

تقلبت بي الأطوار -والحمد لله- بين فرح وألم، وحزن وأمل، ثم جاء الليل، لتسكن فيه نفسي، وآوي إلى أولادي وعرسي..


ولكن الليل، وما أدراك ما الليل؟ مبثّ الآهات، ومزار الآلام، ومُشتد الهموم، ومجثم الأحزان، (والليل أخفى للويل) كما تقول العرب العرباء، فتشرب فيه الصهباء، ويكون فيه أنواع من البلاء، تحت ستر الليل الأليل، والظلام الأخيل. 


وهو نعمة عظيمة، وآية فخيمة: "وجعلنا الليل والنهار آيتين" فجعله الله آية: تسكن فيه النفوس، وتأوي إليه الأجساد، بعد اختفاء الشموس، لتجد الراحة والطمأنينة، فواعجبي ممن يُسخّر هذه النعمة، معصية ونقمة "ألا ذلك هو الخسران المبين"!


خرجت عن قصدي الذي أردت قوله، وهو: أني أرزح في نومي، وأشرع في عومي، بجوار نافذةٍ نافذة؛ إذ بي أسمع أملاً، وأحس خملاً، فإذا النوم يغادر، والنفس تبتهج، والقلب يسكن، ففزعت: حامداً شاكراً ذاكراً.


ما أرحمك ربي وأكثر عطاياك، وما أسوأ فعل بعضنا تجاه أنعامك وأفضالك: (اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا).


شممت ذلك الريح الرائح، والطيب العبق- الذي ينشره المطر، ويبعثه القطر، فيعطر أنوفنا المزكمة بالروائح الكريهة، التي بثتها المدنية الكاذبة، وجلبها الإنسان الظلوم الجهول.


المطر -يا قوم- نعمة جليلة من الله الكريم الرحيم، يبثها بين خلقه، بعد أن أمحلت قلوبهم، وأجدبت أرضهم، فيجعلها الله لهم متاعاً ونفعاً، "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" فلك الحمد ربنا، والشكر لك.


وناشدت الله رجالاً ونساء.. أن لا يتخذوا من هذه النعمة، معصية وانحلالاً، ولغطاً واختلالاً "ويحذركم الله نفسه" (فإن ربكم يغار، وغيرته؛ أن يأتي المرء ما حرم الله).

فاحذروا غضب الله وسخطه، فإن الله رحيم، ولكنه -سبحانه- يغضب حين تنتهك حُرمه.


إذا ما تجدد فصل الربيع *** تجدد للقلب فضل الرجاءِ


عسى الحال يصلح بعد الذنوبِ *** كما الأرض تهتز بعد الشتاءِ


هذه تذكرة لنفسي، ولبني جنسي، كتبتها حين رأيت الغيث همى، والنبات نمى، فبادرت أن لا يظل الإنسان في عمى، وأن لا يقترب من الحِمى!


وكتب: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧/٧/٢

١٤٤١/٤/٤


#مقالاتي_ومقولاتي

#أنابيش_الكنانيش

 

الأحد، 22 نوفمبر 2020

صلّوا في رحالكم.. كلمة غائبة!


صلّوا في رحالكم.. كلمة غائبة!


كلمة غابت عنا ردحاً من الزمن، وحيناً من الدهر! -والحمد لله-. وذلك لانقطاع سببها، وهو المطر والغيث.


وها نحن اليوم: سمعناها؛ فعشنا واقعها: "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر"


أذن الله للسحب أن تهطل غيثها وخيرها: "ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله".


ابتلّت الأرض، فاهتزت وربت، واخضرّت، وأخرجت زرعها وعشبها: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير".


والمطر آية من آيات الله التي عرفنا بها ربنا وخالقنا: "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج".


بردت الأرض، وسكن الحر، وذهب الفيح، وهدأت الوطأة؛ فآب الناس وثابوا إلى بيوتهم وأهليهم: فرحين مستبشرين! "فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون".


وكأني بهم قائلين: إن قطعت عنا الكهرباء، ناشرة الهواء، وملطفة الأجواء؛ فإن الله قد وهبنا هواء ربانياً، بدلاً من كهرباتهم الصناعية التي فيها الكثير من الأدواء، ومسببة اللأواء!


هرعتُ إلى بيتي، والسماء كأفواه القِرَب، ساكبة ماءها، وغيثها علينا مدراراً.. 

ورأيت في طريقي أطفالاً صغاراً، آذاهم الحر، ولفحهم اللهب، حتى غرز في أجسامهم الضعيفة بثوراً حمراء، ودماميل نتناء، مدببة الطرف، تؤلمهم وتقلقهم!


رأيتهم يسبحون في حفرة صغيرة كصغرهم، وقد اجتمع فيها ماء المطر، فرموا بأجسامهم النحيلة فيها، وهم يضحكون ويقهقهون، يناغون السعادة، ويناجون الراحة!

وكأنه لم يمر عليهم يوم تعس أو بؤس!


إنها براءة الصغر، وسلامة قلوبهم، وصحة فطرهم، جعلهم يعيشون لحظتهم الراهنة، مع أني أسأل الله لهم السلامة مما قد يكون في هذه الحفر من أوضار وأخطار.


وإن العقل، أن تعيش لساعتك في ساعتك: عبادة وعملاً ورزقاً، فلا ماضٍ أليم، ولا مستقبل عديم، بل حاضر تعيش فيه اللحظة، ولتكن في طاعة مولاك.

ولنكن مثلهم؛ نسعد وننعم!


وإني أهتبلها فرصة؛ لأذكّر نفسي وإخواني وأخواتي في شتى بقاع الأرض، أن يقابلوا نعم الله بالشكران والعرفان، فيحمدوا ربهم، ويطيعوه، ويكثروا ذكره ودعاءه، وأن لا تكون نعمة الله، محلاً لمعصيته من اختلاط حرام، ومعاكسات الغرام، ومن الصخب الفاجر، واللعب العاهر، فإن (الشكر، قيد النعم) وأعظم شكر النعمة: تسخيرها في طاعة الله ومرضاته.


وكم أتعجب ممن ملئت قلوبهم: كفراً وإلحاداً بالمنعم، وهم يرون آثار نعمه، وعظيم آلائه! "ولكن أكثر الناس لا يفقهون" و"لا يشكرون" و"لا يعلمون"!


اخرجوا وامزحوا والعبوا واركضوا وكلوا واشربوا، "ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين" ولا تتجاوزوا ما أحل الله لكم، وما أحله الله لنا كثير وفير، فلا يصير إلى الحرام إلا شقي مقي!

فلا تكنه!


هذه خاطرة سنحت، وفكرة للبّي داعبت، فأبديتها لمن أرادها هدية خالصة، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام، عن ردّ الهدية!


لك الحمد ربي كثيراً، ولك الشكر كثيراً، كما أنعمت علينا كثيراً..

والله يتولاكم ويرعاكم ويكلؤكم..

وسلام الله عليكم.


محبكم: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٧/١١/٦

١٤٤٠/٣/١٥




الخميس، 19 نوفمبر 2020

رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة!


رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة!

لا أدري، من أين أبدأ، ولا من أين ألج، وكيف أمهد، وبمَ أعلق؟! 

لكني أترك السفينة لربانيها، والبيت لبانيها، والقوس لباريها.. هلموا اركبوا السفينة، ثم اسكنوا البيت، وصوبوا النبال في لبد الأعداء.. 

يقول عبد الله عفيفي:
في أصيل يوم صيف سنة ١٩١٤؛ كنت واقفاً في جمهور الواقفين في محطة طنطا؛ أترقب القطار القادم من الإسكندرية؛ لأتخذه إلى القاهرة.

لقد كان كل في شغل بتلك الدقائق المعدودات، يقضيها في توديع وإشفاق، وترقب وانتظار، وحمل متاع وتنسيق آخر، وكنت في شغل بصديق يجاذبني حديثاً شيقاً ممتعاً في تلك اللحظات الفانية، وبين ذلك الجمع المحتشد، راع الناس صياح وإعوال، وتهدج واضطراب، ومشادة ومدافعة، ثم أبصروا فإذا بفتاة في السابعة عشر من سنيها، يقودها إلى موقف القطار شرطي عات شديد، وساع من سعاة معتمدي الدول قوي عتيد، ومن خلفها شيخ أوربي جاوز الستين مكتئب مهزول، وهي تدافع الرِّجلين حولها بيدين لا حول لهما.

أقبل القطار، ثم وقف؛ فكاد كل ينسى بذلك الموقف موقفه وما قصد له، ثم أصعدت الفتاة، وصعد معها من حولها، وعجِلت أنا وصاحبي، فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم.. كل ذلك والفتاة على حال من الحزن والكرب لا يجمل معها الصبر، ولا يحمد دونها الصمت.

سألت الشيخ ما خطبه، وما أمر الفتاة؟ 
فقال -وقد أشرقه الدمع، وقطع صوته الأسى-:
إنني رجل أسباني، وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتجزت ثيابها؛ لتتولى أمر غسلها، وأرسلتْ خمارها الأبيض على صفحتي وجهها، ومكشوف صدرها.
ثم أخذت تنفذ وقتها في صلاة وصيام، وسجود وهجود، وكانت تدعى (روز) فأبت إلا أن تسمى (فاطمة) وما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى، فصارت أشبه بها من القطرة بالقطرة، والزهرة بالزهرة.

فزعت لهول ذلك الأمر، وقصدت أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها؛ فلم يجد إلا شِماساً وامتناعا،وعزّت على الرجل خيبته؛ فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية بأمر الأسرة الخارجة على دينها!
وهنالك أمر المعتمد، حكومة مصر؛ فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم ذويها؛ ليقذف بها بين جوانب دير تسترد فيه دينها القديم.

قلت: أو أرضاك أن تساق ابنتك سوق الآثمات المجرمات على غير إثم ولا جريمة؟! 
فزفر الرجل زفرة، كاد يتصدع لها قلبه، وأحناء ضلوعه، ثم قال: أما لقد خدعت ودهمت، وغلب أمر الحكومتين أمري، فما عساني أفعل؟! 

على إثر ذلك انثنيت إلى الفتاة، وهي تعالج من أهوال الحزن وأثقاله ما تخشع الراسيات دون احتماله! فقلت: ما بالك يا فاطمة؟ -وكأنها أنست مني ما لم تأنسه ممن حولها-؟
فأجابتني -بصوت يتعثر من الضنى-: لنا جيرة مسلمون، أغدو إليهم؛ فأستمع أمر دينهم، حتى إذا أخذني النوم ذات ليلة رأيت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم في هالة من النور، يخطف سناها الأبصار، ويقول -وهو يلوح إلى بيده-: اقتربي يا فاطمة!

ولو أنك أبصرتها، وهي تنطق باسم النبي محمداً؛ لرأيت رِعدة تتمشى بين أعطافها وأطرافها، حتى تنتهي إلى أسنانها؛ فتخالف بينها، وإلى لسانها؛ فتعقله، وإلى وجهها؛ فتحيل لونه!

فلم تكد تستتم جملتها، حتى أخذتها رجفة؛ فهوت على مقعدها، كأنها بناء منتقض! إلى ذلك الحد غشى الناس ما غشيهم من الحزن، وأبصرت بشيخ يتمشى في ردهة القطار؛ فطلبت إليه أن يؤذن في أذنها، فلما انتهى إلى قوله: (أشهد أن محمداً رسول الله)؛ تنفست الصعداء، وأمعنت في البكاء، وعاودتها سيرتها الأولى.

فلما أفاقت؛ قلت لها: ومم تخافين وتفزعين؟
قالت: إنه سيؤمر بي إلى دير.. حيث ينهلون السياط من دمي، ولست من ذلك أخاف؛ ألا إن أخوف ما أخاف يومئذ؛ أن يحال بيني وبين صلاتي ونسكي!
قلت لها: يا فاطمة؛ أولا أدلك على خير من ذلك؟
قالت أجل. 
قلت: إن حكم الإسلام على القلوب؛ فما عليك لو أقررت بين يدي المعتمد بدينك القديم، وأودعت الإسلام بين شغاف قلبك، حتى لا يفوتك أن تقيمي شعائره حيث تشائين؟
هنالك نظرت إلي نظرة.. تضاءلت دونها، حتى خفيت علي نفسي!

ثم قالت: دون ذلك؛ حز الأعناق، وتفصيل المفاصل.. دعني؛ فإنني إن أطعت نفسي، عصاني لساني!

وكان ضلالاً ما توسلت به أنا وأبوها ومن حولها.

كان ذلك؛ حتى أوفينا على القاهرة؛ فحيل دونها.

لم أعلم بعد ذلك شيئاً من أمر فاطمة؛ لأني لم أستطع أن أعلم!

رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة، فما أنت أولى شهيدات الرأي الحر، والإيمان الوثيق.

ذلك ما رأيته، ولا والله ما غيرت منه شيئا إلا أن يكون اللفظ بمرادفه، فإن يكن الوقوف دون الحقيقة تغييراً ما لي العذر فيه.

قال أبو نعيم: هذا ما قصه الأديب عبد الله عفيفي، من أمر هاته الفتاة التي خالط الإيمان بشاشة قلبها. وصدق هرقل في قوله: (وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب)! فرغم صغر سنها، ومخالفة دين أبويها وقومها، التي نمت عليه وربت، والعذاب الملقى عليها.. إلا أنها صبرت وثبتت، ولم ترعوي أو تلتوي!

وهكذا هي المرأة؛ قوية الإرادة، صليبة الدين، أصيلة المبدأ.. لذلك لجأ لإغوائها دول بعَددها وعُددها!

ونحمد الله تعالى؛ إذ لا زالت المرأة شامخة بدينها، عزيزة بحيائها، جريئة في مبادئها، ولم تسمع للنهيق والزعيق والشهيق، بل أعطتهم دبر أذنها، وانطلقت تجر قدميها واطئة على أوراقهم الشوهاء، وأفكارهم العوجاء، وكأنها تقول: ألا شاهت الوجوه.
دمتِ بعز وثبات وشموخ. 

وليد أبو نعيم. 
١٤٤١/٣/٢٣



الأحد، 15 نوفمبر 2020

رحيل أحد كبار طلاب الألباني!

رحيل أحد كبار طلاب الألباني!

إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.

الآن، وبينا أنا أراجع في كتاب ما؛ إذ رأيت رسالة من أحد الفضلاء، يقول فيها: وفاة الشيخ علي الحلبي، عظم الله أجركم ...!

انقبض قلبي، واقشعر جلدي، واكفهر وجهي، ليس اعتراضاً -أعوذ بالله- ولكن هكذا تكون الصدمات، لمن تعرفهم، أو زاملتهم حتى في مجموعات التواصل.

وقد كنت مشتركاً في مجموعة وتسابية رائدة، فيها صفوة من المؤلفين والمحققين، والشيخ علي الحلبي -رحمه الله- معنا، يشاركنا فيها الأفراح والأتراح، ويفيد ويستفيد!

صحيح، لم ألتقه حقيقة، ولم أره عياناً؛ لكني رأيت أخلاقه، وقرأت تواليفه وتحاقيقه، وأدركت أدبه وأخلاقه.

صحيح، لم أتحدث إليك كفاحاً؛ لكننا طالما تراسلنا عبر الفضاء الإلكتروني، بل ونشرت لي مقالاً في موقعك (كل السلفيين) في الدفاع عن شيخك الشيخ ناصر الدين الألباني -رحم الله الجميع-.

وقد علمت قبل أيام قلائل، عن إصابته بوباء كورونا، فتوجعنا له، وسألنا الله له الشفاء، ولكن كان قضاء الله أسرع "ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين".

رحمك الله -أبا الحارث- رحمة الأبرار، وأسكنك جنات تجري تحتها الأنهار، وأجزل لك المثوبة والعطاء.. فما علمتك إلا رقيقاً شفيقاً مع أهل عقدك، وقد شهدت لك محاولات في رأب صدع، ورتق فتق، بدعاء وثناء، وصبر وبصيرة.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤٢/٣/٢٩

#وفاة_علم
#مقالاتي_ومقولاتي
#أنابيش_الكنانيش

السبت، 14 نوفمبر 2020

قراءة ونقد لرواية "الرهينة"!


قراءة ونقد لرواية "الرهينة"!


دهشت عند قراءة رواية (الرهينة) المهينة، وهالني ما وجدت فيها من سخف وإسفاف، وبعدٍ عن الحشمة والعفاف.


وفزعت، لِما رأيت فيها من الكلام المبتذل، والسقوط القذر في الحب الحرام، والجنس المشاع!


مع ما فيها من اعتوار سردي أدبي، بيّن بعضه الشاعر الناقد عبد الله البردوني، في كتابه (الثقافة والثورة في اليمن: ٢٢٢ - ٢٣٢) -كما أفادني الأستاذ محمد السواري-.


من اختياره لبطلته الزائفة، اسم (حفصة) غائباً عنه، أن الأئمة يندر أن يسموا (حفصة) مما "يشي عن قلة اختبار الروائي، بثقافة البيت الذي منه حفصة" "وقلة الاختبار في الأسماء، تقود إلى قلة اختبار أسباب الرهانة ورهن الآباء".


ومع هذا.. يُزعم أنها تحكي حياة ذلك الوقت، أو تصوّر ذلك الزمان؟!

وهذا محض افتراء وكذب؛ لأنه جسّد لنا ذلك الزمن، أنه زمن مغامرات غرامية، ولقاءات جنسية، وفحيح وسجيح!


فتراه بفجاجة وصفاقة؛ يروي لنا أن ذاك الطبشي صنع بتلك البغلة ما صنع، وأن النائب أمر بخياطة فروج الدواب!

ثم عقّب: لو أنهم خاطوا فروج النساء!

إشارة إلى ممارسة الرذيلة من النساء في تلك القصور، ويدل كلامه على الكثرة الكاثرة!

وهذا هُجر ومنكر من القول وبور وزور وفجور..


ولا يستحي دمّاج من نفسه؛ إذ يذكر: أن ذاك الشاعر صنع به وصنع، وأنه أوصل يده ... لا أدري إلى أين؟!

فيا لله، ماهذا الانحدار الوسخ، والانحطاط في الأخلاق، والتردي في الرذيلة!


والعجيب، أنه صور نساء القصر، وهن يتهافتن عليه أو على الشباب بذلك الأسلوب المضحك الساخر!


ومعلوم أن نساء تلك الطبقة، أبعد ما يكنّ عن تفشي أسرارهن، إن كن يعملن تلك الأعمال المهينة.


فما بالهن يسعين خلف صبي مراهق، أو لم يبلغ الحلم بعد، لا يعرف السر فضلاً عن حفظه وصونه!

زد، أنهن يعلمن أن آباء الرهائن من ألدّ أعداء الإمام وحاشيته، فالفضيحة منه متوقعة بل مستلزمة.

فكيف يغامرن بحياتهن، ويُراهنّ على سمعتهن، وسمعة أهلهن وقبيلتهن؟!


ويبين البردوني، أن الرهائن قسمين: رهائن تمرد، ورهائن ضمان، وأن رهائن الضمان، في مكان عال مشرف، ويحرص الأشياخ على تقديم أبنائهم رهائن؛ لمزيد قرب واعتلاء، وهو الذي يكون دويداراً، وله التنزه والخروج متى شاء، ولا يكون إلا صغيراً، أما رهائن التمرد (ومنهم: العائب الخائب) فيكونون في السجون وربما في تعاسة، ولا يختصون بسن معينة، بل يرتهنون الصغير والكبير، ولا يصلون إلى رتبة الدويدار.. فما بال دماج، يصل دويداراً، وهو رهينة تمرد؟!


ويخبر الخائب.. كيف كان لبس النساء، وأنه شفاف أبيض، يشف عما بداخله من بياض، ويكشف عما تحته من غياض!

وينسب هذا اللباس، إلى الشريفة حفصة أخت النائب!


إنها كذبة صلعاء، لا تنفق على العقلاء الذين يخبُرون ذلك الزمان، هذا أمر.


والأمر الآخر: كيف يليق بأخت النائب أن تظهر بهذا المظهر المخزي أمام رهائن أذلاء في نظرها حقراء؟!

إن البغِي، قد تخجل من هذا الفعل لأول وهلة، كيف بعفيفة شريفة؟! اللهم غفراً.


ولم يكتف حتى فضح كذبه، وكشف سوأته.. حينما يخبر: أن النائب علم بعلاقة مشبوهة، مع أخته الشريفة حفصة!

ولم يزد أن قطع حديثه، ليسأله عما دار بينه وبين الغلام!


إن هذا لا يفعله الديوث، فضلاً عن نائب له مكانته في المجتمع، لا سيما، أن الأمر قد ذاع وشاع، وما قصة نبي الله يوسف عليه السلام، عنا ببعيد؛ إذ تهمة ماكرة من زوجة العزيز، جعلته يقضي أعواماً مديدة في السجن!

فيا هذا، كفّ عنا قيئك وجشاءك، فقد آذيت وآنيت وأقذيت وأخديت.


وحدثنا، أن القصور في ذلك الآن، فيها الخمور والمجون والعهر!

وهذا إن سلمنا به، فلا نسلّم أن يكون هذا مشاعاً لدى الجميع حتى لدى الدويدار المهين!


ثم، بعد هذا وذاك.. لماذا حكاية هذه الأخبار السافلة، والقصص الرخيصة، والأدب المكشوف؟

ألم يكن في سواه من وصف الأرض والحرث والزرع، والمعيشة والعادات ما يكفي ويفيد؟

ويكون قد أحسن في ذلك بتاريخه لحقبة مهمة من تاريخنا، وإن شاركه غيره، إلا أن كلاً يدلي بدلوه.

ولكن:

(إن الذباب يراعي موضع العلل)!


وأي جراءة يملك هذا الصبي الوقح، حتى يحذّر سيدته من مغبة ذلك الحب الوحيد الفريد الوخيم، مع الشاعر الوسيم؟!

كيف أمن مغبة العواقب منها، ومن شاعر الإمام؟


ومن المعلوم في التاريخ.. أن هذه الأمور لا يقبل فيها المزاح أو الهوادة، بل يُضحّى فيها بأقرب قريب؛ ليسلم للحبيب حبيبه، فكيف سلم صاحبنا اللاعب، بل لم يكتفِ ببجاحته حتى ذكر أنها راجعته، وهي من طلبت المصالحة بينهما؟!

ياللهراء!


وهو لم يستحِ ولم يخفِ الله، حينما أشار إلى جريمتين كبيرتين، وتهمتين عظيمتين:

إحداهما: أن ولي العهد أحمد، له ابن غير شرعي من امرأة كان يعاشرها!


وكلنا يعلم أنه كان عالماً ورعاً عن هذه الدناءات، ولم نعلم عنه هذا العهر، بل كان مهتماً بشؤون المملكة وما يحاك حولها.

أفيفعل ما يكون سبباً لسقوط العرش؟


والثانية: أن ولي العهد، يحب المردان، وربما ما هو أبعد من ذلك! إذ أنه يفضل الغلام على زوجاته! وأنه يخلو به في غرفة خاصة بعيداً حتى عن زوجاته الجميلات!

فماذا بعد؟!


ولم يكتفِ الغاوي حتى قضى عربدته الغرامية في المقبرة حيث أشباح الموتى!

وهذا فعل ينأى عنه الفسقة العتاة، فكيف بصبيٍ يناهز الاحتلام؟!


إنها كذبات شنيعة، ونزوات كلامية.. تسيئ لذلك الزمن بما فيه ومن فيه!

وفيه من إغراء وإغواء الشباب والشابات ما فيه!

وهذا أكثر ما يطمح إليه بعض الكاتبين الفارغين "الذين مردوا على النفاق"!


وفي الرواية.. إشارة لم يتنبه لها الكثير، وهي أنه أوصل رسالة: أن الصلاة والتعلق بالله غير مجدٍ، وليس هو الحل النافع للتخلص من المشاكل والأزمات!


إذ أخبر، أنه لجأ إلى الصلاة مبتهلاً لربه أن يخلصه من حبه الواهم للسيدة حفصة!

وذكر أنه لم يشف منها، قائلاً: (تركت الصلاة،  فلم تبلغني مأربي)! بل زاد هيمانه، واستعر حبه، ودهش لبه!


وهذا مسقط وخيم، يوحي للنشء أن الصلاة والإقبال على الله سبحانه، لا يخلص من الآلام النفسية، والنكبات المادية!

وهذا محض جحدٍ وافتراء، ولا يحتاج مني لإقامة دليل وبرهان؛ إذ هو معلوم من الدين بالضرورة.


وأختم قائلاً: قد كثر السقط والإسقاط في كثير من الروايات الخيالية، والقصص الغرامية.. التي تضيع أوقات الشبيبة فيما لا يعيد على عقولهم بالنفع والمعرفة، بل تبلبل أفكارهم، وتسلبهم آراءهم، وتثير الشهوات، وتمكّن الشبهات، فتركس وتنكس وتعبس وتنجس وتحبس!


وهذا ما بلينا به، من بعض كتّاب لا خلاق لهم، ولا همّ لهم.. إلا إفساد المجتمع الإسلامي وانحلاله، وإغوائه وإخلاله.


والداهية.. وجود هؤلاء الحقراء في أوطاننا العربية والإسلامية، وما العلمانية والليبرالية والحداثية.. عنا ببعيد، ولكن لا ولم ولن يعدموا ناقضاً لخيمهم الواهنة، وخداعهم الهش، من غيورين عن دين الله تعالى "ولينصرن الله من ينصره" ونحن نستعدي عليهم القوي المتين، و"إن ربك لبالمرصاد".


والخلاصة: أن رواية "الرهينة".. رواية غالطة مغالطة حابطة ساقطة هابطة، متناقضة في أخبارها؛ "إذ وصف الروائي مداخن البيوت، وهي تغطي الأجواء، ثم صور انتفاخ البطون جوعاً، فكيف اجتمع عمران المطابخ الشعبية، وجوع الشعب"؟!

ففيها من الكذب والهراء، والانحدار الأخلاقي، ما ينبو عنه السمع، ويصم الأذن، وقد تأذيت حين قراءتي لها جداً؛ لإساءاته الفجّة، وتجنياته الوقحة، بأسلوب يحسبه البعض منصفاً، والنار تخبو تحت الرماد!

وأنها "لا تعبر بصدق فني عن المضمون الاجتماعي، ولا عن تاريخ فترة الأربعينات".


ولم أكن أصدّق، أن يصل البعض، إلى ذلك الانحدار السافل، والتصوير المقذع، لذلك الوقت الذي كان أبعد ما كان عن التسفل الخلقي، والهبوط البهيمي، وإن وجد، فمن أفراد.


على كل، اكتأبت شديداً، فاكتتبت حديدا، وقدمت نقدي وقراءتي لهاته الرواية الساقطة.


فحذار -أخي وأختي- من الانسياق وراء كل مقروء أو مسموع أو مشاهد، بل ليكن لدينا الحس النقدي لما يخالف ديننا وقرآننا وقيمنا وأخلاقنا، مهما كان وممن كان، وإلا سقطنا في هوة سحيقة، وحفرة عميقة، لا مُنجي لنا منها، إلا أن يشاء الله (والسلامة لا يعدلها شيء) سلمني الله وإياكم.


وما ذكره هذا الفدم الغمر المراهق؛ عار عن الصحة؛ لما قدمت من أسباب، ولأن الوقت كان محافظاً لدرجة كبيرة -ولا زال الكثير- والحمد لله- ولم تكن المدنية الزائفة قد ضربت أطنابها، خصوصاً في يمننا الحبيب.


ولا أخالف في تفشي المنكرات والمسكرات في قصور الأئمة من قديم الزمان، لكن كلامي هنا، يتوجه إلى تناقض الرواية، ونظرها للنظرة الجنسية والإباحية، بينما لو أنصف وابتعد عن الفحش والهجر؛ لأخبرنا بأمور مهمة حصلت في قصور ذلك الآن.


ولا أنكر أو أنفي وجود الفحش، لكنه مِن أفراد وفي كل زمان ومكان، فمن الظلم والحيف أن تنزّل حالات فردية على أمة من الأمم، إنها لإحدى الظلَم!


لكن الخليع، أبى ذلك كله، وانطلق يروي الجنس بصفاقة، وما ذلك إلا ابتزاز لأخلاق الشباب، والدليل: أن الرواية صنفت كأفضل ماية رواية!


ثم لنفرض وجود ما أخبر به، مالذي يفيدنا أن نروي ذلك للأجيال؟ هل هذا يغير الحال أم أنه يفسد الأحوال؟


ودمّاج هذا، لا أدري ماذا أراد بهذا الخطل الشانئ، والكذب المهترئ.. الذي أساء فيه لأمة عريقة عتيقة، لها تاريخ باذخ في الدين والعروبة والعفة، والكرامة والشهامة؟


لا أدري، أهي الكراهية الشديدة لحكم الأئمة، أم البغاضة الأكيدة للدين والأمة؟!

أم أن ذمته مشتراة من أعداء الإسلام -وما أكثر هؤلاء الرخصاء- لا كثّروا-!


أياً كان، فهو قد أتى "منكراً من القول وزورا"، وتسقّط في روايته لحد السخف، حتى ارتفع السجف! و

فالله حسيبه وطليبه.



وهذا رأيي الذي أدين الله به تجاه هذه الرواية، وإن خالفني غيري، فلا يضيرني؛ إذ الحق مقصدي ودليلي، وما أردت بهذه الأسطر إلا إدراك الخطر المطبق، واستدراك المكر المحدق.. من بعض الأقلام المسمومة التي لا تسمّ البدن، بل تسمّ العقول فتفسدها، وتتركها خراباً يباباً.

والله المستعان.


"إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"


كتبه: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٣٨/٢/١١



صاحبي يبغي جوابي! المقامة السفرية الضجرية!

 

صاحبي يبغي جوابي!
المقامة السفرية الضجرية!

أتاني؛ مكفهر الوجه، زام الشفة، كسيف الخاطر، أسيف البال، مهيض الجناح.. وكأن جوارحه تنطق بحاله، وتحدث عن تبلبل باله؛ لكن للذكاء حدود لا يتجاوزه!

سألته عن بثّه وعثه وجثه؟!
فقال: أيقنت يا أبا نَعيم؛ أن الصفاء والوفاء والنقاء والإخاء.. قد رحل ومحل ونحل!

وأنشد بيتي صفي الدين الحلي:
لما رأيت بني الزمان وما بهم *** خل وفِيٌ للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثة: *** الغول، والعنقاء، والخل الوفي!

نظرت إليه، وخففت عليه؛ -لأن هاته شكواي وبلواي، وهي شكوى وبلوى كل أبي كمي!- وكأني وجدت مواخياً وموافياً وملافيا!
وسألته: ماذا دهاك، وماذا نزل في بهواك؟!

قال: ضجرت من مكاني، ووحشت من زماني؛ فنشدت ترويحاً، وأسدت تفريحاً..

فأخبرني صديق جديد(!)، -لم أخبُره ولم أسبره-؛ عن سفره براحلته إلى أرض خضراء، لكنّ طريقها غبراء!

شددت حزمي، وسددت عزمي، وبدأنا الرحلة الزائفة الجائفة الحائفة النائفة..

بدأنا نطوي الفدافد والقفار، ونسوي الجلامد والأحجار، مع البسمات المرسومة، والضحكات الموهومة!(ألا أفٍ لضحكة خائبة، وتفٍ لبسمة كاذبة)!

قلت: هوّن عليك يا صديقي، فلا زال في الناس بقية، ولم يكن الكل ذا تقية!

قال -متنهداً، ووجهه متجعداً-: أعلم ذلك أبا نعيم؛ وقد تعلمت منك قول الرسول الكريم، عليه الصلوات والتسليم: (من قال: هلك الناس؛ فهو أهلكُهم، أو أهلهكَهم)! لكن البقية الباقية هذه؛ أوزاعاً متفرقين، وأذراعاً متضيقين!

قلت: أكمل حديثك المُمض، وقيلك المُرضّ؟

قال: دعني من تفاصيل حديثي الملغب، وقَيلي المغلب؛ فكأنما أقدّه من صخور، وأجرّه بسيور.. لكن خلاصته- (وما أكثر ما تجد الخيانات، هاته هي الخلاصات)!

قلت: مه، وما وراء ذياك المهمه؟!

قال: ألخصه لك في وسمك الوسيم: #شعر_وتعليق في جذاذة منه نادرة، علقتَ فيها على بيت سائرة:

إذا قلّ مال المرء؛ قلّ صديقه *** وضاقت عليه أرضه وسماؤهُ!

قال أبو نَعيم: نعم، تضيق عليك نفْسك، ويتردد في جوفك نفَسك! ولكن، الله عُدتي في شدتي، هو أرأف بي من كل رؤوف؛ وأينه أينه؟!- وأعرف بي من كل معروف؛ وحينه وحينه!
(قصدتك يا حنان، صمدتك يا منان)

قلت: لم تضح عن مخزونك، ولم تبدِ ما في مكنونك؟!

قال: مشكلة المشكلات، بين الأصدقاء والصديقات؛ هي: المال والمال والمال!

وقد أنشد بشار (أفٍ لبشار) بن بُرد، امرأة، فقال: 
هل تعلمين وراء الحب منزلةً *** تُدني إليكِ فإن الحب أقصاني!

فأجابته:
نعمْ، علمتُ، وخير القول أصدَقُهُ *** بذل الدراهم يُدْني كل إنسانِ

مَنْ زادنا النقد زِدنا في مودتهِ *** ما يطلب الناس إلا كل رُجْحانِ!

هل أزيدك -أبا نعيم-؛ وأنت الخرّيت الفهيم؟!

قلت: لا تثر أحزاني، ولا تفر أشجاني.. فقد تعبت وأتعبت، ولهبت وألهبت، ولغبت وألغبت، وشجبت وأشجبت، وجشبت وأجشبت، وحردت وأحردت ...!
ولكن أجد في صدري غصاصة؛ -لمعرفة ما جرى لديك، وما جرّ عليك- ولو بالخلاصة؟!

فأجاب -بتكلف لا تبلكف-، قال: بعد أن مخرنا العباب، وجُبنا الجباب؛ كنت آبى إلا أن أكون أنا المحاسب الكريم، لا المحابس اللئيم! حتى وصلنا نصف الطريق؛ نظرت مزادتي، فإذا هي خالية الوفاض، بادية الأنفاض!

فصار واهمي؛ هو المنفق -جبراً لا خيراً-؛ فسرعان ما تغيرت طباعه، وثارت ظباعه، وتحولت أخلاقه، وأفنِت أذواقه؛ فضقت ذرعاً، وجرعت جرعاً.. وطلبت الإقالة في نصف السبيل، وإن لم يكن لدي نقير ولا قطمير ولا فتيل.. إلا أن الأنف؛ خير من العلف، والإعياء؛ أولى من الإغضاء.. ففارقتهم عن قلىً، ونابذتهم عن صلى!

لا كما قال علي بن أحمد القادسي الكناني:
وتالله ما فارقتكم عن قلى لكم *** ولكنها الأقدار تجري كما تجرى

رعتكم من الرحمن عين بصيرة *** ولا كشفت أيدي النوى عنكم سترا

سكت صاحبي هنا، بعد أن أجمل إجمالاً، فلم يحر إكمالاً؛ فعذرته وشكرت له شممه، وحمدت فيه كرمه، وهوّنت عليه مصابه، وهديت أعصابه!

وقلت له: ليكن شعارك:
قل للذين تغيّروا وتنكّروا *** ما ضرني بُعدٌ ولا نُكرانُ

أنا لا أُبالي إن تبدّل وُدَّكم *** ما صابني نقصٌ ولا خسرانُ

ما دمت أحيا والكرامةُ داخلي *** ما عابني صدٌّ ولا نسيانُ

وأضفت: في كل واد بنو (سعد) سواء الآن أو بعد!

ولكن: أسأل الله أن يتولانا بعنايته، ويكلؤنا برعايته، ويكفينا بكفايته، "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" هو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

و ع ي
١٤٤١/٣/١٥

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

بوس الفلوس!

 بوس الفلوس!


كنت هذه الليلة مع أولادي، فمررت بطريق فيها شرطي، يبدو عليه التعب والنصب!


رآني، فابتسم لي، وهش وبش في وجهي..


بادلته بمثلها، ثم أعطيته -دون رؤية أحد، إلا بعض ولدي- يسيراً من المال، وانصرفت فوراً، دون أن أرى وجهه وسحنته!


بينا أنا أتابع طريقي، وكأن شيئاً لم يحدث؛ إذ بابنتي، تقول: (بابا، الشرطي، أخذ الفلوس، وباسها)!


أوقفت متابعة الطريق، وبدأت متابعة الصديق والرفيق!

أخذت أفكر في حال الناس وحالنا.. كيف غفلنا عن بعضنا، وقصرنا في حق أنفسنا: الحسي والمعنوي؟


وتابعت: لماذا لا نفكر، في مثل هؤلاء الناس في بلدي، لا سيما، أصحاب الوظائف، الذين ليس لديهم إلا أجر الوظيفة، ولا يتقنون غيرها، وقد توقف راتبها منذ بُرَه ومُدد!


لماذا لا نعين بعضنا، بما نقدر ونستطيع، و"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" و"لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها".. بلقمة  ..  بشربة  .. بعلاج  .. بتفقد احتياج.. كل بحسبه.


أخذت أعاتب نفسي وألومها وأسومها، وأزجرها وأنهرها، ولكن، خشيت العثار من الإكثار، فكففت، مع دعائي الرحمن الرحيم، أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، ويقينا القلة والذلة والضلة، ويرزقنا من حيث لا نحتسب.


كتبت ما كتبت، بعد تردد؛ علّ قارئاً أو ناظراً أو سامعاً.. يتلمس من يعرف، فيصنع أفضل من صنيعي وأكمل، ولا أحرم أجر دلالة وتذكير..


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٢/٣/٢٥

السبت، 7 نوفمبر 2020

العسكريان!

 العسكريان!


مما يخلط فيه بعض الناس، بله حتى بعض ذوي الشان.. بين عَلمين متشابهين في الاسم والنسبة والزمن والقرابة، وهما: أبو أحمد العسكري، وأبو هلال العسكري!


فظن بعضهم: أنهما واحدا، والبعض: نسب إلى أحدهما ما ليس للآخر، والعكس!


وهاك البيان:

أما الأول: فهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري، تـ٣٨٢، وهو صاحب كتاب (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) و(تصحيفات المحدثين) و(المصون في الأدب) وقد طبعت هاته الثلاثة، وله غيرها، لكنها، لم تر النور!


وهو خال الآخر وشيخه، وقد رأيت أبا هلال، يروي عنه في كتابه (الحث على طلب العلم).


وأما الثاني: فهو أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد العسكري، تـ٣٩٥، وهو صاحب التصانيف الكثيرة البديعة.


قال أبو طاهر السلفى: "وكان لأبي أحمد، تلميذ وافق اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، وهو عسكري أيضا، فربما اشتبه ذكره بذكره".

(معجم الأدباء: ٢/ ٩١٨)


وقال السيوطي: "العسكري: جماعة، أشهرهم: الحسن بن عبد الله بن سعيد، وابن أخيه أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل، صاحب الصناعتين".

(بغية الوعاة: ٢/ ٣٨٠)


قلت: ومن العجيب، أنهما توافقا في أمور شتى، منها: الاسم، واسم الأب، والنسبة، والزمن، والقرابة.

وقد ألف في ترجمتيهما معاً: أبو طاهر السلفي جزءا! -أفاده الدكتور نور الدين الحميدي-.


ومن الطريف؛ أن أبا أحمد العسكري، قد اعتنا بهذا الباب (التصحيف) وألف في دفع معرته، نحواً من أربعة كتب، وقد تصحف!


ولعل المراد -عند الإطلاق- هو أبو هلال؛ لشهرة تصانيفه وطباعة أكثرها، ومنها: (جمهرة الأمثال) و(الأوائل) و(ديوان المعاني) و(الصناعتين) و(الفروق اللغوية) و(الحث على طلب العلم) و(الوجوه والنظائر) و(التلخيص في معرفة أسماء الأشياء).


هذا ما قيدته الآن، على عجل، ورجائي أن لا أكون قد أتيت من عجلتي، وهو غلبة الزلل على المستعجل!

والله العاصم والقاسم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٣/٢١

الجمعة، 6 نوفمبر 2020

مصطفى أمين اللغوي، ومصطفى أمين الصحفي!

 

مصطفى أمين اللغوي، ومصطفى أمين الصحفي!


مررت بكلمة للأستاذ أنور الجندي، في مذكراته (شهادة العصر والتاريخ: ٢٥٣) يقول: "بل إننا لنرى هؤلاء الصحفيين، الذين وصلوا سن السبعين وعدّوها، وهم لا يزالون يكتبون في الجنس، أمثال: زكي عبد القادر، ومصطفى أمين ...".


تعجبت، مَن مصطفى أمين هذا؟ هل هو المشارك في تأليف الكتابين الدرسيين (النحو الواضح) و(البلاغة الواضحة)؟!

رجوت، أن لا يكونه!

إن كان هو هو؛ "إنها -إذاً- لإحدى الكبر"!


عدت إلى بحث سريع.. فوجدت خلطاً وخبطاً.. منهم من يثبت أنه هو، ومنهم من ينفي، ومنهم من ينسب ما ليس لأحدهما، للآخر..، وهكذا.


لم أشتفي، فواصلت البحث، حتى تبين لي: أن هذا المراهق الكبير، ليس هو صاحبي وأستاذي، وأستاذ جيل كبير من الطلبة والشيوخ، -حتى أني وقفت: أن الشيخ ابن عثيمين، درَس (البلاغة الواضحة)-، ففرحت وجذلت، وحمدت الله وشكرته، أن لم يكن هو، ذلك الزعنف!


ولما وصلت إلى حاق الأمر وحقيقته، ورأيت الغلط والخلط بينهما.. أحببت أن أكتب عن الرجلين، بياناً مقتضباً؛ إحقاقاً للحق، وإمعاناً في الصدق، ورد القدر إلى نصابه، والأمر إلى صوابه، فأقول، وبالله أصول وأجول:


الأستاذ اللغوي مصطفى أمين بك، المفتش المساعد لكبير مفتشي اللغة العربية بوزارة المعارف، وهو صاحب الأستاذ علي الجارم في كتب: النحو الواضح، والبلاغة الواضحة، وعلم النفس.


-تخرج من دار العلوم، سنة ١٩٠٧م، وبعدها، أوفدته الوزارة إلى إنجلترا، مع زملاء له آخرين لإتمام دراستهم في جامعة اكستر، فمكث أربع سنوات، قضاها هناك في التحصيل والدرس.


-ابتدأ حياته في التعليم، سنة ١٩١١م، وتنقل في معاهده المختلفة: من المدارس الابتدائية، إلى المدارس الفنية، إلى المدارس الثانوية، ثم إلى دار العلوم، وقد توافر في هذه المعاهد على تدريس اللغة العربية، وعلوم التربية والأخلاق.


-في سنة ١٩٢٣م، عيّن مفتشاً بوزارة المعارف، وقد أنعم عليه في سنة ١٩٢٤م، بنيشان النيل الخامس.


-في سنة ١٩٣٩م، عيّن مراقباً مساعداً للتعليم، بمنطقة القاهرة.


-في سنة ١٩٤١م، عيّن مساعداً لكبير مفتشي اللغة العربية.


-في سنة ١٩٤٤م، ندبته الوزارة كبيراً لمفتشي اللغة العربية، وعند إحالته إلى المعاش، أنعم عليه برتبة البكوية من الدرجة الثانية.


مؤلفاته:

-تاريخ التربية.

-علم النفس، وضعه مع الأستاذ علي الجارم بك.

-النحو الواضح، وضعه مع الأستاذ علي الجارم بك.

-البلاغة الواضحة، وضعها مع الأستاذ علي الجارم بك.

-مؤلف في الأخلاق.

-مؤلف في الصحة المدرسية، وضعها مع أستاذ بدار العلوم، ولم يطبعها.


هذا "وقد كان هادئاً جداً، ثابتاً، متئداً في شرحه، صريحاً لا يكاد يبتسم إلا بسمة يسيرة كثيراً ما تكون تهكماً، ولم أره يقهقه قط، ولا يرفع صوته، ولا يتراجع عن موقفه"! كما يقول تلميذه أحمد سالمان.


وفي جواب من الأستاذ منصور مهران، في شبكة الألوكة (المجلس العلمي - مجالس العلوم الشرعية - مجلس اللغة العربية وعلومها) قال:

"مصطفى أمين، الذي شارك الجارم في تأليف: النحو الواضح، والبلاغة الواضحة.. كان مدرساً للغة العربية بالمدارس الأميرية بمصر، وكان الجارم مفتشاً آنذاك، فلمس من هذا المدرس جانباً علمياً توضيحياً سهلاً يقرب مادة اللغة العربية إلى أذهان الطلاب مُيَسَّرة جذابة، فتوطدت العلاقة بينهما، وعرض الجارم على صديقه مصطفى أمين -وهو الأصغر سِنّاً- فكرة تأليف كتاب في النحو، على نمط كتاب: حفني ناصف وزملائه، مع العناية بالتمارين التي تثبت القواعد في الأذهان، وتربي مَلَكَة التعبير الصحيح، فنشأ بينهما كتاب (النحو الواضح) بقسمَيْه، وكذلك كتاب (البلاغة الواضحة) مع دليل البلاغة الواضحة، الذي يختص بإجابات التمارين الواردة في كتاب البلاغة الواضحة كلها.

وبلغني، أنه توفي بعد الجارم بسنوات قلائل، في خمسينيات القرن الماضي.

هذا مقدار ما أعرفه عن الرجل، وليس هو قطعاً مصطفى أمين الصحفي المتوفى سنة ١٩٩٧م".



قال أبو نعيم: هذا، ما استطعت معرفته، عن هذا اللغوي الفاضل، والنحوي النائل، وهي نتف بحاجة إلى زيادة وإتمام، ومن عرف شيئاً عنه، فليجُد به علي -جاد الله عليه-.


ولعل ما يفسر شيئاً من غموضه، أنه كان يركن إلى الخمول، ولا يطاول بنفسه، ولا يعدها شيئاً، بل كان يذكر: أنه "رجل لم يكن في التعليم، ولا في الحياة العامة، إلا أثر ضئيل يسرف الإخوان والزملاء، حين يذكرونه بشيء من التقدير"!


رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، وجزاه الله خيراً، كفاء ما علم ودرس وألف وشرح وصنف، و"إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".


ينظر في ترجمته: (تقويم دار العلوم: ١/ ٢٠٥- ٢٠٧) للأستاذ محمد عبد الجواد.



والآن نأتي إلى الرجل الآخر، الذي اشتبه اسمه، باسم أستاذنا (مصطفى أمين)، وبينهما بوناً شاسعاً، ولوناً واسعاً، في العلم والمعرفة والدين والخلق والفضل والأدب والشهرة والمكانة!


-هو الصحفي الكاتب مصطفى أمين، ولد في القاهرة، ١٩١٤م، مع شقيقه علي.


-بدأ العمل في الصحافة، مبكراً، وذلك عندما قدم مع شقيقه، مجلة "الحقوق" التي اختصت بنشر أخبار البيت، في سن الثماني سنوات، تلا ذلك إصدارهما لمجلة "التلميذ" عام ١٩٢٨م، ثم أصدرا مجلة "الأقلام".


-في عام ١٩٣٠م، انضم للعمل بمجلة "روز اليوسف"، وبعدها بعام تم تعيينه نائباً لرئيس تحريرها، وهو لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية.

ثم انتقل للعمل بمجلة "آخر ساعة"، التي أسسها محمد التابعي.

وأصدر أيضاً: "مجلة الربيع" و"صدى الشرق".


-سافر إلى أمريكا، لإكمال دراسته، فالتحق بجامعة جورج تاون، ودرس العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى عام ١٩٣٨م، ثم عاد إلى مصر، وعمل مدرساً لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات.


-صدر عليه الحكم بالسجن تسع سنوات.


-نفذ هو وشقيقه، مشروعاً، أطلقا عليه "ليلة القدر".


-كان هو وشقيقه، صاحبا بدعة "عيد الأم" و"عيد الأب" و"عيد الحب".


-أنشأ هو وشقيقه، جائزة مصطفى وعلي أمين الصحفية، وامتدت للمصورين، ورسامي الكاريكاتير، وسكرتارية التحرير الفنية، والفنانين!


-كان وثيق الصلة، بالفنانين.


من مؤلفاته:

-تحيا الديمقراطية.

-من عشرة لعشرين.

-من واحد لعشرة.

-نجمة الجماهير.

-أفكار ممنوعة.

-الـ 200 فكرة.

-سنة أولى حب.

-ست الحسن.

-قال أزمة.

-الأسماء لا تموت.

-مشاهير الفن والصحافة.

-صاحبة الجلالة في الزنزانة.

-الحب لا.


توفي عام ١٩٩٧م، بعد حياة مليئة بالزور والشرور والضرور، ومحاربة الفضيلة، وإحياء الرذيلة!

فلا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.


عبرة: ما ضر مصطفى أمين (الأول).. غمور ذكره، وخفوت اسمه، ونفوق سيرته؛ وقد أحيا روحه، وريا قلبه.. بتواليف نافعة، وإيمان صادق، فقد رأيت له بعض تواليفه، يبتدئها بالبسملة والحمدلة والتصلية، ويختمها كذلك، والعلمانيون؛ ينفرون منها، نفور الغنم من الذئب والقسورة!


وما نفع مصطفى أمين (الثاني) لموع اسمه، وبروز ذكره، ونفوق سيرته، حتى غطت على الأول، وغمطت حقه؛ وقد أمات قلبه، ووقح وجهه، بحرب العقيدة، وقذع الدين، وصحبة الفنانين والبطالين!

(اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسكنا بالإسلام حتى نلقاك به).


مراجع ترجمته كثيرة، وجلها، تبجله وتعظمه، وانظر في كشف بعض بلاياه وخزاياه، السيرة الذاتية، للأستاذ أنور الجندي (شهادة العصر والتاريخ: ٢٥٣) وما حولها. و(الصحافة والأقلام المسمومة: ٩٩- ١٠٦)، للأستاذ أنور الجندي -أيضا-.



تنبيه: في أثناء بحثي، وجدت غيرهما، ممن شابهت أسماؤهم، أسماؤهما:

-مصطفى أمين التازي، صاحب كتاب (محاضرات في علوم الحديث)


-مصطفى أمين حسام الدين، والذي أشرف على رسالة الأستاذ وليد غالي نصر غالي (قواعد البيانات الببليوجرافية للمخطوطات العربية في مصر: دراسة تقييمية لبنيتها وأساليب إتاحتها).


-مصطفي أمين الرفاعي، صاحب الموازنة بين المتنبي وشوقي وبيان أوجه التشابه وأوجه الاختلاف.



هذه لمحات وومضات، كتبتها، في الفُرقة بين عَلمين: أحدهما: أريض، والآخر: جريض، "ولتستبين سبيل المجرمين"، "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون"، "وربك يخلق ما يشاء ويختار"، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٣/١٩




الاثنين، 2 نوفمبر 2020

وفي الكلمة الطيبة.. دعوة!

 وفي الكلمة الطيبة.. دعوة!


الآن، بينا أنا في طريقي، إذ كانت تسير أمامي دراجة نارية.. أزعجني نورها غاية، حتى كأن لم أرَ أمامي!


لما حاذاني سائقها، قلت له: النور عَمَاني، ما شاء الله، أصلحك الله، في نبرة صوت هادئ!

هكذا قلت هذه الجملة، على علاتها، دون إعمال ذهن، أو ترتيب جمل!


مضيت تجاهي، وإذا بدراجة نارية، تقف أمامي، مُطفؤ نورها!

تمعنت، وإذا هو صاحبي الذي قابلته قبل لحظات، ومعه راكب، -وأظنهما كانا مسلحين-!


وقف، وهو يبتسم في وجهي، قائلاً: الكلمة الطيبة، تكسر الحجر، وتنكّس أي شنب! يا أخي: والله تأثرت بكلمتك جداً، وأحببت أن ألحق بك، وأعتذر إليك!

(والرجل الشنب -في اللهجة اليمانية- تعني: الرجل القوي الجبار)!


قابلته بالمثل.. شاكراً له حسن خلقه، وجميل صنعه، ودعوت له بالهداية والتوفيق.


وفي الحقيقة، تعجبت من فعل هذا الشاب الطيب، الذي تأثر بكلمة رفيقة، ونبرة رقيقة، ولم يكتف، حتى لحق واعتذر!


لكن، زال عجبي، حين تذكرت قول ربي سبحانه: "وقولوا للناس حسنا"، وقول حبيبي صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة صدقة) رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.


و"في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (كل معروف صدقة).. فيدخل فيه كل إحسان، ولو ببسط الوجه، والكلمة الطيبة".

(مجموع الفتاوى: ٢٨/ ٣٦٢)



فيا إخواني: ارفقوا بالآخرين، وقولوا لهم قولاً حسناً، وخالقوهم بخلق حسن.. تجدوا منهم الوداد، وترك العناد، وإلا تفعلوا، تكن فتنة بينكم، وفساد كبير.


قال القرطبي: "فينبغي للإنسان.. أن يكون قوله للناس ليناً، ووجه منبسطاً طلقاً، مع البر والفاجر والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه؛ لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: "فقولا له قولاً لينا"، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.

وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيّ حدّة، فأقول لهم بعض القول الغليظ؟! فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى: "وقولوا للناس حسنا"، فدخل في هذه الآية: اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي؟!".

(الجامع لأحكام القرآن: ٢/ ١٦)



أخذ الله بأيدينا لرضاه، وجنبنا مواطن سخطه، وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٢/٣/١٧



وانقطع صوت تحقيق الحديث!

 

وانقطع صوت تحقيق الحديث!


باسم الله، والحمد لله على قضائه وقدره، والصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام، الذي موته أعظم مصيبة.

وبعد:


فقد وصلني الآن نبأ وفاة الشيخ الجليل، والمحقق النبيل، مجيزنا: شعيب بن محرم الأرناؤوط.


فهداني ربي لقوله جل وعز: "إنا لله وإنا إليه راجعون" وهي العلاج للمصائب -وقانا الله ذلك-.


وأعزي نفسي وإخواني وأبنائه وبناته وأهله جميعاً، قائلاً: أحسن الله عزاءنا، وأعظم أجرنا في فقيدنا العلامة المحدث.


ذاك العَلم العملاق الذي نذر نفسه للعلم والمعرفة، وتحقيق كتب السنة، ومشرفاً على كمٍّ كبير من الرسائل والمؤلفات والتحاقيق والتخاريج.


كان دمث الخلق، طلق المحيا، نبيل الشيم، لين الجانب، خافض الجناح، لا ينهر أو يقهر.


هاتفته، فهشّ وبشّ، وساءل: الاسم والبلدة والعمل والحال؟

ودعا وبرّك، وختم الحديث بالدعاء والسلام.

رغم، أنه أول تواصل به، ولم يعرفني من قبل، أو يسمع بي! اللهم، إلا أنه: الخلق الكريم، والصدر الرحيم.


وعندما مرض قبل أيام، اتصلت عليه، فأجابني أهله، وطمأنوني على صحته.

ففرحت ونشرت خبره؛ ليفرح المحب.


والآن، ذهلت لخبر وفاته، ولكني تذكرت العلاج الرباني، فاسترجعت مردداً، ودعوت له بالمغفرة والرحمة، ورجاؤنا، أن الله يجزيه خيرا، ويقيه ضيرا؛ كفاء ما ألف وصنف، وحقق ودقق.


رحمة الله تغشاك شيخنا الحبيب، ومجيزنا الأديب، ودعاؤنا أن يسكنك الرحمن في الغرف العالية من الجنان، ونتضرع لربنا أن يجمعنا في دار كرامته، ومستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

إنا لله وإنا إليه راجعون..


كتبه: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٨/١/٢٧