الثلاثاء، 19 يناير 2021

طفلٌ يبول في المسجد!

 طفلٌ يبول في المسجد!


صليت في أحد المساجد، إحدى صلاتي الليل، وصلى بجانبي طفل في الساسة من عمره تقريباً.

وبينا نحن في الركعة الثانية؛ إذا بي أحس الطفل يتأرنح ويتأرجح، ويشبّك بين يديه، ويفرج بين رجليه!

فتجاهلته، وقلت: حركة أطفال معتادة.


فلما ركعت، رأيت نداوة في مكان الطفل، وبلالاً في سرواله!

ففطنت أن الدعموص -رعاه الله-، كان حاقناً؛ فلم يسطع حبسه؛ فبال! (وحبْسُ البول؛ مضر، وفي حديث الأعرابي، ملمح ذلك). 


أجلست الطفل؛ لئلا تنتشر رائحة البول، وحتى لا ينتبه له من خلفه.. فيصجون ويضجون ويعجون! (وهذا حال كثير من العوام الهوام). 


جلس الطفل المسكين، وظَلت أفكر بحيلة (ومن الحيل، ما هي شرعية، وفيها تواليف)، أُخرج بها الطفل من ورطته (نعوذ بالله من الورطات والوقطات) حتى دعوت الله في سجودي، أن يلهمني فعل الأفلح والأصلح، والأقصد والأرشد. 


وهنا، أنشد ما أنشده شوقي:

ويح له، ويح لهـ *** ـذا الولد المعذّبِ!


ألم تكن تصنع ما *** يصنع؛ إذ أنت صبي؟!


لما حلّلني التسليم، وكان الطفل عن يساري؛ إذ بي أرى الصبي، يصوّب بصره نحوي، وهو ملآن خجلاً وجللا! وعيناه تقولان لي: أرجوك، أنقذني!


وكأنه يلقنني هاتين البيتين:

بريء، وأفعل ما أشتهي *** ملاك، وأجهل معنى الذنوبِ


إلى الآن ما سجّل الكاتبانِ *** عليّ خُطى مخطئ أو مُصيبِ!


أطرقت بصري قدامي، وقلت أورادي وأذكاري.. محاولاً سكون الطفل وسكوته!

والطفل مسمّر في مكانه، ومستمر في مصلاه!


سلمت عليه، وابتسمت إليه، فقال لي: والله آسف، ما قدرت أمسك بولي!

مسحت على رأسه، وهدأت روعه، وخففت فزعه.

ولما خفّ المسجد من الناس؛ قلت للطفل: اُخرج من المسجد، دون أن يشعر بك أحد.


ثم ناديت يافعاً في العاشرة تقريباً، وقلت له: انظر، هاهنا بول .. خذ هذه الفلوس، واشتر بها صابون وفرشة، تنظف بها المكان، والباقي لك!


سكتَ هنيهة، ثم قال: لا، سآخذ قيمة الأشياء، وأرجع لك الباقي!

قلت له: هي لك مكافأة.


قال لي: طيب، ولكن أخاف أحداً يخاصمني!

قلت: لا عليك، سأكلم المؤذن، كلمت مؤذن المسجد، بما صار، وبما سيصير؟ فشكر الصنيع والمصير.


وتمّت الحيلة، بسلام، وانتهت القصة بلا كُلام، وفرحت وبهجت، أن وقيت الطفل شر الإهانات، وضر الإدانات، "والحمد لله رب العالمين".


وكأني به، بعد تمام الحيلة.. يقول:

يا منقذي من وحول العار يا بطلاً *** حاز الرجولة جدراً، وهو بعدُ حبي


ويا مقيل عثار الطفل في زمن *** صار العناف به ضرباً من اللزبِ


قلت: هذا فعل صغير، لكن عائده كبير، وكلنا يستطيعه ويطيقه.


وهذه ثلاث مزايا منه وفيه:

-عمل بسنة، من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، في تعامله مع الأعرابي.

-حوفظ على كرامة الطفل، التي إذا خدشت ربما سببت له عقدة نفسية مستمرة.

-سعي في تنظيف بيت من بيوت الله تعالى.


ذكرت هذا الموقف؛ ليقتدي به من رأى مثله، وليكون لصاحبه أجر الدلالة والتسبيب، و"الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب".


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤١/٥/٢٢ ح ي

هناك تعليق واحد:

  1. ماشاء الله
    جزاكم الله خيرًا شيخنا الحبيب وليد
    نعم نعم جميل ما صنعت
    فكما قلت أصبح الهوام والعوام مضر في الأفعال والكلام

    ردحذف