الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

قراءة ونقد في كتاب: "كنت طبيبة في اليمن"!

 

قراءة ونقد في كتاب: "كنت طبيبة في اليمن"!

كتاب (كنت طبيبة في اليمن) لكلودي فايان.
كتاب تاريخ قاصر لسنة من حكم الأئمة فقط، فكل مافيه يحكي سنة واحدة من حكم الأئمة عاشتها طبيبة نصرانية ملحدة، تصدق وتكذب.
والكتاب أشبه بمذكرات شخصية، ولكن ضمنتها أحداثاٌ وقصصاً وحكايات.
فهو إذن يصور سنة من السنين الطوال التي حكموا فيها اليمن: يحكي أوضاعها، ويقص أخبارها، ويفتري عليها، ويزور تاريخها.

والكتاب رغم صغره إلا أنه انطوى على قصص كثيرة، وحكايات مثيرة، ومبالغات كبيرة.

وعندما قرأت نسختي من الكتاب علقت بتعليقات على مارأيته مخالفاً لشريعتنا، ومجانباً لآدابنا، حتى يكون قارئه بعدي على حذر وانتباه.
ولم أرد أن أكتب عليه نقداً في مقال خاص؛ لخمول الكتاب والكاتبة في نظري، والاشتغال بما سواه أولى وأهم.

ولكني رأيت انبهار البعض بالكتاب، والإعجاب بأسلوبه، وإنصاف كاتبته في بعض المواطن، فصدقوا كل مافيه!

هنا، نصحاً لله، عدت إلى نسختي وتعليقاتي، وقرأت الكتاب ثانية حتى لا أكتب شططاً، أو أخبط خبطاً، أو أقول خلطا.

فأقول:
إن الكتاب فيه صدق وحق، فيماعاناه أهل اليمن في تلك الحقبة من صعوبات ومتاعب، وتحكم بالأمور وتلاعب، واستمراء على الظلم والقمع، والاضطهاد والهمع.

ولكن فيه زور ودلس، وخبث ونجس، ولا يؤخذ منه تاريخ اليمن؛ فكتب التاريخ اليمنية ممتلئة بالأحداث عن ذلك العهد بكل شفافية وإنصاف.
فلنعد إليها.. أم أن عندنا فقراً ثقافياً حتى نستعيره من الغرب الحاقد؟!

وفي تلك الفترة كان الغرب يرسلون جواسيسهم عن طريق أطباء أو غير ذا؛ يكثرون الركض، ويجسّون النبض، وينقلون الأخبار، حتى سهل عليهم الغزو والاستخراب.
ولا يغيب عنا، كذب الغرب الكافر وتزويره.
والمنصفون منهم قليل يعدون عدّاً (وليس بعد الكفر معصية)!

وقد ذكر بعض المؤرخين: أن رحالة بريطانياً زار منطقة في غزة قبل أكثر من مائة عام ووصف أهلها بالكسل، وأنهم ينامون نهاراً، ويسهرون ليلاً.
وأنهم رجموه بالحجارة، وتبين بعد التحقيق أنه زار تلك المنطقة في رمضان والحر شديد مما جعلهم يعملون في الليل!
وأن سبب رجمهم إياه؛ أنهم رأوه مفطرا في رمضان!

وغالب الكتب التي تُدرس في الغرب ومن الغرب عن التاريخ الإسلامي أو الشريعة الإسلامية؛ مزورة وطاعنة، ومتحاملة وواهنة.

وللأسف، انطلت كثيراً من شبهاتهم على بعض المسلمين بل بعض المثقفين منهم، إما جهلاً، أو شراء لذمم بعضهم!


فلذلك؛ كان فيه طامات، وتهم وأكذوبات، وتطاول على رب الأرض والسموات!
وفيه نوع ابتذال في الألفاظ، وإغراءات في الغرام، وإيحاءات في الجنس.

وقد أنصف بعضهم الإسلام والمسلمين، كـ (حضارة العرب)
وكتاب (شمس العرب تسطع على الغرب)
وكتابات المستشرق المسلم: محمد أسد.
مع التنبه إلى بعض مافيها من لوثات عالقة.

وقد وقفت مع الكتاب أربع وقفات:

الأولى: كلامها عن الله تعالى:

-في الكتاب خطر عظيم على الفكر المسلم تجاه ربه سبحانه، فهي تثبت للناس الإيمان بالماديات وأن الله قوة لا تجدي! -أستغفر الله-.
ثم هكذا تقول: أن الطبيب عندما سافر، لجأ الناس لله، وكأنهم قبل لم يكونوا يعلمون هذا!

-ثم ذكرت أن ذاك كان يقرأ القرآن على مرضاه حين العجز عن الدواء.. وتنتهي هذه القصة الماكرة بموت فاطمة والطفل ووو وذلك لأن العناية الإلهية تخلت عنهم، ولم يعد ينفع القرآن، بل الدواء هو الأول والآخر!

-وتقول: ولد الطفل، وصحت الأم، وسعد الناس جميعاً.
وللمرة الأولى لم أعد أسمعهم يتحدثون عن الله، فالجرّاح إنسان، والذين صنعوا الطائرة رجال!

وهذا مزلق خطر في باب الإيمان بالله والثقة بالله، فمع إيماننا بوجود سبب ومسبب، لكن يبقى في الأول والأخير هو الله مسبب الأسباب المدبر أمر عبيده: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" فلولاه لما نجحت عملية، ولا تحركت طائرة، فهي أمور تمشي وفق إرادة الله لا أن نجعل لها القدرة الكاملة!

وإلا، كيف عاش الأولون الذين لا يعرفون من هذه العقاقير سوى أمصال ورقى، وأمراضهم أقل من أمراض زماننا المستعصية؟!
اللهم لطفاً.

-وهي لا تعترف بخالقها، بل خالقها هو المسيح!
تحكي أن حب المسيح هو المخلص لها مما تجد؛ لأنه يحب كل مخلوقاته، ويوفر لهم مايحتاجونه "تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا"


-وهي تسيئ الأدب غاية إلى ربها سبحانه وتعالى، ولا تعترف به، وتصفه بالمؤثر، في كلمات صاخبة ملحدة ملمحاً لها دون ذكر!
وفي هذا تأثير على القارئ بدون شك.

-وتقول:
(وعدت إلى المنزل.. وأنا أشعر بالخجل والعار.. ألأني قد آمنت لحظة بوجود إله؟ أم لأني لم أسجد له في الحال؟ وحتى اليوم لست أستطيع جواباً)!

فما بال قومي لا يعبهون لذلك، أم هم يعمهون عما هنالك؟
أم أنهم في مأمنٍ مما يقرؤون على عقولهم من الانحراف، وعلى أفكارهم من الانجراف؟!

ولا أظن قائلا يقول هذا؛ (فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)

والإنسان أسير مايقرأ، شاء أم أبى! ومانجده من أفكار منحرفة، أو آراء جريئة لدى البعض إلا نتيجة قراءات شاذة، وهم لا يشعرون!
وهذه من أعظم العقوبات أن تبتلى، ولا تدري سبب بلائك! خصوصاً في الدين، فاللهم سلم.

الوقفة الثانية: كلامها عن الجنس:

-في الكتاب جرأة عجيبة، ووقاحة مريبة من امرأة غربية، تعافس الرجال، وتسافر دون محرم، وتخلو بالشباب، بل ويحاول البعض أن ينال منها -كما تزعم-!
بل تزعم أن عامل زبيد أراد الزواج منها، فاعتذرت إليه بأن لديها مهمة في صنعاء، ولم تذكر له أنها متزوجة، وأن الأديان السماوية، والفطر المستوية تمنع المرأة من تزوج رجلين.

وهذا ليس غريباً على كافرة، ولكن فيه تهوين لبناتنا من هذا الجرم والعهر.
فلنكن منه على علم.

-وهي تنشر الفاحشة بذكرها بعض القصص والأماكن التي تتخذ لهذه الرذائل!
وتذكر -كاذبة- بعض الأماكن لهذه الفواحش، ثم تصف إنكلترا بأنها محتشمة لا تسمح لهم بذلك، فيذهبون إلى .... ليقضوا أربهم!!

-وتحكي أن امرأة خانت زوجها، وأنها كبلت بالحديد.
واكتفى الزوج الديوث! أن يجلس بجوارها!
وهذا هراء يدركه المتفحص في تاريخ المسلمين وفي تلك الحقبة على وجه الخصوص.

-وتحكي كذباً: أن الفقراء الذين لا يملكون نفقة الزواج؛ يقضون حياتهم بطريقتهم الخاصة!
وكأنهم لا دين لهم -مثلها- أو أنهم بمعزل عن المراقبة؟!

-وأن عبده -رفيقها ومترجمها- كان ذا مغامرات عاطفية يقضيها مع بعض الفتيات!
أليس في هذا مايشجع على الرذيلة، ويقود إلى الفضيحة؟!

-وهي لا تجد ثغرة إلا وتحاول اتساعها حتى تدخل فيها من يضل بكلامها ووصفها، فقد ذكرت قاع الناصر وقالت: أنه ملتقى للسكارى، وبائعات الهوى!

-وهي كاذبة في قولها: أن هناك مواخر للفساد، واللقاءات الحميمة، وربما الجنسية! أو اتخاذ عشقاء وعشيقات!!

وأنا هنا لا أنكر وجود شيء من ذلك في أي زمان أومكان، ولكن أن يكون على مرأى ومسمع فذاك مالا يصدق خصوصاً في ذلك الزمان الذي لا تعرف هذه الأخباث.

بل قرأت أن الإمام كان يمنعهم من اتخاذ ملاعب الكرة!
أفيسمح لهم بفتح أماكن للدعارة، وبارات للخمور؟!

ثم كيف لامرأة غربية دسيسة وعلى المسلمين جسيسة -كما صرحت- أن عليها أمور النساء، والمهندس أمور الرجال- خاصة وهي قريبة من الأسرة الحاكمة؛ أن تطلع على هذه الأسرار الذي يقام فيها الحد إذا عرف وأقيمت البينات؟!

إن الأمر لا يخلو من هراء وصخب للتشويش على العفيفات اللاتي يتمتعن بعز الإسلام، وشموخ العفة، وماهنّ -بإذن الله- بمخدوعات.

فقد عرفن حياة الغرب، وكيف تعيش الغربية في مهانة وتعاسة، وعهر وانتكاسة.. وهاهي شهادات الغربيات تعترف بالحرية -الحقيقية ليست المزيفة- للمرأة المسلمة، فهي تعيش في ظل رجل يدافع عنها، ويقوم بشؤونها، ويحميها من كل مايضرها في بدنها أو مالها.

إن المسلمة لا تحسد الغربية كما ذكرت كلودي فايان، بل إنها تغمطها وتحقرها، وتنظر إليها بازدراء؛ إذ جعلت جسدها عرضة لكل لامس، إذا كانت شابة طرية، فإذا هرمت تركت وطرحت ورميت!


-وهي تصف المتصفين بالعفة: بحراس الأخلاق المتشددين!


-وتزداد وقاحتها حين أن تفُوه أن التجار يحبون أن يروا أفراد عائلتهم في وضع شفاف!
ولا أدري كيف ينطلي هذا السخف على بعض المثقفين؟!

-وهي تحاول مغرية المرأة المسلمة بوقاحتها قائلة:
(وبسرعة خلعت ملابسي كلها، على الطريقة الفرنسية وقلت لنفسي: فلأتمتع بحمامات الجزيرة العربية)!!!

كيف لقارئ هذا النص أن يحتمل هذه المواقف الفاضحة؟
وكيف للقارئة المهذبة أن تتحمل هذه الجراءة والوقاحة من هذه النصرانية الملحدة؟!


-وتتكلم عن بطولاتها وسهراتها مع المهندس الذي أذابت الشعلة المتقدة معهما كل القيود!!

-إنها تثير الغريزة بحديثها وهي في ملابس نومها، والرجال يدخلون عليها دون استحياء أو استئذان!!

-وأنها كواحدة من نسائهم -ومن حسن حظها، أن لباسها لم يكن شفافاً -كما تزعم- وقد تعرت في ذلك المتنزه عند الأمير مطهر! فماذا يكون هذا إلا تصوير وضع حيواني مزر في ذلك الوقت!

-إنها تكثر بل لا تكاد تذكر شاباً أو أميراً إلا وتصفه بالجمال والحيوية والوسامة!
وهذا يبدو طبعياً في بداية الأمر، ولكن أن يتكرر يأخذ مغزى آخر، وتصويراً ماكرا.
فتذكر أن الأمير ع يفيض حرارة!! وأنه عرف فنادق أوربا، وهاهي اليوم تقع فريسة لهذا الوسيم المظلوم!

كم هو العار والخجل أن ينتشر مثل هذا الكتاب الصاخب الذي يحمل براءة الطب، وفي داخله سموم أفاع فاغرة أفواهها نحو الشرف والفضيلة!

إن ماذكرته لو كان في هذا الوقت، وقت التكنولوجيا والتقنية وماتحمله من تغيير للفطِر، وانحراف للقيم؛ لكان غير مصدقٍ أن يعرض رجل فضلاً عن أمير نساءه عاريات لمهندس أجنبي كافر، وهن فرحات مستبشرات!!

إن الطبيبة نصرانية بل ملحدة، فهي لا تتورع أو تستحي أن تقول كل مايشوه الإسلام..

-ولتدرك معي الزيف والمكر، انظر كيف قطعت هذه القصة الجنسية، والقطعة الغرامية؛ لتدخل مباشرة دون تمهيد إلى تعليم الطفل القرآن والدراسة؛ ليشهد لها  بالصدق والبراءة!

وهكذا بعض المسلمين كثيراً ماينخدع بمثل هذه الأساليب أو يحب أن يكون مخدوعاً ليصبح مخادِعاً!

إن ماذكرَته من أهوال وأحوال وفضائع، وتصوير متعمد مكشوف مخادع، لا يصدَّق وقوعه في قصور الغرب الكافر!!

إن الأمير -على حد زعمها- إذا أراد ذلك، لا يحتاج لكل هذه المحاولات والإغراءات، وعرض التبادل، وكأن الإذن متعلق بالمهندس!
ولكن هكذا هي سموم الغرب، ولا زال البعض بهم مخدوعا!

الوقفة الثالثة: تنبيهات على قضايا عقدية:

-أشارت إلى أن ذاك النائب ذُبحت له عقيرة استرضاء.
والعقيرة التي أشارت إليه، هو مايسمى بالهجَر، وهو ما يكون فصلاً بين المتهاجرين والمتنازعين؛ وهو محرم لما فيه من ذبح لغير الله، وإن زعم أنه لله فإن فيه تعظيماً للمخلوق بصرف هذه العبادة له، أو تخصيصه بها في مكانه.


-وهي تصف الأذان بالصوت العنيد المستبد الصارخ الآمر الموقظ للناس من نومهم!
وفي هذا من القحة مالا يخفى على لبيب!

الوقفة الرابعة: تنبيهات على قضايا اجتماعية واستعمارية:

-تحاول إثبات أن الجامع الكبير مبني على أنقاض كنيسة، وفي هذا تلميح ماكر لأسيادها، بمحاولة الهدم أو إحداث بلبلة، وماهيكل سليمان عنا ببعيد!
وتعيد نفس الكلام في مسجد من مساجد ذمار!

وللفائدة: الجامع الكبير بصنعاء القديمة هو جامع بني في عهد الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في السنة السادسة للهجرة وهو أحد أقدم المساجد الإسلامية.
أمر بتوسعته الخليفةالأموي الوليد بن عبد الملك والولاة من بعده. وقد عثر علماء الآثار عام ٢٠٠٦م
بإشراف خبيرة الآثار الفرنسية الدكتورة ماري لين على آثار سراديب وآثار لبناء قديم لا زالت تلك الآثار تحت الدراسة، وقد اكتشف كشف أثري مهم قبل ذلك بسنوات أثناء إزالة الجص من الجدران حيث تم كشف أثري مذهل حيث اكتشف اثني عشر مصحفا قديما أحدها كتب بخط الإمام علي وكذلك أربع آلاف مخطوطة عربية نادرة من صدر الإسلام ومراسلات من العهد الأموي وهذه النفائس محفوظة الآن بمكتبة الجامع.
وهناك مايدل أن هذا الجامع بني على أنقاض قصر غمدان السبئي الذي بناه سام بن نوح، أو يعرب بن قحطان.
وجدير بالذكر أن أبواب الجامع الفولاذية ترجع لقصر غمدان وعليها كتابة بخط المسند.
فأين ماتزعم الكاتبة؟!

-وهي تخطئ حين تقول: واليمنيون يحرصون على الراحة كثيراً..
فالذي نعرفه هو عكس ذلك تماماً، بل هم أشد الشعوب نشاطاً، وأحدهم حركة، فتجد الشيخ الهرم وهو يعمل الأعمال الشاقة رغم إثناء أولاده عن ذلك إلا أنه يرفض الاستراحة.

-وهي تصور الرجل المسلم وهو في جبروت وظلم؛ إذ يأكل أولاً بمفرده ثم يترك الفتات لباقي أسرته وزوجاته!

إن هذا زور وكذب، لا يصدقه اليمنيون والمسلمون أجمع، وهو وإن حصل من أفراد فلا يكونون ميزاناً للجماعة.
بل إن المسلم من أحرص الناس على إكرام أهله، وهو الذي يسمع قول رسوله عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيرا) وقوله عليه الصلاة والسلام: (اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه) ولا يرتقي هذا الفعل لدرجة الإنسانية.
والذي نعلمه هو أن الغربي لا يأكل مع عائلته بل يأكل بمفرده، بل ربما منع ابنته الشابة من الأكل أو المبيت في بيته؛ لتبحث لها عن صديق وعشيق، ولا داعي للإنكار فهي اعترافاتهم.

-وفيه دعوة إلى محاربة الزواج المبكر، بحكاية مبالغات أن تلك الفتاة تلعب ثم يدعوها الأمير لأنها زوجته، وتلك الأخرى: شريفة ترفض وتهرب حين أن يعرض عليها الزواج، بل تسجن ويوضع في رجلها القيد لرفضها الزواج!

وهذه دعوة فجة يدندن حولها رعاة الأمم -زعموا- حفاظاً على البنت وعلى صحتها، وحرصاً على نضجها!
ثم نقرأ تقريراتهم، أن كثيراً ممن فعلن الرذيلة قبل سن العشرين، بل بعضهن دون الخامسة عشرة!

فسبحان الله، محاربة للحلال، ومعاونة على الحرام؟!
وتنطلي هذه الشبه على بعض المسلمين والمسلمات!

والحق، أن البنت متى ماأطاقت الزواج ورغبت؛ تزوج، دون النظر إلى سنها، فقد تطيق وهي صغيرة، وقد لا تطيق وهي كبيرة!

-وهي وإن كانت أنصفت إلى حد ما تعدد الزواج، وزواج الصغيرات وأنه ليس هناك من ضرر في ذلك، ولكن تعود لتهدم ذلك بأنه يؤثر على حياتها العقلية -كما قدّمت لك-.

-وهي تشير بدهاء ومكر أن قدمها خشنة كأي امرأة عاملة شريفة!
وأن أقدام اليمنيات ناعمات كخد الطفل؛ لأنهن غير عاملات؟!!
وبالتالي هن غير شريفات!
ولا عجب، فالداعرة تدعي الشرف، وهي عنه بمعزل!

وهي تناقض نفسها؛ إذ تذكر أن المرأة تحمل التنكة على رأسها، وتذهب إلى حصد الزروع، وتمتهن الخياطة!
فماهذا التناقض المكشوف؟!

وأقول: المرأة والرجل شريكان في معمل الحياة، فليست هي سلعة -كما تزعم الكاتبة- أو آلة تصنيع! وإذا كانت هي آلة تصنيع، فإن العامل المجهَد هو الرجل!
ولا أدري أيكون النقص للعامل أم للآلة المصنِّعة؟!

بل لولا الرجل لما كانت، والعكس لولاها لما كان الرجل "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"

وكما أنال منها اللذة هي بالمقابل تأخذ لذتها ومتعتها، فليس الرجل هو من يتلذذ بالجماع أو الزواج، بل اللذة مشتركة، قال عليه الصلاة والسلام: (حتى تذوق عسيلتها، وتذوق عسيلتك) والتكنية عن الجماع بالعسل؛ لما فيه من لذة عظيمة، ونشوة فائقة بين الذكر والأنثى.

فلماذا التحقير للمرأة ولمزها بهذا الوسم، وهي مفطورة عليه، وكل امرأة كذلك.
سوى أننا نريدها بالحلال، ولرجل واحد من العالمين، وهم يريدونها كلأً مشاعاً بين الذئاب المفترسة!

وهانحن قد رأينا العاملات والمختلطات بالرجال... فماذا كان؟ لم يتغير شيئ..
درست البنت الطب لتكون طبيبة النساء؛ وإذا بنا نرى العكس، المرأة تطب الرجال والرجال يطبون النساء!
فكان ماذا؟

إنني لا أدعو للتجهيل، لكني لا أزعم أن الجامعة أو المدرسة هي المصدر الرئيس لتعلم الفتاة!

إن المساجد الخاصة بتعليم المرأة، قد فاقت كثيراً من الجامعات.

وماذا أبغي أكثر من أن تحفظ أمي أو زوجتي أو ابنتي أو أختي كتاب الله عز وجل -وفيه كل العلوم- زد على ذلك: دراسة الفقه والحساب والأصول وهكذا اللغة والأدب!
هذه هي العلوم التي نحتاجها، وهي التي درسها أسلافنا، وهي التي ندرسها.
فلماذا التهوين من دور النساء المنعزلة عن الرجال، والإشادة بالجامعات المختلطة؟!

وعندما تركنا هذه العلوم، واتجهنا للعلوم العصرية؛ تحكم فينا الأعداء، وصرنا طعمة في أفواههم النجسة!
وتالله، لا عز لنا -نحن المسلمين- إلا بالعودة إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (إلا سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم)

-ومن خبثها محاولتها لتفضيل المرأة على الرجل، ولا غرابة في ذلك منها، لكن القارئ متلقف، فكم من بنت تقرأ فتخافت نفسها أن الإسلام قد ظلمها!
والإسلام أعطى كلاً خصائص يختص بها دون الجنس الآخر، ولكن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، ولا مانع أن أفراداً منهن تفضلن أفراداً من الرجال، وذلك "تنزيل من حكيم حميد"

-استمع إلى دهائها، تقول: (بدأت بالفتى، فالرجل أولاً دائماً ثم أردت أن أمر بالورق على البنات.
يا لها من فضيحة.. لقد شعر الصبي بالإهانة فرمقني بنظرة قاسية وسحب الورق من يد الفتاة بازدراء، وهو يقول: إنها بنت.. لا تعرف شيئاً.
واستسلمت الصغيرة في انكسار، وتركت الورقة ولكني رتبت الأمر على الطريقة الأوربية وأعطيت الفتيات دورهن..
*وتهللت أسارير مريم واستبشرت بالانتصارات القادمة للمرأة*)

أي انتصارات للمرأة غير الإسلام الذي أعطاها حقوقها كاملة؟!

إن من الانتصار ماسمعناه وقرأناه في وسائل الإعلام في دولة عربية محافظة، من أن طبيباً ضرب الممرضة حتى سقطت على الأرض، وأخذ بشعرها يضربها ويركلها ووو!
ولا زالت القضية معلقة في المحكمة!
فاللهم سلّم.

كانت هذه أربع قضايا تناولتها في نقدي، ولم آتِ على كل الكتاب، بل ذكرت ماوقع عليه بصري، دون إمعان وإنعام؛ لأثبت للبعض أن الكتاب لا يرتقي لدرجة القراءة، بل هو هذيان وميلان، "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" ووقت المسلم والمسلمة أغلى من أن يقتل هذه التفاهات.

تنبيه: قال لي البعض: إن الكاتبة قد أنصفت المسلمين واليمنيين، وأثبتت لهم أخلاقهم، ووصمتهم بالطهر والعفاف؟
قلت له: نعم، -ومن هنا كان انبهارك بالكتاب-!
إن الكاتبة فرنسية نصرانية ملحدة جاسوسة على بلاد المسلمين، وهي تكتب هذا الكتاب ليتداول في العالم أجمع، فلم يكن من مصلحتها أن لا تذكر بعض المحاسن التي وزعتها على كتابها، بل كتبت ذلك؛ ليكون مقبولاً لدى أوساط المسلمين، وليشهد لها القارئ أنها منصفة، فإذا كانت كذلك، فإنه بالبديهة يتغاضى عن ماذكرته من فحش وعهر، حتى نخدع في تصديقها، كيف، وهي المنصفة! -وهذا ماكان من البعض-!

وقد نبه الباحث العراقي الأستاذ حميد مجيد هدَّو،  عندما كان مدرسا في اليمن، سنة ١٩٧٠، في بحثه الموسوم (نفائس خطية من اليمن) و(مخطوطات صنعاء - مجلة المورد العراقية (٢١٧/٣) ١٩٧٤م، قائلاً: "وهناك طبيبة فرنسية أشك فيها ، حيث أنها  تسكن صنعاء منذ سنوات طويلة ، وقد ألفت كتابًا اسمه : #كنت_طبيبة_في_اليمن ،  تحدثت فيه عن ذكرياتها في عهد الإمامة ؛ ولكن بواطن الأمور غير ظاهرها !! فقد فهمت من أكثر من شخص مسؤول : أنها تهرب الآثار للمتاحف الأوربية ، وقد كبست سلطات الجمارك في مطار صنعاء على صندوق كبير مملوء بالآثار اليمنية النادرة ، حاولت تهريبه إلى الخارج .. هذا غيض من فيض، مما بلغ مسامعي ،ومما رأته عيني".

فكأنها تقول: إذا كان هذا يثير أهل الإسلام؛ فلأطعم كتابي ببعض الإنصاف (من باب ثرّ الرماد في العيون) والحقيقة التي رأيتها فأحكيها على سجيتها، حتى لا يكون مرذولاً!
وهو مكر لم يتنبه له بعض من نقدني!

وزعم المسكين أن الكاتبة أنصفت اليمنيين أو المسلمين بشكل عام!

ولم يتنبه أنها قد طعنتهم في خاصرتهم بحكايات تظهر للعاقل زيفها وكذبها وخبثها ومكرها، من انفصال عن الخالق وتعلق بالماديات إلى التعري والرذيلة... إلى ممارسة الجنس بتصوير مثير، وتزوير مبير!

هذا وأسأل الله لي وللجميع التوفيق والسداد، والبعد عن الكساد والفساد والإفساد "إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"

كتبه: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٢/٢٨


الخميس، 24 أغسطس 2023

أما آن للأنعل أن تأمن؟!

 أما آن للأنعل أن تأمن؟!


لا زلت أصلى بنير سرقة أنعلي، وهو صلاء معنوي، يشعر به قلبي، أما اليوم، فاجتمع صلاءان: المعنوي القلبي، والحسي الجسدي!


فرغنا من صلاة الظهر، وتجاذبنا أطراف الأحاديث، ثم ذهبت حيث وضعت نعلي، فلم أجدها، بحثت يمنة ويسرة، فلم أعثر عليها، علمت أنها قد انتهبت، ولا فائدة من البحث إلا اللغب!


خرجت من المسجد، وكان يوماً معمعانياً شديد الحر، شمسه في كبد السماء، ترسل شررها، وتقذف حرها، ورمت بجمرات الظهيرة، حتى صوحت ولوحت، وأذوت وآذت، فصهد الحر وصخد وصحر وصهر، فانبعث الحرض، وانتفض اللهب، واشتدت الوديقة، وربما بدت الومحة على الوجوه من أثر الشمس!


ماذا أصنع .. كيف أطأ على هذا الجمر .. هل من خيار آخر؟!

إنه لا خيار إلا المرور على هذا الصفيح الجاحم، فاستعنت بالمعين، ذاكراً ذكر الخروج، ورميت بثقلي -مجازاً- على قدمي النحيلتين، في خضم القيظ، وشدة السخن، فإذا بالألم يتفاقم ويتصاعد إلى جميع الجسد، وفي الحديث (إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد) لكن، الوجع الشديد كان على الرجلين المباشرة للصيهد!


تفرّ من الهجير وتتقيه *** فهلاّ من جهنم قد فررتا

ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد به لذُبتا

ولا تنكر فإن الأمر جد *** وليس كما حسبت ولا ظننتا


استعنت بالركض، ولكنه، لم يفد، وربما أضحك علي المارة، وما يضيرني ضحكهم، إنهم، لم يشاركوني نصبي ووصبي، ولعل بعضهم، توجع، وهذا مرير أيضاً:

ولرحمة المتوجعين مرارة *** في القلب مثل شماتة الأعداء


وكنت أتقفى ظل البيوت والشجر، أتفيؤه، فأسكن قليلاً وأتنيح، ثم أصلى وأصطلي؛ لأنه لا بد لي من الوصول!

ولم يكن حالي كحال ذاك، القائل:

وقائلة في الركب ما أنت مشتهٍ *** غداة جزعنا الرمل؟! قلت: أعودُ!


أعني: لا أريد العودة، في هذا الحال الممض، وإلا، فإن في بيوت الله هي المستراح، وفيها الراحة، وعجبي، من ذي روح، لا يؤمّها!

اللهم لا شماتة وهداية.


وتمنيت لو أن سحابة مظلة، أو غمامة مطلة، فكنت:

لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلما *** تبوّأ منها للمقيل اضمحلّتِ

كأني وإياها سحابةُ ممحل *** رجاها فلما جاوزته استهلّتِ


ووددت، ولو حذاء كحذاء الطنبوري، -الذي أورثه المتاعب والملاغب- لكن، دون عرامات وغرامات!


وتذكرت أياماً خواليا، في صباي؛ حين كنت أمشي حافياً، في اشتداد الهاجرة، وظلت ردحاً من الزمن على ذاك الحال المضني، والله المستعان وحده.


نفى الدهر من عمري سنينا خواليا *** فلا هي تلقاني ولا القلب ناسيا


وتذكرت، قبل برهة، حين كنت خارجاً لصلاة الجمعة، فرأيت غلاماً حافياً، يتقفر الظل، ويتبع الفيء! (وقد كتبت عنه مقالاً)


وهكذا، استمر هذا العذاب النفسي والجسدي، حتى وصلت مقصدي، وحمدت الله على السلامة، ولكن، لا زلت أحس حدمة اللهب، وضرمة اللهيب، وأرجو أن لا تمجل قدمي، والحمد لله على كل حال.


وكتب: أبو نعيم الوصابي

١٤٤٥/٢/٥


الخميس، 27 يوليو 2023

نبـاوة النـواوي!

 نباوة النواوي!

يحيى بن شرف بن مرا = مرى (١) النووي = (النواوي)، تـ٦٧٦؛ إمام كبير، وجهبذ نحرير، شهر بالورع والزهادة، واشتهر بالعلم والإفادة، وهو لا يحتاج إلى تبيين أو تعيين، فإنه أشهر من نار على علَم.


كان أسمر اللون، كثّ اللحية، رَبْعَة، مَهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، وفي بحثه مع الفقهاء تعلوه السكينة.


أراد أن يتعلم المنطق، فأظلم قلبه، فتركه!


كان يقرأ كل يوم، اثني عشر درساً، على مشايخه؛ شرحاً وتصحيحا.


قال ياسين المراكشي: "رأيت النووي وهو ابن عشر سنين، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته"

(المنهل العذب الروي: ٥٢)


رزقه الله حسن التصنيف، فما أجمل تواليفه وأرصنها وأتقنها وأحكمها وأسمقها وأنسقها، وقد سارت بها الركبان، وطُوف بها البلدان.


قال العلائي: "ولا أعلم أحداً من المتأخرين ومَن قبلهم، نفع الله بتصانيفه، كما نفع بتصانيف الشيخ أبي زكريا يحيى هذا، تغمده الله برحمته، وشهرته تغني عن الإشارة إلى أوصافه"

(إثارة الفوائد: ٤٣٧)


قلت: وما ذاك -والله أعلم- إلا إخلاص يحيى، وصحة نيته، وصلاح سره، وصالح سريرته.


قال الإسنوي: "ووقوع هذا للشيخ محيي الدين النووي أكثر؛ وذلك أنه لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر، فإنه -رحمه الله- دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة سنة، ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين"!

(المهمات في شرح الروضة: ١/ ٩٩)


فيا ويحك أبا زكريا، لقد تعبتَ في دنياك، وكابدت الدرس، وعالجت التصنيف، ونرجو لك الاستراحة والاسترواح والراحة.


قال السبكي: "وهذا الإمام الرباني الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله- وُزّع عمره على تصانيفه، فوُجد أنه لو كان ينسخها فقط لما كفاها ذلك العمر، فضلاً عن كونه يصنفها، فضلا عما كان يضمّه إليها من أنواع العبادات وغيرها ... فسبحان من يبارك لهم ويطوي لهم وينشر".

(طبقات الشافعية الكبرى: ٢/ ٢٤٢-٢٤٣)


قلت: وما ضر هذا العلم العالم؛ أن قذفه غلام بحجر، أو تناوله فدم بحبر؛ فنرجو أن يكون ذلك، من الحسنات الجارية، والمنازل العالية.


ما يضر البحر أمسى زاخراً *** أن رمى فيه غلام بحجر!


ومن أنت أيها المتطاول الوالغ، الشاذ عن الجمهرة والجمهور؟!

أما آن لك أن تسكت، وإن لم تقدر، فكمم فاك، حتى لا تصاب بصاب!


ويكفيك نقصاً، وقلة توفيق؛ تناولك للأعلام، ونيلك من أعراضهم، ونبزك مقاماتهم، و(لحوم العلماء؛ مسمومة) وهي بلية ابتلينا بها من النقصة، وجاءتنا من القصصة -عياذاً بالله- منهم، ومن صنيعهم:


من تزيّى بغير ما هو فيه *** فضحته شواهد الامتحان

وجرى في العلوم جري سكيت *** خلفته الجياد يوم الرهان


والخطأ، وارد على الكل، وصادر من الجميع:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه


ويكفينا، رد الخطأ، وتبيين الصواب، مع حفظ جنابهم، والدعاء لهم، ووكْل سرائرهم إلى عالم الخفيات، ورب البريات.


يقول ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "‏‏أيها الرجل المُتجاسر: ارفق في تأملك، وعوّد نفسك أن تظن بها التقصير عن فهم الراسخين من السلف المتقدمين؛ فإن ذلك يثنيك عن الإعجاب بنفسك، والتقصير بسلفك، والله المستعان".

(الذب عن مذهب مالك:٥٠٧/٢)

وفقني الله وإياكم لذكرهم بالجميل، وهو الهادي إلى سواء السبيل.


ما وهب الله لامرىء هبة *** أحسن من عقله ومن أدبهْ

هما جمال الفتى، وإن فقدا *** ففقده للحياة أجمل بهْ! 


وهو القائل -رحمه الله-: "فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة؛ لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير"

(الآداب الشرعية: ١/ ٢٦٦)


وأظن، أن القبول وضع لأبي زكريا.. فلا يكاد يخلو بيت من كتابه "الأذكار" أو "الرياض" أو "الأربعين" فضلاً، عن كتب الدرس والتقعيد.


وقد كان لأهل زبيد، فضل محبة ومزيد عناية بتواليفه..

قال مجيزنا سليمان بن محمد الأهدل:

كنَّ نساء زبيد خصوصاً الأهدليَّات يحفظن مسائل المنهاج ويراجعنها، وهن يطحنّ الذرة على الرحى"!

ينظر: (مقدمة تحقيق شرح الأربعين النووية: ١٣) لعلي بن داود العطار، تحقيق محمد العجمي.


وقد تدبج مع ابن مالك في الدرس والأخذ، فتلمذ ابن مالك للنووي في الحديث، وتلمذ النووي لابن مالك في النحو!

وقيل: إن ابن مالك، كان يعني النووي بقوله في الألفية:

          (ورجل من الكرام عندنا)


وفضائله كثيره، وفواضله كبيرة، ومن أراد العل والنهل، أو يرفع عن نفسه الخصاصة؛ فليقرأ هذه التراجم الخاصة:

-تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، لتلميذه ابن العطار.

-المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، للسخاوي.

-المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، للسيوطي.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/٢/١٦


ح.....

(١) ينظر في ضبطه: "المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي"!


ومعنى النباوة والنبوة: ما ارتفع من الأرض، وهو أيضاً: العلم يهتدى به.

الثلاثاء، 25 يوليو 2023

خلق نادر في أديب الجادر!

 


خلق نادر في أديب الجادر!

لم أكن على علاقة، ولا تواصل، بله ولا تراسل، بيني وبين الأستاذ المحقق الخلوق محمد أديب الجادر، حاشا سماعي عنه كثيراً منذ أمد، وأول عمل رأيته له: "فهارس زاد المعاد" في مكتبة مسجد من مساجد بلدي الحبيب!


ثم رأيته في الفضاء الأزرق، ينشر مناشير لطيفة، أو يعلق تعاليق طفيفة، وأحدس؛ أن رأيته معلقاً على منشور كتبته، ولا أتذكره!


ثم سمعت بوفاته قبيل أيام، وقرأت تآبينه، من أحبابه وأترابه وطلابه؛ فأكبرت فعاله، وأعظمت نباله، وقلت حقاً: لا تعرف فضائل الفاضل حتى يوارى الجنادل!


أنا لا ألوم هذا الذكر الجميل وذاك الجمال، ولكن، أليس الجمع، أولى من الإهمال؟!


الناس لا ينصفون الحي بينهمُ *** حتى إذا ما توارى عنهمُ ندموا!


أقول: وإن خصلة فريدة، وخلة وحيدة، أخذت بمجامعي، واستولت على أحاسيسي، وسيطرت على كياني، وقد أجمع عليها، كل من ترجم له أو أبّنه أو ذكره أو تذكره، (وأوعبهم، الصديق أيمن ذوالغنى) وهي: سلامة الصدر، ولين الجانب، وخفض الجناح!


أحببته جداً .. حزنت عليه كثيراً .. دعوت له .. تمنيت لو صادقته ولو مصادفة؛ لأن هؤلاء نادرون، وصحبتهم مغنم، وصداقتهم مكسب، ولكن، قدر الله غالب "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"


تُرى، هل كنت فعلتُ ذلك، لو لم تكن سيرته كذلك؟!

الجواب: لا، إنما أحببته وأكبرته؛ لهاته الخصلة الأثيرة اليتيمة، في دنيا الزيف والملق، إلا من نزر قليل كأبي وائل -رحمه الله-!


وهي خلة مهم توفرها في دنيا الأصدقاء، وقد ذكر بدر الدين الغزي؛ عن الصديق؛ أن من آداب عشرته؛ "سلامة قلبه للإخوان"

وقال السقطي: "من أجلّ أخلاق الأبرار؛ سلامة الصدر للإخوان والنصيحة لهم"

(آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة: ٢٠)


ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا


وايم الله، إن هذه الخصلة، قد عزّت حتى أعوزت، فلا تكاد ترى متصفاً بها، ولا تظن أنك ملاق أهلها، إلا لماما شماما!


ولله در محمود، فقد ضرب بسهم وافر في هذا المهيع المليح، على حدة غضبه -كما قيل-، لكنها، غلظة لحظة، فاسمعه يقول: "ثم اعلم بعد ذلك أيضاً.. أني لا أبيت ليلة طاوياً ضلوعي على حفيظة تؤرقني، من إساءة أحد يسيء إليّ متعمداً أو غير متعمد".

(جمهرة مقالاته: ٢/ ١٠٩٥)


وهاتوا لي كأبي فهر؛ فإن سرعة الغضب مع سرعة الفيء وسلامة القلب؛ من صفات الرجال الذين لا يتصفون بحنة ولا يبيتون على حر!


على أنك واجد في حياتك، من يكتم غضبه، ويكظم غيظه، لكن، قلبه يغلي كالمرجل، وصدره يتميز من الغيظ، وود لو بطش بك، وإن سكت، فهو سكوت المتحفز المستوفز، ثم تسمع الفجار، وتشاهد الانفجار!


تتعجب، وقد كان قبل يقسم لك، أنه يحبك ويودك، نعم، ولكنه، حب اللسان، أما قلبه، فقد كان يقدك ويقطك!

اللهم وقاية وكفاية وهداية.


إذا أدْمَتْ قوارِصُكمْ فؤادي *** صبرت على أذاكمْ وانطويتُ

وجئت إليكمُ طَلْقَ المُحَيَّا *** كأني ما سمعت ولا رأيتُ


قال الطرطوشي: "إذا رأيت إنساناً حَقوداً، لا ينسى الهفوات، ويجازي بعد المدة على السقطات، فألحِقْهُ بعالم الجِمال.

والعرب تقول: فلان أحقد من جمَل.

وكما تجتنب قرب الجمل الحقود؛ فاجتنب صحبة الرجل الحقود.

(سراج الملوك: ١١٢)


ومن هنا؛ تعلم ما كان عليه سلفنا الصالح، من تآخ وتواد..

قال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير، -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً، ويُؤْجَرون كثيراً! قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم!

(الزهد: ٢/ ٦٠٠) لهناد بن السري.


قال قاسم الجوعي: "أفضل طرق الجنة؛ سلامة الصدر"

(صفة الصفوة: ٢/ ٣٨٩)


وقال مثله الأكفاني.

ينظر: (تاريخ دمشق: ٤٩/ ١٢٣)


وروى أبو داود والترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغُنِي أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)


قال ابن المَلَك: "وقيل: معناه: أنه -صلى الله عليه وسلم- يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير حقد على أحد منهم".

(شرح المصابيح: ٦/ ٤٠١)


وإن أردت التحليق في مدارج السلامة، والتعريج في معارج الكرامة؛ فاسمع ما قال ابن العربي، قال: "لا يكون القلب سليماً، إذا كان حقوداً حسوداً معجباً متكبراً، و قد شرط النبي صلى الله عليه و سلم في الإيمان، أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".

(أحكام القرآن: ٣/ ٤٥٩)


بل إن سلامة الصدر؛ من أرجى أعمال المؤمن..

عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول من يدخل هذا الباب رجل من أهل الجنة) فدخل عبد الله بن سلام، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: فأخبرنا بأوثق عملك في نفسك ترجو به، قال: إني لَضعيف، وإن أوثق ما أرجو به؛ سلامة الصدر، وترك ما لا يعنيني. 



والحق؛ أن الفظاظة والغلاظة، لا تدوم معها صحبة، بل هي منهارة أو على شفا جرف هار..


ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، و فيهم مَسْلمة، وكان سيدهم، فقال: "ليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدر، و الأخذ بجميل الأمور".

(تاريخ دمشق: ٦٣/ ١٧١)



ويكفي عن كل ما سبق؛ قوله تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم"


فواهاً واها، لذوي الخلق الرفيع، وهنيئاً هنيئا لأولي الأدب البديع؛ إنهم اغتنموا حياتهم في الراحة والانشراح، ونالوا جزاهم -بإذن الله- في جنة ورواح.

ونسأل الله تعالى؛ أن يجعلنا ممن تشيا بهاته الشيات، وتزيا بهذه الصفات، والله ولي الهداية والتوفيق.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٥/١/٧



الجمعة، 7 يوليو 2023

تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

 تبيينٌ عن شططٍ مبير في حق الإمام ابن الأمير!

قرأت مقالاً، بعنوان (نقض طعونات الصنعاني في الصحابي الجليل النعمان بن بشير) للكاتب عبد الله بن فهد الخليفي.. فوجدته مقالاً موتوراً، لعل صاحبه كتبه تحت وطأة تأثير ما؛ إذ يبدو وكأن بينه وبين الإمام وحر وتِرَة، فلم ينصف سواده، الإمامَ الصنعاني؛ حيث وصمه، بالخاسر الموتور، صاحب الوقيعة الفاجرة!


ونفى عنه الإمامة، وخلعه وخلع عنه السلفية، وتعجب من الشيخ الراجحي؛ إذ قال عنه: "سلفي العقيدة" وتعجب من احتفاء الناس برسائله، وإسباغ ألقاب المدح العظيم عليه!

 إلى غيرها من تيك البوائق والفوارق، والبواقع والفواقع!


وتهجم تهجماً عنيداً عنيفاً، على تلاميذ ابن الأمير، وتعجب من  محقق بعض رسائل الصنعاني- خالد بن محمد بن عثمان المصري، وصفه تلاميذه، بأنهم صاورا "علماء نبلاء"! قلت: وهذا وصف الشوكاني، لهم، حيث قال في (بدره: ٢/ ١٣٩): "وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون".

ولعمري، إنهم أهل علم ونبل، وفهم وفضل، على رغم الجاحد الحاسد.

ومن مات في غيظه *** فإني عندي له كفنُ


ثم سحبهم إلى لازمه، أنهم: "رافضة يقعون في الصحابة، وجهمية في باب الصفات، وقدرية في باب القدر، ولهم ضلال بعيد في باب الفقه، هذا إن سلموا من الشرك في توحيد العبادة، هذا مع التعظيم لأئمتهم بالضلال"!


كل هاته الأوصاف الكبار الكبّار؛ بناء على قوله: (مع أن كثيراً منهم، إن لم يكونوا كلهم.. مترَجمون في أعلام الزيدية، والزيدية المتأخرون رافضة)!


هكذا بجرة قلم، فسّق وجرم وكفر وشرك، ولو نظر إلى تراجم بعضهم؛ لاستحى مما فاهه، واستغفر الله مما قاله، ولكنه، التجاوز والتطاول، واقتحام الأعراض، وتقحم الوعر!

اللهم صوناً.


ومن شاء أن يعرف أحوال طلابه، وبروزهم في العلم، وعلو رتبهم، وبسوق مرتبتهم.. فقد ترجم لبعضهم الإمام الشوكاني، في (بدره الطالع) فلينظره المطالع!


وأسفت حقيقة، لهذا الوصول الحائف- الذي لم يأت فيه ببينة مبينة، سوى التجييش والتهويش!


وإني لا أريد هنا.. أن أثبت إمامة الصنعاني، أو أثبّت سلفيته.. فقد شهد له أئمة عصره ومن بعدهم، أمثال: العلامة الشوكاني، والقنوجي، والألوسي، وسليمان بن سحمان وابن مانع ونحوهم من أهل العلم والإنصاف.


قال الألوسي: "محمد بن إسماعيل الأمير.. مجدد القرن، ومجتهد ذلك العصر، وكان من أكابر أهل السنة".


وقال: "وممن قيّضه الله لدرء مفاسد هذا المذهب، محمد بن إسماعيل الأمير، وكان من أكابر أهل السنة، ولم يألُ جهداً في الرد على الزيدية وهدم أركان مذهبهم أصولاً وفروعاً".

(المسك الأذفر) نقلاً عن مقدمة (التنوير)


وقال الشيخ عثمان بن بشر: "فريد عصره في قطره، عالم صنعاء وأديبها.. الشيخ المحقق محمد بن إسماعيل -رحمه الله تعالى- وكان ذا معرفة في العلوم الأصلية والفرعية، صنف عدة كتب في الرد على المشركين المعتقدين في الأشجار والأحجار والرد على أهل وحدة الوجود وغير ذلك من الكتب النافعة".

(عنوان المجد: ١/ ٥٣)


وقد وصفه العلامة سليمان بن سحمان، كما في كتابه (تبرئة الشيخين من تزوير أهل الكذب والمين: ٨٢)" بـ"علوه قدره" و"عظم فضله وإمامته، و"تمام رغبته في اتباع السنّة وذم البدع وأهلها"!

وهو على اطلاع بسيرته ومسيرته!


وقد أثنى عليه، الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، قائلا: "والمصنف -رحمه الله- من أئمة التوحيد".

كما في مقدمة "ديوان الصنعاني".


وقال الشيخ عبد الله الغنيمان، في تقريظه، لتحقيق كتاب (التنوير شرح الجامع الصغير: ١/ ١٣): "فإن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.. من العلماء المشاهير في اليمن وغيره، وقد انتشرت مؤلفاته أو كثير منها، فانتفع بها خلق كثير؛ حيث إنه فيها حريص على التقيد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واطراح الآراء المخالفة للكتاب والسنة، ونبذ تقاليد الأسلاف والآباء، وبذل النصح للمسلمين، وتحذيرهم عن الشرك، ومخالفة كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته رضي الله عنهم، كما في كتابه: "تطهير الاعتقاد"، وكتابه: "إيقاظ الفكرة" و"إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد" وغيرها من كتبه الكثيرة وقصائده التي يدعو فيها إلى مجانبة البدع، والتعلق بالقبور والمعظمين من العباد، واتباع الأهواء والتقاليد التي سار عليها كثير من الناس".


قلت: وقد ظل إمامنا الصنعاني.. سلفياً أثرياً حتى لقي ربه، وما جرى له من أخطاء وأغلاط.. فليس فيها بأوحد، فالعصمة عن الجميع بمعزل، ثم هو عائد إلى البيئة والنشأة.


وهاهو يقول -رحمه الله-: "وهذه القاعدة -يعني تقديم الجرح على التعديل- لو أخذت كلية.. لم يبق لنا عدل إلا الرسل، فإنه ما سلم فاضل من طعن- لا من الخلفاء الراشدين، وأحد من أئمة الدين".

(إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد: ١١٢)


وهذا بيانه وتبيانه.. عن منهجه ومختاره، فيما يذهب إليه، ويدين به.

يقول -رحمه الله-: "اعلم أن المختار عندي، والذي أذهب إليه وأدين به في هذه الأبحاث ونحوها.. هو ما درج عليه سلف الأمة، ولزموه من اتباع السنة، والبعد عن الابتداع والخوض فيها، إلا لردها على لزوم مناهج الأنبياء، وكيف ترد الأقوى إلى الأضعف"؟!

نقلاً عن مقدمة (التنوير)



أما قول الخليفي.. أنه طعن في النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ فلم أر طعناً مباشراً، سوى تكلمه عن مسألة طول الصحبة، وهي مسألة قال بها قوم، على أن الراجح -وهو قول الجمهور- خلاف قولهم، كما في (البحر المحيط: ٤/ ٣٠٢) و(إرشاد الفحول: ٢٦٣)


على أن للصنعاني -غفر الله له- ما لا يرضى ولا يرتضى، من كلامه، في بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد بيّن العلماء زلله وعواره، دون إخراجه من أهل السنة والجماعة؛ لشبهة أو تأويل.


على أنه يحتاج إلى معرفة التاريخ، في بعض كلامه، وينظر لعله مدسوس عليه، كما دس على الشوكاني وغيره.


وإن ثبت ما فاهه؛ فيرد طعنه وغلطه، مع الاعتذار له بالتأويل أو اللبس.


وكذا القول في النسبة إليه، قصيدة في سب معاوية رضي الله عنه.. ولا أعلم من ذكرها سوى البسام، فلا بد من التبين والتبيين.


أقول هذا؛ لأن الأصل: حمل الرجل على الأصل والسلامة حتى يثبت خروجه عن هذا الأصل إلى سواه، واتخاذه ديناً له، يرد عنه ويصدر، أما خطأ واثنان وعشرة.. فهذا لا يعتبر منهجاً للرجل!


قال الشيخ عبد الله الغنيمان: "وقد عرض علي -محقق التنوير، الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم- ما وجده للصنعاني -رحمه الله- في كتابه هذا -التنوير شرح الجامع الصغير- مما يخالف الحق ومعتقد أهل السنة- ... وعلى كل، لا تؤثّر هذه الدعوى الباطلة على الاستفادة من الكتاب، وقلّ من العلماء من يسلم من العثرات والزلات، وإذا كان الخطأ واضحاً فالأمر أيسر وأسهل، فالكتاب فيه فائدة كبيرة، ولكن ما وقع فيه الصنعاني -رحمه الله- وغيره، يدل على آيات الله وقدرته، وأن العبد مهما أوتي من العلم والذكاء، فإنه لا يستطيع أن يهتدي إلا إذا هداه الله تعالى".

مقدمة (التنوير: ١/ ١٦)



وينظر رد الدكتور أحمد العليمي، في رده على تهم الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر، للعلامة الصنعاني- بالتشيع.. فقد أجاد وأفاد، فجزاه الله خيراً.


ويسجل لنا ديوان الصنعاني رسالة أرسلها إلى أحد تلامذته، وهو العلامة أحمد بن محمد قاطن، في شأن الرجل الذي دخل صنعاء، وكان من العجم، فسب الصحابة، ونال منهم، وحزن الصنعاني لذلك، وكتب رسالة إلى تلميذه المذكور، ومما جاء فيها: "فاقرة في الدين، قاصمة لظهور المتقين، ومصيبة في الإسلام، لم يطمع في وقوعها إبليس اللعين، ومكيدة في الإسلام أسست بآراء جماعة من الأفدام، وهي ظهور الرفض وسب العشرة المشهود لهم بالجنة على لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى آله الطاهرين، حاشا علياً أمير المؤمنين، فإنه مصان عن ألسن الطاعنين".

إلى آخر تلك الرسالة السلفية، التي تقطر غيرة ويقظة، كما في (ديوان الصنعاني: ٤٦٨)


قلت: ومعاذ الله.. أن نرضى كلمة سب أو نقص أو نيل لأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم بالمحل الأعلى، والمكان الأولى، وفضائلهم لا تخفى إلا على مطموس الفطرة والحس، ناهيك عن تنكبه مهيع الشرع والعقل، فاللهم سلّم.


وأما ثناؤه على المعتزلة، أو ما وافق فيه المعتزلة.. فربما وافقهم في بعض آرائهم..

كيف، وقد ردّ على المعتزلة والأشاعرة، فكيف ننسبه إلى قوم بدّعهم؟!

قال -رحمه الله-: "إنما قدّمت هذا؛ لئلا يظن الناظر.. أني أذهب إلى قول فريق من الفريقين: المعتزلة، والأشاعرة، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه".

(ثمرات النظر: ٥٣ - ٥٦)


وقال الدكتور محمد إسحاق محمد إبراهيم: "نجد الصنعاني يثني كثيراً على ابن تيمية وابن القيم، كما يدافع عنهما كثيراً".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "وبعد: فها هي نماذج من الأصول والقواعد وغيرها التي التزمها الصنعاني، ودعا إليها وسار عليها من خلال ما سطره في أكثر كتبه، فأين نضع الرجل بعد ذلك؟

لا يمكن أن يكون إلا من أهل السنة والجماعة الذين كانوا على عقيدة السلف وساروا عليها، وجاهدوا فيها، وحوربوا من أجل التمسك بها، في عصر لا يعرف إلا الجهل والخرافة".

مقدمة تحقيقه لكتاب (التنوير: ١/ ٨٧)


وقال: "خلاصة القول: وعلى العموم، فإن الصنعاني -مع هذه الزلات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته-؛ فإنه يترضى عن جميع الصحابة، ويقدّم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، إضافة إلى أنه يرى ترتيب الخلفاء الأربعة.. فقد قال تحت حديث (رقم: ٢٨٥٣) "وفيه: (ألا أخبركم بأفضل الملائكة ... وأفضل النساء مريم بنت عمران) قال التفتازاني: أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الخلفاء الأربعة، ورتبهم على ترتيب الخلافة".


وقال: "ولا يمكن نسبته إلى الغلو في التشيع، ولا إلى انحيازه إلى الاعتزال، لهنات قليلة صدرت عنه في مواضع قليلة نادرة، ولعل هذا ما استقر في قلبه قديماً قبل أن يتوسع أفقه، وتتسع مداركه؛ لأنه صدر عنه ما يدل على اعتداله وإنصافه، كما قال تحت حديث: (المرء مع من أحب): ثم ليعلم: أن المراد بالحب، المأذون فيه شرعاً، فمن أحب عيسى عليه السلام وجعله لله ولداً، فما أحبه، ولا هو معه، وكذلك من أحب علياً عليه السلام، حب الغلاة".


وقال الباحث نعمان بن محمد شريان، في رسالته: (ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد: ٧٢١- ٧٢٧) -التي نوقشت عام ١٤١٧، في كلية أصول الدين بجامعة الإمام، بعد أن ناقشه في بعض مسائل الصحابة-: "وعلى العموم، فإن ابن الأمير مع هذه الهفوات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته.. فإنه يترضى عن جميع الصحابة، وأن الغالب على أهل ذلك العصر الصدق، ويقدم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، ولا يمكن نسبته إلى التشيع، ولا إلى الاعتزال لكلام قليل في مواضع قليلة نادرة، نسأل الله له العفو والعافية".


قلت: وذكر بعضهم: أنه تراجع عن مدحه للإمام النجدي.. والصحيح؛ أن هذا التراجع، ملبس ومدلس، من أحد أبنائه أو أحفاده أو أعدائه.. كما أثبت ذلك العلامة سليمان بن سحمان في رسالة برأسها.


وإن ثبت، فأقول: إنه تراجع عن القصيدة، ولم يتراجع عن العقيدة؛ لأن كتابه الفذ "تطهير الاعتقاد" خير شاهد ودليل، على صفاء توحيده، ونقاء عقيدته، بل إنه تشدد في مواضع، أكثر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، وليراجعها من أراد، فإنها على طرف الثمام.


وقد استغرب الخليفي.. إقبال الناس على كتب الصنعاني واهتمامهم بها.. وما علم المسكين، أن القبول من الله سبحانه وتعالى، لا يعرف التعصب البغيض، ولا القبلية الجاهلية!


وكتب الصنعاني.. قد سارت مسير الشمس في أنحاء المعمورة، ومنها: بلاد الحرمين، بل إنها تدرس في بعض جامعات العالم.

وما أنت بمغط ضوء الشمس.


وهذه كتبه.. فهلم إلى نخلها وفليها وفتشها ونكشها ونبشها، وبيّن الباطل والزيف والبهرج، أما مصادرة فضله وعلمه وعقيدته، بنقل أو نقول.. فهذا دليل سوء، وآية خذلان، وسلم حرمان.


وقد ذكرني الخليفي.. بتخريج بعض الطعنة، للعلامة مجمد جمال الدين القاسمي، من السلفية؛ بحجة ثنائه على المعتزلة والجهمية ومدحه لبعض المترفضة، ونحوها من الطعون المدخولة، التي بينت زيفها، في مقالي "تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي"


فلنربأ بأنفسنا عن سلوك سبيل الغامطين لفضل غيرهم، والإغاظة على من سواهم، والتغاضي عن أنفسهم وعمن يحبون.


هذه نبشة من طرف الفكر، ونبسة من ذلق اللسان، أرجو أن يكون فيها رفعاً لحق، ووضعاً لباطل "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".



وينظر في ترجمة هذا الإمام، ونواحي الحياة والفكر والمعتقد والتربية، لديه، ما يلي:

-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني" للعلامة إسماعيل الأكوع.


-"مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الأمير، دراسة حياته وآثاره" دراسة الأديب عبد الرحمن طيب بعكر.


-"تصحيحات وتعليقات على سبل السلام، للعلامة عبد الرحمن المعلمي، -ضمن "آثار المعلمي"


-"الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار" للدكتور أحمد العليمي.


-"مسائل الاعتقاد عند الأمير الصنعاني" للدكتور عبد الله المطيري.


-"ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد" دراسة الباحث نعمان بن محمد بن مسعد شريان.


-"الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، حياته وشعره" دراسة الدكتور أحمد بن حافظ حكمي.


-"ابن الأمير الصنعاني، حياته وفقهه" دراسة علي بن عبد الجبار ياسين السروري.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة"  دراسة وتحقيق الدكتور عبدالله شاكر الجنيدي.


-"دراسة لكتاب ابن الأمير الصنعاني "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية: تحقيق قاسم بن صالح بن ناجي الريمي.


-"الوجهة السلفية عند ابن الأمير الصنعاني" دراسة الدكتور إبراهيم هلال.


-"ابن الأمير الصنعاني وجهوده في الدعوة والاحتساب" للدكتور حسن بن علي قرشي.



وغيرها من الكتب والبحوث والدراسات والدرجات، حول هذا العلم الإمام، والقرم القمقام.




وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٨/١١



الثلاثاء، 4 يوليو 2023

وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!

 وتقوّضت خيام الحج، وعاد الناس من كل فج!


بينا نحن في خبوت وخفوت، والخيام ملأى بالمحرمين: الملبين المكبرين الذاكرين الداعين، والشمل مجتمع، والأنس حالّ؛ إذ رأيت الجمع ينقص، والصوت يغض، والإحرام يبدّل، وكل عاد إلى عادته في لباسه وأناسه!


ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ *** ومسّح بالأركانِ من هو ماسحُ


وشُدّت على دهمِ المهارى رحالُنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ


أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ


ولله، ما كان أحسننا، في شرفين، شرف المكان، وشرف الزمان، وحسبك باجتماعهما:

ما كان أحسننا، والشمل مجتمعٌ *** منا المصلي، ومنا القانت القاري!


وهكذا هي الأيام؛ لا تدوم على حال، ولا يقر لها قرار.


بعد تعب ونصب، لكنه مشوب بحلاوة، ومخلوط بطلاوة؛ لأنك ترجو ما عند الله، والدار الآخرة "يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه"


تحس بالإعياء، حتى تكاد يغشى عليك، ولكن يدفعك ادخار الخطى، ويحدوك أمل الوصول، فيغلِب الأمل الألم، وتعود المحنة منحة!


لله، ما أحيلاها من أيام وليال، هدأ فيها البال، وارتاح فيها الحال، في التنقل بين المشاعر، والتنعم بتيك المناظر!


أيها الراكب المجد ابتكارا *** قد قضى من تهامة الأوطارا


إن يكن قلبك الغداة خليا *** ففؤادي بالخيف أمسى معارا


ليس ذا الدهر كان حتما علينا *** كل يومين حجة واعتمارا


وكم هو عظيم وفخيم.. حين تدرك، أنك في أمكنة، خطاها الأنبياء والصالحين، وتفيأ ظلالها الصحابة والتابعين:


بها كعبة الله التي طاف حولها *** عباد هم لله خير عباد


لأقضي فرض الله في حج بيته *** بأصدق إيمان وأطيب زاد


أطوف كما طاف النبيون حوله *** طواف قياد لا طواف عناد


هاهم الحجاج؛ يحزمون الأمتعة، ويعودون إلى الدعة، ويقوضون الخيام، ويطوون لباس الإحرام، ويودعون هذه البقاع، ويفارقون هاتيك التراع، التي تتسع لملايينهم خلال ليال وأيام، ثم تعود قاعاً صفصفاً، خاوية على عروشها، يصفر فيها الطير، ويبني عشه الغراب، وينأى عنها بنو الإنسان!

ولله في خلقه شؤون.


خليلي هل من وقفة والتفاتة *** إلى القبة السوداء من جانب الحجر؟


وهل من أرانا الحج من الخيف عائد *** إلى مثلها أم عدها حجة العمر؟


فالله ما أوفى الثلاث على منى *** لأهل الهوى لو لم تحن ليلة النفر



ثم إني رأيتهم يغادرون.. فرحين مستبشرين، وحُق لهم ذلك، فإنهم -بإذنه تعالى- قد نالوا أجر حجهم، ونفضوا عنهم غبار الذنوب، وعادوا خفيفي الحِمل، مليئي الوفاض.


وهم مع ذلك؛ سيقابلون أهليهم وأولادهم، وهي فرحة عظيمة، لا يقدرها إلا من فقدها -أعوذ به تعالى من مرارة الفقد-.


وإني لأستهدي الرياح سلامكم *** إذا ما نسيم من بلادكم هبّا


وأسألها حمل السلام إليكم *** لتعلم أني لا أزال بكم صبّا


وحالي كما قال ابن زيدون؛ متذكراً بلده ‎قرطبة، وقد وافاه ‎عيد الأضحى، وكان في ضيافة بني عباد الملوك:


خليلي لا فِطر يَسر ولا أضحى *** فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى؟!


وها هو يتمثل بها أبو نعيم؛ متذكراً أهله، وقد وافاه عيد الأضحى، وهو في ضيافة الملك.


وإلى لقاء قريب مع الحبيب، بإذن المجيب.


وكتب: الحاج وليد أبو نعيم. 

يوم القر الثاني ١٤٤٠.


الاثنين، 3 يوليو 2023

أرِضَـتْ أرضـنا!

 أرِضَـتْ أرضـنا!

بينا نحن في لفح ونفح، ونفخ ونضخ؛ إذ أذن الرحيم، بسُحب السماء؛ أن تسكب وشلاً قليلاً، "وما ننزله إلا بقدر معلوم" لكنه، أروى الأرض الظامئة، التي كانت "خاشعة" فـ"اهتزت وربت" وبردت بعد لهب وتعب!


وقد رتب العرب تسمية المطر على شدته واشتداده..

فأول المطر رش وطش، ثم طل ورذاذ، ثم نضح ونضخ، وهو قطر بين قطرين، ثم هطل وتَهتان، ثم وابل وجَوْد.


وأحدس الذي أصابنا.. طل ورذاذ، ولكن، فرح الناس وطربوا، وضحك الأطفال ولعبوا، واطمأنت القلوب بعد قلبها، وارتاحت الأرواح بعد تعبها، وتنفست النفوس بعد لغبها!


فلا إله إلا هو من حكيم عليم، رحيم حليم، عظيم كريم، "وما بكم من نعمة فمن الله"


وقد كانت الغيوم تأتي، ثم تذهب، بل تقطر قطرات متفرقة منتثرة دون إرواء..

وقد قال جعفر: كانت الغيوم تجيء وتذهب، ولا تمطر، فيقول مالك بن دينار رحمه الله: أنتم تستبطئون المطر، وأنا أستبطئ الحجارة؛ إن لم تمطر حجارة، فنحن بخير.

(الزهد: ٥٤٣) للإمام أحمد.


قال أبو نعيم: رحمك الله، أبا يحيى.. إذا كان هذا في زمنك الطيب، فكيف بزمننا الخيب؟!

اللهم عوناً وصوناً.


وجاءت كلمة (المطر) في القرآن الكريم، على معنيين:

١- المطر بمعنى الحجارة، كقوله تعالى: "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً" (الشعراء: ١٧٣) يعني حجارة.

٢- المطر يعني الغيث، كقوله تعالى: "أذى مِنْ مَطَر" (النساء: ١٠٢)


إذا ما تجدد فصل الربيع *** تجدد للقلب فضل الرجاءِ


عسى الحال يصلح بعد الذنوبِ *** كما الأرض تهتز بعد الشتاءِ


"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/١٢/١٤

الخميس، 29 يونيو 2023

في صلاة العيد اليوم!

 في صلاة العيد اليوم!

صليت العيد، في مسجد مجاور! (والسنة، الصلاة في المصلى) وكان الجو ساخناً، والهواء ساكناً، والسَّموم في جده وحده وعلى شده وأشده، ولا ضير، فإنه تنفُّس جهنم -أعاذنا الله منها-.


وكانت المكيفات "الشباكية" القديمة، منطفئة، حاشا ثلاثة أو أربعة.. وماذا تصنع ثلاثة أو أربعة في مسجد كبير، وفي يوم عيد، قصاده كثير؟!


شاهدت بعض الناس، -على حرارة المسجد- خافقة رؤوسهم، مغمضة عيونهم، ذابلة أجسادهم، لم يستطيعوا المدافعة، بعد ليل طويل، وبلاء وبيل، من اشتداد الحر، وحمارة القيظ:

إني لَأكتُم حزناً قد برَى  كبِدي *** وكاتمُ الحزنِ مثل الطفلِ مفضوحُ!


ولا ملطفات عند الأكثرين، وإن وُجدت، فـ:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمولُ!


وأثناء خروجي.. رأيت الناس مبللة ثيابهم، لاصقة بأجسادهم، ولا تعجب، إن رأيت أحدهم، قد فك أزرار قميصه، ونفخ داخلة ثيابه.. لعل نفحة هواء عليلة، تلامس أجسامهم العليلة، التي أمضها الضنى، وأقضها القيظ!


ولسان حالهم:

ولي زفرة لا يوسع القلب ردّها *** وكيف وتيّار الأسى يتدفعُ


أغرّك مني في الرّزايا تجلُّدي *** ولم تدرِ ما يخفي الفؤاد الملوّع!



فيا رب، طال بنا البلاء، حتى صرنا هزأة للأعداء، ففرَج وخرج وفرح ولطف وعطف من عندك، تشفي به جروحنا، وتداوي قروحنا، لك العتبى حتى ترضى، ولا قوة إلا بك.


وكتب: وليد أبو نعيم

عيد الأضحى من عام ١٤٤٤


السبت، 24 يونيو 2023

محتاجون أم محتالون؟!

 


محتاجون أم محتالون؟!

شاب طوال، أسمر اللون، مكتنز اللحم.. جاءني وأنا في المسجد، قبيل صلاة المغرب، سلّم بتلعثم .. سألني عن اسمي .. صرف من كان حولي!


ثم أخبرني بحاله، وأنه يريد العودة إلى بلدته، وسماها لي، وأنه لا يملك نقوداً تحمله إلى قريته!

اعتذرت إليه خجلاً، لكنه أصر وألح، مقسماً، أنه صادق!


قلت له: اذهب توضأ وصل، وأكثر من الحوقلة، وأبشر بالفرج!

قال لي: طيب، لكن، تضمن لي أن تقضي حاجتي؟!

قلت: أنا لا أضمن لك، لكن، ظني في ربي سبحانه؛ أن يقضي حوائجك!


لما ذهب، تشاورت مع صاحبي في أمره، فقال لي: عجيب، لا أظن أصحاب السيارات يردونه إذا أخبرهم بحاجته وفاقته، وإن رفضوا -تنزلاً- يركب إلى قريته، وهناك يستطيع محاسبتهم!


اتفقت وإياه.. أن نذهب به إلى فرزة (مواقف) السيارات، ونركبه على حسابنا!


ظل الشاب، يقرأ القرآن ويذكر الله تعالى، حتى أذان المغرب!


بعد الصلاة، أشرت إليه، فلم يهش ولم يبش، بل تحرك ببطء وثقل، ولا زلت به حتى اقترب مني؛ بحيث أسمعه ويسمعني.. قلت له: أبشر، سنذهب بعد العشاء -إن شاء الله- إلى فرزة السيارات، ونركبك على حسابنا!

فلم يسر ولم يستسر ولم يستبشر، بل ظل واجماً في مكانه، يهز رأسه، ويحرك أصابعه!


ولم تمض إلا هنيهة، حتى خرج من المسجد!


لم أصدّق ما رأيت، بل كنت أحدس؛ أن سيعود ولا بد!


صلينا العشاء، ولم نجد له أثراً لكنه ترك تأثيرا!


لا أدري عذره على وجه التحقيق، لكنّ، صاحبي أخبرني بقصص كثيرة مشابهة له، وأن بعضهم -هداه الله- امتهن هاته المهنة الشينة المشينة، وعند المحاققة، يلجأ للهرب والهروب!

والله المستعان.


وأخبرني آخرون.. بقصص مشابهة لمثلها، بل أذكى منها وأنكى!


وفي البيوت عفيفون وعفائف، يربطون الحجر، ويشدون الحُزم، ويمصون التمرة، يسكتون جوعهم، ويسكنون ظمأهم، "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا" وهم مع ذلك، صالحون مصلحون، حامدون مسبحون.

وتالله، إن هناك من الأخبار والقصص، ما تقض مضجع الشَّعور، وتحمي قلب الغيور.


فمثل هؤلاء، تجب عليهم الزكاة، وتستوجب لهم الصدقة، وهم جديرون أن ينظر إليهم، ويعطف عليهم.


وحقيقة، إن السؤال والمسألة، صفة رذيلة، وسمة رديئة، يجب التنزه عنها، والنأي بالنفس عن مستنقعها الآسن.

وفيها من الوعيد ما فيها، وقد ألف شيخنا العلامة مقبل الوادعي، جزءاً في الباب، سماه: ذم المسألة.


وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتُخرج له مسألتُه مني شيئاً وأنا له كارهٌ فيُبارَك له فيما أعطيته).



ومن وصية قيس بن عاصم لبنيه: "وإياكم والمسألة، فإنها أخِرُ كسب الرجل"

أي: أدنى وأرذل.


وهي محرمة، إلا للضرورة وبقدرها، قال شيخ الإسلام: "ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنما أبيحت للضرورة"

ينظر (العبودية: ٦٦)


ولما بايع النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه، قال لهم: (ولا تسألوا الناس شيئا)

قال راوي الحديث:

"فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه"


وقد ذكر النووي.. اتفاق العلماء على النهي عن السؤال إذا لم تكن ضرورة، ثم قال: «واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث والثاني حلال مع الكراهية بثلاثة شروط: أن لا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسؤول؛ فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق".

(شرح مسلم: ٧/‏١٢٧)


ومن دعاء أحد الصالحين:

"اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ مِنّه؛ فإنّي أستحي من سؤال غيرك"

والله الوافي والكافي.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/١٢/٢




الجمعة، 23 يونيو 2023

سَيْر الدُّلْجة في عشر ذي الحجة!

 سَيْر الدُّلْجة في عشر ذي الحجة!



الأيام العشر الأولى، من شهر ذي الحجة.. أيام عظيمة معظمة، أقسم الله بها في كتابه الكريم، والإقسام بالشيء، دليل تعظيمه وتفخيمه.


قال تعالى: "والفجر وليالٍ عشر".

قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة.

قال ابن كثير: "وهو الصحيح"

(تفسير ابن كثير: ٨/ ٤١٣)

بل ذهب جمهور أهل العلم، إلى ذلك، بل نقل ابن جرير، الإجماع عليه، فقال : "هي ليالي عشر ذي الحجة؛ لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه".

(تفسير ابن جرير: ٧/ ٥١٤)


تنبيه: أطلق على الأيام (ليالي)؛ لأن له وجهاً في اللغة العربية، فقد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي.

وكان من كلام السلف: (صمنا خمساً) يريدون: الليالي.

ينظر: (أحكام القرآن: ٤/ ٣٣٤) لابن العربي المالكي، و(لطائف المعارف: ٤٧٠)


والعمل في هذه الأيام.. محبوب إلى الله سبحانه وتعالى، مرغب فيه.. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح، فيهن أحب إلى الله، من هذه الأيام العشر. فقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)

رواه البخاري.


وقد كان السلف رضوان الله عليهم.. يجتهدون اجتهاداً عظيماً في هذه العشر.. حتى أن سعيد بن جبير: يبلغ به اجتهاده، حتى ما يكاد يقدر.

أي: أنه يتكلف العبادة فيها؛ خشية الفوات!


وإنما بالغوا في اجتهادها؛ لعلمهم: أن العمل في هذه الأيام، أحب إلى الله من العمل في غيرها.


قال ‎شيخ الإسلام ابن تيمية: "واستيعاب ‎عشر ذي الحجة بالعبادة، ليلاً ونهاراً، أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، والعبادة في غيره، تعدل الجهاد؛ للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد وغيره".

(الفتاوى الكبرى: ٥/ ٣٤٢)


والأعمال الصالحة، في هذه العشر، عامة مطلقة، في شتى الأنحاء والأشياء، ولكن جاء تخصيص بعضها.


فمن ذلك:

-الصيام، وقد اختلف العلماء في استحباب صيامها.. ففي سنن أبي داود، والنسائي وغيرهما، عن بعض أزواج النبي صلى الله ‏عليه وسلم، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصوم تسع ذي الحجة، ويوم ‏عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر).


هذا، ولكن جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما رأيت رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم، صائماً في العشر قط).

وفي رواية: (لم يصم العشر).

رواه مسلم. ‏


فعلى من قال بصحتهما.. يترجح الجمع بينهما، وهو أن حديث عائشة، يحمل على أنها لم تره هي صائماً، أو لم يصمه لعارض مرض أو سفر.

ويحمل حديث هنيدة، على أنه عليه الصلاة والسلام، صامها، ولم تعلم بذلك عائشة، وهذا إثبات "والمثبت مقدم على النافي"؛ لأن عنده زيادة علم.


قال النووي: "قال العلماء: هذا الحديث، مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد ‏بالعشر هنا: الأيام التسعة من ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه ‏التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً، لا سيما التاسع منها ‎... فيتأول قولها: (لم ‏يصم العشر)، أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا ‏يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر"

(شرح صحيح مسلم: ٤/ ٣٢٨)


وعلى من قال بضعف حديث هنيدة.. فيندرج الصيام تحت الأعمال الصالحة؛ إذ هو من أفضل الأعمال، ولا مخرج له من جملة صالح الأعمال.


وعلى فرض عدم صيام الرسول عليه الصلاة والسلام، لها؛ فلا يدل على عدم شرعية صيامها؛ إذ أنه عليه الصلاة والسلام، حثّ على صيام المحرم كاملاً، ولم يصمه صلى الله عليه وسلم.


زد على ذلك: صيام بعض الصحابة لها، كابن عمر، وبعض التابعين كالحسن وغيره، كما في (مصنف عبدالرزاق)


وصرح المالكية والشافعية: بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضاً، واستثنى المالكية من ذلك، صيام يوم التروية للحاج.


فيترجح: أن صيام التسع، سنّة، ولا حجة -حسب علمي- لمن قال بعدم مشروعية صومها، أو ببدعيتها، بل لقد أبعد النجعة.


ومنها: ذكر الله بالتكبير والتهليل ونحوه.

قال تعالى: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات".

والأيام المعلومات: هي عشر ذي الحجة.

وقال تعالى: "واذكروا الله في أيام معدودات".

والأيام المعدودات: هي أيام التشريق.


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق.. أيام أكل، وشرب، وذكر الله عز وجل).

رواه مسلم.


قال ميمون بن مهران: "أدركت الناس، وإنهم ليكبِّرون في العشر، حتى كنت أُشبِّهُه بالأمواج من كثرتها".

(فتح الباري: ٩/ ٩) لابن رجب.


وقال ‏ابن القيم: "والأفضل في أيام عشر ذي الحجة.. الإكثار من التعبد، لا سيّما التكبير والتهليل والتحميد، ‏فهو أفضل من الجهاد غير المتعين".

(مدارج السالكين: ١/ ١١٠)


والتكبير: مطلق، ومقيد..

فالمطلق: هو الذي لا يتقيد بوقت أو زمن معين، بل يُسن دائماً دون تحديد أو تعيين أو تخصيص.

فيُستحب التكبير المطلق في عشر ذي الحجة، وسائر أيام التشريق، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة، إلى آخر يوم من أيام التشريق، وهو الثالث عشر.

والمقيد: وهو المقيد بأدبار الصلوات.

فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

هذا لغير الحاج.


أما الحاج: فيبدأ التكبير المقيد في حقه، من ظهر يوم النحر.

ويجوز أن يذكر الله بأي صيغة تعظيم، وإن اقتصر على الوارد عن بعض الصحابة، كان أفضل، ومما ورد:

-(الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد)


-(الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله، الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد)


-(الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد)


-(الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر كبيرا)


والأمر واسع في هذا؛ لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة معينة.

ينظر: (مجموع فتاوى ابن باز: ١٧/ ١٣) و(الشرح الممتع: ٥/ ٢٢٠)


ومنها: الحج.

فتبدأ أعمال الحج، من اليوم الثامن، وهو يوم التروية، إلى آخر أعمال الحج.


ومنها: الأضحية.

وهي: ما يذبح من بهيمة الأنعام، في أيام الأضحى، من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، تقرباً إلى الله عز وجل.

والجمهور.. أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا واجبة، والأدلة على ذلك، يجدها من أرادها، أقرب من فتر.


قلت: ولا يقتصر العمل في العشر، على ما ذكر من أعمال، بل على الإنسان، أن يكثر من الأعمال الصالحة، فإن الأجر عظيم، والجزاء جزيل.


ومن الأعمال الصالحة المطلقة، التي يحسن بالمسلم، الاستزادة منها في هذه العشر؛ لشرف الزمان:

قراءة القرآن وتعلمه ـ والصلاة  - والبر ـ وحفظ اللسان ـ والإحسان ـ والإكرام ـ والإنفاق ـ وقضاء الحوائج ـ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ والدعاء ـ وإغاثة الملهوف ـ وغض البصر عن المحارم ـ وإدخال السرور على المسلمين ـ والشفقة بالضعفاء ـ واصطناع المعروف - والدلالة على الخير ـ وسلامة الصدر - وترك الشحناء ـ والرفق بالبنين والبنات ـ والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير الأولى والأخرى.. إلى غيرها من أعمال البر والتقوى.


قال الحافظ ابن رجب: "وأما نوافل عشر ذي الحجة؛ فأفضل من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة، تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره". 

(فتح الباري: ١٦/٩) 


وقال ابن رجب: "لما كان الله سبحانه وتعالى، قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته في كل عام؛ فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين؛ فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته، يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج".

(لطائف المعارف: ٣٨١)


وإنما مازت هذه العشر غيرها؛ لاجتماع الطاعات فيها.

قال ابن حجر: "والذي يظهر: أن السبب بامتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره".

(فتح الباري: ٢/ ٤٦٠)


وقد اجتمع في هذه العشر، أيام فضائل، لم تجتمع في غيرها، وهي:

-يوم عرفة، وهو اليوم التاسع، وهو يوم عظيم، به يكمل الحج، فإن الوقوف بعرفة، ركن الحج الأعظم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة).

رواه الترمذي.


ولا يقتصر فضل هذا اليوم على الحاج، بل جعل الله فضله عاماً على الجميع، فكما أن الحاج، يقف فيه بجبل عرفات، لم يستحب له صيامه؛ ليتقوى على العبادة فيه، ولكن يستحب صومه لغير الحاج، استحباباً شديداً، بل فيه الأجر العظيم.. فعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن صيام يوم عرفة، فقال: (يكفر السنة الماضية، والسنة القابلة)

رواه مسلم.


قال النووي: "ﻓﻬﺬا اﻟﻴﻮﻡ، ﺃﻓﻀﻞ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﺴﻨﺔ ﻟﻠﺪﻋﺎء، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﺞ ﻭﻣﻘﺼﻮﺩﻩ ﻭاﻟﻤﻌﻮّﻝ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﺮﻍ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺳﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮ، ﻭاﻟﺪﻋﺎء، ﻭﻓﻲ ﻗﺮاءﺓ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﺄﻧﻮاﻉ اﻷﺩﻋﻴﺔ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺑﺄﻧﻮاﻉ اﻷﺫﻛﺎﺭ، ﻭﻳﺪﻋﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻳﺪﻋﻮ ﻣﻨﻔﺮﺩاً، ﻭﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ، ﻭﻳﺪﻋﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻭاﻟﺪﻳﻪ، ﻭﺃﻗﺎﺭﺑﻪ، ﻭﻣﺸﺎﻳﺨﻪ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ، ﻭﺃﺣﺒﺎﺑﻪ، ﻭﺳﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻟﻴﺤﺬﺭ ﻛﻞ اﻟﺤﺬﺭ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬا اﻟﻴﻮﻡ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺪاﺭﻛﻪ، ﺑﺨﻼﻑ ﻏﻴﺮﻩ".

(كتاب الأذكار: ٣٤٢)


-يوم النحر، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وهو العاشر من ذي الحجة.

قال ابن القيم: "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، كما في سنن أبي داود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الأيام عند الله.. يوم النحر)".

(زاد المعاد: ١/ ٥٤)


وذلك؛ لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم، ففيه:

-رمي جمرة العقبة.

-النحر.

-الحلق أو التقصير.

-الطواف.

-السعي.

-يوم عيد المسلمين.


قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق.. عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)

رواه الترمذي.


-يوم القر، وهو اليوم الأول من أيام التشريق، وسمي يوم القر؛ لأن الناس يقرون -أي يستقرون- فيه بمنى، بعد أن يفرغوا من طواف الإفاضة والنحر.

والقرّ: بفتح القاف وتشديد الراء.


عن عبد الله بن قرط، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى، يوم النحر، ثم يوم القر).

رواه أبو داود.


-يوم النفر الأول، وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي ينفر الناس فيه من منى، ويجوز النفر لمن أراد التعجيل؛ بشرط أن ينفر قبل الغروب.


-يوم النفر الثاني، وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وفيه ينفر الناس لطواف الوداع.

والتعجل أو التأخر.. مجمع عليه؛ لقوله تعالى: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه".


هذه بعض الأحكام، عن هذه العشر المباركة.. أرجو أن يكون فيها سِداداً وسَدادا، والله الموفق والمرشد.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

٢ ذو الحجة ١٤٣٥


الاثنين، 19 يونيو 2023

فجيعتي في أحذيتي!

 


فجيعتي في أحذيتي!

عنوان ظريف، استعرته مقتبساً، من الشاعر محمود غنيم، عندما فقد ساعته، فرثاها بقصيدة، سطر كلماتها في ديوانه الأول (صرخة في واد) والذي ضم باباً كاملاً عن دعابات الشاعر، وجاءت القصيدة، تحت عنوان (فجيعة في ساعة)!

رحم الله الشاعر، فقد رثى ساعته رثاء يخال لك؛ أنه يرثي كنزاً كبيرا، أو ثروة كثيرة، ولكنه، الخيال حينما يسرح ويمرح، مع الحنين إلى الإلف والمألوف، إضافة إلى التوجع والتحسر على ما فقد وذهب!

أما أنا، فقد بليت بسرقة أحذيتي، فإنها توأد في مهدها أو حين حبوها، ولا أتذكر حذاء شاخ عندي أو هرم، ناهيك عن هلاكه!
وقد كتبت مقالة قديمة، عنونتها، بـ "سرقت عجلاتي" وافقتْ زفرات وحسرات، فأبديتها، حتى لا توذي!

واليوم، وبعد أن وصل السيل الزبى.. رغبت في تسلية نفسي المكسورة، في رثاء ثلاثة أزواج من جميل أحذيتي.. فمنذ رمضان إلى اليوم، سرق مني ثلاث أزواج حسان، تونقت في شرائها، وتأنقت في انتقائها، مع مماكسة البائع الذي هو أمرس مني وأمكس!

وفي كل مرة أفقدها، أجهد في البحث عنها حتى ألغب، على توكدي من حرزها الآمن المكين، لكنه، الإعذار إلى النفس، وحسن الظن بالسارق السيء، فأعود بعد لهف، بخفي حنين، بل بدونها، "خالي الوفاض، بادي الأنفاض" أوَلول وأململ، وأبدي امتعاضي وامتعاطي من هاته الفعلة الشنعاء، التي لا يقوى على فعلها إلا "الأنجاس المناكيد"!

والعجيب.. أني لا أجرؤ على الدعاء على السارق المنتهب، الذي أسقط حرمات المساجد وأهدرها، بل أدعو له بالهداية، وأن تكون هاته آخر سرقاته المنكرة! (وكل السرقات منكرة)

وحينما يسمعني بعض صحبي، يعجب لي ويتعجب، ويقوم هو -دون وكالة مني-؛ بالدعاء عليه، حتى أشفق على اللص الخبيث!

وسبحان الله، كنت أمس مع بعض الأصحاب.. فأخبرتهم بسرقة زوجين لي من الأحذية.. فتبرعوا بكيل أشد الدعوات المبرحات، ولم أعلم؛ أن السارق يتربص بي؛ لينتهب الثالث!

بل دهش أحدهم لموقفي تجاههم، وساءلني: كيف أسلو وقد أخذ حذائي، ظلماً وهضما؟!
فسألته: ما موقفك أنت، لو مكاني؟!
فجبهني بفعل وقول.. أما الفعل، فقد عبس وجهه، وقطب جبينه، وزم شفتيه، وأما القول، فقد تلعثم لسانه، وأخذ يدعو بدعوات عظيمة متواصلة!

ولم أصنع ما صنع عامر بن عبد الله بن الزبير؛ فإنه حينما سرق نعله، لم يتخذ نعلاً حتى مات!
وقال: أكره أن أتخذ نعلاً، فلعل رجلاً يسرقها فيأثم.
كما في (البيان والتبين: ٢/ ٢٣٦)

وحقيقة، إن هذه ظاهرة شائنة شانئة، لا يتضمخ بها، إلا كل ناقص المروءة، مهترئ الديانة، ضعيف التوكل، مغموص الأصل، منكوس الفطرة!

وقد كنا قديماً.. إذا لم يلق أحدنا حذاءه، وجد مكانها ما يشبهها أو يقاربها، فهو من باب غلط البدل الحسي!
وكنا نجد حرجاً في أخذها؛ إذ قد يكون ليس صاحبها، ومن هنا، قُدمت الأسئلة إلى العلماء والمشايخ؛ في حل أخذها أو حرمتها.

قال الحنابلة: "من أخذ نعله ووجد موضعه غيره، فلُقطة"
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "هذا كلامهم، ولا أعلم أصلاً يعارضه".
(مجموع فتاواه: ٩/ ١٨)

وقال الشيخ ابن باز: "فالحَّل، أن الترك هو الأحوط" كما في (مجموع فتاواه: ٢٢/ ٤٠٧)

ولا زلت أذكر قبل بُرهٍ مديدة.. أن أحدنا، إن لم يجد نعله، قال -تورعاً، أو تهكماً- أُخذت نعالي، ولا يقول: سُرقت!

والعزم.. أنه يجب على مسؤولي المساجد، وضع حلول لهاته الرزية الردية؛ للأخذ على أيدي هؤلاء المخيفين وباعثي الرعب والخوف في نفوس من يتشبش لهم الله، جل الله في عليائه.

على أن تكون طرقاً شرعية موائمة ملائمة، لا نشازاً تقذي العين، وتؤذي النفس!
ومن ذلك، ما نشاهده في بعض مساجدنا، من اتخاذ أماكن مخصصة للأحذية، قد تكون قريبة من القرآن الكريم، أو تكون أمام المصلين، أو بحذائهم وإزائهم، حتى أنك لترى البلا، وتشم الأذى، ناهيك عن المنظر المقزز المزري الذي يبعث في النفس الاشمئزاز، ويعكر صفو الروح!

ومن ذلك: بعض من يضع أحذيته في زنابيل وخِرق، ربما زاحمت المصلين، أو أحدثت صوتاً، أو أوجدت ريحاً!

ويا ليت القائمين على المساجد.. يسعدونا، فيصنعون لنا ما صنعه الأسعد:
فقد كان ابن مكنسة، ينادم الأسعد بن مماتي، فاتفق أن سرقت نعله في بعض الليالي، وكانت حمراء، فكتب إليه:
لالكتي أثمن من عمتي *** وهمتي أكبر من قدرتي
كأنها في قدمي شعلة *** من جهة المريخ قد قدت
وزنتها عندي ورب العلى *** أعز من رأسي ومن قمتي
وأنت يا مولاي يا من به *** ومن نداه أسبغت نعمتي
متى تغافلت على أخذها *** من بعد هذا سرقت لحيتي!
فضحك من الأبيات، وأنفذ له عشرين ديناراً، وعشرين طاق أدم، واستخدم للمجلس فراشاً بثلاثة دنانير في الشهر، وجراية كل يوم لحفظ نعال الندماء.
ينظر: (وفيات الأعيان: ١/ ٤٦٣)

وقد نال الحذاء نصيبه الوافر الساخر، أو الطريف الظريف، سواء أكان شعراً أم نثراً، أو قصة أم حكاية، فللأديب يوسف المحمود، قصيدة شهيرة، في رثاء حذائه القديم، وللكاتب عبد الله الناصر، (سيرة نعل) وللكاتب باسم عبدو، قصة (فردة حذاء) وللشاعر إلياس فرحات، قصة (الحذاء الأحمر) وللشيخ أحمد حسن الباقوري، قصيدة ساخرة، حينما سرق حذاء، الأديب أنيس منصور، سجلها في أحد مقالاته، بجريدة الشرق الأوسط، تحت عنوان (قصيدة الباقوري عن جزمتي!) وللشاعر جابر قميحة، قصيدة رائعة، حينما سرق حذاء الدكتور مصطفى الفقي، وللشاعر أبو سلمى رأفت رجب عبيد، قصيدة يرثي فيه حذاء مصطفى الفقي، أيضا، تحت عنوان (في رثاء حذائي المسروق) وللشاعر هادي محسن مدخلي أبو حذيفة، قصيدة في رثاء حذائه المسروق، تحت عنوان (رثاء الحذاء المسروقة)

ولابن قلاقس، وقد سرقت نعله:
قل لنجم الدين يا من نهتدي *** من محياه بأسنى قبس
ما الذي أوجب عودي راجلاً *** بعد أن وفيتكم ذا فرس
خلعوا نعلي لما علموا *** أنني من ربعكم في قدس

وقبل، فإن ما سبق ذكره، هي طرافة صاحبتها زفرة، وظرافة مازجتها جفرة، ولم تعدم جميل فائدة، وخميل عائدة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي
١٤٤٤/١١/٢٨


السبت، 17 يونيو 2023

هل تزوّج البخاري .. وكم مرة .. وهل أعقب وترك ذرية؟

 هل تزوّج البخاري .. وكم مرة .. وهل أعقب وترك ذرية؟


سؤال ربما يكون من باب الترف العلمي، لطالما بحثت عنه، ولم أجد ما يشفي ويكفي، إلا نتفاً من هنا وهناك.


وبعد بحث وفتش؛ وجدت أن العلماء في ذلك على أصناف:


الأول: يثبت زواجه وجواريه، لا ذريته:


أورد محمد بن أحمد الذهبي في (سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٤٥١) وفي (تاريخ الإسلام: ١٩/ ١٨٧) قصة عن ورّاقه محمد بن أبي حاتم، وفيها: أن البخاري، قال له: لي جَوارٍ وامرأة، وأنت عزب.


وقال ورّاقه أيضاً: وقال لي أبو عبد الله يوماً بفربر: بلغني أن نخاساً قدِم بجواري؛ فتصير معي؟

قلت: نعم، فصِرنا إليه، فأخرج جواري حِساناً صِباحا.

ثم خرّج من خلالهن؛ جارية خزرية ذميمة، عليها شحم، فنظر إليها؛ فمسّ ذقنها، فقال: اشترِ هذه لنا منه.

فقلت: هذه ذميمة قبيحة؛ لا تصلح، واللاتي نظرنا إليهن؛ يمكن شراؤهن بثمنِ هذه؟

فقال: اشتر هذه؛ فإني قد مسستُ ذقنها، ولا أحب أن أمسّ جارية، ثم لا أشتريها!

فاشتراها بغلاء خمس مائة درهم على ما قال أهل المعرفة.

ثم لم تزل عنده حتى أخرجها معه إلى نيسابور.

(سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٤٤٧).


وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت عبد الله بن محمد الصارفي يقول: كنت عند أبي عبد الله فى منزله، فجاءته جارية، وأرادت دخول المنزل؛ فعثرت على محبرة بين يديه.

فقال لها: كيف تمشين؟!

قالت: إذا لم يكن طريق، كيف أمشي؟

فبسط يديه، وقال لها: اذهبي؛ فقد أعتقتك.

قال: فقيل له فيما بعد: يا أبا عبد الله؛ أغضبتك الجارية؟

قال: إن كانت أغضبتني، فإني أرضيت نفسي بما فعلت.

(سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٤٥٢) و (هُدى الساري: ٤٨٠)


ففي هذا؛ التصريح الصريح، الذي يدل على زواجه وملكه للجواري -رحمه الله- والراوي: عنه هو خادمه ووراقه، والناقل: حافظ صيراف، والمثبت عنده مزيد علم.



الثاني: يثبت ذريته الذكور لا الإناث:


جاء من كلام بكر بن منير، ومحمد بن أبي حاتم، واللفظ لبكر، قال: حمل إلى البخاري بضاعة؛ أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص؛ فاجتمع به بعض التجار إليه بالعشية، وطلبوها بربح خمسة آلاف درهم.

فقال: انصرفوا الليلة؛ فجاءه من الغد تجار آخرون؛ فطلبوها منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم؛ فردّهم، وقال: إني نويت البارحة بيعها للذين أتوا البارحة، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي!

(تاريخ بغداد: ٢/ ١١) و(تاريخ دمشق: ٥٣/ ٨١) و(سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٤٤٧) و(طبقات السبكي: ٢/ ٢٢٧) و(الهدى الساري: ٤٨٠) و(تغليق التعليق: ٥/ ٣٩٥)


ففي هذا النص؛ التصريح بأن له ولداً، اسمه أحمد، وكنيته: أبو حفص، ولكن قال بعضهم: أن قائل "أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص" يعني: ابن القائل، وهو بكر بن منير، أو محمد بن أبي حاتم.


ولكن، هذا بعيد؛ إذ لو كان هذا الابن؛ ابن المتكلم؛ لكان السياق، هكذا "أنفذها إليه؛ ابني أحمد"؛ إذ لا يستقيم لغوياً؛ أن يخاطبه خطاب الغائب.



ثالثاً: يثبت ذريته الإناث لا الذكور:


قال محمد بن عبد الله ابن البيّع الحاكم، في كتابه (معرفة علوم الحديث: ٥٢) "وأما البخاري ومسلم؛ فإنهما لم يعقِّبا ذكراً".


وقال الحافظ عبد الرحمن بن علي ابن الديبع الشيباني: "توفي، ولم يعقب ولداً ذكراً".

نقله صديق حسن خان، في (الحطة: ١/ ٢٤٦).


وقال سراج الدين عمر بن علي ابن الملقن، في (المقنع في علوم الحديث: ٢/ ٥١٧): "ولم يعقب البخاري ومسلم ذكراً، أيضا".


وقال صاحب (الإكمال: ١٤٩): "ولم يعقب ولداً ذكراً".


وقال ملا علي سلطان قاري، في (مرقاة المفاتيح: ١/ ١٧): "فمات عن غير ولد ذكر".


وقال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، في (التحبير لإيضاح معاني التيسير: ١/ ٩٧): "ولم يعقب ولداً ذكراً".


وقال محمد بن علي الشوكاني في كتابه (نيل الأوطار: ١/ ٢١): "ولم يعقب ولداً ذكراً".


وقال عبد الحق البخاري الدهلوي الحنفي، في كتابه: (لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح: ١٠/ ٢٦١): "ولم يعقب ولداً ذكرا".


وقال أحد الباحثين: "وقد عثرت أخيراً؛ على أنه تزوج وولد بنتاً أو بنتين، ولا زلت أواصل البحث راجياً أن أعثر في هذا الموضوع على ما يشفي الغليل، وينير السبيل.

من مقال (ساعة مع الإمام البخاري) في مجلة "دعوة الحق".

ولا أدري، ما مرجعه في هذا؟!


رابعاً: ينفي زواجه:


قال العجلوني في (إضاءة البدرين: ٣): "ولم أقف على أن البخاري تزوج، فضلاً عن وجود ولد له".


وقال محقق (التاريخ الأوسط) للإمام البخاري -تيسير بن سعد أبو حيمد-: "لم تذكر كتب التراجم -فيما وقفت عليه- شيئاً عن زواج البخاري، أو عن ذريته؛ سوى قول الحاكم: "وأما البخاري ومسلم؛ فإنهما لم يعقبا ذكرا".



خامساً: ينفي ذريته مطلقاً:


نقل الشيخ عبد السلام المباركفوري، عن "العلامة ولي الدين الخطيب صاحب، (مشكاة المصابيح) والملا علي القاري في (شرح المشكاة): أن الإمام البخاري، لم يترك وراءه ذرية من بعده".


وقال الحسين بن محمد اللاعي المغربي اليمني، في (البدر التمام: ١/ ٢٨): "ولم يعقب البخاري أحداً من الأولاد، وقد رزقه الله ما هو أعظم وأجل من تخليف الولد الصالح من شهرة صحيحه، وانتفاع الأمة به في جميع أقطار الإسلام".


قلت: ولفظ الولد؛ يتناول الذكر والأنثى، كما قال تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم" وقال صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.


وقال إسماعيل بن عمر ابن كثير: "وقد ترك -رحمه الله- بعده علماً نافعاً لجميع المسلمين، فعمله فيه لم ينقطع، بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، من علم ينتفع به) الحديث. رواه مسلم".

(البداية والنهاية: ١٤/ ٥٣٣)


وأحسب؛ أن هذه إشارة من ابن كثير؛ إلى أن البخاري لم يولد له، والله أعلم.



سادساً: التردد في ذلك:


نقل الشيخ المباركفوري: أن العلامة العجلوني؛ تساءل عن سبب تكنيته بأبي عبد الله إذن؟

ثم أجاب على هذا السوال بنفسه: "بأنه لا يشترط للتكنية؛ أن يكون الرجل له أولاد، وقد جرت عادة العرب؛ بأنهم كانوا يكنون أولادهم وبناتهم وهم صغار، دون أن يولد لهم، وله أمثلة لا تعد ولا تحصى، والإمام البخاري -وإن كان عجمي النسل-؛ لكن بلاد خراسان کان فيها أثر كبير لعادات العرب، ولا سيما في أهل العلم.

ولكن الأسف: أننا لم نجد في هذا الباب قولاً أقدم من قول ولي الدين الخطيب التبريزي وهو من المتأخرين جداً.

أما العجلوني: فإنه شك حتى في زواجه، فقد قال: إن الإمام لو كان تزوج؛ لوجدنا له ذِکراً!

ولكن الأسف أن المؤرخين؛ لا يذكرون عادة أحوال الزواج والنكاح، فهناك مئات من الأسماء في كتب التاريخ؛ لا يذكر شيئاً عن زواجهم أو عدمه، فكيف يسوغ لنا؛ أن نظن لأجل هذه الاحتمالات الضعيفة؛ أن الإمام البخاري حُرم من سنة مؤكدة حتى يثبت لنا بسند صحيح أنه ترك ذلك.

ولو فرضنا أن الإمام البخاري؛ لم يترك ذرية من صلبه؛ فذريته الروحية تتجاوز مائتي مليون ومائتين وأربعة آلاف نسمة، (قال المعلق: هذا هو عدد المسلمين حسب إحصائيات عام ۱۸۹۷م (جريدة المؤيد) بغض النظر عن أولئك المساكين الذين يشكّون حتى في صحة القرآن لمجرد أن الذي جمعه هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويزعمون أن القرآن الصحيح مخفي ومدفون في أحد المغارات أو السرادیب، فإن هذا لا يغض شيئاً من أولاد الإمام الروحانيين، والحمد لله فإن عدد أولئك الذين يؤمنون بكونه أصح الكتب بعد كتاب الله يزداد يوماً فيوماً".

(سيرة البخاري: ١/ ١٩٧)


وقال الدكتور وليد المنيسي، في (ملتقى أهل الحديث): التقيت بأحد الإخوة الفضلاء في مدينة سكرامنتو بولاية كاليفورنيا -وأصوله بخارية-؛ وأخبرني أنه من ذرية الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وأن ذرية الإمام البخاري؛ لا تزال موجودة في إحدى تلك الجمهوريات الإسلامية -أظنها أوزبكستان-.


وإثبات هذا الانتساب؛ يحتاج إلى إفاضة واستفاضة، و(الناس مؤتمنون على أنسابهم) إذا كانت هناك استفاضة.



قال أبو نعيم: هذا ما وجدته في أمر زواج البخاري وإنجابه.

وقد تبين لك من إيراد ما أوردت؛ أن البخاري تزوج، وملك الجَواري، واشترى وأعتق، وذرّى.

ومن نفى؛ فلأنه لم يجد نصاً في ذلك، (والمثبت مقدم على النافي).


ولعل هذا هو الراجح -والله أعلم- ولكن ليس عندنا؛ عدد زوجاته وجواريه، ولا عدد بناته وبنيه؛ ولكن عدم الذكر؛ لا يعني النفي؛ خاصة إذا علمنا: أن أمر المرأة مبني على الستر والخفاء، وعدم الإظهار والجلاء.


والشاهد على ذلك: أن ذكر النساء في كتب السير والتراجم؛ نزر يسير، وليس ذلك راجع إلى قلّتهن، بل إلى ما ذكرت لك من السبب.

وما اشتهر منهن؛ فإنه قليل جداً بالنسبة لأعدادهن الكبيرة الكثيرة..


فهذا المؤرخ عبد القادر بن محمد القرشي، يقول في كتابه (الجواهر المضية: ٤/ ١٢٢): "وقد بلغنا عن بلاد ما وراء النهر وغيرها من البلاد؛ أنه في الغالب لا تخرج فتوى من بيت إلا وعليها خط صاحب البيت، وابنته، أو امرأته، أو أخته".


وهذا العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف، يقول في (إدام القوت: ٣٧٣). "وكانت صُبيخ -بلدة بحضرموت- مهْد علم، ومغرس معارف؛ حتى لقد اجتمع فيها أربعون عذراء يحفظن (إرشاد ابن المقري)"!


رحم الله أبا عبد الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، فقد خلّف تراثاً لن يموت، وإن حوول إماتته "والله متم نوره ولو كره الكافرون" والمشركون والمنافقون والعلمانيون وأعداء الدين أجمعين.

والله تعالى أعلى وأعلم، وأعز وأكرم.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي

١٤٤٠/١٠/١٥


الأحد، 4 يونيو 2023

رحل بصمت كما عاش!

 رحل بصمت كما عاش!

اليوم، وبين أذان وإقامة صلاة الفجر، رأيت شاباً في مقتبل عمره، يقوم ويقعد -وكثيراً ما يفعل، وكأن في عقله لوث، ولعله لوث الفقر المذقع، عافاه الله- أشرت إليه، أن اجلس مكانك في الصف الأول!


امتثل وجلس، ثم سألته: هل تدرس في حلقات التحفيظ؟

فأجاب بالنفي، وأشار إلي صديقي، يخبرني عن مرضه!

قلت في نفسي، أقتنص الفرصة؛ لأعلمه سورة الفاتحة!

قلت له: اقرأ الفاتحة، فأخذ يرتلها ترتيلاً حسناً، دون أخطاء جلية.

قلت له: ما شاء الله، صوتك جميل، فيا ليتك تلتحق بحلقات التحفيظ.

فشكا إلي؛ أنهم لم يقبلوه!


قال لي صديقي: صوته بالأذان أجمل!

قلت: ما شاء الله، مثل والده!

فنكس الشاب رأسه، وقال: الله يرحمه!

ذهلت ودلهت، وتلعثمت!


قال لي صديقي: سبحان الله، ما عرفت .. عجيب، ما كلمتك .. كأني أخبرتك؟

قلت: والله لم أعلم إلا الساعة!

استرجعت ودعوت له بالرحمة، وعزيت المسكين، وإن تأخر الوقت!


ثم قال لي صاحبي: هنيئاً له، مات موتة يتمناها العلماء.. مات وهو صائم، بعد أن صلى فجر ذلك اليوم معنا في المسجد!


كان صائماً الست من شوال، صلى معنا الفجر، ثم رجع إلى بيته ونام، ولما جاء أهله ليوقظوه؛ إذا به قد فارق دنيا البلاء والابتلاء!

قال لي: صلينا عليه صلاة العصر من ذلك اليوم، وشيعناه، وكان جمعاً مهيباً.


قلت: وقد كنت أعرف هذا الرجل الفاضل، بصوته قبل شخصه، وأنا صغير مناهز؛ وذلك أنه كان يؤذن الأذان الأول في مسجد حيه، وكان صوته شجياً ندياً غاية!


وحين سماعي أذانه، كنت أهبّ من نومي، منصتاً لهذا الصوت الخاشع الرائع، ولم يكدر علي صفوي، إلا اختلاط صوته بغيره من المؤذنين، فكنت أقوم وأجلس إلى جهته، وأضع يدي على أذني، وأقول: صه، أتسمعه!


وكنت أخبر بعض صحبي، عن هذا الصوت المعجب المطرب، من يكون؟ فلم أظفر بجواب!


حتى كنت ذات يوم في محاضرة، في ذاك المسجد؛ وإذ بي أسمع هذا الصوت الندي، ورأيت صاحبه عن كثب!

ستيني طوال، أسمر اللون، خفيف اللحية، تراه وقد تخلى عن كل كلفة وتكلف، ولبس ثوب التواضع والفقر، وقد كان الفقر ضارباً عنده أطنابه، حتى أضر به جداً في أواخر أيامه، حتى أوشك على فقدان بصره!


فرحت جداً، وحمدت الله؛ أن ظفرت بصاحبي الذي لم أعرفه!

لكن، للأسف، لم يدُم فرحي، فقد توقف أو وقّف عن الأذان بعدها، وجهدت أن أسمعه أخرى، ولكن ذلك لم يكن!


وكم تمنيت أن يكون هذا الرجل مؤذناً رسمياً في مسجد من المساجد، وأبحتُ هذا لبعض صحبي، فشاركوني الرأي، ولكنها أمنية لم تتحقق!

ولو كان في غير بلدي؛ لدُفعت له الأموال، حتى يؤذن، فاعجب!


وكنت أرى هذا الرجل الصالح -أحسبه- دوماً في المسجد، لا يحتك بأحد، ولا يشتكي منه أحد، يصلي ثم يلفّ عمامته ويضعها تحت رأسه، ويذهب في نوم عميق، هارباً من حر البيت اللاهب!


رحمك الله يا عم قاسم، عشت وحيداً صامتاً، ومتّ كذلك، وحسبك هذه الخاتمة الحسنة.

إنا لله وإنا إليه راجعون.


وكتب: وليد الوصابي

١٤٤٤/١١/١٦

الأربعاء، 24 مايو 2023

يمن واحد....ولو كره الانفصاليون!

 



يمن واحد....ولو كره الانفصاليون!


سمعت إخوة من اليمن الجريح السليب المهيض -أقامه الله وشفاه-، يتراشقون بقذيع الكلمات، ويتساهمون بنابي العبارات!


فغضبت وحزنت، وأسيت وأسفت؛ أن نجح الشيطان في مهمته (لقد أيس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم) ونحن مِن وفي جزيرة العرب.


فكتبت لهم ناصحاً قائلاً:

سبحان الله!

في الوقت الذي تكالب علينا الأعداء، ورمونا عن قوس واحدة، وأركضوا بخيلهم ورجلهم؛ لإذلالنا وإضعافنا.. في هذا الوقت الحرِج؛ نسعى لانفصال دولة واحدة، وشق عصاها، وقطع أواصرها، وتشتيت شملها؟!


وقد كان الواجب علينا جميعاً؛ أن نسعى للمّ الشمل، ورتق الفتق، وسد الخلل، ومداوة الجرح، وتكميد المصاب، بل ونسعى إلى أن يكون أبناء الإسلام؛ تحت راية واحدة قائدة، واضحة لائحة.. فجاء بعض من يحب الاصطياد في الماء العكِر؛ ليشطر ويعقر؟!



لم أكن أتوقع أن يصل الأمر إلى اتهام العِرض، أو التفاخر بالأرض، أو خدش النسب، ولمز النسب: "لياً بألسنتهم وطعناً في الدين"!


تالله إنها لموبقة ومقلقة، ومقلية ومشجية؛ أن يتقاتل أصحاب الدين الواحد، والطريق الواحدة!


ولا فرق -والله- بين جنوبي وشمالي؛ إلا بالتقوى، والتقوى فحسب، والخطأ صادر من الجميع، والخير كامن في الجميع، والكل يدين بدين الإسلام، ويصدق برسول الأنام، عليه الصلاة والسلام.


ونحن أهل بلد واحد، وأرض واحدة، بيننا أهل ونسب ومصاهرة.

ومنا ومنكم: علماء وفضلاء، وعقلاء وحكماء.


كيف دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم؟

من الذي أدخل بينكم القطيعة، والعصبية المنتنة؟


لا تصدقوا الأحزاب الأنكاد، الذين امتلأوا بالأحقاد: "الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا" وهم أداة مسيرة بيد الغرب الكافر الحاقد؛ لينالوا بغيتهم، ويدركوا هدفهم، وهو: تمزيق الأمة الإسلامية، والوحدة الدينية:


تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسّراً *** وإذا انفردن تكسرت آحادا


سئل الشعبي عن طائفة نُصرت وهي على الباطل؟!

فقال: ذلك بأنهم جهلوا الحق، واجتمعوا، وتفرقتم، ولم يكن الله ليظهر أهل فرقة على جماعة أبدا!

(حلية الأولياء: ٤/ ٣١٥)


أُحب اليمَنَيْن: الجنوبي والشمالي -بل أحب العالَم الإسلامي أجمع، والمسلمين أجمعين "لا نفرق بين أحد منهم".


وقد زرت بعض مناطق الجنوب؛ وعاشرت أهلها؛ فرأيت فيهم الإباء والشمم، والكرم والشهم.


وزرت بعض مناطق الشمال، وعاشرت أهلها؛ فرأيت فيهم الفضل والكرم، والنجدة والهَمَم.



فما بالكم اليوم تتقاتلون، وعلام تتهاجرون، ولمن تتهارجون: "كأن لم تكن بينكم وبينه مودة"؟!


ألم تقرؤوا "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم"؟!

ألم تقرؤوا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟!


إخوتاه: إن الشيطان، وأهل الشر والشنآن، حريصون على التفرق والتشرذم، والتعصب والتدمدم.


وهذي، كما تعلمون (دعوة جاهلية) (أبِدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم: دعوها، فإنها منتنة).


"يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

"فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم"


اتّحدوا وتصافوا، واجتمعوا على أهل الباطل وتآخوا: أينما كنتم، وحيثما حللتم.. وتحلوا بالصبر والإنصاف، وابتعدوا عن السب والإسفاف، وانؤوا عن الظلم والاعتساف.


وتالله لقد أزعجني وأقلقني -ولم أكد أصدق- ما جرى من بعض الأغمار الطغام قبل سنوات، وأعادوها اليوم؛ عندما قاموا بطرد إخوانهم!


وأنا على يقين، أن من قام بهذا العمل المشين؛ هم الحقراء الأراذل، السفهاء الأسافل، وهكذا في كل أمة سفهاء، ولكن يجب الأخذ على أيدي السفهاء، حتى لا يعم البلاء.

وفي الخبر: (اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا).


أتطردون أخاكم المسلم؟

بأي ذنب اجتراه؟ وأيّ جرم أتاه؟ وأيّ دين احتواه؟


نصيحتي للجميع، أرجو أن تجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية..



وكتب: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧/٨/٣

١٤٤٠/١٢/٣





الأربعاء، 17 مايو 2023

أتنطح الطناحي.. ولست له بكفء؟!

 

أتنطح الطناحي.. ولست له بكفء؟!
أصبحت هذا الصباح الملهب حره، على ما يلهب قلب المنصف، وهو: مقالة سوء، وقالة زور، في حق علم من أعلام التحقيق، وبزل من أرباب التصنيف.. إنه العلامة المحقق الكبير محمود محمد الطناحي.. يتناول هذا البزل القنعوس، ابن لبون ملزوز!

إنه أقذع في حق العلامة إقذاعاً مسموماً، فبعد مدحه الممرهم الموهوم، فوّق نصبه؛ ليعلوه وهو ميت، لكنه، سقط وانكسر!

وما علم المسكين؛ أن هذة رفعة مبطنة للعلامة الجليل؛ أن ترحم عليه أقوام، ودافع عنه فئام من الناس، واتجه نحو تراثه الأفذاذ!

لا أحب لي ولا لكم.. أن أنقل ما فاهه المأزوم، من شنآن وزفر، تجاه هذا القرم القمقام؛ لأنه مغلف بحقد غريب -لا أتدخل في نيته- ولكن، (كل إناء بما فيه ينضح)!

ولا نعصم الطناحي ولا هو بخلو من النقد، ولكن، أين العلم والأدب والإنصاف؟!
فاللهم عفوا وغفرا.

ولست الآن في صدد نزع السهام الموجهة إلى صدر العلامة، فلم تصل أصلاً، بل حسبها أن حومت فوق رأسه، وهومت حول جسده، ولم تجسه أو تمسه، فـ"إن الله يدافع عن الذين آمنوا"، لكنها زفرة ونفثة.

ورحمك الله أبا أروى، فقد أوريت زناد قدحك، حتى ألهبت الشانئ، وأرويت الظامئ، فلله أنت.
والله العاصم والقاسم.

وكتب: وليد أبو نعيم
١٤٤٤/١٠/٢٧

الاثنين، 8 مايو 2023

الترقيم الشيطاني!

 


الترقيم الشيطاني!
لا أتكلم في هذا المقال عن الترقيم الكتابي العلمي الذي يتعلق بالكتابة، وهو عربي صميم، لم نأخذه من الغرب -كما ادعى البعض- ولكن، تأخر التأليف عنه، فأول من ألف فيه هو شيخ العروبة..
أقول: لا أتكلم عن هذا الترقيم، بل أتكلم عن ترقيم شيطاني، مأخوذة تسميته من فعله المشؤوم، وهو كتابة رقم هاتف العاشق المأفون!

إنه الترقيم للفتيات، في الأسواق والحدائق والمتنزهات والمولات والأماكن العامة!

إنه الترقيم لإغواء الفتاة المسكينة الضعيفة، وابتزازها، وإيقاعها في الفخ المنصوب، والطعم المسموم، وبعدها تظل حبيسة في يد هذا المرقّم المرغم!

إنها طريقة معاصرة ماكرة لإلقاء الشباك للمرأة حتى تقع فيها، ومن ثَم أخذها لقمة سائغة!

يقول عبد الله عفيفي: "وكان من أكبر المآثم عند العرب؛ أن يلتقي الرجل بالفتاة، فيبدأها بالكلام أو يلقي إليها السلام، وربما هاج ذلك شراً عقاماً، وقد يكون من ذوي قرباها، والراغبين في خطبتها، فتحول تحيته دون ما يبتغي".

إنني هنا، أذّكر هذا الشاب الغاوي، بالرقيب العليم المنتقم شديد الحساب وسريعه.. حتى يرجع إلى ربه، وينيب لخالقه، ويقلع عن هذا الفعل المشين الذي يقضي على خلقه وحيائه، وعلى حياته أيضاً، وحياء وحياة غيره!

إنني أذّكر فيه ضميره وقلبه -إن كان له قلب وضمير- أن يبعد عن هذه الطريق المركوسة التي أوقعت كثيراً من الفتيات في الأوحال والأوساخ.

إنني أذكره بقرب الأجل، وسرعة الموت الذي يخطف الأرواح في لمحة البصر، إن كان يخاف الله والدار والآخرة.

إنني أذكره بسوء الخاتمة، إن هو استمر على هذه الأفعال القبيحة، التي أطاحت بكثير من الفتيات في الخزي والعار، وغضب الجبار، وسوء الخاتمة!

‏قال ‎ابن تيمية: "وأعرف شخصاً من أصحابنا، لما حضرته الوفاة، جعل يقول:
حبيبي ها قد جئتك، حتى خرجت نفسه.. ومثل هذا كثير".
(منهاج السنة: ٦/ ٩)

إنني أذكره بيوم الحساب، وسؤال الله له على رؤوس الأشهاد.. عن ما كان يفعل في الدنيا، من مخاز ومساوي.

إنني أذكره بالفضيحة يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة "وعرضوا على ربك صفاً" "ولقد جئتمونا فرادى".

إنني أذكره بنخوته وشممه وعروبته -إن كانت بقيت فيه بقية باقية- فتدله على مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال:

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

إني امرؤ سمح الخليقة ماجد *** لا أتبع النفس اللجوج هواها

هكذا قال الشاعر الجاهلي، الذي لا يؤمن بالله، ولكنه يؤمن بالخلق والشهامة، فأين أنت منه أيها الشاب المرقّم المعاكس؟!

وقالت الخنساء -تصف أخاها-:
لم تره جارة يمشي بساحتها *** لريبة حين يخلي بيته الجار

وقال مسكين الدارمي:
ما ضر جاري إذ أجاوره *** ألا يكون لبيته ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر

ويصم عما كان بينهما *** سمعي وما بي غيره وقر

وقال أيضاً:
وإني امرؤٌ منّي الحياء الذي ترى *** أعيش بأخلاق قليلٌ خداعها

وقال عامر بن الحارث، الملقب: أعشى باهلة -يرثي أخاه لأمه المنتشر بن وهب-:
لا يهتك الستر عن أنثى يطالعها *** ولا يشد إلى جاراته النظر

وقال ناصر الدين المطرزي:
وإني لأستحيي من المجد أن أُرى *** حليف غوانٍ، أو أليف أغاني

وقال عروة بن الورد:
وإن جارتي ألوت رياح ببيتها *** تغافلت، حتى يستر البيت جانبه!

وقال ابن جزي:
وكم من صفحة كالشمس تبدو *** فيسلي حسنها قلب الحزين

غضضت الطرف عن نظري إليها *** محافظة على عرضي وديني

وقال:
أيا من كففت النفس عنه تعففاً *** وفي النفس من شوقي إليه لهيب

ألا إنما صبري كصبر، وإنما *** على النفس من تقوى الإله رقيب

والأشعار في هذا الباب، كثيرة وفيرة؛ لذيوعها وشيوعها لديهم، دون تحريض أو تحضيض!

إنني أذكرك -أيها المرقم- بعارك وأهلك وقريباتك، هل تحب لهن هذا الفعل الأرعن؟!
إن كنت كذلك.. فقد ماتت فيك الغَيرة، والحمية الإسلامية، والشهامة القبلية.
وإن كنت غير ذلك -وهذا ما أظنه فيك-؛ فكيف تحب طريقاً للآخرين، لا ترضاه لأهلك؟
(وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم) فانأ عن هذا الطريق المريب، والدرب المشوك قبل أن تندم عاجلاً وآجلاً، في الدنيا والأخرى.

إنني أكتب لك، وأنا على ثقة أن كلماتي هذه، ستلقى في قلبك مكاناً لقبولها، والعمل بها، فكن كما ظننتك.

وأنت أيتها الفتاة، لا تلقي لهذه الأوراق الملفوفة بالسموم بالاً؛ لأن فيها حتفك وموتك، فهل تحبي القتل البطيئ؟!

إن في هذه الأوراق الملفوفة.. إهدار عفتك، وقضاء على كرامتك؛ فهل تحبي لنفسك هذه المأساة؟!

إياك والفضول، فكم أوقع في المستنقعات الأسنة، والمستقذرات العفنة- ولم يستطعن الخلاص؛ لأنه دحض وزلق!

لا تجربي طريقاً قد جربه غيرك، فصيرن حياتهن جحيماً ووبالاً، وعذاباً أليماً.

يقول حافظ شيرازي:
من جرب المجرَّب *** حلّت به الندامة!

إن في هذه الأوراق.. طلاقك وتسريحك، والتفريق بينك وبين أولادك وأفلاذ أكبادك.. هذا إن كنت متزوجة.
وإن كنت عازبة، فهي سبب لعنوستك، وصد الناس عن طرق الباب لخطبتك؛ لأنك لم تتق الله في نفسك، ولم تراقبيه، والله يقول: "إن الله كان عليكم رقيبا"

هذه نصيحة لك وله، إن قُبلت، فصدارة، وإن رُدّت، فيا خسارة.

وسلام الله عليكم.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٩/٨/٦

الاثنين، 24 أبريل 2023

مائة نسمة من أجل لقمة!

 مائة نسمة من أجل لقمة!

حدث عظيم فخيم مفجع مجزع مخزي مقذي، كنت أظنه من مبالغات الإعلام، فإذا هو واقع حقيق..

مائة نفس تموت، في سبيل الحصول على لقمة واحدة!

مائة نفس تموت، وهي تبحث عن الحياة!

مائة نفس تموت، وهي تدرأ عن أنفسها مخاطر الهلاك.


خرجوا من بيوتهم، علّهم يجدوا ما يقيم أودهم، ويصلح شأنهم، وينأى بهم عن موت الجوع، فإذا بهم يلاقون ما منه حذروا، ويقابلون ما منه فروا!


إنه السم الزعاف، والموت الزؤام، الذي قبض على أنفسهم المرهقة، وزهق أرواحهم المتعبة .. أرواحهم المتفجعة من فجائع الحياة وفواجعها، ولكن، "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم"


إني مؤمن بحكمة الله تعالى ورحمته، لكني، أجد في حلقي غصة، وفي قلبي حرقة، وفي عيني دموعاً غزارا!


أتخيل موقفهم وهم في ذاك الزحام الخانق .. وهم بين تلك الأنفس المصابة بصعيق البرد .. وهم يصيحون ويزاحمون.. فإذا بهم جثث لا حراك بها، وأجساد لا روح لها، وأشباح لا حياة فيها، "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق"


طُويت صحائفهم، وانتهت أعمالهم؛ ليتولى الجبار الفصل بينهم وبين قاتلهم، فيقتص لهم من ظالمهم "ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين" "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار":

وإلى لقاء تحت ظل عدالة *** قدسية الأحكام والميزان!


ويا رب، كثر الذبح، واستحرّ القتل، واستعرّت النيران، في بلد الإيمان والفقه والحكمة .. في البلاد التي فيها نفَسك .. في البلاد الفاضلة.. وأنت الله الرحيم الرحمن، الكريم المنان، فانظر إلينا بعين رحمتك، وارفع عنا مقتك وسخطك وغضبك، لك العتبى حتى ترضى ولا قوة إلا بك.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٤/١٠/١


الاثنين، 20 مارس 2023

نسائم رمضان!

 نسائم رمضان!


اقترب الشهر الفضيل، وآذن بالدخول، وأعطى الإشعار بالقرار والاستقرار؛ لتكون منه القلوب المؤمنة على أهبة الجد والاجتهاد، فتحسن وفادته ورفادته.


إنه الشهر الكريم (ولا بأس، بوصفه بالكريم، وعُد -إن شيت- إلى مقالي: "قول: "رمضان كريم" من التهاني، وليست من المناهي!") الذي يأنس فيه المؤمنون .. يتعبدون .. يخشعون .. يقرؤون .. يصلون .. يصومون.. إنهم يثافنون فيه صنوف العبادة، ويعالجون أشتات الطاعة.


إنه شهر مبارك.. جعله الله غياثاً لقلوب الموحدين، وغوثاً لنفوس العابدين .. إنه سكينة أرواحهم، وطمأنينة نفوسهم، فما أبهاه وأهناه وأنهاه وأسماه وأحلاه وأشهاه!


فيا لله، ما أجمل أيامه، وما أخمل لياليه، وما أعذب ساعات نهاره، الذي ينقطع فيه المؤمن عن سائر الملذات؛ ليكون إلى الله أقرب، وما أشهى ساعات ليله، التي تصطف فيها الأقدام بين يدي الرحيم الرحمن!

فيا رب بلوغا وبلاغا.


إنه شهر القرآن .. شهر العتق من النيران .. شهر تصفد فيه الشياطين؛ ليخلو المسلم فيه بربه، ويسعد بقربه، دون قواطع وموانع.. فها هي الشياطين مغلولة مصفدة، وأبواب الجنان مفتحة على مصاريعها، وأبواب النار مغلقة.. فهلم إلى القرب والتقرب.


إن ابني يقول لي اليوم: هذه أجواء كأنها أجواء رمضان!

حقاً، وكأن هذه ممهدات ومقدمات للنفوس، حتى تستعد له وتسعد به.

فيا سعد من غنمه واغتنمه، ويا بؤس من حرمه ولم يحترمه!


هاته خاطرة خطرت ببالي، فسطرتها على على قرطاسي، وكنت أداعب النوم، أقرأ في كتاب "شهر في دمشق" للأديب عبد الله بن خميس، وقد كانت رحلته في شهر رمضان، قبل ما يقرب من سبعين سنة، فاهتبلتها فرصة؛ لأكتب ما سنح به الفكر المكدود، والخاطر المخطور، لكن، بالله الاعتصام، ومنه العصمة، ولا قوة إلا به.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٨/٢٥

السبت، 25 فبراير 2023

مُسامرة الوالدين!

 مسامرة الوالدين!

كثير منا، يحب السمر، ويحلو له السهر، مع حبيب أو قريب أو أديب، بل ويؤخر بعض أعماله، أو يمعن في إعماله؛ لذاك السمر، وذياك السهر.

وهذه بابة فسيحة مليحة، إذا خلت من محرم، واحتوت على ذكر الله المعظم.


وما أجمل مسامرات العلم، ومطارحات الأدب، مع صديق مُواتٍ، وعالم خرّيت!

وقد بوب البخاري، في (صحيحه: ١/ ٢١٥) "باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء"


وإن من أجمل المسامرات.. مسامرة الوالدين، ولم أُرد مسامرة الليل فحسب، بل أردت الحديث معهما، وإدخال السرور عليهما، في أي ساعة من ليل أو نهار!


عن هشام بن حسان، قال: قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال: فقال الحسن: تعشَ العشاء مع أمك، تقر به عينها، أحب إلي من حجة تحجها تطوعاً!

(الجامع لأخلاق الراوي: ٢/ ٢٣٢)


وقد كانوا يتركون الرحلة في الطلب؛ لصحبة أحد الوالدين.. 

قال جعفر الخُلْدي: كان الأبّار -رحمه الله- من أزهد الناس، استأذن أمّه في الرحلة إلى قتيبة، فلم تأذن له، ثم ماتت، فخرج إلى خراسان، ثم وصل إلى بلْخ وقد مات قتيبة، فكانوا يعزّونه على هذا، فقال: هذا ثمرة العلم، إني اخترت رضى الوالدة.

(نزهة الفضلاء: ٣ / ١١٠١)


وإذا كان قد ورد الفضل في إدخال السرور على مسلم، فكيف إذا كان على الوالدين؟!


قال ابن عاشور -عند آية الأحقاف-: "وحاصل المعنى: أن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين، في المشاهدة والغَيبة، وبجميع وسائل الإحسان الذي غايته، حصول النفع لهما، وهو معنى قوله تعالى: "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"".

(التحرير والتنوير: ٢٦/ ٣٢)


(قلت: ويحسن النظر، في تفسير ابن عاشور، عند آية الإحسان، في سورة الأحقاف، فقد أفاد وأجاد)


ولعل هذا الأمر، مما فرط فيه كثير من الشبيبة، ربما، ليس عقوقاً مقصوداً، ولكنه، التهاون، وزعْم التسويف في ذلك، واحتجاجاً؛ بأنهما دائماً في المنزل!


وفي الحقيقة، إن هذا من التفريط الفارط المفرط، فيجب تداركه قبل إدراك الأجل!


ولم يشعر المفرّط، بهذا الإهمال، إلا حين عجزه هو، أو عجزهما، أو موتهما.. فإنه حينذاك يعض أصابع الندم، ويودّ لو أنه سمر وسهر معهما، ولات ساعة مندم!


تفكر.. فقد كانا يسهران بسببك، وأنت جنين، ثم سهرا معك، وأنت صغير.. ثم تبخل عليهما، بالسهر معهما، وأنت كبير؟! "تلك إذاً قسمة ضيزى" "مالكم كيف تحكمون"؟!


ولما غاب عبد الحق بن غالب، عن والده، في رباطه في الجهاد في سبيل الله تعالى، كتب إليه:

يا نازح الدار لم تحفل بما نزحت *** دموعه طارقات الهم والفكر


غيبت شخصك عن عيني فما ألِفت *** من بعد مرآك غير الدمع والسهر

(معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي: ٢٦٤)


وأتحدث عن نفسي.. فقد كنت كثير التحدث مع والدي، إذا بتّ عنده، أو أتيت أزوره، وقد كان يحتفي بذلك، ويأنس به، ويتذكر جميل الذكرى، ويتفكر روائع الذكريات.. فيكون الضحك .. والأنس .. والانبساط .. والارتياح.


وقد فقدت هذه الأفياء الظليلة، حين مرضه -لطف به اللطيف- فقد ذهبتِ الجلطة، بكثير من ذاكرته الفذة، لكني، لم أيأس؛ فإني آتيه كل يوم -غالباّ-، وأحاول نبش ذكراته، وأذكّره ببعض ما كان يلقي علينا من قصائد وأنظام، وقصص وحكايات، فيستذكر بعضها، وينسى البعض، لكنه، يأنس وينبسط.


فيا إخوتاه.. اجلسوا مع والديكم، وتحدثوا إليهم، وتقربوا منهم، واحدبوا عليهم؛ فإنه فوزكم في الدنيا والأخرى.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٧/١٥


الأحد، 12 فبراير 2023

حيّاه الله في الفقر!

 حيّاه الله في الفقر!

هذه كلمة، سمعتها الليلة "الأحد"، بعد صلاة العشاء، في أحد المساجد، من شاب أحدسه، جاوز الأربعين!


قام من مجلسه، وقابل المصلين، وصرخ: يئسنا .. يئسنا، ثم أخبر، أنه منذ أيام، يبحث عن عمل، ولم يجد، فلجأ إلى إخوانه المصلين.


تحدث.. أنه وأولاده، يأكلون من زوائد الناس في المطاعم والبيوت، وقال: لو عندكم زيادة من طعام، فأغيثونا به!


ثم قال: عندي ثلاثة أولاد، والرابع، في الطريق، لم يتبق له سوى أيام، ولكن، حياه الله في الفقر بين إخوانه!


وجدتني مدهوشاً مشدوهاً، حين سماعي هذه العبارة المحزنة المشجنة، وكأنه، من شدة اليأس، أيقن أن لا مخرج له من هوة الفقر المذقع، ولا منقذ له من ذل الحاجة المفجع!


وحقاً، إن الناس، قد يأسوا وأيسوا، حتى أني سألت أحد الجيران، قبل أيام: كيف حالك؟

أجاب: الحمد لله، نضارب في هذه الحياة، حتى يعزنا الله!

قلت: نعم، سيعزنا الله، ويفرج عنا.

قال: أعني، يعزنا الله إلى المقبرة!


نظرت له بشفقة وحرقة، ونصحته، أن لا ييأس، فالله كريم، وعنده كل خير.

"فأشار برأسه، أن نعم"!


ولا أجدني، في حاجة، إلى شقشقة كلام، أو تزويق عبارة، ولكن، ما أردت التنبيه عليه، والتنويه به، هو، قول: "تشافقوا وتراحموا"

وهي بالمناسبة، عبارة، سمعتها، من فقير، منور الشيبة، بهي الطلعة، قبل ما يقرب من عشرين عاماً!


فيا إخوتاه: تشافقوا وتراحموا، كل يتفقد إخوته وقرابته، وإخوانه وخلانه وجيرانه، على قدر طاقته ومكنته ومكانته، فـ "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" و"لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها".


اللهم لا كافي إلا أنت، ولا راحم سواك، ولا قادر غيرك، فلا إله إلا أنت، أنت المستعان، وعليك المتكل، ولا قوة إلا بك.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٤/٧/٢٠