الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

رَحْمةُ الخالِق وحِكْمة الصانع!

 رحمة الخالق وحكمة الصانع!


صيف خانق، وجو حارق، وفقر خارق، وهم حانق .. أرض ملتهبة، وسماء ملبدة، وكهرباء لم تزر إلا غباً، وإذا زارت، فعلى ضعف واستحياء، وفي خفر واستخذاء، وإذا قويت وسفرت، فلم يحظ بها بعض المُعدَمين؛ لضعفهم، وعدم قدرتهم على الإيواء!


والرحيم، لَـيُخيل إليك: أن الأرض تنُّور موقد، وضع عليه صفيح حديد!

هذا وصفي وتصويري، حينما سئلت عن حرارة هذه البلاد؛ لفرط الحرارة، وغياب التلطيف!

هذا كان قبل شهر من الآن..


والآن، نزلت رحمات الرحيم سبحانه وتعالى، "إن رحمت الله قريب من المحسنين" "ورحمتي وسعت كل شيء" "ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته" "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته" "ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله" "ألم تر أن الله أنزل من السماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير" "وما ننزله إلا بقدر معلوم".. 


غيّر الحكيم سبحانه، ذاك العذاب المرهق، وذياك الجو المحرق، برحماته العامة الآمّة؛ فنشر رحماته تترى- ليلة وراء ليلة، "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين * فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها".


نظرنا يا ربنا، إلى آثار رحمتك؛ فوجدناها في وجوه الناس العاتمة، فصحت ونصعت، وفي شفاههم الناضبة، فبسمت ونبست، وفي أجسادهم الذابلة، فارتوت ورويت، وفي الأرض الجاذبة، فـ "اهتزت وربت"، وفي الأشجار اليابسة، فنضت ونضرت، وفي الحرارة الكاسرة، فذهبت وانكسرت، وفي الكون كله، فتغير وتبدل..


تذكرت الحديث، الذي تعددت رواته، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غِيَرِهِ، ينظر إليكم أزِلين قَنِطين، فيظلّ يضحك؛ يعلم أن فرجكم قريب). 

رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه ابن تيمية، في (مجموع الفتاوى: ٣/ ١٣٩) وابن القيم، في (زاد المعاد: ٣/ ٥٩١) والألباني، بطرقه، في (السلسلة الصحيحة، رقم: ٢٨١٠).


قال الحافظ ابن رجب: "والمعنى: أنه سبحانه، يعجب من قنوط عباده، عند احتباس القطر عنهم، وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده، بإنزال الغيث عليهم، وتغيره لحالهم، وهم لا يشعرون".

(جامع العلوم والحكم: ١/ ٤٩١)


كاد الناس أن يهلكوا من شدة القيظ، واشتداد الحر، حتى أن أحد الشباب الجَلِدين، يقول لي: أذهب إلى صلاة الظهر، فما أرجع، إلا وأنا في رهَق واختناق!


فـ لا إله إلا الله، يا رب، ما أرحمك وأكرمك وأحلمك وأعلمك وأحكمك وأعظمك، ولكن حال الناس "وما قدروا الله حق قدره" فيا رب "لا إلا إلا أنت سبحانك (إنا كنا) من الظالمين"!


لا تكاد الشمس، تضّايف للغروب، إلا ويأتي جو لطيف، وهواء عليل، يلطف الأجساد العليلة، وينفس عن الأرواح الكليلة، ويروي القلوب المكروبة!


فإذا صُليت صلاة العشاء، تبدأ تلك القطرات المُحيية، التي تحمل في مطاويها البشر والسرور، وينزل ذلك الحيا، الذي تحيا به الأرواح والأجساد!


يظل ذاك الرذاذ، يتردد ساعات على هذه الأرض- المظلومة المهضومة المحرومة (من بني البشر)، وكأنه إيذان لهم بنوم مريء هنيء، بعد يوم طويل كليل عليل، من أعمالهم الشاقة في البَّر والبحر والهواء! (الدراجات النارية، أو سيارات الأجرة).


ومن لطيف صنع الصانع الخبير.. أن المطر، ليس بالشديد أو القصير، بل خفيف وقعه، وطويل وقته، وذلك؛ لأن الأرض، لا تحتمل؛ لانعدام تصريف المياه، فتنشأ المستنقعات في الطول والعرض، والناس، لا يتحملون؛ لوهاء بعض البيوت!


ومن لطيف صنع الصانع الحكيم.. أن المطر، يكون في الليل؛ لتنام النفوس في راحة وبهجة، فإذا بدا النهار وظهر، وانبلج الصبح وأسفر.. طلعت الشمس كسيرة منكسرة بعد طول سير، في ليل ممطر ندي، ناشرة ضوءها في الآفاق، فتُبدد ما تجمع من المياه، وتعقم ما تلبد من الأرض "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" "الله لطيف بعباده".


(سبحانك من لطيف ما ألطفك، ورؤوف ما أرأفك، وحكيم ما أتقنك.


سبحانك من مليك ما أمنعك، وجواد ما أوسعك، ورفيع ما أرفعك، ذو البهاء والمجد، والكبرياء والحمد)


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤١/١٢/٧


الاثنين، 16 أغسطس 2021

فقْد جهبذ مغربي!

 


فقْد جهبذ مغربي!


مولاي أحمد المحرزي أبا عبيدة المراكشي..

هكذا (أبا عبيدة) في جميع حالات الإعراب؛ لأنه لقب اتخذه جده، حينما جاء المحتل الفرنسي، استخفافاً به، واستهجاناً له، فكان لقباً على عقبه من بعده!



أعترف أني لم أعرفه، بل لم أسمع به إلا اليوم!

ويا ضيعة العلم والعلماء، حينما يغيّبون عن المشهد، ويرفع السفلة والسفهاء!


سمعت له كلمة في جلسة، بعد تأبٍّ منه وتمنع؛ لأنه كان ميالاً للخفوت والعزلة، -وما أحسنها اليوم-!

حمد الله وأثنى عليه، وخطب خطبة الحاجة، ثم قال في افتتاحيته: فإني قدمت بين أيديكم، ولست بخيركم، وإن من عادتي: أن أتهيب اللقاء فضلاً عن الإلقاء  ... فقد اجتمع علي الآن.. تهيب اللقاء، وتهيب الإلقاء!


وإذا بهذا الهياب.. ينحدر كالسيل الهادر من عل، لا يلوي على شيء.. ماضٍ على سجيته، وقادح زناد فكره، وغارف بحار علمه، مع تواضع ظاهر، وإخبات رهيب، وخشوع جم، وخفض جناح، وحسبك بمن اجتمع فيه كمال العلم، مع جمال الأدب، مع جلال الخوف!


أقول: سمعت هذه الدقاق، الـ ٤٤، فجهرني علمه، وبهرني فهمه.. سمعت علوم الغاية والآلة  .. والعُقد والمُلح!

سمعت نتفاً من كافة هاته العلوم: العقد الصحيح، والفقه الرجيح، والسلوك القويم، والحديث الشريف، والأثر الأثير!

سمعت اللغة، والنحو، والبلاغة، والصرف، والضبط، والرسم، والقراءات!

سمعت حسن الربط بين الآيات، وجمال الاستشهاد بالقرآن، ولطافة الضبط، ورهافة الحس، وحسن الكلام، وتمام الانسجام!


كان النوم يغالبني، والنعاس يداعبني، لكنه سرعان ما خفت وخفي، حينما جهره نور العلم، وضياء المعرفة!


قدّرت، أن دقائقه، متناً مفناً، يصلح أن يُشرح، ويحشى عليه، و"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"



ولم يعكر علي الصفو والحبور، إلا قطع أحد الحضور، قائلاً: جزاك الله خيراً، لو لم تتهيب الإلقاء واللقاء، فماذا كان سيكون؟! (أو كلمة نحوها)

فقطعه الشيخ، مكرراً: أستغفر الله .. أستغفر الله.

وانتهى كلام الشيخ، ولا أظنه إلا كان مزمعاً المضي، في كلامه المضي!



هذه كلمات كلمى، وعبارات خجلى.. أخرجتها على علاتها، نحو هذا القرم القمقام، وللأسف، بحثت عن ترجمة له، فما وجدت إلا نتفاً لا تفي ولا تكفي!

والله المستعان.


رحم الله هذا العالم العلَم، وأسكنه فسيح الجنان، ووسيع الرضوان، ولقاه نضرة وسروراً، وإستبرقاً وحريراً.

و"إنا لله وإنا إليه راجعون"



وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٣/١/٨




الاثنين، 9 أغسطس 2021

دعاء دخول الشهر أو السنة: إيضاح وبيان!

دعاء دخول الشهر أو السنة: إيضاح وبيان!

عن عبد الله بن هشام، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتعلمون هذا الدعاء كما يتعلمون القرآن، إذا دخل الشهر أو السنة: (اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وجوار من الشيطان، ورضوان من الرحمن).

رواه الإمام الطبراني في (المعجم الأوسط: ٦٢٤١).
وقال الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد: ١٠/ ١٤٢): "إسناده حسن".
وقال ابن حجر، في (الإصابة: ٢/ ٣٧٨) "وهذا موقوف على شرط الصحيح".

قلت: وهو دعاء شامل كامل، قد جمع خيري الدنيا والآخرة، من طلب الأمن والإيمان، وتحقق السلامة والإسلام؛ وذلك لأن أحدهما، يطلب الآخر، فإذا ثبت الإسلام ورسخ؛ أثمر لصاحبه السلامة من الآفات والهلكات، القدرية والشرعية.

وإذا وقر الإيمان في القلب، تبعه الأمن، قال تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".
وقد يتخلفان لضعفهما؛ فلذلك، ناسب: أن يستفتح المسلم عامه، بهذا الدعاء، حتى يتحققا، وفي تحققهما، سيادة وريادة.

ثم بعد ثبوت الإسلام، ورسوخ الإيمان.. لا يعدم صاحبهما من نزغات الشيطان ووساوسه، فناسب: أن يدعو ربه سبحانه، أن يكون في جواره وأمانه وحمايته، حتى يصرف عنه أذاه وبلواه، "وهو يجير ولا يجار عليه". أي: يغيث ويحمي ويمنع من طلب جواره وإجاره.

ثم كان الختم.. أن يسأل الله تعالى، أن يكون دائماً في رضوانه سبحانه وتعالى، ووَفْق مرضاته، حتى يرضى عنه، وإذا رضي الله عن العبد.. أحبه وأزلفه إليه، وفي الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)
فيا فوز عبْدٍ، عبَدَ ربه واتقاه، وناب إليه ودعاه.

وأما المراد بـ "جوار من الشيطان": فهو مصدر جاور، بمعنى: استجار، أي: طلب الحماية والأمان والمنع والحفظ والنصرة.

ومنه قوله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأَجِرْه".
أي: طلب منك أن يكون جاراً لك وعندك، وفي جوارك.. فاحمِه وانصره واحفظه وامنعه من عدوه.

ومنه قول الرجل: أنا في جوار فلان، أي: في حمايته ونصرته، وهو مما يقتضيه الجوار، أي: القرب في المنزل.

تنبيه: جاء في بعض النسخ: (وجواز من الشيطان) أي: من المجاوزة والتخطي، يقال: جاز الطريق، إذا تخطاها، وجاوزه الرمح، إذا تعداه.

اللهم اجعلنا في رضوانك، واحمنا من كيد النفس والهوى والدنيا والشيطان، إنك وحدك المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
والله أعلى وأعلم.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤٢/١/١

السبت، 7 أغسطس 2021

الإمعان الفكري في حكم التهنئة بالعام الهجري!

 الإمعان الفكري في حكم التهنئة بالعام الهجري!


أو


قبسٌ من الذِّكْرِ  في حكم التهنئة بالعام الهِجْرِي!



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


 


وبعد:


فها نحن نودِّع عامًا مضى وانقضى، بما فيه: من محاسنَ ومساوئ!


ونحن نسأل الله أن يكون ختَم لنا بخيره، وتجاوز لنا عن سقطِه وشرِّه.


 


وها نحن أولاء نستقبل عامًا جديدًا من أعوامنا وأعمارنا، ونحن نسأل الله أن يجعله عام عزٍّ ونصر وتمكين لجميع المسلمين، ويوفقنا فيه للعلم النافع، والعمل الصالح.


 ويشرع لمن دخل عليه العام الهجري الجديد، أن يقول هذا الذكر:

قال البغوي في (معجم الصحابة: ٣/ ٥٤٣): حدثني إبراهيم بن هانئ بن أصبغ قال: أخبرني ابن وهب، عن حيوة، عن أبي عقيل، عن جده عبد الله بن هشام قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون هذا الدعاء كما يتعلمون القرآن، إذا دخل الشهر أو السنة: (اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وجوارٍ من الشيطان، ورضوانٍ من الرحمن).

ورواه الطبراني، وقال ابن حجر -رحمه الله- في كتابه "الإصابة" في ترجمة عبد الله بن هشام رضي الله عنه (٢/ ٣٧٨): وأخرج له أبو القاسم البغوي من طريق أصبغ عن ابن وهب بسند الحديث الذي أخرجه له البخاري في الشركة.


وفي منسلَخ كلِّ عام ومفتتَحِه يكثر الحديث عن حكم التهنئة بذلك، وإن الناظر إلى أصل التهنئة لا يخفى عليه الحكم، ولا يشتط في الحكم بالبدعة.


 


فالتَّهنئة كما قرَّر غيرُ واحد من العلماء أنَّها (من العادات، وليس مِن العبادات)، والتهنئة ما قرَّر العلماء- يُنظر فيها إلى المعاني والمقاصد.


 


وللتهنئة أصلٌ في الشريعة؛ فقد هنَّأ بعضُ الصَّحب كعبَ بن مالك بحضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأيضًا: شرع سجود الشُّكر عند تجدُّد نعمة، أو دفع نقمة.


 


ولا شك أن انتهاء العام -كما أشار العثيمينُ- فيه تجددُ نعمة العبادة، والانتهاء من عبادة عام كامل.


 


وهنا نقلٌ مفيد في رسالة السيوطي: (وصول الأماني)، نقَل فيها عن القمولي في "الجواهر" أنه قال: "لم أرَ لأصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيدين والأعوام والأشهُر كما يفعله الناس، ورأيتُ - فيما نقل من فوائد الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري- أنَّ الحافظ أبا الحسن المقدسيَّ: سُئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟


فأجاب بأن الناس لم يزالوا مُختلفين في ذلك، قال: والذي أراه أنه مباح؛ ليس بسُنة، ولا بدعة، انتهى".


 

وهنا نقل مفيد للشيخ ابن سعدي، قال -رحمه الله-:

"هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرّم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.

أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم؛ لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور، ويشوش الخواطر.

ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يُلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضارّ ما يُلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً"..انتهى كلامه رحمه الله، من (المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي- الفتاوى ص(٣٤٨).


وقد طبق كلامه هذا فعلياً، فقد كتب الشيخ ابن سعدي لتلميذه ابن عقيل كتاباً في ٣/ محرم ١٣٦٧ه‍ وكان في ديباجة رسالته: "... ونهئنكم بالعام الجديد، جدّد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".


وسُئل شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني -رحمه الله- عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟

فأجاب: 

لا مانع من التهنئة، بالعام الهجري الجديد.


وبعض المعاصرين -أمثال: الباز، والعثيمين، والبرَّاك، والخضير- يرون أن من ابتدأك بالتهنئة، ترد عليه.


وعليه؛ فلا يتناولها حكمٌ من الأحكام الخمسة، حاشا الأخير، وهو (المباح).


والمباح هو: ما لم يُؤمر به، ولم يُنهَ عنه؛ هذا تعريفه.


وحكمه: ما لا يُثاب فاعله، ولا يُعاقب تاركه.


وعليه؛ فمن هنَّأ فلا حرج، ومن لم يهنئ فلا عوج.


ومن المعلوم أن المباح إذا احتفَّت به معانٍ ومقاصد، رفعَته إلى الأجر، أو أدخلته في الوزر.


 فمن قصد بالتهنئة تقليدَ النصارى في أعيادهم -وهذا فيه بُعد؛ إذ العكسُ أولى- أو اعتقد أنَّها عبادة، أو والى وعادى مِن أجلها؛ كان عليه وزرٌ وإثم؛ لِمَا ترتَّب على المباح من المقاصد السيئة.


 


ومَن قصد إدخال السرور على المسلمين، والتنبيهَ إلى التزوُّد من العمل الصالح، والتحذيرَ من طول الأمل، فهي مقاصدُ حسنة جليلة، نرجو له الأجر والمثوبة.


 


والله أعلى وأعلم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٧/١٢/٢٧

١٤٣٨/١٢/٢٦