الاثنين، 30 مارس 2020

المَقَامَةُ الكُوْرُوْنِية! (فيروس كورونا)!


المقامة الكورونية! (الوبائية)

قال لوين بن جوين: فتحت هاتفي ذات مساء، فألفيت رسالة همساء، من شيخ همام، وأستاذ أُمام، يلمح لي، بصنع مقامة كورونية، وما أحدثته من أحداث كونية.

فتبطّأت، وعن ذلك تلكّأت؛ لقصور باعي، وشدة التياعي، ونأيي عن الأهل والولد، وبعدي عن الصحب والبلد، لكني بعد تشاور مع نفسي، وتخابر مع بني جنسي.
أقدمت على الكتْب القادح، عن ذلك الخطب الفادح.

فأقول -ومن ذي الطول، أستمد الحول-:

بينا نحن ذات يوم، في جمع من القوم، نتجاذب أطراف الحديث، ونتجابذ الأدب القديم والحديث؛ إذ نطق أحد الحضور، بخبر خطير مفطور!
وكان في الجالسين، أحد الدارسين، فحملق في الناطق وحذلق، وقال: من تكون أيها الأحذق؟!
قال: أنا كرين بن برين، العربي الثمين- أحد بني قحطان، العرب القرمان.

وأنت من تكون أيها الأذلق، الجميل الأبلق؟
قال: أنا لوين بن جوين، العربي القمين، أحد بني عدنان، العرب الشجعان.

قال لوين بن جوين: يا أخا العرب، حدثنا، ما هو الخطب؟

قال كرين بن برين: إن هناك وباء تخطى القرونا، يسمى: فيروس كورونا، نشأ من دولة الصين، آكلي  القذر والنتين، أرْداهم صرعى، وتركهم قفعى!

ففغرنا الأفواه، واحتارت الأنباه، وبقينا مدهوشين، ولِما سمعنا، مشدوهين!

وتابع كرين بن برين.. يقال: إن هذا الفيروس، مزروع ومغروس، وهو سريع الانتشار، شديد الانشطار!

قال لوين بن جوين: يبعد أن يكون هذا الفيروس، من صنع أهل الصين أو الغرب أو الروس!
وإن كان؛ فهو بأمر الله جل جلاله، وتقدس جماله وكماله.
ولعله لنا خير، وعليهم شر وضير.. وأين نحن من تيك الدولة، التي بيننا وبينها مليون جولة!

قال كرين بن برين: ولكنه معدٍ، وللأنفس مقذٍ.. إنه ينتقل عن طريق اللمس والحس والجس، ناهيك عن الضم واللثم والقضم!

رد لوين بن جوين -ببرود وجمود-: دعك من الضم والشم، واللثم والقضم.. صف لي أعراضه، وما هي أحراضه؟

فأجاب كرين بن برين: إنه يشلّ العظام والمفاصل، ويفلّ الصدر والكلاكل، ويأخذ الرأس بالصداع، والأعضاء بالانصداع، ويسربل الجسد بالحمى، والروح بالغمى، ويضيق الأنفاس، على الناس!

قال لوين بن جوين: عجيبة هذه الأوصاف، وغريبة هذه الأرصاف.. وكأنك تتحدث عن الكرفس، ولا أعني: نبتة الكرفس! لا، بل هو مرض وحرَض، زار مدينة الحديدة المجيدة، وهذه هي أعراضه، وأوصابه وأنقاضه!

قال كرين بن برين: ولكنه وباء أصاب العالم، وغيّر المنار والمعالم، وهو الآن، قد دار على الكرة الأرضية، فجعلهم في حالة مرَضية، سوى بلاد اليمن السعيد، الذي يعيش الفقر الشديد!

رد لوين بن جوين: ما شاء الله، وسبحان الله، والحمد لله، كل شيء بقضاء وقدر، ولا يغني حذر من قدر، ولعلها رحمة من الله سبحانه، بتلك البلاد المزدانه.

مسكينة هي اليمن، بلاد الفقه والحكمة والإيمان واليمن.. فلا زالت ترزح تحت نير الحرب، والقصف والضرب، مع معاناتها المرض والسقم، والفقر والعدم، ولكن، "إن الله لطيف بالعباد" أهل الحضر والبواد.

قال كرين بن برين: حمداً للحميد، وشكراً للمجيد؛ فإن هذا الوباء، على المسلمين خفيف، لكنه على الكافرين عنيف، فالأعداد في ازدياد، والأرقام في ارتياد!

قال لوين بن جوين: إن الله عدل حكيم، وإن عذابه شديد أليم؛ فإن دول الغرب الكافرة، قد تجبرت وقهرت، وها هي تدور عليها الدائرة!

بل إنهم تحدوا الجبار، وتعدوا على القهار، فها هو يقصمهم، ويفل قوتهم ويقسمهم (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته) فلا يقاوِم!

وقد ظهرت دول الغرب الكافرة، على حقيقتهم الماكرة؛ فإنهم يتشدقون بحقوق الإنسان، ويتفيهقون بتحرير النسوان!
وها هم، يميطون اللثام عن وجوههم القبيحة، ويكشفون الحجاب عن أخلاقهم الوقيحة؛ فقد تخلوا عن إنقاذ النفوس، في سبيل الكؤوس والفلوس!

بل خرج من يصول ويجول، ويقول: ماذا.. حتى لو مات الملايين، في سبيل الرسماليين!
إلى غير ذا، من السخف والهذاء، الذي ينم عن الأثرة والجشع، ويشي بالوأد البشع!

قال كرين بن برين: وذلك على عكس الدول الإسلامية، فإنهم أظهروا الرابطة الإخوانية، والرحمة النفسانية، وأوعزوا إلى شعوبهم، الاهتمام بشؤونهم.
وأمروهم، بالحجر، للمصح؛ عملاً، بحديث: (لا يورد ممرض على مصح) مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والاعتماد على رب البرية.

قال لوين بن جوين: ولكن العجب من بعض العرب، فهم مثل الجرب..
أعني: بني عَلمان والأذناب، من يلصقون الإسلام بالإرهاب؛ لا زالوا في غيهم يعمهون، فهم لا يعلمون ولا يفقهون، بل ربما كان النصارى، واليهود الحيارى؛ أقوم منهم قيلا، وأهدى سبيلا!

قال كرين بن برين: ما بال هذه الخشارة، وما شأن تيك الخثارة؟! فإني أعلمهم، "يسارعون فيهم" للتغريب، ويسعون نحوهم، في طمس التعريب!
"وما هم بضارِّين به من أحد" وإن سعوا للأبد "إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" ولن ينفعهم التعلمن أو التحدث، ولا التبرلل ولا الهويدا!

قال لوين بن جوين: لا زالوا يعلقون رفع الوباء بالماديات، مشككين في قدرة رب البريات!
وليتهم، عملوا بالمادة، مع سير الجادة، في رد الأسباب إلى المسبب، الراحم وحده والمعذب؟!

قال كرين بن برين: دعك وشأنهم، فهذا هو ديدنهم، لكن "إن ربك لبالمرصاد" "وعد الله لا يخلف الله الميعاد".

قال لوين بن جوين: ولو ترى، إلى فدح الخسارات، وإلى حجم الانهيارات.. إنه شيء مهول، وكأنها كارثة التتر والمغول، وإن كانت هذه أبعد زماناً، لكنها أوسع مكاناً!

قال كرين بن برين: بل، لو رأيت، كيف أعلنوا العجز، وتواصوا بالحجر والحجز؛ للحد من انتشاره، والسد عن انتصاره!

قال لوين بن جوين: وقد لزم الناس البيوت، ولاذوا بالصمت والسكوت، وأقفلت المساجد والمآذن، وغلقت المسارح والمواطن، وسكرت الأسواق والسهرات، والحفلات والسمرات، ولاذ الناس إلى الجبار، ورفعوا أصواتهم بالجُآر!

قال كرين بن برين: ولو رأيتني أنتشي، وأنا في طريقي نحو الحرم وأفتشي؛ لأداء العمرة؛ وطرد الغمرة- وقد أعلنوا منع الطواف؛ حفظاً لأرواح الطُوّاف؛ لرأيت الدمع واكفاً، والقلب على الوصب عاكفاً..

وتلمظت بزورته، والدرور بدورته، ذات ليلة جمعة مباركة، ولكنه كان خلواً من الجمعة والمحاركة!
فلا إله إلا الله، ولا بلاغ إلا بالله، إليه المرجع وإليه المآب، و"إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب".

قال لوين بن جوين: ولو سمعت، المؤذن، وهو يصدح في الأذان باكياً، ويتلعثم في الإعلان راجياً، لا يستطيع إكماله، ولا يريد إهماله!
قائلاً: صلوا في رحالكم .. صلوا في رحالكم!
والصالحون حين سماع هاته الكلمة، كأنهم في كَلمة، تشتبك دموعهم، ويتذكرون جموعهم وخشوعهم!
حتى النساء في المنازل، تفطرت قلوبهن لهذه النوازل!

قال كرين بن برين: ولو نظرت إلى رواد الجوامع، وقاصدي بيوت الله الرواكع، والناس هواجع.. كيف تقرحت منهم الأكباد والقلوب، وسالت دموعهم حتى بلّت الجيوب!

قال لوين بن جوين: لا عجب في ذلك، ولا غرابة فيما هنالك؛ فإن النبي الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، قد أخبر عن أمثالهم، وحدث عن أشباههم، فقال: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) وهذا حال الموفقين الأماجد.

قال كرين بن برين: ولو نظرت إلى حالي، وأنا في مكان عن الناس خالـ(ـي).. لا أخرج إلا لِماما، وإذا خرجت؛ أكون لابساً الجوارب والكمامـ(ـا)!

قال لوين بن جوين: إن العزلة، خير لك بالجملة وفي الجملة، وفي الأثر: (العزلة؛ خير من جليس السوء) وأكثر الناس، اليوم في ندوب ونتوء، وقد حذِر الناس السلام، بل حتى الكلام؛ خشية الإصابة، وحفظاً للإطابة!
وهم في هرج ومرج، ولا دخول ولا خرج.
عاكفون على الأخبار، وهاربون من الأخطار، وواقون أنفسهم عن الأضرار!

قال كرين بن برين: ولكن، للأسف، لقد أظهر هذا الفيروس الحقير، تعلق الكبير والصغير، بالأسباب المادية، وضعف الاستناد إلى رب البرية!

قال لوين بن جوين: لكن في الله الأمل، مع حسن الظن والعمل، والله لا يعذب الأحباب، وهو سبحانه غني عن التعذيب والعذاب، ولكن الباطل قد كثر حتى أزبد وأرعد، والحق انحسر حتى أبعد وأقعد!

قال كرين بن برين: صدقت، وبالحق نطقت؛ وإن بوادر الانحسار في الأفق لائحة، وسوانح الشفاء في الخلق واضحة.

قال لوين بن جوين: نسأل الله العافية والشفاء، ورفع الضر والوباء.
ونرجوا، أن تكون في هذه البلايا، رجوع البرايا، إلى القاهر القهار، القادر الجبار.

ونرجو، أن يكون فيما نزل؛ سبباً في صلاح القول، وإصلاح العمل، وبعداً عن الزلل، ونأياً عن الخطل، وحذراً من المطل.

ونرجوا، أن يكون سبيلاً لترك الصغائر والكبائر، وقلع الفواقر والبواقر، وقفل دور السينما والاختلاط، وغلق زور اللغط والانحطاط.


وأختم داعياً وشاكياً وراجياً: (اللهم إنه قد عظُمَ الخطْب، واشتدّ الكرب، وتفاقم الشر، وتراكم الضر، ولا إلٰه إلا أنت، بك المشتكى، وإليك الملتجى، وعليك المرتجى، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولاحول ولا قوة إلا بك العزيز الحكيم، العلي العظيم).

(اللهم لا راد لقضائك، ولا سخط على بلائك- أمرت فأطعنا، وابتليت فرضينا، فأمطرنا غيث إحسانك، وأذقنا برد رحمتك، وألهمنا جميل صبرك، وثبت قلوبنا على طاعتك، فلا عون إلا بك، ولا ملجأ إلا إليك، إنك أرحم الراحمين، وأعدل الحاكمين).

"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"، وألقاكم في عفو وعافية إلى يوم الدين، وسلام الله عليكم في الأولين والآخرين.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤١/٨/٦
يوم الاثنين (الأهون الأوهد)، بمكة المكرمة -حفظها الله وسائر ديار المسلمين من كل مغرمة-.

السبت، 21 مارس 2020

قراءة في سيرة الطبيب الحكيم: حسني سبح!

قراءة في سيرة الطبيب الحكيم: حسني سبح!


قرأت في سيرة هذا الرجل العصامي: حسني بن يحيى سبح.. مما جمعه تلميذه الطبيب صادق فرعون..

فوجدت فيها خصالاً مجيدة، ومواقف مفيدة.. تصلح أن تكون مُثلاً للشادين، ومثلاً للجادين.

وهذا ما سجلته بعد قراءتي سيرته، في جلسة واحدة، فصلتْ بينها صلاة المغرب -في البيت، بسبب فيروس كورونا، نسأله سبحانه اللطف والعطف-، فخذها دون ترتيب أو تشذيب.
أقول: لمست وحسست في سيرته، ما يلي:

-النشاط العجيب، ونفض الفراش عن جسده، وإزالة الوسن عن عينيه؛ ليصافح النجوم، ويتربع على معاقد العز!
والعجب، أن يدرس الطب وهو في الثالثة عشر من عمره الطويل المبارك. وكان يتقن خمس لغات: العربية، والإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، والتركية!

-حب العمل، والسعي الدؤوب.. فقد خدم حكومته وشعبه، خمساً وستين سنة، وهو في سلك التدريس والتطبيب والكلية والجامعة والمجمع.

-العمل بصمت مع الخفاء، والبعد عن الأضواء!
ولعمري، إن هذا آية إخلاص.

-الرفق بالآخرين، والإحسان إليهم، والشعور بهم، ومعالجتهم دون نظر إلى مال أو رياش -وهكذا هي وصيته الرائعة لخرّيجيه- التي يقول فيها: "أنهيتم دروسكم الطبية... وخرجتم إلى ميدان العمل- إنكم تخطئون إذا ظننتم، أنكم أنهيتم التحصيل، وأغلقتم باب الدرس- إنكم قد أنهيتم تحصيلكم في هذه المدرسة، وبدأتم الدرس في مدرسة ثانية، -أعني: مدرسة العالَم-، وأمامكم الآن، فحوص أخرى، وليس الفاحص أستاذكم، بل المريض الذي يأتيكم مستشفياً، وستدوم هذه المدرسة ما دامت الحياة، والخُطا الواسعة التي يرغب كل واحد منكم أن يخطوها تكون بما أعدّه لها من عدة، وما هذه العدة إلا بأمرين: الأخلاق الحميدة، والعلم الصحيح، وقد قدمت الأخلاق على العلم؛ لأن العلم لا يجدي الطبيب نفعاً، إذا كان خلواً من الأخلاق، غير متحلٍ بالفضيلة.
فعليكم أولاً: أن تتمسكوا بالفضيلة، وتتحلوا بالأخلاق الحميدة، وتجعلوا نصب عيونكم؛ خدمة الإنسانية المتألمة، بدون تفريق بين الشعوب والأديان!، لا تكونوا ماديين، ولا تسعوا إلى المادة- ساعدوا الفقير جهد طاقتكم- ارفقوا بالضعيف، ولا تردوا طلب بائس.
إنكم تعلمتم، ولا شك، الشيء الكثير، فإذا لم تثابروا على العلم؛ جفت معارفكم، ونضب معين علمكم. علیکم بالاختصاص؛ فهو سر النجاح.
انبذوا الكبرياء جانباً، ولا تأنفوا من السؤال والاستفادة، بل عدّوا أنفسكم دائماً تلامذة، و اسألوا من كان أوسع منكم علماً، واعلموا أن فوق كل ذي علم عليم، (وقل ربي زدني علما).

"أيها المجازون -في هذه السنة-: بعد قليل، ستتسلمون شهاداتكم المشعرة بانتهاء دراستكم، وقد برحتم مقاعد الدرس إلى أمكنتكم في معترك الحياة.
ها إن حياة العمل، تفتح لكم بابها على مصراعيه، فادخلوها آمنين، بعد أن أعددتم لها هذه العدة، وتزودتم بهذا الزاد، ولا يغرنكم ما أصبحتم حامليه من لقب، ولا تأخذنكم الخيلاء بما وصلتم إليه من مرتبة، فحياة العمل تتطلب جهداً متواصلاً وإقداماً، والجمع ما بين العلم والعمل.
وعما قريب، ستقطفون ثمار جهدكم في ربيع الحياة- والثمر يعود بعضه على أشخاصكم، وعلى أسركم، ويعود بعضه الآخر، -وهو الأهم-، على وطنكم الذي يتلهف إلى رؤية أمثالكم؛ ليخدموه بعلم وإخلاص، وعلى أمتكم التي ترنو إليكم بعين ملؤها الأمل والرجاء...".

-الوفاء بالوعد، حتى وهو على فراش مرضه الذي مات فيه!
يدخل عليه تلميده، الدكتور صادق فرعون، في مرض موته، فيبادره بقوله: "أن يسرع، فيتصل بالأستاذ شوكة القنواتي، ويذكر له ويبلغه، أن زميله الأستاذ سبح، ما يستطيع أن يذهب لزيارته التي وعده بها؛ لأنهم أتوا به فجأة إلى هذا المستشفى وهو في طريقه إلى مجمع اللغة العربية"!
وكان بينهما لقاء كل خميس.

وفي مقدمة الجزء الأخير، من معلمته الطبية، يقول: "إني بإقدامي على طبع هذا الجزء السابع والأخير من سلسلة (علم الأمراض الباطنة)، وإخراجه إلى حيز الوجود.. أفي بوعد مسبق لي أن قطعته عام ١٩٣٥، عندما أصدرت الحلقة الأولى من السلسلة، ذاك الوعد الذي طالما طالبني بإنجازه طلاب كلية الطب في الأمس، وزملائي اليوم.
وعلى ذلك، فقد انقضى بين الوعد وتحقيقه.. اثنتان وعشرون سنة، تحكمتْ في خلالها عوامل عدّة لم يكن بالإمكان، اجتناب أثرها".

وكان لشدة حرصه على الوفاء بالوعد؛ أن جعل له جدولاً بأعماله اليومية المختلفة، يؤديها في أوقاتها دون تخلف، وكان يحدث أصحابه ببركة هذا الالتزام!
قلت: وهذا خلق مضيّع في زمننا، لدى الكثير والكثير من الناس، بله من طلبة العلم!

-حسن العهد، فلا يلمّ بأحد مرض، فيعالجه، إلا انتظمت زيارات الدكتور له على غير العادة، حتى يطمئن على شفائه؛ ذاكراً حديث: (إن حسن العهد؛ من الإيمان).

-أمانة المهنة؛ فلم يكن همه المال، أو الشهرة، أو الظهور، بل كان قصده: بذل ما يمكنه لشفاء الآخرين، دون استكثار من الأدوية -كما هو صنيع بعضهم-؛ لغرض المتاجرة بأرواح الناس، بالاتفاق مع العيادات والمستشفيات.

وقد أرجأ إبرام عقد، لشراء أجهزة طبية؛ لاستغلال الشركة البائعة لمن قبله، وذلك لجهله بقيمتها، حتى أرجع ثلاثين ألفاً إلى الكلية!

-أمانة الكلمة، فحينما قرأ تعريب (معجم كليرفيل) الطبي.. رأى فيه بعض الهنات والملاحظات، فكتب نظراته حوله، في سبع وستين مقالة، على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، نشرها، في (مجمع اللغة العربية)، ثم جمعها في كتاب ناف الألف!

-الاعتزاز بلغته العربية، بل وجعلها هي لغة الطب، الذي عزّ أن تكون كلية طبيه بالعربية سواها، وكان ذلك بهمته القعساء!

يقول في مؤتمر القاهرة الطبي: "واللغة... ومن ورائها وحدة الثقافة-؛ هما الأساس المكين الذي ينبغي أن يبنى عليه صرح الوحدة العربية المنشودة، وإذا تركنا نحن معاشر الأطباء- أمر تحقيق هذه الأمنية الغالية (أي: الوحدة العربية)، إلى الزمن، وإلى رجال السياسة، فعلينا واجب تمهيدي، نكون مسؤولين أمام الله، والتاريخ، والأجيال المقبلة إذا لم نشمر عن ساعد الجد لتحقيقه، أعني: به توحيد الثقافة، وإحلال لغتنا العزيزة المكان اللائق بها، والناطقون بالعربية قوم واحد، مهما اختلفوا في المنشأ والسلالة ومسقط الرأس".

وقد أرسل إليه رئیس جامعة عربية في قُطر شقيق، رسالة في أمر هام، أرسلها باللغة الإنكليزية، فامتعض، ورد إليه هذا في الجواب: "أنت عربي، من قطر عربي، وفي جامعة لغتها الرسمية- هي العربية، وأنا كذلك؛ فتفضل واكتب إلي بالعربية- لغة بلادك وبلادي، في حكم الدستور"!

-تشجيع طلبته، والأخذ بأيديهم؛ ليكونوا غداً زملاءه، بعد أن كانوا بالأمس طلابه، بل صرح بهذا الخلق النادر!
وهو لا يجد في ذلك غضاضة، كما يجدها بعض صغار النفوس!

-الأناة والتؤدة؛ لأن همه الكيف لا الكم، وربما جمعهما؛ لإتقانه لهما..
فهو يصنف معلمته الطبية، في (علم الأمراض الباطنة)، في عويصها وحزونها، في سبعة مجلدات= وقد مكث فيها نحو ٢٢ عاماً! من سنة ١٣٥٤هـ إلى سنة ١٣٧٦هـ.

وحينما قرأ تعريب (معجم كليرفيل) الطبي.. رأى فيه بعض الهنات والملاحظات، فكتب نظراته حوله، في سبع وستين مقالة، نشرها، في (مجمع اللغة العربية)، على مدى ثلاثة وعشرين سنة، بدأها سنة ١٩٥٩م إلى ١٩٨٢م، ثم جمعها في كتاب ناف الألف!
بالإضافة إلى تواليف أخرى، ونحواً من (١٥٧) مقالاً!


-وأخيراً.. فقد كان الرجل مثال الدقة والترتيب في حياته!
وسبحان الله، عندما نظرت إلى تواريخ في حياته؛ وجدتها تشي بدقة وترتيب، دون إرادة منه وقصد!
فمثلاً:
*ولد سنة ١٣١٧هـ /١٩٠٠م وتوفي ٢٩ ربيع الثاني ١٤٠٧هـ/ ٣١ كانون الأول ١٩٨٦م

*تولى رئاسة المجمع عام ١٩٦٨م حتى وفاته عام ١٩٨٦م.

*انتسب في النادي العربي، في (١٠ جمادى الأولى ١٣٣٧هـ /١٠ شباط ١٩١٩م).

*قضى سبعين عاماً في وظائفه لا يتخلف عنها.

*توفي في ١٩٨٦/١٢/٣١م.


هذه بعض قطف قراءتي، لكتاب (الأستاذ الدكتور حسني سبح.. أحد أساطين تعريب العلوم الطبية)، تأليف تلميذه الدكتور صادق فرعون.

أرجو أن يكون فيها إشارة إلى وميض من حياته الصادقة، ومواقفه الصادعة، وأرجو أن نكون متبعين خطى الأسلاف في شتى ينابيع المعرفة، ومرابع العلوم.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/٢٦


الجمعة، 20 مارس 2020

تاريخ ابن الساعي.. والاضطراب في اسمه، والزيادة على رسمه!


تاريخ ابن الساعي.. والاضطراب في اسمه، والزيادة على رسمه!


الإمام المؤرخ البارع: تاج الدين، أبو طالب، علي بن أنجب بن عبد الله بن عمار بن عبد الله ابن الساعي البغدادي السلامي الشافعي.

ولد سنة ٥٩٣، كان إماماً حافظاً، فقيهاً بارعاً، مبرزاً على أقرانه، قارئاً بالسبع مؤرخاً شهيراً، متضلعاً في علم الحديث.
هذه خلاصة بعض أوصاف العلماء لابن الساعي.

تسلّم ابن الساعي، وظيفة الخازن في خزانة دار الكتب بالمدرسة المستنصرية، والمدرسة النظامية؛ ولذلك عرف، بـ الخازن.

وكان من نتاج هذه المهنة المهمة؛ أن أخرج لنا تراثاً ضخماً فخماً، في التراجم والسير والأخبار والحوادث.

وبعد حياة حافلة بالعلم والتأليف؛ ألقى عصا التسيار، وفارق دنيا الأغيار، عن إحدى وثمانين سنة، في رمضان المعظم، سنة ٦٧٤، ودفن في مقبر الشونيزي، بالجانب الغربي من بغداد، وهي المقبرة التي كتب عنها مؤلفاً، بعنوان: (

ومما استوقفني من تواليفه، هو تاريخه المهم، الملقب، بـ تاريخ ابن الساعي؛ وذلك للاضطراب في اسمه، والدس فيه، والزيادة عليه، فأردت الإدلاء برشفة من شفة، لعل مليئاً، يدلي بدلاء وطيبة.

وهو تاريخ مهم -كما يذكر القدحات، في تحقيقه له-؛ وذلك لأن مصنفه كان شاهد عيان، لما كانت عليه بغداد قبيل الغزو المغولي وبعده، بل يكاد يكون المصدر الوحيد لكثير من المعلومات، عن الحوادث التاريخية، التي مرّت بها الخلافة العباسية في هذه الحقبة العصيبة من تاريخها، وقد كان مصدراً هاماً، بل يكاد يكون الوحيد الذي استقى جميع المؤرخين الذين جاءوا بعده مادتهم منه، أمثال صاحب، كتاب "الحوادث الجامعة" (وليس هو ابن الفوطي)، والأشرف الغساني، الذي اعتمد اعتماداً كبيراً على تاريخ ابن الساعي في تصنيف كتابه (العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك).

وتاريخ ابن الساعي؛ هو ذيل، لـ (تاريخ بغداد)، للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي، تـ٥٦٢.

وذيّل على تاريخ ابن الساعي؛ علي بن محمد الكازروني، تـ٦٩٧.

وذيل عليه أيضاً؛ بنحو من ثمانين مجلدة.. تلميذه كمال الدين أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد الصابوني، المعروف، بـ ابن الفوطي، تـ٧٢٣، عمله لـ الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني.
ينظر: (شذرات الذهب: ٦/ ٦١).


أقول: وقفت لهذا الكتاب، على أربع نشرات:
الأولى: هي نشرة المطبعة الأميرية ببولاق، سنة ١٣٠٩، وسموه (مختصر أخبار الخلفاء).

وهذا المختصر؛ لا يثبت لابن الساعي، بل هو لرجل من أهل القرن الثامن للهجرة، وليس هو ابن الساعي، -كما ذكر مصطفى جواد، في مقدمة (الجامع المختصر: ف).

ومما يقوي هذا؛ أن محققا كتاب "الدر الثمين في أسماء المصنفين" للمصنف، (أحمد شوقي بنبين - ومحمد سعيد حنشي) لم يذكرا ضمن تصانيفه، التي بلغت عندهم ٦٤ مصنفاً، هذا العنوان (مختصر تاريخ الخلفاء) بل ذكرا (أخبار الخلفاء) وقالا: نسبه إليه حاجي خليفة، فقال: "وهو كبير في ثلاثة مجلدات"، وذكره أيضاً، بعنوان: (مناقب الخلفاء).


وهناك مقال، للأستاذ يوسف الهادي، بعنوان: هل من صلة بين كتاب مختصر أخبار الخلفاء وابن الساعي؟
نشره في (مجلة العرب)، سنة ٢٠١٠.

ويتنبه؛ إلى أن غرضه من هذا المقال؛ إبطال اتصال ابن العلقمي بالمغول!
وقد أثبتت في كتب أخرى.

وذكرت (المختصر) هنا، أنه طبعة من طبعات (تاريخ ابن الساعي)؛ لأني وجدت بعضهم، يعدهما كتاباً واحداً، مثل إليان سركيس، فقد قال: "مختصر أخبار الخلفاء، ويعرف، بتاريخ ابن الساعي، وهو يتضمن تاريخ الخلفاء العباسيين فقط"!
(معجم المطبوعات العربية
والمعربة: ١/ ١١٥).

وقد فرق بين (مختصر أخبار الخلفاء)، و (الجامع المختصر)؛ كرد علي، في (مجلة الرسالة، العدد: ١٣٣).

قلت: وهي مع هذا الوهم؛ فإنها طبعة لا يعتمد عليها؛ فإن أبا الهدى الصيادي المعري، تـ١٣٢٨، قد دَسّ فيها ما يخدم أربه، لا سيما ما يتعلق بـ أحمد الرفاعي، والأنساب، وليس عبثه في هذا الكتاب فحسب، بل طال غيره من الكتب.. مما حدا بالعلامة راغب الطباخ، أن يجعل هذا الكتاب من وضع الصيادي!(١)

وللزيادة، ينظر: (جناية الصيادي على التاريخ: ٦١) وما بعدها، للشيخ عبد الرحمن بن سليمان الشايع.. ففيه فضحه، وكشف زيفه، بأدلة وبراهين.


الثانية: نشر، باسم: (الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير)، نشرها العلامة مصطفى جواد، سنة ١٣٥٣، عن المطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد، على نفقة الأب أنستاس الكرملي.
وزبر على طرته: المجلد التاسع.

وقدم مقدمة، بعنوان (نظم الدولة العباسية)، فاشتملت مقدمته للكتاب ٤٢ صفحة.
ولعل هذه التسمية؛ هي جادة الأمر وأنهجه؛ لما سيأتي.

تنبيه: نسب بعضهم التحقيق، للعلامة جواد علي!
ولا أعلمه حققه، فلعله وهم منهم؛ لتشابه الأسماء.
والله أعلم.


الثالثة: نشر، بعنوان (تاريخ الخلفاء العباسيين) لابن الساعي، تحقيق: عبد الرحيم يوسف الجمل، نشرته: مكتبة الآداب للطباعة والنشر.

ولا أعلم عنها شيئاً؛ لأني لم أجدها مبدأفة (أو قل: منورقة)!
ولكن من خلال التعريف به؛ حدست أن يكون هو هو.
والله أعلم.


والطبعة الرابعة: هي نشرة الدكتور محمد عبد الله القدحات، بعنوان: (تاريخ ابن الساعي - الجزء التاسع) وبذيله: من الضائع من تاريخ ابن الساعي، عن دار الفاروق بالأردن.

ولعلها -والعلم عند الله-؛ أفضل طبعاته من حيث التحقيق حاشا التسمية، وقد سمعت مدحاً لها، وثناء عليها، وإشادة بها.. من خريت الكتب: الدكتور عبد الله البطاطي، في برنامجه الماتع (الخزانة).

وقد توصل الدكتور قدحات؛ إلى أن هذه القطعة، هي الجزء التاسع من (تاريخ ابن الساعي).

ويشك.. أن يكون لابن الساعي، كتاباً، بعنوان (الجامع المختصر)؛ لأن المؤرخين من القرن السابع والثامن، أمثال: تلميذه ابن الفوطي، والذهبي، وابن رجب؛ لم يذكروا له هذا الكتاب ضمن تواليفه.

ويذكر، أن أول من ذكر (الجامع المختصر)، وأشار إلى عنونته هذه.. هو المؤرخ السخاوي، تـ٩٠٢، في (الإعلان بالتوبيخ: ٢٤٢)، بعد أكثر من مائتي سنة من وفاة المؤلف!

قلت: وتبعه، الحاج خليفة، في (كشف الظنون: ١/ ٢٧٨) والبغدادي، في (هدية العارفين: ٥/ ٧١٣) وغيرهما.

ولكن، مما يبطل هذه الأولية؛ هو أن المصنف نفسه، ذكرها في مقدمة كتابه (الدر الثمين: ١) فقال: "ومن عدا هؤلاء؛ فقد ذكروا في كتاب (التاريخ الجامع المختصر) من الحكماء والأطباء والكتاب والبلغاء وغيرهم".

وتسمية المصنف لكتاب من كتابه؛ حسبك به، وإن هو لم يذكر العنوان كاملاً، إلا أنها إشارة بينة.

وقد عد محققا كتاب "الدر الثمين في أسماء المصنفين" (أحمد شوقي بنبين - محمد سعيد حنشي)، للمصنف، ٦٤ مصنفاً، ولم يذكرا فيها، هاته التسمية: (تاريخ ابن الساعي)!
فلعلها جاءت من قبيل التسامح في العناوين، من نسبة التاريخ إلى جامعه دون تسميته العِلمية العَلمية، وهذا مشتهر جداً، لا سيما، التواريخ والتفاسير، حتى أن التسمية الحقيقة للكتاب؛ قد تغيب عن بعض أهل العلم.
وفي تسمية مصنفه له، بـ (التاريخ الجامع المختصر)؛ ما يلمح إلى هذا الملمح.

وقد فرق الحاج خليفة، بين (تاريخ ابن الساعي)، و (الجامع المختصر).
ينظر: (كشف الظنون: ٢٧٨ - ٥٧٣)! وقد تقدم معك ما ينافيه.

ثم يفترض الدكتور.. بأنه حتى لو أن لابن الساعي، كتاباً بهذا العنوان؛ فإن هذه القطعة ليست منه؛ لأنها، لا تتناسب مع التاريخ، وتتنافى مع الاختصار؛ إذ أن القطعة، تبلغ أوراقها ٣٦٠ ورقة، تغطي الفترة الواقعة، بين ٥٩٥ - ٦٠٦، يعني: عشر سنوات تامة -كما يذكر العلامة محمد كرد علي، في مقاله عن ابن الساعي، في (المقتبس: ٣/ ٩٣)-، وهذا طول في التاريخ، لا يتناسب مع الاختصار!

أقول: ليس شرطاً لازباً، أو قاعدة مطردة- تصلح أن تكون دليلاً قاطعاً، وحكماً فاصلاً؛ لأن هناك مصنفات، لقبت، أنها: مختصرات، وفيها طول بيّن، فمثلاً: (مختصر شرح الروضة) للطوفي، ناف على أصله (روضة الناظر) لابن قدامة، و (سبل السلام) للصنعاني، ناهز أصله (البدر التمام) للمغربي، و (تفسير البغوي) قارب أصله (تفسير الثعلبي) وغيرها كثير.

بل إن قول ابن الساعي: "ومن عدا هؤلاء؛ فقد ذكروا في كتاب (التاريخ الجامع المختصر) من الحكماء والأطباء والكتاب والبلغاء وغيرهم".. إيحاء أنه كتاب كبير؛ لما يحويه من تراجم شتى للحكماء والأطباء والكتاب والبلغاء.. فهذا يدل على شمول.
وكلمة (الجامع) واضحة الدلالة على الكبر والعظم والسعة، ولعل كلمة (المختصر)؛ أنه مختصر بالنسبة لغيره من المطولات، لا سيما تواريخ بغداد وذيولها الكثيرة الغزيرة، -وقد كان مغرى بها-.
أو ان ذلك؛ للتواضع والاعتراف -على عادة بعض العلماء في ذلك-.
والله أعلم.


ويرى الدكتور.. أن العبارة المرسومة على طرة المخطوطة (الجزء التاسع من الجامع المختصر، للخازن)؛ عبارة مقحمة، كتبت بخط مغاير؛ متوقعاً، أن أحد المتملكين هو الذي أقحمها وأدرجها، وهذا ليس بغريب على تراثنا!

أقول: وإن كانت مقحمة، فلا يصح دليلاً، بعد أن عرفت نص المصنف على تسميته بذلك.
ولا يستغرب إقحامها؛ لأن الأصل، أن يكون العنوان في طرة الكتاب، أو في غرة كل مجلد، وقد تكون هناك خروم في أول المجلد، ذهبت بالعنوان، فلما وقف على هذه القطعة، أثبت الناسخ أو غيره، العنوان الحقيقي للكتاب، في أعلى الصفحة.
والله أعلم.

ثم ذكر قدحات.. الأسباب التي دفعته إلى تحقيق الكتاب ونشره، ومنها:
أ) أنه بعد مطالعة المخطوط ومقارنته مع ما طبع؛ وجد كثير من السقط، سواء في الكلمات، وحتى فقرات بكاملها، كما أن هناك كثيراً من التصحيف ورد في النسخة المطبوعة، إضافة إلى ذلك قام الدكتور جواد بإضافة نصوص كثيرة للنص الأصلي، كان هدفه محاولة سد النقص الناجم عن سقوط بعض ورقات من الكتاب، وبعد الاطلاع على هذه النصوص المضافة.. نجد أن غالبها لا داعي لها؛ لأنها ليست من المخطوط، ولا يمكن الركون إلى أنها هي عين ما سقط، أو ما يشبهه، وفي الوقت نفسه: قام الباحث، بإثبات بعضها، وخاصة تلك التي تكمل بعض التراجم بعد مقارنتها بنصوص المصادر الأخرى المعاصرة.

ب) أهمية هذه الفترة من تاريخ الخلافة العباسية، وقلة المصادر التاريخية التي تناولتها؛ كانت دافعاً آخر للباحث؛ ليقوم بتحقيق الكتاب من جديد، خاصة أن النسخة المطبوعة صارت نادرة كنُدْرة مخطوطته، فقد مضى على نشرها أكثر من سبعين عاماً.
ينظر: مقدمة (تاريخ ابن الساعي: ث).

هذا ما أردت تقييده وتعضيده؛ للفائدة والعائدة، وأرجو أن أكون وفقت للصواب، وإلى الله المرجع والمآب.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
ليلة الجمعة ١٤٤١/٧/٢٥.



ح...............
(١) تنبيه: أضاف إليه في بعض طبعاته، كتاب (غاية الاختصار في ذكر البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) لـ تاج الدين بن محمد بن حمزة المعروف، بـ ابن زُهرة الفوعي النسابة، تـ٩٢٧.

ونبه بعضهم، فقال: قال المحققون المتثبتون من علماء النسب: إن هذا الكتاب، لا يثبت للمؤلف المذكور، وإنما هو منتحل عليه..
وقد نبّه جمع من الباحثين، والنسابين، والمؤرخين على ذلك، منهم: شيخ حلب وعلامتها الشيخ محمد راغب الطباخ، في كتابه (إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء)، وإليان سركيس، في كتابه (معجم المطبوعات العربية)، والعلامة السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان النجفي، في مقدمة تحقيقه لـ (منتقلة الطالبية)، والعلامة السيد علاء بن عبد العزيز الموسوي الدمشقي النسابة، في أكثر من موضع.

الأربعاء، 18 مارس 2020

المدينتان- من الطاعون؛ محفوظتان:


المدينتان- من الطاعون؛ محفوظتان:

عن أبي هريرة مرفوعاً: (المدينة ومكة.. محفوفتان بالملائكة، على كل نقب منهما ملك، لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون).
قال الحافظ: أخرجه عمر بن شبة، ورجاله رجال الصحيح.

قلت: وهذا واقع صدق، فلم يدخل الطاعون المدينتين قط، -كما ذكر النووي عن المدائني-.
ينظر: (الأذكار: ١٣٩).
وهو تعريف من الله، وتشريف.

وما جاء.. أنهما دخلهما الطاعون؛ فليس هو بالطاعون، وإنما وباءات مختلفة، اشتبهت واستشكلت؛ فعدوه طاعوناً؛ لخطورته، وسرعة انتشاره.
وهو فحوى كلام الحافظ ابن حجر.
ينظر: (فتح الباري: ١٠/ ١٩١).

قال القسطلاني: "والدليل على أن الطاعون، يغاير الوباء.. أن الطاعون لم يدخل المدينة النبوية، وقد قالت عائشة: دخلنا المدينة، وهي أوبأ أرض الله.
وقال بلال: أخرجونا إلى أرض الوباء".
(المواهب اللدنية: ٣/ ٧٨).

قلت: فدل أن الطاعون لم يدخل المدينة، حاشا الأوبئة، وبينهما عموم وخصوص.

وفي حديث أبي عسيب مرفوعاً: (أتانى جبريل بالحمى والطاعون؛ فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام).
رواه أحمد، وصححه الألباني، والوادعي.

والحكمة -كما هو فحوى كلام ابن حجر-: أنه صلى الله عليه وسلم، لما دخل المدينة.. كان فى قلة من أصحابه، فخشي الفناء؛ لأن الطاعون يفني، بخلاف الحمى.
ينظر: (فتح الباري: ١٠/ ١٩١).

‏وقال ابن القيم: "ولما كان الطاعون، يكثر في الوباء، وفي البلاد الوبيئة، عبر عنه بالوباء، كما قال الخليل: الوباء: الطاعون. وقيل: هو كل مرض يعم، والتحقيق أن بين الوباء والطاعون عموما وخصوصا، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا، وكذلك الأمراض العامة أعم من الطاعون، فإنه واحد منها، والطواعين خراجات وقروح وأورام رديئة حادثة في المواضع المتقدم ذكرها.

قلت: هذه القروح، والأورام، والجراحات، هي آثار الطاعون، وليست نفسه، ولكن الأطباء لما لم تدرك منه إلا الأثر الظاهر؛ جعلوه نفس الطاعون".
(الطب النبوي: ٣١). 

وهناك كتاب، بعنوان: (القول المتين في أن الطاعون لا يدخل البلد الأمين)، و(البشارة الهنية بأن الطاعون لا يدخل مكة والمدينة)، للإمام شمس الدين الحطاب الرعيني تـ ٩٥٤. 
ولا أدري، هل هما واحد، أم كتابان مختلفان؟

فتبين -والله أعلم-: أن هناك فرقاً بين الوباء والطاعون من وجوه:

الأول: بينهما عموم وخصوص، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء يكون طاعونا.

الثاني: كل مرض شديد الفتك، سريع الانتشار، يطلق عليه وباء، ولكن يخطئ بعض الناس، فيسمونه: طاعوناً؛ وذلك لشدته وسرعة تنقله.
"وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء.. يسمى طاعوناً، بطريق المجاز؛ لاشتراكهما في عموم المرض به، أو كثرة الموت".

الثالث: أن الطاعون يسبب بثوراً وقروحاً في المناطق الرخوة في الجسد، كـ الإبط، والمراق -كما ذكر ابن سيناء، ونقله النووي وابن عبد البر وابن حجر وغيرهم-.
ينظر: (فتح الباري: ١٠/ ١٩٠).

والله أعلى وأعلم، وهو أعز وأكرم.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/٢٣



الاثنين، 16 مارس 2020

فيروس كورونا ومرض الكرفس!


فيروس كورونا ومرض الكرفس! 

أطلعني أحد إخواني، على مقطع مرئي، لرجل مصري، تعافى من فيروس كورونا- سمعته وهو يحكي قصته مع المرض..

ذَكَر أعراض الفيروس، ومنها:
-تكسر شديد في الجسم.
-سخونة شديدة.
-صداع شديد.

وليس هناك من فرق -حسب وصفه- إلا ضيق التنفس، في كورونا.
وإن كان ضيق التنفس، يصاحب بعض حالات الكرفس أو المكرفس!(١)

أقول: إن هذه الأعراض لكورونا؛ هي نفسها تماماً أعراض مرض الكرفس، الذي أصيب به أهل اليمن منذ أيام، ولا زال حتى الآن في بعض البيوت!

وكان إذا أصيب به فرد من العائلة؛ انتقل إلى جميع الأسرة في الغالب: صغارها وكبارها، إناثها وذكورها!

وكنا نتعامل معه، على أنه مرض عادي، وليس بتلك الخطورة التي نسمعها في الإعلام، سوى أعراضه الشديدة الألم!

يتم علاجه عندنا في أقرب عيادة، أو حتى صيدلية، أو حتى في البيت، كما فعل قريبي بنفسه وبأولاده! إي والله..

علاجه؛ هو أن تعطى مغذية أو اثنتين أو ثلاث على حسب شدة المرض، ومناعة صاحبه، مع مضادات حيوية، وحقن لخفض الحرارة.

مع ضرورة أكل فاكهة الكيوي، والبرتقال، وشراب عصير الحمر (التمر الهندي) والليمون، مع التنبه إلى عدم هبوط صفايح الدم، وهو ما يسمى، بـ رفع فيتامين سي.

وهو الحال، في كورونا، قرأت أن الأطباء يقولون: أهم شيء، أنك تعرف نسبة فيتامين سي! 

يستمر المرض في الغالب، من يوم إلى ثلاثة أيام إلى أسبوع على قدر مناعة الإنسان وقوته ومقاومته.

لم يحتمِ المريض عندنا قط من أي أحد، سواء أهل البيت، أو الطبيب الذي يعالجك دون كمام الوجه، أو قفازات اليد!
وذلك؛ لأن الشائع عندنا: أن هذا المرض ينتقل عبر البعوض لا اللعاب والاحتكاك.

الشيء المزعج في المرض؛ هو شدة ألمه الذي يأخذ بالمفاصل، وأسفل الظهر، وربما الجسد كله.

يتم الشفاء منه بعد أسبوع على الكثير، لكن آلام المفاصل قد تستمر لشهور!

حسب علمي؛ أن المرض انتشر في مدينة الحديدة الساحلية، ولا أدري على وجه الجزم عن بقية مدن اليمن، إلا أني سمعت بعدم الإصابة في غيرها.

نسبة الوفاة منه نادرة جداً، ولا تكون في الغالب بسببه المحض، بل ما يصاحبه من أمراض وأعراض!

أصيب بهذا المرض حتى الأطفال الرضع، ولكنهم يتجاوزوه -والحمد لله-.

وبعد هذا؛ لا أدري، إن كان كرفسنا، هو كورونكم!
لكني أخبرتكم عن تطابق الأعراض، جنبنا الله وإياكم جميع العلل والأمراض.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/٢١

ح.........
(١)الكُرْفُس: تسمية محلية، خاصة بنا وأهلنا!
وهي فصيحة، من الكَرْفَسَة: وهي مشيُ المقيَّد؛ لأن المصاب بهذا المرض؛ يصير كالمقيد؛ لعدم قدرته على المشي والحركة.
وتَكَرْفَس الرجل: إِذا دخل بعضه في بعض.
قلت: وهكذا مرض الكرفس؛ يدخل بعضك في بعض، ويجمع جسمك إلى بعضك!
ينظر: (اللسان) و (القاموس) وغيرهما.



الأحد، 15 مارس 2020

#وفاة_علم وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق الملتاني:

#وفاة_علم
وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق الملتاني:

بلغني اليوم، وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق بن شرف الحق بن عبد الحق الملتاني الباكستاني، يوم أمس السبت ١٤٤١/٧/١٩.

وهو خرّيج عمه، الشيخ المسند المعمر: شمس الحق بن عبد الحق الملتاني، الذي توفي ليلة ٢٧ من رمضان سنة ١٤٢٦، وعمره فوق المائة.

ويروي الشيخ شمس الحق.. عن والده عبد الحق عن السيد نذير حسين.

وقد كان من القلائل، الذين يروون عن نذير حسين بواسطة واحدة.


رحمهم الله رحمة الأبرار، وأسكنهم جنات تجري تحتها الأنهار.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

وكنت قد سمعت عليه عبر البث: بعض "التذكرة" لابن الملقن، و"نخبة الفكر" كاملة، يوم السبت ١٤٣٩/٨/٢٦، مع الإجازة العامة.

وليد أبو نعيم.

اليواقيت الثمانية!

اليواقيت الثمانية!

في صدد قراءاتي.. كتب السير والتراجم.. تمرّ بي بعض الأعلام المتشابهة السُّمات، المتباينة السِّمات، وهو ما يسمى في علم مصطلح الحديث، بـ المتفق والمفترق.. فأدوّن ما وجدته من ذلك، -وقد تجمع لدي أشياء-.

ولعل من أعجب ما مرّ بي، من هذه البابة، هو تعداد، من تسمى، بـ ياقوت بن عبد الله!

ولما رجعت قاصداً البحث عنهم، ومعرفة كنههم، وجدت ثمانية منهم؛ فأردت إتحاف الولاّف، بهذه التحاف..


الأول: أمين الدين، ياقوت بن عبد الله الرومي النوري الشرفي الموصلي الملكي النحوي الكاتب، تـ ٦١٨، بالموصل، وكان قد سكنها، ويلقب: ياقوت الكبير.
كان من موالي السلطان ملكشاه بن سلجوق بن محمد بن ملكشاه.

قرأ العربية على الإمام أبي محمد سعيد بن المبارك ابن الدهان، وبرع فيها، وقرأ كتاب "المقامات" و "ديوان المتنبي".

وكتب الخط المنسوب، ونسخ نسخاً عديدة لكتاب "الصحاح" للجوهري، كل نسخة في مجلد واحد، وكانت النسخة تباع بمائة دينار.

وكتب بخطه الكثير، وانتشر خطه في الآفاق، وكان خطه في نهاية الحسن.

قال ياقوت -عن ياقوت هذا-: "اجتمعت به في الموصل سنة ثلاث عشرة وستمائة؛ فرأيته على جانب عظيم من الأدب والفضل والنباهة والوقار، وقد أسن، وبلغ من الكبر الغاية، ورأيت كتباً كثيرة بخطه يتداولها الناس، ويتغالون بأثمانها".


وكانت له سمعة كبيرة في زمانه، وكتب عليه خلق كثير، ثم تغير خطه من الكبر كثيراً بعدما أسن وشاخ.

ولم يكن في زمانه من يكتب ما يقاربه، ولا من يؤدي طريقة ابن البواب مثله، مع فضل غزير ونباهة.

من آثاره: رسالة في الخط.

ينظر: (معجم الأدباء: ٦/ ٢٨٠٥) و (تاريخ الإسلام: ١٣/ ٥٦٦) و (شذرات الذهب: ٧/ ١٤٨).

وهناك دراسة عنه وعن خطه، بعنوان: مخطوط عربي فريد، بقلم ياقوت النوري الموصلي- الملامح الفنية لخط ياقوت المصولي: دراسة تحليلية، من عمل الدكتور نصار محمد منصور.

                         ***

الثاني: مهذب الدين، أبو الدر، ياقوت بن عبدالله الرومي الشاعر، تـ٦٢٢، في بغداد.
كان مولى لأبي منصور الجليلي التاجر، وتعلم في المدرسة النظامية.

ولما تميز ومهر؛ أراد تغيير اسمه فتسمى (عبد الرحمن) ولكن اسمه الأول (ياقوت) غلب عليه.
وعده ابن الدبيثي في كتاب "الذيل": في جملة من اسمه عبد الرحمن.

نشأ ببغداد، وحفظ القرآن العزيز، وقرأ شيئاً من الأدب، وكتب خطاً حسناً، وقال الشعر، وأكثر النظم منه في الغزل والتصابي وذكر المحبة، وراق شعره وتحفظه الناس.

وكان مقيماً بالمدرسة النظامية ببغداد، واشتغل بالعلم وأكثر من الأدب، واستعمل قريحته في النظم؛ فأجاد فيه.

وكان تالياً للقرآن، مشغوفاً بمذهب الإمامية، والتعصب لهم، كثير الميل إلى أهل البيت، سيّر فيهم عدة قصائد، اشتهرت في البلدان، ومدحهم مدحاً كثيراً.

وكان مع ذلك يحفظ كل غريبة ونادرة، ويذاكر بالأشعار، وملح الحكايات.

وُجد في داره ميتاً، وكان قد أخرج من النظامية، فسكن في دار بدرب دينار الصغير، ولم يعلم متى مات، ويظن أنه ناطح الستين، ومات عزباً، لم يتزوج قط.


ينظر: (معجم الأدباء: ٦/ ٢٨٠٤) و (وفيات الأعيان: ٦/ ١٢٢) و (قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان: ٢/ ٢٦٧) لابن الشعار.

                        ***

الثالث: شهاب الدین، أبو عبد الله، یاقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي المؤرخ، تـ٦٢٦، في حلب.
كان مولى لدى بعض التجار، ببغداد يعرف، بـ عسكر بن أبي نصر إبراهيم الحموي.

وفي مرحلة متأخرة؛ سمى نفسه (يعقوب)، إلا أن اسمه (ياقوت) ظل أغلب عليه.

وقد أُسر من بلاده صغيراً، وابتيع ببغداد، وجعله سيده في الكتّاب؛ لينتفع به في ضبط تجائره، وكان مولاه، لا يحسن الخط، ولا يعلم شيئاً سوى التجارة.

ولما كبر ياقوت؛ قرأ شيئاً من النحو واللغة، وشغله مولاه بالأسفار في متاجره، فكان يتردد إلى كيش وعمان وتلك النواحي، ويعود إلى الشام.

ثم جرت بينه وبين مولاه، نبوة أوجبت عتقه، فأبعده عنه، وذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة، فاشتغل بالنسخ بالأجرة، وحصلت له بالمطالعة فوائد، ثم إن مولاه بعد مديدة، ألوى وأعطاه شيئاً وسفره إلى كيش، ولما عاد، كان مولاه قد مات، فحصل شيئاً مما كان في يده، وأعطى أولاد مولاه وزوجته ما أرضاهم به، وبقيت بيده بقية جعلها رأس ماله، وسافر بها وجعل بعض تجارته كتباً.

وكان متعصباً على علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان قد طالع شيئاً من كتب الخوارج، فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي.


ينظر: (وفيات الأعيان: ٦/ ١٢٨) و (سير أعلام النبلاء: ٢٢/ ٣١٢).

                        ***

الرابع: جمال الدين، أبو الدر، (أو أبو المجد)، ياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي الطواشي البغدادي، تـ٦٨٦، أو ٦٨٩، أو ٦٩٨، وكان يلقب، بـ قبلة الكتاب!

كان من موالي الخليفة المستعصم، وربي في دار الخلافة، ومن هنا جاءت نسبته، بـ المستعصمي!

كان خصيصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسى آخر خلفاء بنى العباس ببغداد، رباه وأدبه وتعهده حتى برع فى الأدب، ونظم ونثر  وانتهت إليه الرياسة فى الخط المنسوب.

كان فاضلاً، مليح الخط، مشهوراً بذلك، كتب ختماً حساناً، وكتب الخط البديع الذي شاع ذكره شرقاً وغرباً، حتى اعتُرف بالعجز عن مداناة رتبته، فضلاً عن الوصول إليها، وكتب الناس عليه ببغداد، وله شعر رائق.

من آثاره: رسالة في الخط - أسرار الحكماء، ورسالة في الآداب والحكم والأخبار، ونبذة من أقوال الفضلاء.


ينظر: (النجوم الزاهرة: ٨/ ١٨٧) و (البداية والنهاية: ١٧/ ٧١٦).
وهناك دراسة عنه، للدكتور صلاح الدين المنجد، بعنوان: (ياقوت المستعصمي).


هؤلاء أربعة أعلام، اتفقت أسماؤهم وأعمالهم، وهي: النساخة، وبعد أن عثرتهم..

وجدت العلامة عبد السلام هارون، قد ذكرهم، في (كناشة النوادر: ٩٧)، ثم قال بعد ذكرهم: "فهؤلاء أربعة يواقيت، عرفوا بجودة الخط وجماله في تاريخ الكتابة العربية".

ثم وجدت العلامة خير الدين الزركلي، يذكر هؤلاء الأربعة، في كتابه: (الأعلام: ٨/ ١٣٠) وما بعدها.

ثم وجدت أيضاً العلامة صلاح الدين المنجد، يذكرهم، في رسالته: (ياقوت المستعصمي: ٧).


وقد خلط بينهم كثير، حتى أن أحدهم، كتب على نسخته التي بخط ياقوت الحموي، من (ملاك التأويل) هكذا: "ياقوت الحموي، لا ياقوت المستعصمي"!


ثم في خلال بحثي، وجدت أربعة يواقيت آخرين، غير المذكورين آنفاً، فهاكهم:

                      ***

الخامس: أبو الدر، ياقوت بن عبد الله الرومي، التاجر السفار، مولى عبيد الله بن البخاري، تـ٥٤٣.


قال السمعاني: كان شيخاً، ظاهره الصلاح والسداد، لا بأس به، حدث بمصر ودمشق وبغداد.

حدث عنه: ابن عساكر، وابنه بهاء الدين القاسم وغيرهما.

ينظر: (سير أعلام النبلاء: ٢٠/ ١٧٩).

                        ***

السادس: السابع: ياقوت بن عبد الله الرومي الحمامي، مولى أبي العز بن بكروس، تـ٦٠١.
ذكره الخطيب البغدادي، في (تاريخ بغداد: ١٧/ ١٢٧).

                      ***

السابع: مجاهد الدين، أبو سعيد، ياقوت بن عبد الله الرومي الناصري، أمير الحاج المتولي على خوزستان، تـ٦١٤، بجرجيس.

ينظر: (مجمع الآداب: ٤/ ٣٧٥) للفوطي.

                       ***

الثامن: فخر الدين، أبو الدر، ياقوت بن عبد الله الرومي الصوفي.
ذكره الفوطي، في (مجمع الآداب (٣/ ٢٢٧).(١)

                         ***

وأنت تلحظ، أن هؤلاء الأربعة، كسابقيهم، كل منهم، تسمى، بـ ياقوت بن عبد الله!

وقد تعجبت كثيراً، من هذا التوافق العجيب في الاسم الأول، والثاني، والكنية أحياناً، والملكية، والمهنة ربما.

ثم خفّ.. حينما وجدت العلامة صلاح الدين المنجد، يقول، في رسالته (ياقوت المستعصمي: ١٧): "وياقوت؛ اسم مختص بمن كان من الرقيق"!

وتجلّى.. حين رأيت العلامة إحسان عباس؛ يذكر نتيجة رسالة لياقوت، فيقول -في دراسته عن ياقوت، في المجلد السابع، من (معجم الأدباء: ٢٨٨٢)-: "إنه طفل رومي الجنس، أسر صغيراً، وبيع في بغداد، وأطلق عليه من اشتراه (أو من باعه) اسم"ياقوت" أي: اختار له اسماً جميل الوقع -على عادة العرب، في اختيار أسماء محببة، يدعون بها الأرقاء-(٢)، ولما كان بمنزلة اليتيم الذي لا يعرف اسم أبيه؛ جعل "عبد الله" اسماً لأبيه (أي: أن أباه كان واحداً من عبيدِ الله)!
وذلك هو أكثر حال الأرقاء، الذين كانوا يباعون صغاراً، مثل: ياقوت بن عبد الله الموصلي -معاصر ياقوت الحموي-، وياقوت بن عبد الله -الذي يميز بلقبه وكنيته "مهذب الدين أبو الدر"، وغيرهما كثيرون".

قال أبو نعيم: نعم، زال الإشكال، ولكن يبقى: من أين هذه النتيجة الخطيرة، التي وقع عليها المحقق السبروت- إحسان؟!
أقول: إنه خريت ماهر، وباحث بزل، ومؤرخ أمين، والظن به: أن لا يقول ما قال اعتباطاً، بل بعد سبر وفتش، أو وقوف على نص قديم، فيه تيك النتيجة القاطعة.
والله أعلم.

استدراك: وجدت بعضهم، تسمى، بـ ياقوت دون نسبة إلى اسم ثان، أو نسبة إلى اسم غير عبد الله، وربما تكنى بعضهم، بـ أبي الدر!
لكني تركتهم؛ خشي الإطالة، وفيما ذكرت بلالة!


وعلى كل، فهذه تراجم مختصرة لثمانية أعلام، وقع الخلط بينهم ويقع، فأردت إزالة اللبس، وإزاحة الغبش والنزع.

وأعدّ هذا الصنيع، شكراً لنساخنا الأماثل، وحفاظنا الأفاضل- الذين بذلوا المهج، وقطعوا الثبج؛ لكتْب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنفاح عنها.
وهو عمل يسير، ولكنه خير من العدم!

وقد بذلت جهدي في التمييز بينهم، قدر الوكد، ومن وجد خللاً أو خطلاً؛ فليمنن به علي، وليملل به إلي، وله حسن الكفاء.
وحسبي الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، به أستعين، وإليه أستكين.

وكتب: أبو نعيم، وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٧/١٩


ح........
(١)ترجم ابن ناصر الدين، في (توضيح المشتبه: ٢/ ١٣١) لرجل اسمه: أبو بكر محمد بن ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي الصوفي الجازري، مولاهم، سمع من عبد الحق بن عبد الخالق اليوسفي، وغيره، توفي في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وست مئة ببغداد.
فلا أدري، هل هو ابنه، أم لا؟

(٢)قيل لأبي الدقيش الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو "كلب" و "ذيب" وعبيدكم بأحب الأسماء، نحو "مرزوق" و "رباح" ؟!
قال: إنما نسمي أبناءنا للأعداء، وعبيدنا لأنفسنا.
(الروض الأنف: ١/ ٥٠).

الجمعة، 13 مارس 2020

ماذا حلّ بك يا حرم الله؟! إنّ في خلوّ الحرم لعبرة يا عباد الله!


ماذا حلّ بك يا حرم الله؟! إنّ في خلوّ الحرم لعبرة يا عباد الله!

تاقت نفسي إلى الصلاة في الحرم (وأي نفس لا تتوق تيك المكرمة)، فلما أتيته، لم أر الأفواج التي اعتدت رؤيتها كلما زرته، من على أبعاد منه!

الطريق خلو من البشر .. من الرجال والنساء .. من الصغار والكبار .. من الطائفين والقائمين والركع السجود!

واصلت طريقي، وفي قلبي حسرة، وعيني تكاد تشرق بالدمع، وحلقي يغص بالماء الزلال، وللأسف، لم يكن هناك ماء- لا ماء زمزم ولا غيره-!

يا الله، ماذا حلّ بالمسلمين .. ماذا جرى بالمؤمنين .. ماذا حصل بالمحسنين؟!
إنهم يقولون: فيروس كورونا- الذي أقلق العالَم المتعالم (وحق لهم أن يقلقوا) "وما يعلم جنود ربك إلا هو * وما هي إلا ذكرى للبشر".

آه، يا حرم الله، كأني أشعر بشجنك، وأحس بحزنك، وتلهبك لفراق أحبابك وقاصديك، "وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" لكن، ها هو الإتيان قد توقف، والركب قد تخلف!

آه، كأني بالبيت، وقد اشتاق لطائفيه، والركن اليماني، قد تشوق إلى مستلميه، والحجر الأسود، قد حنّ إلى مقبّليه، والملتزم، قد تمنى ملتزميه، والسعي، قد صبا إلى ساعيه، والصفا والمروة وزمزم والمقام والمسجد وكل بقعة هناك.. قد اشتهت وتاقت وتمنت ورغبت ولجت وعجت ونزعت وهفت إلى قصادها وعبادها..

ولكن، نضرع إلى الحليم ونجأر؛ أن لا يكون آخر العهد بحرمه، فإن هناك مرائر تكاد تتقطع، وحرائر يُخاف أن تتمزع!

رباه، إنا ندعوك، بما دعاك به قوم يونس عليه السلام، حين أخذهم العذاب: (ربنا افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله).
رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب العقوبات"، بإسناده عن القاسم بن عمرو العنقزي.

وهذه وقفة أقفها؛ مهتبلاً المناسبة، مقتنصاً المحاسبة، فأقول:
ما أعظم ربي وأحلمه، وأعلمه وأكرمه.. مجاهرة بالمعاصي، ومراكبة للفواحش في الشوارع والصياصي، وظلم وطغيان، وتعطل النكران، وحرب للإسلام وأهله، ونشر للكفر وبغله!

إن الله صبور صبار، بل جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدَّعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم).
رواه البخاري ومسلم.

ولكنه سبحانه وتعالى، يغار إذا انتهكت محارمه، ويمهل ولا يهمل.. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد").
رواه مسلم. 

وقال ابن عباس رضي الله عنه: "يسمع ويرى، يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلاً بسعيه في الدنيا والأخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه، فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلاً بما يستحقه، وهو المنزه عن الظلم والجور".
(تفسير القرآن العظيم: ٤/ ٦١٨)، لابن كثير.

وقال ابن تيمية: "ومن اعتبر أحوال العالم: قديماً، وحديثاً، وما يعاقب به من يسعى في الأرض بالفساد، وسفك الدماء بغير حق، وأقام الفتن، واستهان بحرمات الله؛ علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون".
(مجموع الفتاوى: ١٦/ ٢٤٩).

وقال ابن الجوزي: "ما زلت أسمع عن جماعة من الأكابر، وأرباب المناصب.. أنهم يشربون الخمور، ويفسقون، ويظلمون، ويفعلون أشياء توجب الحدود- فبقيت أتفكر أقول: متى يثبت على مثل هؤلاء ما يوجب حداً؟ فلو ثبت فمن يقيمه؟ وأستبعد هذا في العادة؛ لأنهم في مقام احترام لأجل مناصبهم، فبقيت أتفكر في تعطيل الحد الواجب عليهم؛ حتى رأيناهم قد نكبوا، وأخذوا مرات، ومرَّت عليهم العجائب، فقوبل ظلمهم بأخذ أموالهم، وأخذت منهم الحدود مضاعفة بعد الحبس الطويل، والقيد الثقيل، والذل العظيم، وفيهم من قتل بعد ملاقاة كل شدة، فعلمت أنه ما يهمل شيء، فالحذر الحذر، فإن العقوبة بالمرصاد".
(صيد الخاطر: ١٥٤).

فأين من دوّخوا الدنيا بسطوتهم *** وذكرهم في الورى ظلم وطغيانُ

أين الجبابرة الطاغون ويحهمو *** وأين من غرَّهم لهو وسلطانُ

هل خلَّد الـموت ذا عز لعزته *** أو هل نجى منه بالسلطان إنسانُ

لا، والذي خلق الأكوان مـن عدمٍ *** الكل يفنى فلا إنس ولا جانُ

أقول: وهذا الوباء والبلاء.. له أسباب كثيرة، منها:
الأول: انتشار الفواحش والجرائم، وإتيان الحرم والمحارم.. من العالَم الغربي والعربي، حتى طمت البدو والقرى، والبر والبحر، والسهل والجبل، وتعطلت شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.. فكان العقاب عاماً شاملاً للعالَم أجمع! و(الجزاء من جنس العمل).

قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، وقال تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر؛ أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم).
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وعن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فزعاً، يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب، من شر قد اقترب.. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها-، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث).
رواه البخاري ومسلم.

الثاني: الرضا أو الغضا، أو التخاذل أو التغافل، عن ما حلّ ببعض الدول، كـ العراق، وسوريا، واليمن، ونحوها.. فقد كانت تعاني الضيم والظلم والهضم، والعذاب والنكال، والأمراض والقتال؛ وذلك بمسمع من العالم العربي والغربي، وكأن الأمر لا يعني إلا المصاب فحسب، ويكأن أولئك ليسو من البشر، أوْ ليس لهم حق في حياة البقر.. حتى عاقب الله العالَم كله، بفيروس لا يرى بالعين، وهو في تسارع وتتابع!

عن أبي طلحة الأنصاري، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من امرئ مسلم، يخذلُ امرأ مسلماً، في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه.. إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً، في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته.. إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته).
رواه أحمد وأبو داوود، وحسنه الألباني.

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قال: يا أيها الناس، إنكم لتقرؤون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه.. أوشك أن يعمهم اللَّه بعقاب منه).
رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.

هذه ذكرى وتذكرة "سيذكر من يخشى" و"الذكرى تنفع المؤمنين" وهي "معذرة إلى ربكم" اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، قبل أن نعذب عذاباً وبيلا.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
الجمعة المعظمة، بمكة المكرمة: ١٤٤١/٧/١٨.


وفاة المسند المفتي.. رشيد الميواتي:


وفاة المسند المفتي رشيد الميواتي:
#وفاة_علم
بلغني اليوم الجمعة ١٤٤١/٧/١٨، وفاة مجيزنا وشيخنا العلامة المسند المعمر المفتي رشيد أحمد بن المولوي عبدالله المتوطن المالفوري القاسمي الميواتي، عن ٨٥ سنة تقريباً؛ لأنه من مواليد سنة ١٣٥٧.

وقد عرف عن الشيخ.. احتفاله واحتشاده لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وصبره على سماعه وإسماعه، رغم أمراضه وإعاقته.

وقد سمعت عليه عبر البث بالاشتراك مع غيره من المشايخ.. كتاب مناقب الأنصار، وبعض الأحاديث المتفرقة من بعض كتب البخاري، وبيان الألفاظ وتفسيرها، من آخر طبعة المنهاج، ثم النخبة، والتذكرة لابن الملقن، وقصيدة ابن بهيج، ونصف الآجرومية، ولامية ابن الوردي.

رحم الله الشيخ رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار، وأنزله منازل الأخيار.

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/١٨
الجمعة المباركة.


الثلاثاء، 10 مارس 2020

إكرام العلماء.. مِن أسباب البقاء والبهاء للدول!

إكرام العلماء.. مِن أسباب البقاء والبهاء للدول!

قال العلامة عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي: "واعلم، أن من خلال الكمال، التي يتنافس فيها القبائل -أولو العصبية-، وتكون شاهدة لهم بالملك.. إكرام العلماء، والصالحين، والأشراف، وأهل الأحساب، وأصناف التجار، والغرباء، وإنزال الناس منازلهم ...؛ فالصالحون: للدين، والعلماء: للجائي إليهم في إقامة مراسم الشريعة، والتجار: للترغيب حتى تعم المنفعة بما في أيديهم، والغرباء: من مكارم الأخلاق، وإنزال الناس منازلهم: من الإنصاف- وهو من العدل ...؛ فإذا رأيته قد ذهب من أمة من الأمم؛ فاعلم أن الفضائل قد أخذت في الذهاب عنهم، وارتقب زوال الملك منهم، "وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له"، والله تعالى أعلم".
(مقدمة ابن خلدون: ١٤٦).

وعلى غرار ما رواه شيخ الإسلام، في (مجموع الفتاوى: ٦/ ٣٤٠ و ٢٨/ ٦٣)، من أن "الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، وإن كانت مؤمنة".

لعله أن يقال: إن الدولة المكرمة للعلماء، تبقى وترقى، وإن كانت كافرة، والدولة المهينة لهم، تكدى وتشقى، وإن كانت مؤمنة!
ونظرة إلى الدول الغربية والعربية؛ يرى صدق هذا القيل.
والله أعلم.

وارجع إن أردت، إلى تفسير طنطاوي جوهري، المسمى: (الجواهر في تفسير القرآن الكريم: ٥/ ١٨٢)؛ فقد ضرب أمثلة في هذا الشان، واضحة البيان، من شواهد الأعيان.

وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/١٧

تشريح كتاب وتزويج كعاب.. شرح تحفته؛ فزوجه ابنته!

تشريح كتاب وتزويج كعاب.. شرح تحفته؛ فزوجه ابنته!

ألّـف العلامة علاء الدين، أبو بكر، محمد بن أحمد السمرقندي، تـ٥٤٠، كتابه (تحفة الفقهاء) شرح (مختصر القدوري) في الفقه الحنفي؛ فصار عمدة في المذهب الحنفي، وكان له بنت تسمى فاطمة، رباها، فأحسن تربيتها، وعلمها، فأحسن تعليمها.

وكانت فاطمة فقيهة نبيهة، لقينة فطينة، تفقهت على أبيها، وتخرجت به، وحفظت تحفته.

وقد تسامع ملوك وأمراء ذلك الزمان بعلمها وحلمها، وعقلها وصقلها.. فخطبوها من أبيها، فامتنع من تزويجها؛ ضناً بها، وحباً لها، وحرصاً عليها أن لا يزوجها إلا من كفء كريم.

وكان من طلبة الشيخ: علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، تـ٥٨٧، فقد لازم شيخه، واشتغل بالعلم عليه، وتخرج عليه، وبرع في الأصول والفقه.
ثم شرح تحفة شيخه، بكتابه العظيم (بدائع الصنائع)، وعرضه على شيخه، ففرح به الشيخ فرحاً شديداً، وزوجه ابنته، وجعل الكتاب مهرها!
فقال فقهاء عصره: "شرح تحفته وزوجه ابنته".

وكان زوجها ربما أخطأ، فترده إلى الصواب، كما يقول القرشي: "أن فاطمة.. كانت تنقل المذاهب نقلاً جيداً، وأن زوجها ربما يَهِمُ في الفُتيا، فتردّه إلى الصواب، وتعرّفه وجه الخطأ، فيرجع إلى قولها ... وكان زوجها يحترمها ويُكْرِمها".

وكانت الفتوى أولاً، يخرج عليها خطها، وخط أبيها- السمرقندي، فلما تزوجت بالكاساني؛ كانت الفتوى تخرج بخطهم الثلاثة.

وقد توفيت بمدينة حلب، سنة ٥٨١، ودفنت في مقبرة من مقابرها، وقبرها هناك مشهور، بـ قبر المرأة وزوجها؛ لأن زوجها أوصى أن يدفن بجوارها، فدفن ثم، وكان لا ينقطع عن زيارتها كل ليلة جمعه إلى أن مات بعدها بست سنين.


ينظر: (الجواهر المضية في طبقات الحنفية: ٢/ ٢٤٤)، و (بغية الطلب في تاريخ حلب)، (الفوائد البهية: ١٥٨)، و (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: ٢/ ٣٦٧).



وليد بن عبده الوصابي
١٤٣٩/٤/١٥
١٤٤١/٧/١٦

الأحد، 8 مارس 2020

٤٥ ساعة سفر!

٤٥ ساعة سفر!

امتطينا صهوة الجواد الأصم الأبكم الأخرم الأفدم الأصلم، وأخذ يخد بنا الأرض، ويجب الترب، ويخلف وراءه ما كان على الأرض من دور وقصور، ويمخر بنا العباب، ولا نرى أمامنا إلا السراب!

وتمثلت قول القاضي عبد الوهاب البغدادي:
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا *** ورأيت كيف تكرر التوديعا

لعلمت أن من الدموع محدثاً *** وعلمت أن من الحديث دموعا


وكلما اشتد سير جوادنا؛ ترك في قلوبنا جراحاً غائرة، وندوباً نائرة؛ حزناً على ما خلفناه من ولد ووالد وأهل!

وتذكرت حينها، هاته المشجية:
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهمو *** وحملوها، وسارت بالدمى الإبلُ

وقلبت بخلال السجف ناظرها *** ترنو إلي ودمع العين ينهملُ

وودعت ببنان زانه عنم *** ناديت: لا حملت رجلاك يا جملُ

ويلي من البين ما ذا حل بي وبها *** من نازل البين حل البين وارتحلوا

يا حادي العيس عرج كي أودعهم *** يا حادي العيس في ترحالك الأجلُ

إني على العهد لم أنقض مودتهم *** يا ليت شعري لطول البعد ما فعلوا


الأرض غير مستوية، بل متعرجة متقطعة محفرة غير مخفرة!

أغطش الليل، ولا زال السير بنا في جده وحده!

خلد الناس إلى نومهم، ونحن خلّد في مقاعدنا الضيقة التي بالكاد تكفي راكب فحسب!

لكننا، أسلمنا أنفسنا لسلطان النوم (ومن ذا يجرؤ على عصيان سلطانه)؟!

وقد قال شيخي عمر، في لاميته:
جانب السلطان، واحذر بطشه *** لا تعاند من إذا قال؛ فعل!

ولعمري، إنك إن عاندت النوم؛ فعل بك الأفاعيل، ونصب لك الأحابيل!

لا أظن أن أجسادنا نامت، حاشا نصفها، والحق: ربعها، فحسب؛ أما الأعين؛ فهي مغمضة مفتحة!

فكان نومنا، كنوم الذئب، الذي قال فيه حميد بن ثور:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم(١)

ولها قصة طريفة ظريفة -يحسن الإتيان بها، ما دمنا في المنادمة-، فهاكها:
قال جحظة‏:‏ اجتمعنا عند الرشيد، فقال للمفضل‏:‏ أخبرني بأحسن ما قالت العرب في الذئب.. ولك هذا الخاتم، وشراؤه ألف وستمائة دينار؟ فقال‏:‏ أحسن ما قيل فيه‏:‏
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم(١)
فقال الرشيد‏:‏ ما ألقى الله هذا على لسانك، إلا لذهاب الخاتم، ورمى به إليه؛ فبلغ زبيدة، فبعثتْ إلى المفضل بألف وستمائة دينار، وأخذت الخاتم منه، وبعثت به إلى الرشيد، وقالت‏:‏ كنت أراك تعجب به!
فألقاه إلى المفضل ثانياً، وقال له‏:‏ خذه، وخذ الدنانير‏؛ ما كنت لأهب شيئاً، وأرجع فيه‏!
(النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ٢/ ٦٩).
أقول: لله در هذه العطايا الجزال، التي تبرد الكبد، وتفرح الولد!

أعود إلى رحلتي المتعبة: ولا زالت الراحلة تمخر بنا: مُصدعة ممغصة منغصة مرعشة مرجحة مغثية منكية مذكية مقذية، ونحن لا نخلو، إما: في نوم أو نعاس، أو مطأطئي الراس، أو ضاحكين بسمين، أو قلقين حرضين، أو شاربين أكلين، أو ناظرين إلى اللقين، (وكل يغني على ليلاه)!
منهم: أغاني، والبعض: قصص، والشق: اتصال، والآخرون: أخبار، وأنا: فتحت كتاباً مبدأفاً (منورقاً)؛ لأطرد السآمة والملل، وأقطع به الطِول، ولكني، أصبت بالدوار والغشيان!

تأتي علينا أحايين، ولا نرى إلا فدافد قاحلة، وصحراء جرداء، لا تسمع فيها لا همساً ولا ركزاً، ويكاد التراب أن يلتهم بعضه بعضاً؛ لشدة قيظه وحرارته!

ولا زلنا على حالنا الرهيبة الكئيبة اللهيبة العصيبة النهيبة الصبيبة الكريبة الصعيبة اللغيبة العجيبة.. حتى وصلنا وجهتنا بعد أن تغيرت أشكالنا، وتبدلت أحوالنا، وخارت قوانا، وآلمتنا أعضاؤنا، وزاغت أبصارنا، ولا أخفيكم، لا زالت بعض الأنصاب والأوصاب.. ولكنا بعد هذا الجشب والشجب؛ وصلنا، بسلام وأمان واطمئنان، فلله الحمد والشكر، والمنة والفضل.


وأنا في تيك اللحظات العصيبة، استفدت دروساً وعبراً، منها:
-شكر نعم الله تعالى التي لا تحصى، ومنها: نعمة المركب، فقد قطعنا ما يقرب من ألفي كيلو متر، في ٤٥ ساعة، وإن لم تكن، فلعلنا نقطعها في ٤٥ يوماً، وربما شهراً، وربما سنة!
فقد قرأت في (الرحلة الحجازية)، لأبي علي الحسن بن مسعود اليوسي، تـ١١٠٢، وهي رحلتهم لحج بيت الله الحرام.. أنهم مكثوا في قطعها، من يوم خروجهم من ديارهم إلى رجوعهم إليها؛ عشر سنوات وسبعة أشهر إلا خمسة أيام، فاعجب وتعجب!

ثانياً: الشعور بالآخرين، والتألم لحال المسلمين، ومهما كنت في بلاء؛ فغيرك أشد وأنكى، فقد كنا نمر بإخوة من بلاد أفريقيا، يمشون على أقدامهم، في شدة الهاجرة!
وأُرى، أن الذي أخرجهم، هو أحد شيئين: إما الاقتتال والحروب، أو الفاقة والفقر!
وأنت يا من ركب الطائرة، أو مخر بالسفينة، أو عج بالسيارة.. ما الذي يؤمنك أن تبقى متسربلاً في فللك، ومتدثراً في قللك؟! والله، إن لم نشكرها، ونؤدي صداقها؛ لتنزعن منا، كما نزعت من غيرنا، فاحذر وحذر!

ثالثاً: التفكر في عظمة الله تعالى، وسعة ملكه، فقد كنا نمر بالصحاري القاحلة، ثم نحاذي الجبال الشامخة، ثم ننعم بأنهار ووديان، ونرى أحياناً أسراباً من الطير، وأزرافاً من الحيوان، فـ لا إله إلا الله، ما أعظمه جل في علاه "كل قد صلاته وتسبيحه" "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" "ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب".

هذه بعض الخطرات وردت على الخاطر الفاتر، سكبتها من فكري على قرطاسي، لعل فيها: تسلية أو تعزية أو ترقية.
وسلام السلام عليكم.

محبكم: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/١٢
الأحد، بـ م م حرسها الله.


ح.............
والصواب في إنشاد هذا البيت "فهو يقظان هاجع"؛ لأنه من قصيدة عينية مشهورة لحميد بن ثور، وقبله قوله:
إذا خاف جورا من عدو رمت به *** قصائبه والجانب المتواسعُ
وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها *** ذراعاً، ولم يصبح لها وهو خاشعُ
(شرح ابن عقيل: ١/ ٢٥٩).


ما هكذا يكون الدفاع! كلمة في الذب عن الإمام الألباني

ما هكذا يكون الدفاع!
كلمة في الدفاع عن الإمام الألباني.

الحمد لله الآمر بالقسط والحق، والصلاة والسلام على القائم بالعدل، والقائل بالصدق.

وبعد:
فقد قرأت في ثبَت (هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري) لجامعه الدكتور عبد العزيز بن فيصل الراجحي، فرأيت فيه إذكاء للخلاف بين العلامة المحدث الكبير محيي السنة أبي عبد الرحمن ناصر الدين الألباني، وبين العلامة إسماعيل الأنصاري -بلّ الله جدثيهما بوابل صيب-؛ فقفّ شعري، واقشعر جلدي، وضاق صدري، وحزن فؤادي.. من بعض الكلمات النابية في حق إمام السنة محمد ناصر الدين الألباني؛ بزعم الدفاع عن العلامة إسماعيل الأنصاري، فتناولت قلمي، وأردت تسطير دفاع عن إمام السنة في عصره، فأقول:

إن الدفاع عن العلماء وإنصافهم؛ خلق نبيل، وأدب جليل، لا سيما ممن كرع منهم ونهل، ولكن لا يكون على لمز علماء آخرين؛ لأن هذا من باب قول القائل:
ومن أزال منكراً بأنكرا؛ *** كغاسل بولاً بحيضٍ أغبرا!

وهذا ما جرى من الدكتور عبد العزيز -هداه الله-؛ إذ كال التهَم، وأتى بالظلَم في حق المحدث الألباني!
وهاكم بعض ما تفوّه به وفاه:

-أولاً: اتهم العلامة الألباني.. بأن عادته: أن لا يقبل النقد، وإن كان علمياً! 

أقول: إن كتب الشيخ الألباني، غاصّة بذكر من نبأه بخطأ، أو نبهه على وهم.
وتراجعات الإمام الألباني -رحمه الله- كثيرة معلومة مشهورة، بل جمع الشيخ أبو الحسن الشيخ، ما تراجع عنه الشيخ الألباني، في كتاب، سماه: (تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحاً وتضعيفا).

وكان -رحمه الله- يذكر تراجعه في الموضع نفسه الذي أخطأ فيه، وقد كان بإمكانه، أن يحذف القول الخطأ، ويبقي القول الصواب قبل طبع الكتاب، ولكنه الصدق والورع.

ومثل هذا: ما جاء في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: هامش رقم ١ ص ٤١) حيث قال عن حديث: (اتقوا الحديث عني، إلا ما علمتم)؛ 
صحيح، أخرجه الترمذي وأحمد وابن أبي شيبة، وعزاه الشيخ محمد بن سعيد الحلبي في (مسلسلاته: ١ /٢) إلى البخاري؛ فوهم.
ثم تبين لي: أن الحديث ضعيف، وكنت اتبعت المناوي في تصحيحه لإسناد ابن أبي شيبة فيه، ثم تيسر لي الوقوف عليه؛ فإذا هو بيِّن الضعف، وهو نفس إسناد الترمذي وغيره، راجع كتابي (سلسلة الأحاديث الضعيفة) المجلد الأول". اهـ.

-ثانياً: اتهم الشيخ، بالإصرار على رأيه وإن كان خطأً.

أقول: وهذا لازم خطير يلزم كلامه، والكل يعلم خطر المُصر على الخطأ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ويل لأقماع القول؛ الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون).
رواه أحمد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
ويكفي في الرد عليه.. ما ذكرته في النقطة الأولى.

-ثالثاً: اتهم الشيخ، بالتعصب لأقواله، وإن كانت خاطئة.

أقول: والتعصب مذموم، ومن العلماء؛ أشد ذمّاً وإثماً، فكيف يصدر هذا ممن حارب التعصب طوال حياته.
وللقارئ الكريم، أن يراجع مقدمة (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ليرى كيف أنه -رحمه الله- شنّ حرباً متزنة على المتعصبين، وكيف بيّن أن التعصب من أسباب رد الحق، وهذا جرم كبير -وهو ما اتُهم به الشيخ الألباني من عبد العزيز- فيا للعجب!

وقد برأه من هذا النبز الغميز؛ علماء اللجنة الدائمة للإفتاء؛ فقد جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة: ١٢/ ٣٢٤) قولهم: "الرجل معروف لدينا بالعلم والفضل، وتعظيم السنة وخدمتها، وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة في التحذير من التعصب والتقليد الأعمى، وكتبه مفيدة، ولكنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم، يخطئ ويصيب، ونرجو له في إصابته أجرين، وفي خطئه أجر الاجتهاد، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب؛ فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ؛ فله أجر واحد) متفق عليه".
الشيخ عبد العزيز بن باز - الشيخ عبد الرزاق عفيفي - الشيخ عبد الله بن غديان - الشيخ عبد الله بن قعود.

-رابعاً: وصم رد الشيخ الألباني على الشيخ الأنصاري؛ بأنه كلام طويل غير مُتّزِن!

أقول: لا أخفي القارئ الكريم، فعند هذه اللفظة؛ أُصبت بالغثيان والجيشان، وتناولت قلمي بيد مرتجفة، وعلقت على موطن الكتْب من الكتاب، بهذه الكلمات: "أتدري ما تقول يا عبد العزيز، وما يخرج من فيك، أم أنك تقول ما لا تعلم؟
وأحلاهما مر، ولا مصير لك إلا إلى أحدهما، فاختر"؟!

خامساً: وصف كلام الشيخ الألباني في الأنصاري؛ بأنه بغير حق، قائلاً: (إلى آخر مزاعم الشيخ الألباني فيه)!
ثم قال: (وأن سبب هذه الفتنة بين الشيخين، هو الألباني -عفا الله عنه-)!

أقول: صوّر الدكتور، الشيخ الألباني، وكأنه يحرص شديداً على مهاجمة الآخرين!
لا، بل إن الشيخ -على زعم المنافح المكابح- هو السبب في المجادلات وما خلفته أو تخلفه من الخلافات، التي حصلت بينه وبين غيره من الأشياخ!

يا دكتور عبد العزيز؛ ألا كان يكفي أن تحسّن صورة شيخك العلامة -وهو حسن، بحمد الله-؛ دون تناول هذا الرمز العظيم!
حقاً، إن سبب أكثر الفتن بين العلماء؛ هو من الطلاب، وهذا دليل على ذلك، فالله المستعان.

-سادساً: وصم الشيخ الألباني، بالحدّة والتسرع، فقال: (وكم أحدث الشيخ الألباني، بتسرعه، وحدّته في الرد؛ في النزاعات، والخلافات، والردود، والفرقة)!

أقول: لا قوة إلا بالله، حين أن يوصم الشيخ من متسرع، بالتسرع، وبالتسبب في الفرقة والخلاف!
أهكذا أُمرنا بالتأدب مع العلماء؟! اللهم لا.
حتى -يا عبد العزيز- لو كنت في صدد الرد على الشيخ الألباني؛ لا يحسُن بك أن تفوه بالكلمات الفجّة، والألفاظ النابية.

وحقاً، إن الحق فوق الجميع، ولا معصوم إلا الوحيين، ولكن: أين نحن من قول الله: "وقولوا للناس حسنا" فكيف بالعلماء الذين جاء الثناء عليهم في القرآن الكريم، والسنة المطهرة؟!
أين نحن من الإذعان لقول الله تعالى، وقول رسوله عليه الصلاة والسلام؟!
أم أننا ننسى الآداب حين أن نتحيز لعالم أو قريب؟!
فالله المستعان.

-سابعاً: ذكر أن العلامة الألباني، ردّ على الشيخ حمود التويجري، بحدّة وشدة، مع سعة صدر الشيخ حمود ومحبته له).

أقول: غفر الله للشيخين الجليلين، فقد رد كل منهما على الآخر، ولكن لم يخلفا ضغينة بينهما، أو قطيعة، بل كان الوصال والزيارة؛ فلمَ ندس أنوفنا بينهما، وما دخلنا -نحن الطلاب- بين القامات الكبار، خصوصاً، وأنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا!
فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون"؟!

وأضيف: إن كلام الدكتور، يشي بأن الحدة والشدة، كانت من طرف واحد، هو الألباني!
وهذا مجانب للصواب؛ فالرد والتخشين كان من العالمَين الفاضلين.
ولست في حاجة، أن أشير إلى بعض ردود شيخ مشايخنا حمود التويجري -رحمه الله- على بعض من الأعلام.

-ثامناً: قال عن الشيخ إسماعيل: (ومن عرفه؛ علم أني مقصر في وصفه، ورأى عظم جناية الشيخ الألباني عليه)!

أقول: نعم، مقصر في الكلام عن الشيخ الأنصاري، ومحذر من الشيخ الألباني، فلم تنل إلا التقصير في العالمين الجليلين!

وأتوقع أن العلامة الأنصاري، لم يكن يرضى هذا اللمز الفج منك، عن علامة الدنيا الألباني -رحم الله الجميع-.

تنبيه: لعل هذه الخشونة والسخونة.. سمة في الدكتور عبد العزيز، فإني رأيت له توهيماً للعلامة الأنصاري، وكلاماً وشجباً لشيخ مشايخنا العلامة صالح الأركاني، وتوهيناً لآخرين، وتشكيكاً في البعض.. 

ولست في صدد الرد على وهن أو وهم في كتابه، بل تناولت ما يتعلق بالعلامة الألباني -رحمه الله-.

ونحن أُمرنا أن نقول الحق والصدق، وندفع بالحسن والرفق، مع الموافق والمخالف، فما بالنا نعرض عن الهدي النبوي؟!

هذا ما أردت كتبه؛ غَيرة على عرض العلامة الألباني، وإحقاقاً للحق، وإبطالاً للباطل، وهو أهل للزهق والدمغ.
وايم الله، أني لم أكتب ما كتبت إلا حين رأيت التعدي من الدكتور، وأن من تهجم عليه، قد رحل إلى ربه جل وعلا، فلم أحتمل طعنه الواضح، وتحامله الجامح، في العلامة الألباني، فرأيت أن قد استوجب علي الدفاع عن عرض الشيخ، وإلا، فإني مشوش الفكر، ومعكر الخاطر، وأنا في غنى عن الردود وما والاها.

كتبت هذه الكليمات، التي أرجو من ربي، أن يجعلها في ميزان حسناتي، والله يغفر لي وللجميع.
و(سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٤/٣٠
١٤٤١/٧/١٢

السبت، 7 مارس 2020

آلدِّين.. مطية لشهوتك؟! زُمّ نفسك يا رجل!


آلدِّين.. مطية لشهوتك؟! زُمّ نفسك يا رجل!

إن الإنسان.. إن لم يَزُمّ نفسه خطامها، ويلجم لجامها، ويكبح جماحها، ويكسر رماحها؛ أودتْ به المهالك، وأردته أضيق المسالك!

وأعجبتني هذه الجملة: "إذا دللت نفسك، وأعطيتها كل ما تهوى؛ فسيصعب عليك فـطامها، عندها ستشعر بضعفِها، وقلة شأنها. أما إذا دربتها على مغالبة الصعاب؛ فستكون عظيمة، ولن تخذلك أبدا".

قال أبو نعيم: لا سيما؛ إتْباع الشهوات، واتّباع النزوات، فلا يزال طالبها في لهث دائم، ولا ينفك صاحبها في نكث هائم، لا تفُكّه، ولا يفكها؛ حتى تُفك نفسه، أو يكون فضحه في الدنيا قبل الأخرى! وقد كانت.

قال ابن الجوزي: "ربما هجم الشيطان على الذكي الفطن، ومعه عروس الهوى قد جلاها، فيتشاغل الفطن بالنظر إليها، فيستأسره، وأقوى القيد الذي يوثق به اﻷسرى: الجهل، وأوسطه في القوى: الهوى، وأضعفه: الغفلة، وما دام درع اﻹيمان على المؤمن، فإن نبل العدو لا يقع في مقتل".
(تلبيس إبليس: ٣٧).

وصدق من قال، وهو أبو الحجاج البلوي:
إذا أعطيت بطنك مشتهاه *** وفرجك سؤله؛ أنت البهيمهْ

وأخشى أن يقال غداً لك: اذهب *** فما لك عندنا -والله- قيمهْ

أتطمع أن تنال نعيم الاخرى *** وقد آثرت دنياك الذميمهْ؟!

إن المرء إذا أعطى نفسه كل ما اشتهت، ولم ينهها.. تاقت إلى كل باطل، وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجلة، وطلاوة حائلة.

والشهوات وإتباعها واتباعها.. لا تتعلق بزواج أو إعزاب، أو التزام أو انفكاك.. (وإن كانت هذه أمور تحجز) لكنها تحجز من: قصر النظر، وغضّ البصر، وتفقد القلب المنيب، وداوم مراقبة الرقيب.. وما سوى ذا؛ فلا -والله- لا تكفيه نساء الدنيا أجمع، ولو صام وقام وتركع؛ لأن قلبه فارغ، ولبه والغ، وفمه فاغر، وبصره ناظر!
وقد سمعنا وبصرنا!

وخبّروني، عمن كان هذا حاله، كيف له الكفاية، وهو يتتبع كل مليح وحالية؟!

والرقيب؛ إن قلبي ليولمني، وصدري يوسمني، من أفعال بعض من لا خلاق له، بل هو محلوق الحياء، وإن كان ذو لحية، ومنتوف اللباس، وإن كان ذو أغطية!

برز الثعلب يوماً *** في ثياب الواعظين!
يمشي في الأرض يهدي *** ويسب الماكرين!

يعظ قائلاً: احذروا فتنة النساء؛ ثم هو يبحث عنهن، لا، ويغازلهن، ليس هذا فحسب، ويعافسهن! -جمع الله له البلاء، وأنزل به اللأواء، وزارته الأدواء، وواتته الأقذاء-.

كان في الصباح يحذر من الشيطان، والنفس، والهوى، والدنيا، ويستشهد ببيت:
إني بليت بأربع يرمينني *** بسهام قوس ما لها تعثير
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ***
يا رب أنت على الخلاص قدير

فلما كان الليل البهيم؛ -خلا هذا البهيم- بإحدى الحُرَم المحرّمات! وقد كان قال للناس، قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما)! لكنه خلا؛ لأن النهي -بزعمه- لا يعنيه، بل هو يمليه!
وبعد الخلوة؛ لا أدري ما صنع؟! ولكن: رجل وامرأة.. لا أدري ما يكون؟!
رب صونك.

وليس الأمر مصادفة أو موافقة، بل تخطيط وتمطيط وتنطيط وتبسيط، حتى كان ما كان!

"وأما التماوت، وخشوع النفاق؛ فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح: تصنعاً ومراءاة، ونفسه في الباطن شابة طرية، ذات شهوات وإرادات، فهو يخشع في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة.. رابض بين جنبيه؛ ينتظر الفريسة".
(كتاب الروح: ٢٣٣)


ولا أدري، لربما علم زوج المسكينة، المغرورة بذاك الحتريف العتريف؛ فطلقها، وانتهب أولادها، وقعدت في بيتها تقاسي: الحرمان والندمان والألمان والجلمان..
والغر الغمر؛ لم يلاقِ شياً من ذلك، بل رجع إلى كرسيِّه، وزاول مهنته المحرّمة على جنسيِّه!

يقولون: الرجل؛ لا يعيبه شيء! والمرأة؛ يعيبها كل شيء!
من أوحى إليكم بهذا التسويغ البليغ؟! شيطانكم النزيغ، أو عقلكم اللديغ؟!

لا أشمت بمن زل أو مل أو حل أو خل، ولكني أتميز غيظاً.. ممن جعل الدين ستاراً لشهواته، ومرتعاً لنزواته، وأحبولاً لجموحاته.. سواء كان إماماً أو واعظاً أو قارياً أو راقياً أو مدرساً أو مرشداً! يا ويل هؤلاء، من رب الأرض والسماء.

إن هؤلاء يفسدون أكثر من الفاسدين؛ لأنهم يغرّون المساكين، ويبعدون السالكين، ويشوهون دين رب العالمين!
ألا شاهت وجوههم، وخابت سمومهم، وذابت شحومهم.. ألا كبتوا ومقتوا ووقتوا.

والعار والشنار والنار وغضب الجبار؛ لمن غطى فضايح (ولا أقول: فضيحة) هؤلاء الأنجاس الأرجاس الأتعاس الأنحاس الأبلاس الأحلاس الأخناس الأبجاس، على حساب الدين والعفة والغَيرة والشرف.

ويا ليتها كانت تغطية، ثم تنحية؟! لا؛ بل تغطية، ثم ترقية!

فيعاد هذا الثعلب الماكر البائر السادر الغادر الناكر الجائر.. إلى منصبه الديني (الذي ربما يستحى -والله- من ذكره)!؛ ليعيد كراته ومراته، في شهواته ونزواته!

وعندما يقول غيور؛ لمَ تعيدون هذا المتلطخ بالجريمة، وتُئيبونه بالغنيمة؟!
تكون الإجابة الدحضة، والمدافعة اللججة، والعلة العللة: إن الناس يتساءلون: ما بال فلان أُقيل من مكانه! ومن ثَمّ يتشوه الدين، ويُساء الظن بأصحاب هذا المهين!

ولا أدري، هل قرؤوا أو سمعوا أو فقهوا أحكام النبي عليه الصلاة والسلام، مع أصحابه الكرام، الذين أقام على بعضهم -رضي الله عنهم- الحد الشرعي، والعزر الردعي، فيما قارفوه أو قاذفوه؟!
أأنتم أهدى أم رسول الله؟! أأنتم أحرص أم رسول الله؟! أأنتم أرحم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ثم ألا ينظر هؤلاء القصار الضغار العسار؛ إلى ضحايا هذا الذئب الناصح، والقط القاسح، والكلب الكاسح.. ومن اكتوى بعاره وقاره، واشتوى بحاره وناره!

إن فعل هؤلاء الأنصاف الأقذاف الأجلاف الأحلاف؛ تسويغ لأفعال الفاسقين، وإعانة على عقر الآخرين، من البنات والبنين! -وإن لم يقصدوا- فليس لنا قصدهم، بل علينا ظاهرهم، والله تعالى يتولى سرائرهم.

والمصيبة كل المصيبة؛ أن تتدخل العواطف، في الأحكام الشرعية، والحدود الردعية، وتغليب مصلحة الرجل على الأنثى، أو تبرئة الصاحب على البعيد.. إلى غيرها من الهزلات والمهزلات.. وبهذا العِوج؛ يُقضى على الحدود، وتسهّل الفواحش، وتؤتى المحرمات، وينزى على الحُرمات، ويؤتى الدين من قِبَل هؤلاء "عمائم على بهائم"!

ونصيحي لـ نصفي: لا تثقي بأجنبي، ولو كانت لحيته إلى سُرّته، وسجدته على جبهته، ودمعته ملء حدقته.. فالشهوة مضرومة في الأجساد، لا تطفو ولا تخبو، كالنار تحت الرماد، إذا نُكشت؛ بدّت وندّت!

لا تتحدثي إلى أجنبي ولا تواصليه أو تراسليه، إلا إن كانت ضرورة، دون خضوع وتكسر، أو تأنث وتعثر، "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا" وبإذن زوجك أو محرمك، فإن هذه هي البداية البادية.
(ومعظم النار؛ من مستصغر الشرر)!

أخيتي: صارحي زوجك أو محرمك بكل ما يجري لك ويحصل، ولا تخافي العاقبة؛ فإنها حميدة -بإذن الله-؛ لأنك في نفسك صادقة، وبربك واثقة..
واعلمي، إن كل توقع سيء منك في إخبارك أهلك بما حصل لك من شاب أو شابة.. أهون بكثير من سكوتك عما يجري لك من أذايا ورزايا وبلايا.. فأخبري أهلك، وتوكلي على ربك "والعاقبة للمتقين" واحمد ربك، أن لا زال الرشأ خارج البئر، فلا تهابي ولا تخافي إلا الله، والله أكبر.

أختي: لا تتأثري أو تتعثري بجمال رجل، أو لباقته، أو أدبه، أو علمه، أو ماله، أو منصبه؛ فكل هذا لنفسه، ولا تدري؛ ربما أهله منه في شقوة ولقوة، وشهقة ونهقة.. ثم إنك لست إلا لرجل واحد في العالمين، ومن الملايين والبلايين.. فكوني له زوجة وخادمة وأم وأخت وبنت وصاحبة وكل شيء؛ يكن لك كل شيء..

وإن لم تكوني مُرجلة؛ فلك أب أو أخ أو قريب أو أم أو أخت أو قريبة أو صاحبة.. فكونوا لبعضكم، وتعاهدوا في نصحكم، واستعينوا بربكم "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".


رباه، إني فذٌ من جماعة، وفردٌ من قطاعة، وإنك تعلم بغضي لما حصل ويحصل من تعديات وتحديات، وتجاملات وتحاملات..

رباه، خذ للمظلوم من الظالم، والمهضوم من الهاضم، والملوم من اللائم، والمصلوم من الصالم، والمهدوم من الهادم.

رباه، إنك أقدر وأغير وأثأر، وأنا بشر ضعيف، أغار ولا أقدر، ولكني أوقن وأومن أن أفعالك وَفق مصلحة لا نعلمها، بل تقصر عنها أبصارنا، وتحار فيها أفكارنا.
رب، هذا قدري فيما أملك، فلا أواخذ فيما لا أملك.

الوجِع: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/١/١٢


الثلاثاء، 3 مارس 2020

شَأْنٌ أمِيْن.. عن المحقق العُثَيْمِين!

شَأْنٌ أمِيْن.. عن المحقق العُثَيْمِين!

العذر في إبراز هاته الحكاية وأمثالها؛ هو عيشنا في هذا الزمن الصعب، الذي قلّت فيه الأمانة، وندت الصيانة، حتى من بعض مَن هو على العلم محسوب، وفي دفتر الفقهين مكتوب!

فأفردتها مع تعليق؛ لعل فيها اقتداء واحتذاء، لأولي الهدى والاهتداء.


يقول العلامة المحقق المتقن: أبو سليمان عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، تـ١٤٣٦: جاءني رجل من الشام، وأنا في مركز البحوث، فعرض علي مخطوطات وكتباً نادرة، بـ مئتي ألف ريال، فقلت له دعها هنا، وغداً تأتي؛ لأعطيك الخبر: هل تناسبنا أم لا؟
ثم قلّبتها، فوجدت فيها مخطوطة نادرة (المختار في علل النحو) لابن كيسان؛ ففرحت بها، ولم أرَ في بقية المخطوطات شيئاً ذا بال.
ولما جاءني من الغد، قلت له: نريد مخطوطة (المختار في علل النحو) لابن كيسان، بعشرين ألف ريال؟ فقال: لا، أريد بيعها جميعاً!
فقلت له: الجامعة، لا تريد إلا هذا المخطوط، لكنه رفض إلا أن يبيعها جميعاً، بمئتي ألف ريال، ثم خرج ولم يعُد.

فقلت -التويجري- للشيخ: لِمَ لمْ تُصوّر هذه النسخة النادرة؟ فردّ علي غاضباً: تريد أن أخون الأمانة.. رجل استأمنني على أشيائه، ثم أقوم بتصويرها- هذا لا يمكن أن أفعله!

المرجع: مقال (تعذر في رحيلك ما أقول)!
للأستاذ عبد الوهاب التويجري.
ضمن كتاب (الفوائد المنتقاة: ٥٨).


قال أبو نعيم -كان الله له ومعه-: رحمك الله أبا سليمان، ما أورعك وأروعك، وأخشاك لله وأضرعك!
وهذه هي المراقبة الحق، والنزاهة الصدق، التي تخلى عنها بعض من لا خلاق له، وخلع جلبابها من لا مروؤة له!

أقول: وفي الحادثة دلالة، على صدق الرجل (البائع) وأمانته؛ فلولا أنه أمين، لما ائتمن غيره على سلعة، تقدر، بـ مائتي ألف ريال!

وهذه حقيقة؛ فإن الخائن، يخوّن غيره، ولا يكاد يأمن أحداً، بل هو دائم الشك في كل أحد، حتى في نفسه! فالناس منه في عناء، وهو من نفسه في شقاء.
وهكذا، كل صاحب ذنب وذم، لا يزال في توجس وتخوف من غيره!

وصدق المتنبي، في قيله:
إذا ساء فعل المرء؛ ساءت ظنونه *** وصدق ما يعتاده من توهمِ


ولكن، لا غرابة في الأمر، إذا كان الأمر، كما صوّره الشاعر:
العين تبدي الذي في قلب صاحبها *** من الشَّناءة أو حب إذا كانا

إنّ البغيض له عين تُكشِّفهُ *** لا تستطيع لما في القلب كتمانا

فالعين تنطق والأفواه صامتةٌ ***  حتى ترى من ضمير القلب تبيانا


وقول الآخر:
وعين الفتى تبدي الذي في ضميره *** ويعرف بالفحوى الحديث المغمس


وبالجملة؛ فإن هذه القصة، تدلنا على عَلم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (لا يأتي زمان، إلا والذي بعده شر منه).. وبيان ذلك، هو: كيف وثق البائع بالمشتري، وكيف كان المشتري عند حسن الثقة؟
ولم يخطر ببال البائع قط، أن الشيخ صوّر شيئاً من مخطوطاته، وإلا، لكان رضي ببيع مخطوط واحد!
وهذا في زمن قريب من زمننا، ربما يفصلنا عنه بعض عقود فقط!

وانظروا اليوم، كيف الأمانة بين الناس، بل بين أصحاب المخطوطات والكتب.. لا يكاد أحد يثق بأحد!

وما نسمعه من جرائم الغش، وبوائق الخداع، وشناعة المكر، وفداحة الزور، في هذا الباب؛ غطى على الفضائل، وغشى على الفواضل!
حاشا، فئة قليلة، لا زالت تركب هذا المركب الآمن المريح المليح، فتعامل الناس بالصدق والأمانة، ولا تبال لو تعمل وحدها!

والقارئ في حديث حذيفة؛ يرى انطباقه اليوم على زمننا، وبعض أبنائه..
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر.. حدثنا: أن الأمانة، نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن؛ فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة.
ثم حدثنا: عن رفع الأمانة، فقال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام نومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفطت، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة، فدحرجها على رجله، قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، وحتى يقال للرجل: ما أجلده وأظرفه وأعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان!
قال: ولقد أتى علي زمان، وما أبالي أيكم بايعت فيه، لئن كان مسلماً ليردنه علي دينه، ولئن كان يهودياً أو نصرانياً، ليردنه علي ساعيه.. فأما اليوم، فما كنت لأبايع منكم إلا فلاناً وفلانا)! رواه البخاري ومسلم.

قال ابن بطال: "هذا الحديث من أعلام النبوة؛ لأنّ فيه الإخبار عن فساد أديان الناس، وقلة أمانتهم في آخر الزمان، ولا سبيل إلى معرفة ذلك قبل؛ كونه إلا من طريق الوحي".
(شرح البخاري: ١٠/ ٣٨) لابن بطال.

وقال ابن عثيمين (ابن عم العثيمين): "ولقد شاهد الناس اليوم، مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً، تبلغ إلى حد المائة أو المئات، لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله، ولا في حق الناس".
ينظر: (شرح رياض الصالحين: ١/ ٥٢٢، رقم: ٢٠٠).


أقول: وقد يخطئ الإنسان؛ لتخلي العصمة عنه، وضعف النفس منه، ولكن من يرد الله به خيراً؛ جعله سريع النزوع، صديع الرجوع؛ لأنه يخشى الله، والدار الآخرة، "قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم".

وهذا ما وقع لصاحبنا المحقق الفذ الأمين: عبد الرحمن العثيمين.. فقد حدث عنه تلميذه الأستاذ محمد بن سليمان القبيل، أنه: في عام ١٣٩٧هـ وفي إحدى رحلاته (أي: العثيمين) إلى تركيا، وقعت بين يديه مصادفة، مخطوطة نادرة لكتاب (المنتخب من شيوخ بغداد) لأبي حيان الأندلسي، بخط مؤلفه، وقد أراد التحايل على حارس المكتبة بتصويرها خارج المكتبة مستغلاً نومه، فلما خرج بها، ووصل إلى محل التصوير، ندم على فعله،(١) وعاد بها، ووضعها في مكانها، ثم إنه عاد مرة أخرى؛ للبحث عنها، فلم يجدها، وحاول مراراً وتكراراً، وأوصى بها كثيراً من عارفيه في تركيا، ولم يجد نفعاً، فلما كان عام ١٤٣٤هـ، زاره في منزله في عنيزة طالب علم مصري يدعى: عبد العاطي شرقاوي، وهو معلم في الإمارات، فجرى نقاش بينهما حول المخطوطات، فقال شيخنا: ما ندمت في حياتي، ندمي على مخطوطة أبي حيان، فقام الرجل، وفتح حقيبته التي معه، وأحضر صورة منها. وقد رأيتها بنفسي.(٢)

أقول: تالله، إن هذا هو الخوف والوجل، والعلم المصدِّق للعمل، وهو: حجزك عن فعل السوء والسيئ.
ولعمري، إن هذا لموقف شريف، وموطن عزيز، يرفع من شأن أبي سليمان، ويكبر قدره؛ لأمرين:
-الأول: تحدثه بهذا الموقف في موقف بلا غضاضة، ولعله بهذا؛ يعطي درساً للسامعين، في الخوف من الله سبحانه، ومراقبته جل وعلا، وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين.
-الثاني: سرعة فيئه، وعجلة نزعه، عن استزلال الشيطان، واسترسال النفس، فكان في هذا إرغاماً لهما حتى الرغام!

ونحن، هل آن لنا، أن نأخذ هذه الدروس من هؤلاء الأكابر، في الصدق والمراقبة، وقول الحق بلا مواربة، أم لا تزال هناك غمغمة وعمعمة؟!
"غفرانك ربنا وإليك المصير".


نسأل الله تعالى.. أن يستعملنا في طاعته، ونضرع إليه جل وعلا.. أن يجعلنا من الآمنين المؤْمنين المؤَمَنين المؤَمِنين المؤتمِنين المؤتمَنين، وأن يبعد عنا أهل الغدر والخيانة، وسيئي البطانة، إن ربي على كل شيء قدير، "نعم المولى ونعم النصير".

وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٧/٨



ح................
(١) وفي رواية الدكتور محمد الفريح، قال: إذ عرض لي التفكير في عملي، وصرت أخاطب نفسي بلا كلام، يا أبا سليمان، تركت أهلك أكثر من شهرين، وتحملت التعب والنصب، وكابدت السفر ومشاقه، وآخرتها تفعل ذلك.


(٢) ينظر:
-مقال (تقييدات وحكايات من رحلة العثيمين مع المخطوطات)، للأستاذ محمد بن سليمان القبيل.
-ومقال (الدكتور عبدالرحمن العثيمين -رحمه الله- فقيد المخطوطات وشيخ المحققين)، للدكتور محمد بن فهد الفريح.
-ومقال (نفح العبير من لقاء الشيخين: العثيمين والخضير)، للأستاذ تميم بن عبدالعزيز القاضي.
ضمن (الفوائد المنتقاة: ٢٨ - ٧٤ - ٨٨).

الاثنين، 2 مارس 2020

الناشر الأرزوني أسعد طرابزوني! أو: تقريب الأبعد.. في سيرة أسعد!


الناشر الأرزوني.. أسعد طرابزوني!
أو
تقريب الأبعد.. في سيرة أسعد!

الأستاذ أسعد أمين طرابزوني (درابزوني) الحسيني المدني،(١) تـ١٤٠٩، أحد أعيان المدينة النبوية، على صاحبها أزكى صلاة، وأذكى تحية.

-كان مديراً للإحصاء، ثم مسؤولاً عن الأحوال المدنية في المدينة النبوية، ومديراً للجوازات والجنسية، ومديراً لمكتب السلطان محمود.

-كان ضمن هيئة تحديد حدود حرم المدينة النبوية.
ينظر: (مجموع فتاوى ابن إبراهيم: ٥/ ٢٣٩).

-كان عضواً في الجمعيات: الإسعاف وسوريا وفلسطين وتوحيد المكاتب الأميرية.

-كان محباً للمساكين، وعطوفاً عليهم، وعاطفاً على من يعملون معه، واقفاً بجانبهم.

-كانت له جلسات، في منزله العامر، بشارع الساحة، يقيم فيه مجالس عامرة، ويتناول رواده معظم الأمور المتعلقة بالثقافة والأدب والنشر.

يضم المجلس كوكبة، من الأدباء والشعراء، ومنهم: السيد حمزة غوث، والأستاذ عبد العزيز بري، والأستاذ موسى العطاس، والأستاذ سالم أسعد، والأستاذ عبد المحسن بري، والسيد حسن حسين، والسيد محمد عمر توفيق، والسيد علي حافظ، والسيد عثمان حافظ، والشاعر حسن الصيرفي، والسيد هشام علي حافظ، والشيخ صلاح الدين عبد الجواد، والأستاذ محمد حسين زيدان، والشيخ فهمي حشاني، والشيخ بهاء الدين خاشقجي، والشيخ عبد القادر غوث، والشيخ مصطفى عطار وغيرهم، من أعيان المدينة النبوية وأدبائها.
ينظر: (صور وذكريات عن المدينة المنورة) للسيد عثمان حافظ.

-كان ممن يحضرون (ندوة الرفاعي).
ذكره الدكتور عايض الردادي، في كتابه (ندوة الرفاعي).

-وهو من تلاميذ العلامة المحقق الشيخ محمد الطيب الأنصاري، وممن تخرج على يديه.
والشيخ الأنصاري: "علّم بالمسجد النبوي الشريف؛ ابتغاء ثواب الله ورضوانه، وبحسن نواياه، وإخلاصه، وببركة صلاحه.. تخرج على يديه، فئة من العلماء الصالحين- الذين تدرجوا في مناصب الدولة".
حاشية مقدمة (التحفة اللطيفة).

-ارتاد طرابزوني.. دنيا النشر مبكراً، وأخرج للناس بعض ذخائر التراث الإسلامي، وخاصة ما كان رابضاً على أرفف مكتبات المدينة، أو ما هو متعلق بالمدينة النبوية.

وقد بدأ طريقه إليها.. شاباً، حدث السن، فكان في أعماقه، هاجس ملح، في أن يخرج للناس بعض ذخائر تراثهم، وخاصة ذلك التراث النفيس الثاوي في مكتبات المدينة المنورة وهي مكتبات عرفت بنفائس كتب التراث.
ينظر: (الجزيرة: ٥/ ٩/ ۱٤٠٩، بقلم عبد العزيز الرفاعي، الفيصل ع ١٤٧ (رمضان ١٤٠٩ ) ص: ١١٤)

اسمعه، يقول -في تقديمه لكتاب (التحفة اللطيفة): "منذ نشأتي، ولما أبلغ العشرين من عمري، وأنا أهوى دراسة التاريخ. ولقد رغبت وكرست كل جهدي لإصدار تاريخ للبلاد المقدس (المدينة المنورة)".

ثم يزفر زفرات، من بعض الموسرين والأعيان، وقد كتب إليهم؛ لإعانته على إخراج (التحفة اللطيفة) للسخاوي.. لكنه لم يجد تعاوناً منهم!
فاعتمد على ربه، ثم على ما عنده من إمكانات، وسافر لذلك ولغب وجشب، حتى أوتيت ثماره يانعة، طيبة المأكل، شهية المذاق.

قال متأوهاً: "وبادرت بالكتابة، إلى أولي طول؛ لیساهموا في هذه الفضيلة، ويشاركوا في هذا الشرف- شرف إحياء كتاب (التحفة) بعد أن غاب في رمسه سبعمائة عام، ولكنهم آثروا أن تكون أموالهم مكدسة في خزائنها، أو في متاع الدنيا؛ لأنهم لا يريدون فضلا! هيهات لهم أن يقدروه حق قدره"!

ثم يواصل مسيرته، دون كلل أو ملل، فيقول: "أخذت نفسي بكل أسباب البحث الجاد عنه في مكتبات عديدة ... وها أنذا، أقدم لمحبي تراثنا، وعارفي فضله في العالم الإسلامي: شرقاً، وغرباً، درة من درر التراث، تحوي تاريخاً شريفاً، عن مدينة أكرم الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام.
يهديني في مسعاي؛ قوله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز: "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

أقدم عملي هذا، خالصاً لوجه الله جلت قدرته؛ وفاء من أحد أبناء البلد الطيب الكريم، وبعثاً لذكراه العطرة، في نفوس المسلمين، ما بقيت راية الإسلام، خفاقة على جبين الدهر. "وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
الناشر: أسعد طرابزوني الحسیني.
١٣٩٩هـ
١٩٧٩م". 

-نشر كتباً، لم تنشر من قبل، بل كان هو فاتقها، على ما توفر من نسخ على قدر وكده وجهده. 
وكان هو يتولى النشر والإشراف، ويتولى التحقيق من له خبر وسبر بعلم التحقيق.(٢)

وقد ظن البعض؛ أنه هو المحقق؛ لذلك وجدت بعضاً، يقول عن بعض الكتب التي نشرها.. تحقيق: أسعد طرابزوني! 

على أنه ربما شارك في التصحيح والتحرير، في بعض الكتب.. فترى أنه قد كتب على طرة كتاب (عمدة الأخبار في مدينة المختار) للمحقق العلامة الشيخ أحمد بن عبد الحميد العباسي، -الذي قام بتصحيحه وتحرير ألفاظه الشيخ محمد الطيب الأنصاري-: "أوضح غوامضه، وأضاف إليه أبحاثاً علمية، وأوضح بعض الآثار ومواقعها الآن، وكيف كانت من قبل.. ناشره: السيد أسعد طرابزوني".

على الرغم، من انتقاد البعض له، في بعض تعليقاته وتصحيحاته.. لكن، يعرف للرجل حقه، ويكتب له سبقه، في دنيا النشر، فما نشره، كان هو أبو عذرته، وابن بجدته!
ينظر: (حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية: ٥٥٥) تأليف: د أحمد بن محمد الضبيب.

بعض منشوراته:
-(نكت الهميان في نكت العميان) للعلامة صلاح الدين أبو الصفاء، خليل بن أيبك بن عبد الله الألبَكِي الصفدي، تـ٧٦٤.
نشره عام ١٤٠٤.

-(السلوانات في مسامرة الخلفاء والسادات) للعلامة محمد بن عبد الله بن ظفر الصقلي، تـ٥٧٠.
نشره سنة ١٩٧٨م، بتقديم ومراجعة أبي نهلة أحمد بن عبد المجيد.(٣)

-(التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة) لشمس الدين السخاوي، تـ٩٠٢.
نشره سنة ١٣٧٦، على نفقة المحسن الكبير حسن عباس الشربتلي، وطبع في مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة، بعناية العلامة محمد حامد الفقي، وتقديم الأديب طه حسين!
وطبع ثانية، في مطبعة دار نشر الثقافة القاهرة.(٤)

-(عمدة الأخبار في مدينة المختار)، للعلامة أحمد بن عبد الحميد العباسي، المتوفى، في القرن العاشر الهجري.
صححه وحرره الشيخ محمد الطيب الأنصاري.
طبع على نفقة أسعد طرابزوني الحسيني. 

وبملحق هذا الكتاب (عمدة الأخبار) للعباسي؛ خلاصة مقتضبة عن مشروع توسعة الحرم النبوي، للأستاذ أسعد طرابزوني.

-(الأوائل) لأبي هلال العسكري، المتوفى، في نحو ٣٩٥، حققه الدكتور محمد السيد الوكيل، في مدينة جدة.
نشره سنة ١٤٠٦هـ ١٩٨٥م.(٥)

-(عبث الوليد) شرح(٦) ديوان البحتري، لأبي العلاء المعري، تـ٤٤٩، علق عليه محمد عبد الله المدني.
نشره أسعد طرابزوني، في مطبعة الترقي، ثم في دار الرفاعي، بالرياض.(٧)

-(التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة) للعلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد المطري، تـ٧٤١، تحقيق محمد بن عبد المحسن الخيال.(٨)

-(تفسير القرآن العظيم) للإمام إسماعيل ابن كثير الدمشقي، تـ٧٧٤.
نشره في القاهرة، سنة ١٩٠٠، الأستاذ أسعد طرابزوني الحسيني. 

-(أدب القاضي) لأبي بكر أحمد بن عمرو بن مهير الشيباني، تـ٢٦١، وشرحه لأبي بكر أحمد بن علي الرازي، المتوفى سنة ٣٧٠.
نشره السيد أسعد طرابزوني الحسيني، سنة ١٤٠٠.

-(الإكليل في استنباط التنزيل) للإمام جلال الدين السيوطي، تـ٩١١، راجعه وصححه: أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري.
طبع على نفقة أسعد طرابزوني.

ومن مؤلفاته:
-(تاريخ أسرة الطرابزون منذ قيامها من العراق حتى تركيا ومكة المكرمة والمدينة المنورة)
ينظر: (تكملة معجم المؤلفين: ٦٥٩).

ومن مقالاته: أول من استوطن المدينة المنورة وتاريخها قبل الإسلام.
ينظر: (مجلة المنهل: مجلة شهرية للآداب والعلوم والثقافة، مج ٢، ص ٤٧ - ٤٩، ع ١١ ، ١٢ ( شوال / ذوالقعدة ١٣٥٧، المواقق، نوفمبر / ديسمبر ١٩٣٨ ).
 
وأختم بهذا التقريظ الباذخ؛ لأحد الشعراء، لبعض نشرات السيد أسعد طرابزوني:

(عبث الوليد) و (عمدة الأخبارِ) *** كنزان في الآداب والآثارِ

دنَّان تُرتشف السلافة منهما ***  في غير ما وزر ودون خمارِ

حسرا النقاب عن الجمال وما طوتْ *** حجب العصور وصفحة الأسرارِ

طلعا كمفترّ الجمان وأقبلا *** في حلية الحسناء يوم نُثارِ

وتأرجا كالزهر ثم تبلّجا *** طرراً تموج على جبين نهارِ

خلت القرون عليهما من غابرٍ *** بين (الخزائن) في أسىً وأسارِ

حتى اجتلى ما فيهما وجلاهما *** مثل النبوغ وعثرة (المختارِ)

إني لأشهد أنّ (أسعد) حجةٌ *** للعالمين وشيخه (الأنصاري) ***

وأراه أحوج ما نكون لمثلهِ *** في بذل مجهودٍ وبعث فَخَارِ

وإلى التغلغل في غَيابة ما مضى *** والبحث عما ضاع من أسفارِ

فهناك يلتمس الشباب حياتهمْ *** في العلم والأخلاق والأسمارِ

وذلك لما "أهدى الأديب السيد أسعد طرابزوني -ناشر كتابي (عبث الوليد) و (عمدة الأخبار في مدينة الأخبار) إلى الشاعر، وقد كان لهذا الإهداء أثره الحسن، كما كان لذلك المجهود والنشاط الذي قام به الناشر في سبيل إخراج هذا الكتاب.. الأثر الجميل في نفس شاعرنا؛ فرد على الإهداء، بهذه القطعة الشعرية التقريظية.
ينظر: (صوت الحجاز: ع ٣٨٣، ص ١، الأربعاء ٣/ ٥/ ١٣٨٥هـ، الموافق ٢١ يونيو ١٩٣٩م).

هذا ما استطعت التقاطه من الأجلاد والطرر، والمجلات الغرر؛ باعثاً بذلك.. كتبياً مغموراً، وناشراً مطموراً، جلوت عنه بعض الملامح، وجعلته في عداد الواضح، أبتغي من الله التحقيق، وهو سبحانه، ولي الهداية والتوفيق.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤٠/٥/٦
١٤٤١/٧/٧
بـ ح ي المحروسة المأنوسة.

ح.............
(١) تنبيه: يوجد عَلم آخر، شبيه بمترجمنا، وهو السيد أسعد بن محيي الدين الحسيني.
ينظر: (آثار المدينة المنورة: ١٩٩) للأستاذ عبد القدوس الأنصاري.

(٢) وهذا لعمري، خلق حسن، وكبر نفس، ونأي عن الأثرة، وبعد عن الأنانية، ومعرفة القدر.. لا كبعض من لبس ثوباً ليس له، فتراه يجوس خلال المخطوطات، يعيث فيها فساداً، دون خوف أو حياء أو مروءة، وفي الحديث (إذا لم تستح؛ فاصنع ما شئت) فخرّج كتباً على المجاز، مسخاء شوهاء، مخدوجة، لم يتم حملها، ولم تكن هناك قابلة خريتة!
وأعانه على ذلك بعض دور الزور والاتجار، فيا لضيعة التحقيق!

(٣) تنبيه: طبع هذا الكتاب حديثاً، بعنوان: تنبيه العقلاء للحذر من الأصدقاء. وتحته بخط مغاير: سلوان المطاع في عدوان الأتباع، من تحقيق: محمد مطر سالم بن عابد الكعبي. 
والذي سماه به مؤلفه، هو (سلوان المطاع في عدوان الأتباع) فلا أدري، لم غير العنوان في النشرة الأولى، ولماذا زيد في العنوان، في النشرة الأخرى؟! 

(٤) تنبيه: في الطبعة التي زبر على طرتها: عني بطبعه ونشره: أسعد طرابزوني الحسيني.. وجدت فيها، أن الشيخ محمد حامد الفقي، حقق الكتاب وصححه، وتعب عليه، وقدم له الدكتور طه حسين. وطبع في مطبعة السنة المحمدية. 

ولا أدري، هل الناشر هو طرابزوني، والمحقق هو الفقي؟ 
هذا هو المتبادر، ولكني لم أجد أي إشارة من أحدهما للآخر، سوى ما وجدت من شكر طه حسين؛ للناشر، (ولم يسمه) وشكر للمحقق حامد الفقي.
ولكن تاريخ كل منهما يختلف، فبينما نجد الشيخ حامد، يؤرخ نهاية مقدمته، بهذا التاريخ: ١٣٧٦هـ ١٩٥٧م.. نجد الناشر طرابزوني، يؤرخ نهاية مقدمته، بهذا التاريخ: ١٣٩٩هـ ١٩٧٩م.
ونجد أيضاً: أن طرابزوني، سافر إلى الأستانة؛ للحصول على مخطوطات الكتاب، بينما نجد أن الفقي يقدم شكره للدكتور صلاح الدين المنجد- الذي تفضل عليه بمخطوطات الكتاب! 
فهل الفقي، حقق الكتاب أولاً بهذا التاريخ، ثم تركه حتى جاء الناشر طرابزوني وأخرجه في ذلك الوقت المؤرَّخ؟! 

(٥) وقد صرح بهذا المحقق، فقال في مقدمة الطبعة الأولى: "وقد عهد إلي، سعادة مدير الجوازات والجنسية بالمدينة المنورة: السيد أسعد طرابزوني.. بتصحيحه، وتحقيقه، والتعليق عليه، وقدم إلي نسخة مخطوطة".

(٦) هذا القول يتبين أن (عبث الوليد) ليس شرحاً لديوان البحتري، بأبياته ومعانيه جميعاً، وإنما هو نظرات وتدقيق، وملاحظات تصحيح، لما تراءى للمعري، في بعض الأبيات والمناسبات، ويدل هذا الكتاب على ناحية من مناحي (أبي العلاء) في إملائه وتدريسه، فإنه بنشره، يدل على مبلغ الشعور بضرورة إحياء مآثر الأجداد، وعلى مدى التعاون الثقافي بين أبناء مختلف الأقطار العربية (نسخاً وتصحيحاً نشراً وطبعاً وتقدمة)، ويبشر بمستقبل الوحدة العربية المنشودة، فنشكر للعاملين جهودهم، ونرجو لهم الإقبال على كتابهم؛ ليكون ذلك حافزاً لهممهم، فيواصلوا مثل هذه الجهود المثمرة.
ينظر: (مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد العاشر، ١٣٥٦هـ - ١٩٣٧م.

(٧) كان هذا الكتاب معروف الاسم، دون الرسم، حتى اهتدى إليه السيد أسعد طرابزوني في المدينة المنورة، في مكتبة السلطان (محمود الثاني)، المسماة (المكتبة المحمودية)، ففرح بها، وعقد العزم على نشر الكتاب، فاستنسخه، وكان ناسخه هو الشيخ (عبد المعطي)، وقام بمراجعة النسخ، الشيخ محمود شويل -أحد علماء الحرمين-، ثم استشار العلامة الشيخ محمد الطيب الأنصاري، فيمن يعهد إليه بشرح غامضه، والتعليق عليه، وتفسير مشكله، فأشار عليه بأقدر تلاميذه، وهو الأستاذ محمد عبد الله المدني، وانتهز فرصة زيارة عَلمين كبيرين من أعلام الأدب للمدينة المنورة، هما أمير البيان شكيب أرسلان، والدكتور محمد حسين هيكل، فكتب كل منهما مقدمة للكتاب، وحلاَّه بصورة الملك عبد العزيز -رحمه الله- الذي أهدي إليه الكتاب.

أما ملتزم الطبع.. فهي مطبعة الترقي بدمشق لصاحبها الأديب (صالح الجيلاني)، وأسند الإشراف على تصحيح الكتاب.. إلى الأستاذ محمود الحمصي، الذي كان يشغل بعض الوظائف العلمية، في الحجاز ثم عاد إلى دمشق.
ينظر: (الإثنينية) بتصرف. و(مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد العاشر، ١٣٥٦هـ - ١٩٣٧م.

(٨) كتبت مقالاً عن عنوان هذا الكتاب، وسمته، بـ(نفسي أَبْسَتْ (من) و(إلى) ضبط كلمة (أَنْسَتْ)!
من وسم كتاب: (التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة)!