السبت، 21 مايو 2022

المقامة السيارية" سيارة ليست بِسارّة!

 


"المقامة السيارية"

سيارة ليست بِسارّة!


قُدّر لي.. أن أشتري راحلة مرحولة، لكنها هزيلة مهزولة، بادٍ كُلاها، ونادٍ علاها .. كانت بدراهم معدودة؛ بسبب الحال المجذوذة .. اشتريتها على علاتها؛ رجاء غلاتها، فكانت حديدة لا حميدة، ومذيقتي الويلات العديدة!


لقيت منها الألاقي، وأوقفتني على أطراف الطرق وفي التلاقي، حتى غبت ولغبت، وعبت وتعبت!


تقف عند الطلوع، حتى تتخالف منها الضلوع، وتخلّف لراكبها المزوع، فتسيل الدموع!


أشعر أني أنا الحامل لا المحمول، والعامل لا المعمول، فأبذل جهداً جهيداً؛ لأني أقاوم دابة حديداً!


أما سائسوها.. فحدث عنهم ولا حرج، فأكثرهم خدج وخرج؛ إما لفقدهم الأمانة، وإما لنقصهم الصيانة، فكم أتعبوا أرباب هذه الدواب، وأعطبوا عقول أولي الألباب؛ بِلَفّهم ودورانهم، وكذبهم وجورانهم!


واليوم، وما أدراك اليوم.. أردت اختبار مركوبي الجامح، بعد أن أصلحه صالح!


وللأسف الأسيف، والتعس الرعيف؛ فقد أزمعت التجربة المنحوسة، إلى الطائف المأنوسة، وما معي من صاحب أو صيال، سوى الأهل والعيال!


أردت النفه والنفس، عن وعثاء النفس، من أوضار الضجر، وأضرار السجر؛ فإذا بي وبهم نلقى الشدائد الكبار، والخدائد الكثار، في حرور الظهيرة، حتى وصلت الروح النحيرة!


توقفت بنا في بدء العقبة الكؤود، فلم تحلْ طلوعاً ولا عَود، أردت ضربها، فتذكرت أنها لا تعي ولا تسمع، بل ترغي وتدمع .. ارتفعت الحرارة، واشتدت الخرارة، وعظمت الجرارة!


طلبت العونة السمحة، فلم تقف لي إلا "السطحة"، حاشا القلة، التي لا تدري ما العلة، فتتركني مأوها، وفي بليتي مُدلّها!


ثم جاءني شاب من بني السودان، يعرض النجدان، ومعه دابة متهالكة، وفي طريقها متعارجة، لكنه صحيح الأقوال، صريح الأفعال، فحاول ترياقها، حتى تلمظت ريقها، وعادت لها الحياة، فابتسمت الشفاه!


ولما عرضتُ عليه الأجر، غضب وزجر، فحمدت له جميل الصنع، ودعوت له بسلامة النجع.


فلم أكد أخطو خطوات، مستعيذاً بربي من الخطيئات، إلا و"عادت حليمة لعادتها القديمة"، فحاولتها وصاولتها، وأقسمت لها، أن لا أواصل رحلتي، وإن غضبت عيلتي، فهادنتني وهاودتني!


ولما رجعت القهقرى، وعدت الطريق الأخرى، عائداً إلى منزلي، وراجعاً إلى مغزلي.. وقفتْ بي في نصف الطريق، حيث لا رفيق ولا وفيق، زجرتها، فصاحت صيحة، وناحت نيحة، كان فيها الهلاك، ونزلت أقلبها، فإذا بها لا حراك!


رجعت أجرّ أذيال الخيبة، خليَّ العيبة، لكني -والحمد لله- أتبسم تبسم الراضي، طالباً عوضاً من القاضي، جل وعز سلطانه، سبحانه سبحانه ما أعظم شانه.


ولست مريداً الشكوى، أو طالباً البلوى، وإنما هي محنة أرجو أن تكون منحة، أردت التخفيف عن لواعج النفس المتعبة، والتهوين من كوامن الروح المعذبة، والحمد لله على كل حال، في الآن والمآل.


هذه قصتي مع دابتي اللعيبة، وسيارتي التعيبة، التي بذلتْ لكنها بدّلت، وأعطتني لكنها عيطت، ولكل أجل كتاب، والحمد للملك الوهاب، الذي يعطي ويهب، ويكرم ويصب، ومنه البدل والعوض، والعافية من المرض.

"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" جُعلنا من الصالحين الفالحين الناجحين.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٠/٢٠




الأربعاء، 11 مايو 2022

اِصدع ولا تدَع!

 اِصدع  ولا تدَع!


قلِ الحق، بدون غمغمة ولا حمحمة، وبلا لجلجة ولا بجبجة ولا مجمجة، ومن غير ملامة ولا مذامة، وسوى مداجاة أو محاباة..

واتق الله، فإن الساكت عن الحق، شيطان أخرس، والناطق به، شيطان ناطق!


لا بأس، اُكس ألفاظك، أما أن تغيّر معاني الحق، وتُغِير على أهل الحق؛ فأف لك وتف عليك.


أقول هذا؛ لأنك تقرأ بين السطور لبعضهم، حياء وخجلاً، وكأنه عروس في يوم نطاقها!


وقد ذكرني صنيع هؤلاء المتفقهة المتفيهقة.. بوضع عبد الله بن صوريا اليهودي، يده على آية الرجم؛ كتماناً للحق الأبلج، "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً" وقلدهم بعض أهل ملتنا، فواخجلاه!


ما هذا يا قوم، أفي ديننا ما نستحي من فشوه، أو يستحيا من بدوه؟!


حاشا ذلك، "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" تنزيل من حكيم حميد" "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" والحق واحد لا يتعدد، قد يخفى على البعض لا على الكل؛ لأنه "بلسان عربي مبين"


والله وحده المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٠/١١


عاطفة قاصفة!

 عاطفة قاصفة!

مشكلة الكثير، سواء كانوا طلبة علم أو دعاة أو غيرهم.. أن العاطفة تغلبهم على تدبر النقل وتفكر العقل؛ ولذلك كان هذا من نقص المرأة..

لكنا، فجئنا ولا زلنا نفجأ بين فينة وحينة.. مَن كنا نظنه فذاً وقداً من الرجال، فإذا به يجاري المرأة في عاطفتها!


وإن شئتم دليلاً.. فانظروا إلى مقدار التعاطف الكبير، حين نبأ وفاة مشهور مجهور؛ في إطرائه وتطريته .. وليته كان تعاطفاً دنيوياً، أو مدحة خالصة.. إذن، لهان الخطب.. لكنه تعاطف ديني، من ترحم ودعاء .. إنه شأن بيد الله .. إنه أمر قد بتّه الله .. إنه حكم قد قضاه الله.. فما يبغي هؤلاء "إلا اتباع الظن" إنهم مسلمون، يقرؤون قوله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" إنهم يؤمنون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرؤون قوله: (والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره) ثم يلوونها أو يلوون أعناقهم، "فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً"؟!


إن النصوص صحيحة صريحة، والإجماع منعقد، والفطرة تؤيده، والحس يقف معه.. لكن، العاطفة وحدها، من وقفت إزاء كل هذه الحجج الصلاد الصلاب.. فكان أن أطاحت بصاحبها (إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم)!

وعش رجباً، ترى عجباً!

فيا رب عوناً وصوناً وموناً.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٠/١٠

نحاسة ونجاسة!

 


نحاسة ونجاسة!


يا للتعاسة والرجاسة والنحاسة والنجاسة، من بعض الرخصاء الرخيصين المترخصين، الذين يظنون دين الله كلأ بخيساً، ويخالونه مرتعاً رخيصاً، لكل والغ وناعق وناعب وناهق ونابح وزاعق!


حسروا وخسروا وقسروا وقصروا.. فإنه لا خوف ولا مخافة.. على الإسلام؛ لأن الله تكفل بحفظه، "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بِعِز عزيز أو بذُلِّ ذليل، عِزاً يُعِز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).

رواه أحمد وغيره. وقال الألباني في (تحذير الساجد: ١٥٨): "على شرط مسلم، وله شاهد على شرط مسلم أيضاً".


وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب مَن أسلم منهم؛ الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً؛ الذل والصَّغار والجزية.


وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيزٍ، أو ذل ذليلٍ، إما يعزهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم، فيدينون لها).

رواه أحمد وغيره. وصححه الوادعي في (الصحيح المسند، رقم: ١١٥٩)


فالإسلام قادم، والمسلمون قادمون، ونحن نرى -بحمد الله- عودة الناس إلى ربهم ودينهم ونبيهم وفطرتهم وغيرتهم، فالمساجد ملأى بالمصلين القانتين الذاكرين- من الشبان والشيبان، والحجاب عاد بقوة، بل حتى الجلباب الذي لم تكن تكد تراه، "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين"


دعهم يعضوا على صم الحصى كمداً *** من مات من غيظه، عندي له كفنُ!


ولكن، الخوف والألم.. على هؤلاء الحمقى النوكى، وأتباعهم الهوام الطغام- من غضب الله ومقته، وشديد عقابه وسخطه، "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" "واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة" "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا"



ويا إخوتي.. كل شيء يهون، سوى دين الله تعالى .. كل غال يرخص، حشا الإسلام .. كل عزيز يسقط، خلا الحرمات.. إنها رأس المال .. إنها البقية الباقية .. إنها الغاية التي لا غاية بعدها .. إنها السلامة التي لا يعدلها شيء.


فسلّموا لأمر ربكم؛ تسلموا وتغنموا، واحفظوا رؤوس أموالكم "لا تظلمون ولا تُظلمون" "ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام" "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"



ويأيها الناس.. لا تسمعوا للاغين الناعقين، ولا تقرؤوا للنافقين المنافقين؛ فإنهم -ورب البنية-.. أحقر وأقذر.. من ضياع دقيقة في قراءتهم أو سماعهم.. إنهم سامجون .. سامدون .. ساقطون .. نافقون .. منافقون .. موتورون .. مسجورون .. مصدورون .. مكبوتون .. منكوتون .. مقطوعون .. مبضوعون..


وعجبي.. أن يوجد من ينشد الرفق، ويرفع راية السلام، ويدّعي الإسلام؛ من يدفع ويدافع عن كلب نابح والغ، في عرض الإسلام وحماه!


سيأتي الآن، بعض (من لا أصفه).. من يقول: نزّه ألفاظك.. كيف تصف الإنسان بالحيوان، بل بأحطها وأخسها، وهو الكلب؟!


أقول له: كفّ عني جشاءك، واكففْ عني هراءك.. فإن ميزانك باخس مبخوس، فأنت مطفف، و"ويل للمطففين".


لم يتمعر وجهك، ولم يحم أنفك.. من نيل أشيمط أحيمر كأنه وحْرة.. في ذات الله تعالى، وخوضه في عظمة الإسلام، وهدره ومذره وقذره وزفره، في الأعراض.. ثم تنتفخ أوداجك، وتتورم أشداقك، حين أن نرد البغي والبهتان؟!

"ما لكم كيف تحكمون" "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"



إن الولِغ الواقع، في دين الله تعالى، والمَحِق الراتع في حرمات الله عز وجل.. لهو أحط من الحيوان وأسقط، "ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً" "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا"!


(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) (اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسكنا بالإسلام حتى نلقاك به)


هذا بلاغ لكم والبعث موعدنا *** وعند ذي العرش، يدري الناس ما الخبرُ!


وإلى لقاء تحت ظل عدالة *** قدسية الأحكام والميزانِ



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/١٠/١٠