الخميس، 24 فبراير 2022

سِتّتهـم مُـعَـاق!

سِتّتهـم مُـعَـاق!


كنت في مكان ما؛ فدخل خمسيني -أحدسه-، قد ابيّض شعره، واعوجت رجله، وأنهك جسده، ومعه زوجه العجوز، لعلها في سنّه أو قريبة منه.


دخلا ومعهم أولادهم= خمسة من الذكور، وبنت واحدة .. وكان هؤلاء الستة.. ما بين حامل ومحمول، وأعرج ومخبول، ما منهم من أحد إلا وهو مصاب في بدنه أو عقله، بين مقل ومستكثر من العاهات -عافانا الله وإياهم-!


ضجّ المكان، بالحوقلة والاسترجاع والدعاء، وقد حملقوهم بأبصارهم، ورمقوهم بأحداقهم، لا يلوون على شيء، رغم ما بهم من طول المكث، ومرارة المماحكة، وتكدر الخاطر، وتعكر المزاج، (والانتظار مؤذٍ للنفوس والأجساد)!


نظرت متأملاً في هذين الأبوين، ومعاناتهما وصبرهما واحتسابهما؛ لأني رأيتهما يحدبان على أولادهم، ويحنون إليهم رؤوسهم، ويرفقون بهم جداً.


نظرتهم، وهم يميطون عنهم الأذى، ويمسحون القذى- الذي يخرج من أنوفهم وأفواههم!


حزرتهم، وهم يضعون اللقم، ويطيبون الكلم، ويشربونهم الماء، ويحاجفونهم الهواء!


تخيلتهم، وهم يذوذون عنهم الذباب والبعوض -ولم يكن ثَم- لكني هكذا تخيلتهم -وهم لا شك يفعلون-!


توهمتهم، وهم يناغونهم عند نومهم، ويضاحكونهم حين حزنهم، ويأسونهم وقت وجعهم!


وسبحان الله، ما أحكم الحكيم سبحانه وتعالى، فإنّ كل أفعاله، وفق حكمة باهرة، ورحمة ظاهرة، وقد تغيب عن الخلق، ولكن المؤمنين، يعرفون رحمته، ويعترفون بحكمته- سبحانه جل وعز.


انحنيت نحو نفسي وولدي، فنظرت رحمة الله تعالى فينا، من عفو وعافية، وصحة وسلامة.. فحمدت الله تعالى، على نعمه العظيمة، وشكرته على آلائه الفخيمة- التي نعيشها ونحياها، ولكننا لم نؤدّ -حقاً- حقيقة شكرها.


فيا أيها الناس: احمدوا الله واشكروه، وأنيبوا إليه واستغفروه؛ فربكم يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، و(الشكر قيد النعم)


ومن الشكر الغائب عن الجم: مواساة الآخرين، بالقول والفعل.. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل عباداً اختصهم بالنعم، لمنافع العباد، يُقِرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها حوّلها عنهم، وجعلها في غيرهم).

رواه أبو نعيم والطبراني بإسناد جيد.


فيا رب حمداً على نعمك الجليلة، وشكراً على آلائك الجزيلة.

رب يسر وسهل، وأعن واغنِ.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٣/١٩


السبت، 12 فبراير 2022

العشق بين اليوم وبين القوم!

 العشق بين اليوم وبين القوم!


‏‎‎كان الحُبُّ في القديم: عشقاً عفيفاً، وعَلقاً لطيفاً، ويعرف، بـ الحب العُذري؛ نسبة إلى قبيلة يمنية، شهرت بهذا العشق النظيف- الذي يكابد العاشق فيه الآلام والأوجاع، دون فحش أو وِقاع!


ولم يكن يُقصد إليه، أو يحرص عليه، إنما يكون -في الغالب- عرَضاً وصدفة، فيجيل النظر، ويطيل الفكر، حتى يغدو غراماً وهياماً.


قال ذو الرمة:

تلك الفتاة التي علقتها عرضاً *** إن الكريم وذا الإسلام يختلبُ


قال الباهلي: "شيء اعترضه، ولم يعلم به، إن الكريم "يختلب"، أي: يخدع عن عقله".

(شرح الباهلي: ١/ ٣٨)


وعند ذلك.. يتوله القلب ويتولع، ويتعلق الفؤاد ويتمزع.. لكن صاحبه، يعف ويكف، ويتورع عن السفاسف ويترفع، فلا يرفع غطاء، ولا يكشف مخبأ، ولا يهتك سوءة.


وليس هذا مطرداً في كل عاشق قديم، بل لعله العامّ الغالب، وإلا فقد وُجد الخارج عن هذا السمت السامي، إلى فعل الفواحش، وارتكاب المخازي.


قلت: وهؤلاء المبتلون بالعشق.. يأجرهم الله على صبرهم وكتمهم، وبُعدهم عن الحرام، وقد جاء في حديث: (مَن عشق فعفَّ فمات.. فهو شهيد)

وفي رواية: (مَن عشق وكتم وعف وصبر.. غفر الله له، وأدخله الجنة)

وهو حديث ضعيف، بل ذهب بعض أهل الحديث، إلى الحكم بوضعه.

"لكن المعنى الذي ذكره، دلّ عليه الكتاب والسنة؛ فإن الله أمر بالتقوى والصبر، فمن التقوى: أن يعفّ عن كل ما حرمه الله من نظر بعين، ومن لفظ بلسان، ومن حركة بيد ورجل. ومن الصبر: أن يصبر عن شكوى ما به إلى غير الله عز وجل، فإن هذا هو الصبر الجميل".

(مجموع الفتاوى: ١٤/ ٤٦٢)



قلت: وقد جاءت أخبار تعضد هذا المعنى الشريف، فقد روى البخاري.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه؛ أضمن له الجنة)

والعاشق العفيف.. قد حفظ ما بين فخذيه، وهو الفرج، مع إسلامه وصلاحه وتقواه.



أما اليوم، فالعشق.. خبثاً وقذراً، ووسخاً ومسخاً، لا يتم، إلا بإهراء المستور، وإسماع المحظور، دون ابتغاء زواج أو عفاف، بل كسر زجاج، وسم زعاف!

فهو للتسلية والتزجية!


أقول: هذا في الأعم الأغلب، ولكن لا بد من الاستثناء حتى لا أهضم أو أظلم، والحكم يكون على كل فرد بمفرده، وكل أدرى بنفسه، وما توسوس به نفسه!


وعلى كل، فالعشق: مشغل للعقل، مبلبل للفكر، مزعج للقلب، مقلق للنفس، مؤذ للجسد.


ولا يتأتى العشق أصلاً، إلا مع تكرار النظر، وإعادة البصر، أما مجرد النظرة العابرة، فلا يكون معها نزوع وخضوع؛ لأنها لا تدرك المحاسن، ولا تبن المزاين، و"السلامة، لا يعدلها شيء". سلمنا الله أجمعين من الشرور والضرور والحرور.



ويحسن مراجعة ما ذكره الطبيب الروحاني، الإمام ابن القيم، في كتابه الفذ: (زاد المعاد: ٣/ ١٥٤)

بل ألّف كتاباً برأسه، عن هذا الخطر الخطير، وهو (الداء والدواء) ففيه كفاء وشفاء، لمن أراد الهداية والاهتداء.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٢/٦/٢٠


الأحد، 6 فبراير 2022

واقفة جوار مسجد!

 واقفة جوار مسجد!


صليت العشاء، في أحد المساجد؛ فلما خرجت من الفريضة؛ إذا بي ألمح على مبعدة من باب المسجد، امرأة واقفة لا تُميز من سواد لباسها، وتلفعها بنقابها.. آخذة طبقاً في يديها، دون حراك أو كلام!


كانت تلك نظرتي الأولى، فلما أرادت نفسي المعاودة؛ لتعرف كنه الأمر، نهيتها عن الهوى؛ لأن الأمر لا يعنيني، لكن المسكينة لَمَحتني، فمشت نحوي خطوات دون كلام!

تقدمت إلي بخطى وئيدة "على استحياء"، وأنا في خجل ووجل!

قلت: نعم، قالت: أبيع دخن!

سألتها عن القيمة؟ قالت: ٢٥ ريال!

نكست رأسي حياء، واعتذرت لها من عدم توفر هذا المبلغ آنذاك، رغم زهادته!


وأنا -والله- أردت الشراء -كما أمّلتني-؛ لأنقذها من هاته الوقفة المؤذية، وأقيها من الرياح الباردة السافية..

لكن، لله الأمر من قبل ومن بعد.


ثم صليت أخرى، في مسجد آخر؛ فإذا بي أرى نفس الموقف الأول تماماً، لا أدري، هل هي عين المرأة أم أخرى!


حزنت وشجنت، وتألمت وتعلقمت، ولكن، ليس لي في الأمر حيلة، وليس لي من الأمر شيئاً، "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"


فلما رجعت إلى البيت.. أردت أن أكتب ما شاهدت، حتى أتخلص من وخز ضميري، وغمز نفسي، و(الكتم يؤذي) ولعل أحد الناس.. يرى مثل هذا الموقف -خلّص-، فيخلّص صاحبه أو صاحبته، بالابتياع منه، وله الأجر والمثوبة، "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"

و(رُبّ عمل صغير، تُكثّره النية، ورُبّ عمل كثير، تصغّره النية". -كما في (السير: ٨/ ٤٠٠) عن عبد الله بن المبارك- بارككم المبارِك.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٦/٢٢