الثلاثاء، 30 مارس 2021

براءة الطفولة.. طفل يسقي رأس غنمة مذبوحة!

 


براءة الطفولة.. طفل يسقي رأس غنمة مذبوحة!


طفلاً، رأيت.. ببراءته .. بطفولته .. بصغر جسمه  .. بكبر فعله.. يتناول إناء فيه ماء، ويحاول جاهداً.. أن يسقي رأس غنمة مذبوحة!


أشجاني، وحرك ساكني، وأثار كامني، فتناولت طرسي وقلمي، لأجلس إلى هذا الطفل!

نعم، لأجلس إليه .. لأتعلم منه .. لآخذ عنه .. لأنهل من براءته!


فقد أخذتُ العلم -والحمد لله- عن كبار فطاحل، وأقرام سمادع، لكني اليوم، آخذه عن صبيٍ ناشئ، لم يحسن الخطو بعد!

فليس هذا بظائري..


وقد قال وكيع بن الجراح الرؤاسي: "لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث، حتى يكتبه -أي: الحديث والعلم- عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو  دونه".

(المقنع في علوم الحديث: ١/ ٤١٢)


فها أنا آخذ العلم، عمن هو دوني سناً، وأبثُّ ما تعلمته إلى العالمين!


وكم هي العبرة والعظة والموعظة، عندما تكون من صغير، لا بجسمه النحيل الضئيل، وإنما بخلقه النبيل الجميل!

فدونكم دروس على الطروس:


قلت من فيض خاطري:

هذه البراءة، بأبهى حلة، وأنصع صورة.. فلا حقد ولا انتقام، بل رحمة واحترام، وألفة و(وئام)!


رأى رأس غنمته، قد فصل عن جسدها، وهو لا يدري ما الخطب؟!


إلا أنه شعر أن هناك مكروهاً، أصابها، وألماً حلّ بها!

فأسرع إلى الماء؛ لينقذها؛ لأن في الماء الحياة والنماء.

وهذا هو كل ما يملك، ويسطيع!


صائحاً بها: هيا، اشربي .. اشربي.. غنمتي، أرجوك.. مالك لا تجيبين.. أووو، اشربي.. مللت الانتظار  .. تعبت والقدح في يدي الصغيرتين!


غنمتي.. ماذا أصابك  .. مالذي حل بك.. هل أنت مريضة  .. هل أنت حزينة  .. هل أنت جوعى .. هل أنت عطشى؟!


ها هو الماء.. اشربي، ستشفين، ستقومين!


وأخذ يعدد عليها، كماً من الأسئلة البريئة.. علها، أن تجيبه، ولكن: للأسف، لم يظفر بجواب، بل كان في أحلام وسراب!


كل هذا؛ لأنه يحبها، ولأنها لم تؤذه، ولأنه كان يلاعبها وتلاعبه!


هل أدركتم لماذا نحب الأطفال، ويحبوننا؟

لأنهم، لم يؤذوننا، ولم يقفوا في طريق نجاحنا.

إنها البراءة، فلماذا لا تلازم الصغار، حتى يكون كبارا؟!


آه، يا صغيري: إنك لا تدري ما الحياة، وكيف هي مكابدتها "لقد خلقنا الإنسان في كبَد".


إنك يا حبيبي: لا تفهم هذه الأمور المُعقّدة؟!


ترى، كيف تجيبك، وقد قُطعت أوداجها، وشخبت دماؤها؟!


آه، يا عزيزي -حفظك الله، ودُمت على برائتك- مسكين أنت، لا تدري ذلك، ولا تعرف ما هنالك؟

إن هذا هو الموت، بأبشع صوره  .. إنه الفناء .. إنه البِلى.


حفظك الله -يا صغيري-.. فقد فعلت ما بوسعك؛ لتُفادي وتفتدي هلاك حيوان!

وهناك أمّة، تعمل ما بوسِعها، لفناء أمّة!


حفظك الله -يا صغيري-.. تريد أن تُلئم الجرح، وترقع الفتق، وتخيط الخرق!

وهناك أمة، تسعى لشقاء أمة، والفتك بها، والقضاء عليها!


حفظك الله -يا صغيري-.. أراك تكره القتل والدماء، وتسعى للعيش والبقاء!

وهناك أمة، تسعى، لفناء أمة، وقطعها من جذورها، وقطعها عن أوصالها!


هذه قراءات، -يا صغيري- قرأتها، من فعلك البريء، ولو أردت، لزدت وأطلت!


ولكن عسى، أن يكون فيما عليه اقتصرت؛ عبرة لمعتبر، وتنبيه لمدّكر.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي،،

١٤٣٧٢/١٥



السبت، 27 مارس 2021

ثَوَان.. مع متعلق بالقرآن!

 ثَوَان.. مع متعلق بالقرآن!


وقفت للانتظار، بجانب محل للاتجار، فخرج منه رجل ربعة، نصفة، أبيض اللون، حليق اللحية، يلبس البنطلون!


نظر إلي مبتسماً، فبادلته الابتسام، وباديته الكلام، فتنادمنا، حتى جرّنا الحديث؛ للتحدث عن حال بلادنا الغالية العالية (وكثيراً ما يجر حديث الناس إلى هذا؛ لأنه واقع ممضّ مُرِضّ ممرض!)


أقول: ليس غريباً الحديث عن حال العباد، ووضع البلاد، بل هو المتبادر إلى الذهن، لكن الغريب، مزج الحديث، بذكر الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بل وعزو ما نعيشه اليوم.. إلى بُعد الناس عن القرآن الكريم!


وكان عجيباً؛ لأن هذه الموعظة، ليست من رجل، ظاهره يشي بذلك، أو يدل على ما هنالك!

ولكن، لا يجوز قطع الحكم، على الظاهر، فالظاهر، قد يغر، فيضر!


فهذا الرجل، عندما فاتشته.. رأيت علامة الإيمان عليه بادية، والثقة بالله إليه منادية!


ومما قال لي: يجب على الناس.. أن يقرؤوا القرآن، وأن يكون لهم، كل يوم، صفحات من كتاب الله تعالى، يتنورون بها، ويهتدون بما فيها!


ثم قال: أنا -الحمد لله- كل يوم، بعد صلاة الفجر.. أقرأ صفحات من القرآن، فأرتاح وأنشرح، وأتعرف على الحلال والحرام، فكل شيء موجود في القرآن!


وقال: لما ابتعدنا عن القرآن الكريم؛ أراد الله أن يؤدبنا، حتى نرجع إليه سبحانه وتعالى.


فيا أيها الدعاة.. رفقاً بالناس، ولا تحكموا على الظواهر، فحسب، بل عاملوا الناس جميعهم، بالرفق واللين، والحب والحدب.


أقول هذا؛ لأنه يوجد من بعض مَن لبس زي الدعاة -ولا يمثل إلا نفسه الأفِنة-.. مَن ينظر إلى حالق اللحية، أو المسبل ونحوهما، نظرة نقص وبخس، وهذا مناف لأخلاق الرسول الكريم، عليه الصلاة والتسليم.


ويا أيها الناس.. عودوا إلى كتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم: قراءة، وتدبراً، وتفسيراً، وشرحاً، واستفساراً.. تبهجون أنفسكم، وتشرحون صدوركم، وتنوّرون قلوبكم.


وسلام السلام عليكم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٨/١٥

الجمعة، 26 مارس 2021

زيارة عالم يماني مغمور.. (وكثير ما هم)!

 زيارة عالم يماني مغمور.. (وكثير ما هم)!


بعد العصر من يوم السبت ١٤٣٧/٦/١٧.. زرت الشيخ الوقور والعالم الصبور: أحمد بن علي جبر -حفظه الله وشفاه- أما الآن، فقد مات -رحمه الله وغفر له-.


دخلت من كوة الباب، وإذا بي أصعد درجاً طويلاً متتابعاً غير منقطع بل متتالياً..  يُتعب الشاب الصحيح، كيف بشيخ، بلغ عمره الثمانين، مع زيارة الأمراض له!

وهي دار، عديمة من كل وسائل الراحة، ولكنه كان بمنتهى الراحة!

فالعبرة، ليست بالأعراض، إنما العبرة، رضا القلب، واطمئنان الفؤاد، وانشراح الصدر!

فكم من بيت واسع، ضيق أصحابه، وكم من منزل ضيق، طيب أحبابه!

فاعجب وتعجب!


ياللعجب، -وليس في الحقيقة، عجباً-؛ إذ هذه دار فانية زائلة، نرجوا أن لا نكون من  أبنائها ولا طلابها، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا)!


صعدت، فوصلت إلى شيخ قد ابيّض شعره، وثقل لسانه، -إلا من ذكر الله-! وانحنى ظهره، وذهبت نضرة شبابه!


سلمنا عليه، فرد بأحسن، وهش وبش في وجوهنا، وصاح في وجه ولده: ياعلي.. أكرم المشايخ!

قلنا له: شيخنا، أتيناك مسلِّمين، ثم مغادرين -رفع الله قدرك-، لكنه الكرم والشمم!


أخبرنا.. أنه من محافظة المحويت، بالقرب من مديرية الخبت، وأنه ذهب إلى المملكة، ودرس فيها الابتدائية، حتى تخرج من الجامعة الإسلامية، وكان الأول على دفعته!


 وزامل فيها: شيخنا العلامة مقبل الوادعي، وقال عنه: ذاك زميلي وأخي وحبيبي -رحمه الله-.


والتقى بالعلامة محمد الأمين الشنقيطي، والعلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمهما الله-.


ودرس عند العلامة ابن باز، وقال: ذاك شيخي -رحمه الله- وهنا، أطلق لدموعه العنان، فنزلت غزاراً، تتحدر من صبب!


وقد التقى وزامل ودرس عند غير هؤلاء، ولكن لمرضه؛ استحيينا، فلم نتمكن من توجيه مزيد من الأسئلة إليه.


ومما عرف عن هذا الشيخ -حفظه الله-:

-صدعه بالحق، غير هياب ولا عياب.

-نكره للبدع والخرافات، أياً كانت، وممن كانت.

-تعليمه للناس دبر بعض الصلوات في مسجد بجوار بيته، قبل مرضه الأخير.


رأيناه يحمل الأمل، رغم شدة فقره، ودوام مرضه، وكان مما قال لنا: الحمد لله، أنا بخير، مرض خفيف، وسأقوم -بإذن الله-!


قلت: سبحان الله، أين نحن من هذا الأمل العظيم، والفأل الحسن، الذي نفقده لدى كثير من شباب اليوم، بل يأس وقنوط، وسوء ظن بالكريم الوهاب!


وعندما أردنا الانصراف، قال لنا: أرجوكم .. أرجوكم، آنستموني .. والله آنستموني.. اجلسوا .. اجلسوا!

اعتذرنا إليه بلطف، سائلين الله له العافية، وطول العمر، مع حسن العمل.


والشكر المتواصل؛ لمن دلني عليه.. الشيخ المفيد سالم علي جمعان -حفظه الله وكشف ضره-.


وبعد، فهذه كلمات كتبتها، عن شيخنا الجليل -حفظه الله وعافاه- وأرجو من ربي الكريم سبحانه، أن يمنّ عليه بالعفو والعافية، ويكفيه ما أهمه، ويكشف حزنه وغمه، والله الخبير اللطيف.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي

١٤٣٧/٦/١٧


الأربعاء، 24 مارس 2021

رحيل أحد علماء الهند!

 


رحيل أحد علماء الهند!

#وفاة_علم


سمعت اليوم، بوفاة مجيزنا الشيخ العالم قمر الدين محمود الهندي البرودي.


وقد سمعت عليه، ومجموعة من المشايخ الكرام.. مجالس سماع (جامع الترمذي) كاملاً سوى أحاديث يسيرة.


وقد قرئ في أثناء الترمذي: (النخبة) و(الطحاوية) و(الشمائل) و(السنبلية) وغيرها من المتون، وقد سمعتها بأفوات.

والحمد لله رب العالمين.


وللأسف، لا أعلم عن هذا الشيخ الجليل، شيئاً من حياته أو رحلاته ونحوها!

والله المستعان.


ولا ضير معرفة الخلق، إذا عرفك الخالق.

بل إن معرفتهم، قد تكون وبالاً وخبالاً، لا سيما أيامنا هذه الخوالف، فاللهم غفراً.


كما قال الشيخ حافظ حكمي:

وما اغتراري بأهل الأرض لو مدحوا *** وفي السموات قدري لست أدريه!


رحم الله الفقيد، رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.



وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٢/٨/١٠


الثلاثاء، 23 مارس 2021

رحيل فطحل شنقيطي!

 

رحيل فطحل شنقيطي!

#وفاة_علم


سمعت يوم الإثنين ١٤٤٢/٨/٧.. عن وفاة العالم العَلم، النحوي اللغوي، الزاهد العابد: محمد الحسن ولد سالم الحسني الشنقيطي!


وللأمانة؛ لتشابه أسماء الشناقطة المركبة.. لم أمزه عن غيره!


ويا للسوء.. فإني لم أشرف بلقيّه أو حتى السماع له، ولو من وراء جدر!

إرادة الله الحكيم "ذلك تقدير العزيز العليم" لكني سمعت عنه عجباً، في: الزهد والورع، والعلم والحفظ، والعبادة والزهادة، والتأله والتوله، وقل ما شيت، من عبارات التجلة والثناء، فـ "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"!


وأقول هنا: رحم الله نحارير العلوم، وعماليق الفنون، وأقرام المكارم:

تلك المكارم لا قعبان من لبن *** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا!


وما أحرى، أن تسطر حياتهم، في قراطيس جياد، تكون رافداً للقاصدين، وعاضداً للوافدين.


لا سيما، هاته الأيام العجاف، التي طغت فيها المادة على الجادة، واتجه الطغام خلف كل ناعق، ورأد مشاهير، ليسوا في العير ولا في النفير.

والله وحده المستعان.


فيا طلاب العلم.. هيا، انبشوا عن السمادع، وافتشوا عن المصاقع.. زاحموهم بالركب دون احتكاك، ورافقوهم في العشي والإبكار، فثَم الحكمة والرحمة، والعلم والفهم.


هيا، انبذوا أنصاف الشيوخ، وارفضوا أشبار العلوم، واهجروا الحصارم.. فإنهم مصدر بلاء، وبرهان إفلاس، وغالب ما يؤتى الإسلام، من قبَلهم؛ لأن حالهم، قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: (فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)! فاحذروا وحذّروا.



وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٢/٨/١٠


الاثنين، 22 مارس 2021

رحيل أحد العلماء ومالكي المخطوطات!

رحيل أحد العلماء ومالكي المخطوطات!

#وفاة_علم
تلقيت نبأ وفاة العلامة الحاج أحمد حمود الشي، وذلك بعد صراع طويل مع المرض في العاصمة صنعاء، عن عمر ناهز الثمانين عاماً.

قضى معظمه في طلب العلم والتعلم والفقه والشريعة وخدمة التعليم والتعلم والتربية، والفتوى برؤية ثاقبة، وفهم راسخ، وإدراك واسع.

وكان هامة علمية، وقامة فقهية، ولا يبخل بشيء من الخدمات العلمية، سواء مطبوعة أو مخطوطة -كما أخبرني بعض أهل بلده-.

وقد ترك من الإرث العلمي الكبير: الحسي والمعنوي، والخصال الحميدة التي خلفها الفقيد طوال تاريخ حياته الحافل بالخير والعطاء من خلال تأسيسه وترأسه للمعهد العلمي في مدينة الطويلة، بمحافظة المحويت، وتربيته وتعليمه لعدد من طالبي العلم الذين غدوا قامات تربوية وعلمية وفقهية في كثير من مناطق ومديريات المحافظة، بل اليمن كله.

 وإنه ليشهد للفقيد العام والخاص بأنه كان دوماً مثالاً في الورع والزهد وقوة العبادة وخدمة الناس، متفانياً لايكل ولا يمل حتى وافاه الأجل المحتوم.

ومما أذكره بحسرة وتحسر، أنني في سفرتي الأخيرة لمحافظة المحويت، أردت زيارته، فأخبروني أن سكنه بعيد جداً عن المكان الذي أنا فيه، فتأوهت وحزنت؛ لأن نفقتي قد انقطعت بي، فلم أستطع اللحاق به، والذهاب إليه، فاسترجعت، ورجعت أدراجي مخلفاً ورائي، عَلما وعِلما، وعالِما وعالَما!

ولا أكتمكم سري، أني لم أكره الفقر، وأشعر بإزعاجه؛ إلا في مثل هاته اللحظات، التي تشعر بفقد كنز عظيم، وعلم عميم!
والحمد لله على كل حال.

وكنت على أمل.. أن أعود إليه، ولكن لم أستطع، لأمور كثيرة، منها: ما تشهده بلادي من حرب وفتن، وما خلفته من فقر وجهد وبلاء؛ جعلتنا قعداء بيوتنا!
لكني أتسلى، بـ:
(اللهم اجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها)

وقد تم تشييع جثمان الفقيد إلى ربه الكريم؛ صباح اليوم الأربعاء في مسقط رأسه بمديرية الطويلة، بعد الصلاة عليه في الجامع الكبير بالمدينة. 

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، ومغفرته وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي. 
١٤٣٧/٦/١٤
(كتبت هذا مما سمعت، ومستفيداً من بعض من كَتب)

الأحد، 21 مارس 2021

ورعٌ بارد، ورحمة مصطنعة!

 


ورعٌ بارد، ورحمة مصطنعة!


عجبي لا ينقضي، ودهشي لا ينتهي.. ممن يتهاونون في شأن أهل الزندقة والاستهزاء بدين الله سبحانه، والسخرية من أنبيائه الكرام، والمحاربة لشرائع الإسلام!


ويكأن هؤلاء، لا يغارون على دين الله تعالى.. أبلغت بهم الرحمة المصطنعة، إلى هذا المنحدر الخطر؟! أين هم، من التمعر، لدين الله تعالى؟! كيف طابت لهم نفوسهم، مدحهم والثناء عليهم؟!


فما إن نسمع بموت زنديق، أو قاطع طريق.. إلا ويصمك العويل حوله، والنعيق عنه، والعواء نحوه، والنهيق له!


إن هذا الحب والود والتغاضي.. ينال من دين صاحبه، بل ويخدش إسلامه، أما الإيمان، فهو عنه بمعزل!


وكما علمتم، أن الله "غفور رحيم" فاعلموا، أنه "شديد العقاب" واقرؤوا قول الرحيم الرحمن، "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون".


بالله عليكم.. ألا تستحون من ربكم، حال ترحمكم، على من يسب دينه، وينال من شريعته؟!


اللهم إن هؤلاء، أحد إثنين: إما جاهل، فيعلم، أو صاحب هوى، فيذمم.


والله حافظ دينه، ومعل كلمته، ومهلك أعداءه "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم".


فاستقيموا عباد الله، واعلموا أنكم إليه راجعون، وتوهموا انقلابكم إلى ربكم، فيجازيكم عن ما قلتم وفعلتم!


اللهم كما نتقرب إليك، بالترحم على أوليائك؛ فإنا نتقرب إليك، بالدعاء على أعدائك "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين".


هذه كلمة مرتجلة، ناسبت المقام، ومن أراد تأصيل المسألة.. فليرجع، إلى مقالي: (الفرح والسرور بهلاك أهل الكفر والشرور) أرجو أن يكون فيه سِداداً وسَدادا.



وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٢/٨/٨


التسوّل.. حرام!

 


التسوّل.. حرام!

كنت مع أولادي، فإذا بامرأة تهرع نحونا، تطلب معونة.. أعطيتها، ما تيسر.


ثم جاءت أخرى، فأمرت بإعطائها، فتلكؤوا قليلاً، ثم أعطوها المتيسر.


فلما ولّت؛ إذا بابنتي، تقول: التسول حرام!


نظرت إليها بإعجاب واستغراب.. كيف راعت إحراج المرأة، فلم تتكلم أمامها، وكيف عرفت هذا الحكم الشرعي؟!


قلت لها: أحسنت، التسول حرام، ولكن، لا ندري حاجة هذه المرأة إلى المال!


قاطعتني زوجي، وقالت: كم من متسول أو متسولة، ليسوا بحاجة، ولكنهم، جعلوها، لهم مهنة، فلا يستحقوا الإعطاء، وذكرتْ لي قصة، تشهد لها!


قلت لها: هذه قصة واحدة، لا يقاس عليها جميع السائلين، ولا شك أن الناس، يعيشون فقراً مذقعاً، ووضعاً ممقعاً.


سكت الجميع على غير اقتناع، ولكنهم آثروا عدم النزاع!


وأنا أقول الآن: لا يخلو سائل أو سائلة، من حالين:

إما احتياج وإعواز، وإما اعوجاج وإحراز.


فأما الأول.. فيجب إعطاؤه، وسد خلته، وقضاء حاجته، ولا يجوز نهره، قال تعالى: "وأما السائل فلا تنهر".


وأما الثاني.. فلا يجب، وهو آثم في فعله؛ لأنه سأل ما لا حاجة له إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن سأل الناس أموالهم تكثّراً، فإنما يسأل جمر جهنم، فليستقل أو ليستكثر)

رواه مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.


ولا يخلو المسؤول، من حالين:

إما بذل وإعطاء، وإما منع وإغضاء.


نسأل الله سبحانه وتعالى.. أن يهيئ للناس من أمرهم رشدا، وأن يقيهم شر أنفسهم، وأن يكفيهم بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/٢٩


الجمعة، 19 مارس 2021

وتنفّستُ الصُّعَداء!

 


وتنفّستُ الصُّعَداء!


صحيح، أنها كئيبة حريبة سليبة .. محرومة من أبسط عيش القرن العشرين .. مهضومة الجناح .. متقطعة الأوصال .. مقطوعة الأواصر .. ممزعة الأشلاء .. مخضبة بالدماء ..


كل هذه العاهات الشوهاء، وغيرها كثير مما لم أذكره.. لم يمنعني حبها، ولم يصدني هيامها، ولم يحدني من شغفها؛ لأنني رجل لا أعشق المظاهر، ولا تغرني الظواهر، بل أتسقط الدواخل والمخابر!


فكم من شوهاء الوجه، جعدة الشعر، فوهاء الفم.. إلا أنها، أنقى من اللبن، وأحلى من الشهد، وأطيب من الطِّيب!


وتعسي لا ينتهي، لعاشقي الجسد، ووالهي الظاهر؛ لأن حبهم يضمحل، وعشقهم يذبل، حين انتهاء ما عشقوا!


فإذا قُدّر، أن أحد هؤلاء النتنى.. تزوج رائعة الجمال، رايعة الدلال، ثم عرض لها ما كسف جمالها، أو جرى لها ما أذهب نضارها.. نبض حبه لها، وأفل نجمها عنده، وربما كان الفراق والطلاق!

فتباً لهؤلاء، وأف لهم، وتف عليهم..


أعود إلى معشوقتي ومحبوبتي، إنها بلدي المهيضة، وبلادي المريضة -داواها المداوي، وأبراها المشافي- وأي حُر، لا تُتَيِمه بلاده، حاشا العبيد؟!

وللأوطان في دم كل حرٍّ *** يد سلفت، ودَينٌ مُستحقُّ


أغيب عنها، برهات قليلة، فأتولع وأتوله، فأعود صباً إليها، مكباً عليها، بلثم القبل، وحزر المقل!


بلاد ألفناها على كل حالة *** وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن


ونستعذب الأرض التي لا هوى بها *** ولا ماؤها عذب.. ولكنها وطن


و"ليس الإنسان، أقنع بشيء منه بوطنه؛ لأنه يتبرم بكل شيء رديء، ويتذمم من كل شئ كريه، إلا من وطنه، وإن كان رديء التربة، كريه الغذاء، ولولا حب الناس للأوطان؛ لخرب أخابث الأرض والبلدان".

(ديوان المعاني: ٢/ ١٨٨) لأبي هلال العسكري.


كيف، إذا كانت هذه المعشوقة.. فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذه الأعين، وتدله العقول، وتحير الألباب.. من ماء، وخضرة، ووجه حسن!

ناهيك عن (الإيمان) و(الفقه) و(الحكمة) والحكماء، والعلم والعلماء، والخطوط والمخطوطات، والآثار والعمارات، والشواهد والكتابات إلى فضائل وفواضل، تعد ولا تحصى؟!


قولوا: مبالغات مدلّه، ومجاملات مولّه!


أقول: روينا في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بإسناد صحيح، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الخبر، كالمعاينة) وفي القواعد: (من علم، حجة على من لم يعلم)

هذا، إن جاوزتم، ثناءات رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي جاوزت الأربعين!


ووالله، إن ما حلّ بهذه الجميلة المليحة، من الشوائن والشوائه.. يفوق الحصر، ويقضي العجب، لكنها، لا زالت ملامح جمالها لائحة، ومواطن جلالها واضحة!


وكثيراً ما أقول لجلاسي: ربما، لو أن هذا البلاء المصبوب والمسكوب والمنكوب على بلاد أخرى؛ لصارت أثراً بعد العيان، وكانت في خبر كان.. لكن هنا، تتجلى دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، في دعائه لها، وذوذه عنها، وإخباره وأخباره الكثيرة الوفيرة، فاللهم تعريفاً وتشريفاً.


وتالله، ما إن وطئتْ قدمي، تربتها الطاهرة، إلا و"تنفست الصعداء"، وزالت عني البرحاء والرحضاء!


صحيح، أنها حين بُدوِّها لي.. رأيت الكآبة تعلوها، والخراب ينحوها، لكنها، لم تفتعله هي، بل كان ذلك بفعل غيرها:

غيري جنى، وأنا المعذب فيهمُ *** فكأنني سبابة المتندمِ!


وايم الحق، لا أَجمع عليها الكآبات، ولا أجُمع عليها الحرابات، بل يجب علي مساندتها، والوقوف معها في كرباتها، على قدر وكدي وجهدي، وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم.. أن نقف مع المظلوم، وهي مظلومة!


والوطن للإنسان.. روحه ونفسه ورئته، لا يبغي به سبيلا، ولا عنه تحويلا.

بلادي وإن جارت علي عزيزة *** وقومي وإن بخلوا علي كرامُ


وفي (قطوف أدبية): "الوطن.. هو المهد الأول لجسم الإنسان- يحنّ إليه كلما بعُد به المطاف في بلاد الله، ويشعر في قرارة نفسه بحبه وتفديته والاستهانة ببذل المال والنفس في سبيل الحفاظ عليه، ويدين له أبداً بالولاء والاعتزاز، مهما أغرته المغريات، وباعدت بينه وبين أرضه ضرورات العيش".


ويا ضيعة، من ضيع مرتع صباه، وموضع لهاه.. إنه مشكوك الأصل، متهجن الفرع، مقرف النسب.


وقرأت في بعض الكتب، أن "الحنين إلى الأوطان.. من أخلاق أشراف الرجال"!


ووجدت على طرة مخطوط:

ولي وطن آليت أن لا أبيعه *** وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا!


فيا أبناء الوطن.. عودوا إلى وطنكم ومواطنكم، بأجسادكم وأرواحكم، فإنها والدتكم، وهي في شوق لكم، وحسرة عليكم!


حتى القوارض، ناهيك عن الحيوان.. تحن لوطنها، وتشتاق لموطنها، وإليكم برهاناً:


قال ابن الجوزي: خاصمتِ امرأة زوجها، في تضييقه عليها وعلى نفسه.. فقالت: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن، وإلا فهو يسترزق من بيوت الجيران!

(الأذكياء: ٢٢٥)


قال الرافعي:

بلادي هواها في لساني وفي دمي *** يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي


ولا خير فيمن لا يحب بلادهُ *** ولا في حليف الحب إن لم يُتيمِ


ومن تؤوِهِ دار فيجحد فضلها *** يكن حيواناً فوقه كل أعجمِ


ومن يظلمِ الأوطان أو ينسَ حقها *** تجبه فنون الحادثات بأظلمِ



أيها الناس: إن أمكم.. متكبدة الحرارة، متجرعة المرارة؛ لفرقاكم، فهل شعرتم، أم أن قلوبكم.. قد ران عليها الران، واستولت عليها الجفوة، "فهي كالحجارة أو أشد قسوة"؟!



حذار، من التنكر لأصلكم؛ بحجج واهية، وقشش طافية، من: فقر وحر وحرب وعوز ومرض؛ فإنها أعذار أغدر، وهي أولى وأجدر، أن تكون حجة عليكم لا لكم.


بل إن دواكم وشفاكم.. هو رجوعكم أرضكم ودياركم..


قال جالينوس: يتروّح العليل بنسيم أهله، كما تتقوت الحبة ببلّ المطر إذا أصاب الأرض.

وقال أفلاطون: غذاء الطبيعة، من أنجع أدويتها.

وقال: يدواى كل عليل، بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة، تتطلع إلى هوائها، وتنزع إلى غذائها.

(ديوان المعاني: ٢/ ١٨٨) لأبي هلال العسكري.


هذه خاطرتي بثثتها، وذاكرتي نثثتها؛ علّ غائباً يعود، وشارداً يؤوب.


اللهم بارك لنا في يمننا، واسقه شآبيب رحماتك، وودقات بركاتك، يا رب يا رب يا رب يا رب يا رب.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/٢٨


وفاة علَمين من أعلام الدريهمي!

وفاة علَمين من أعلام الدريهمي!
#وفاة_علم
إنا لله وإنا إليه راجعون..
توفي هذه الأيام مجيزنا السيد العلامة الفقيه المسند محمد بن يحي بن عمر الأهدل، بعد أمراض أقعدته ثم صرعته..

#وفاة_علم
وقبل ثلاثة أشهر تقريباً.. توفي مجيزنا العلامة المعمر المسند السيد محمد عبده مفتي..

وقد زرتهما عام ١٤٢٨ه‍ إلى بيتهما، واستجزتهما، فأجازاني، بدون تعب أو لأي، وقد رأيت فيهما سمت العالم، ورفق الوالد، وغزارة العلم.
وقد عاشا في قرية الدريهمي.

وهذه المدينة: بلد العلماء والأدباء، فلا تعدم فيهم أديبا، بل أكثر أهلها شعراء، وشعرهم غاية في الجزالة والرصانة، وهي قريبة من مدينة الحديدة، يكثر فيها شجر النخل، وهو العمل الرئيس لأهلها، وهم فقراء جدا، ولا تكاد السيارة تصل إليهم إلا بعد جهد جهيد، من غزارة رمالها، التي لعلها جبال تهامة التي وردت في الحديث -على تفسير بعض أهل العلم- وغالب بيوتهم من الخوص، وجريد النخل، ومساجدهم ضاربة في القدم، وبعضها: غطتها الرمال، وأسأل الله لنا ولهم التفريج والتفريح.
-رحمهما الله رحمة الأبرار، وأسكنهما دار القرار- وأخلف على أهلهم وطلابهم خيرا.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي
١٤٣٦/٥/١٩

رحيل جارة قارة!

 رحيل جارة قارة!


"الذين إذا أصابتهم مصيبة، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون"


كنت مجاوراً لهم، بل كان بيتنا لصيقاً ببيتهم، ولا والله، لم أرها -هي أو أخواتها- قط، بل لم أسمع صوتها أبدا، ولا أعرف عنها إلا كل خير وفضيلة، لا تعرف مكاناً سوى بيتها وعيادتها، فقد كانت دكتورة أمينة -نحسبها، والله حسيبها-.


كانت اليوم بعد العصر، في خدرها: آمنة وادعة، بعد أن كلمت أباها المغترب -ربط الله على قلبه-؛ إذ أصابتها قذيفة عائرة؛ فخددت جروحاً غائرة؛ فارقت على إثرها الحياة!


رحمك الله يا ابنة العم الفاضل صالح الريمي، وأسكنك فسيح جناته، وأفرحك بزوج من أهل الجنة، عوضاً عن عزوبتك في الدنيا.


عزائي لأبيها وأمها وإخوانها وأخواتها وصديقاتها وجاراتها.. ربط الله على قلوبكم، وألهمكم الصبر والسلوان، ولا تأسوا أو تحزنوا؛ فإنا نرجوا لها الشهادة.

إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا..


عزائي لوالدتي -التي اتصلت عليها، وهي تبكي حزناً عليها- وأخواتي الذين جاوروها، ورأوا منها الخلق والعفاف، والعفة والكفاف، بل كانت تتكرم؛ فتأتي إلى بيوتنا؛ لتعالج أهلنا..

رحمك الله بكرة وعشياً..


رب إنا استودعناك أنفسنا ووالدينا وأهلينا وأبنائنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا وأصدقائنا وأقاربنا والمسلمين أجمعين.


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤٠/٧/١٣


الثلاثاء، 16 مارس 2021

فاجعة نيوزيلندا.. فاجعة لهم!

 فاجعة نيوزيلندا.. فاجعة لهم!


استيقظتُ قبيل صلاة الجمعة ١٤٤٠/٧/٧، نظرت في محمولي، فوقع بصري على مقطع فيديو، فتحته -وليتني لم أفتحه- رأيت عجباً وغرباً، وحرباً ورهباً، ولم أترك لبصري العنان، بل زممته، وقمت لصلاة الجمعة.


ووالله لم أصدِّق ما لمحته؛ ظاناً أنها لعبة حربية، مما انتشر هذه الأيام من لُعب الحرب الخطيرة بين العامة والهامة، ولم يُستفد منها سوى ضياع الوقت!


ذهبتْ ظنوني إلى أمور أخرى، تدور حول الغرابة الشديدة من هذا الحدث المستبشع، والخبث المستشنع، والنجس المستنقع، والرجس المستفضع.


أخبرت مَن بجواري، مستفهماً ومستبهماً ومستلهماً؛ فأكّدوا لي: أن هذا حدث حقيقي؛ ليهودي حاقد حاسد -وهل هُم إلا كذلك- أفرغ رصاصاته -أُصيب بها- على مجموعة من المسلمين البُرءاء، والمصلين النسكاء.


حزن قلبي، ووجِع صدري، وبكت عيني؛ من هول الفاجعة، وصول الباقعة، وأحسب أن هذا واقع كل مسلم.


ولكن، مما يسلينا، ومن النصر يدنينا: أن بأعدائنا أضعاف أضعاف ما حلّ بنا، فـ "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" وقتلانا في الجنان، وقتلاهم في النيران.


وإنا نحسب هؤلاء القتلى -والله حسيبهم- شهداء؛ فقد توافرت لهم مجموعة من العلامات، منها:

-أنهم كانوا في رباط وصلاة.

-وأنهم في سبيل الله.

-وأن قاتلهم كافر بائر.

-وأنهم مغدور بهم.


وقد ‏بوّب البخاري، بابٌ: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا".

وساق بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دعا صلى الله عليه وسلم، على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين يوماً، -وكانوا سبعين رجلاً-

قال أنس: أُنزل في الذين قتلوا ببئر معونة؛ قرآن قرأناه،ثم نُسخ بعد: "بلِّغوا قومنا؛ أنا قد لقينا ربنا؛ فرضي عنا، ورضينا عنه".


و‏حزننا عليهم، وعلى ما يحلّ بإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ حزنٌ شرعي طبعي، بل هو واجب عيني.


جاء عند البخاري: ‎أن النبي صلى الله عليه وسلم، حزن؛ لما بلغه، مقتل القراء من أصحابه، في حادثة بئر معونة.

بل قال أنس: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حزن حزنا قط أشد منه).


فيؤخذ من هذا: الحزن لمصاب المسلمين أينما كانوا، وحيثما حلوا؛ لأن رابط الإسلام أعظم رابطة، وأقوى آصرة، فمن لم يحزن لمصاب المسلمين؛ فليُراجع إيمانه، ويتفقد إيقانه؛ فعلى الولاء والبراء بين الأنام؛ تدور رحى الإسلام.


ولكن يجب التنبيه؛ إلى أن حزننا؛ لا يقتضي القنوط واليأس، أو الإحباط والتعس، ولكن حزننا مربوط بقضاء الله وقدره، وحكمته وقدرته، وفي ذلك من الأسرار والحِكَم، ما لا نعلمه أو نفقهه.


يقول ابن القيم، في (شفاء الغليل: ٤١٩): "ولو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالُنا.. من حكمة الله في خلقه؛ لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع، مع قصور أذهاننا، ونقص عقولنا ومعارفنا، وتلاشيها، وتلاشي علوم الخلائق جميعهم، كتلاشي ضوء السراج في عين الشمس، وهذا تقريب، وإلاّ فالأمر فوق ذلك".


وقال أيضاً، في (شفائه: ٤١٨): "وكيف يتوهم ذو فطرة صحيحة، خلاف ذلك، وهذا الوجود شاهد بحكمته، وعنايته بخلقه أتم عناية، وما في مخلوقاته من الحكمة، والمصالح، والمنافع، والغايات المطلوبة، والعواقب الحميدة؛ أعظم من أن يُحيط به وصف، أو يحصره عقل".


وقال أيضاً، في (شفائه: ٤١٨): "وجماع ذلك: أن كمال الرب تعالى وجلاله، وحكمته، وعدله، ورحمته، وإحسانه، وحمده، ومجده، وحقائق أسمائه الحسنى؛ تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة، وجميع أسمائه الحسنى، تنفي ذلك، وتشهد ببطلانه".


قال أبو نعيم -كان الله له ومعه-: إنّ الإسلام، منذ بدء أمره، وبزوغ فجره، وهو يتعرض لمؤامرات ومناكفات، ومساومات ومحاولات.. للقضاء عليه، والفتّ في عضده، وتشويه أحكامه، وبثّ الشبهات حوله، وإلقاء الشهوات لأتباعه، ومحاولة إغواء أهله، تارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب، من شتّى النِّحل والمِلل، فقد سقطوا عليه بكلكلهم، وأتوا إليه بجلجلهم.. من يهود، ونصارى، ومجوس، ووثنيين، ومنافقين، وماسونيين، وعلمانيين، وليبراليين، وحداثيين، وآخرين من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، سلاحهم: التشكيك والتحكيك، ثم التفكيك والتدكيك، ولكن "إن ربك لبالمرصاد" "وما يضرون إلا أنفسهم وما يشعرون" "إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون".


ولا يزداد -بحمد الله ومنِّه- إلا انتشاراً، ولا يزيد كفرهم إلا انشطاراً؛ لأنه دين الله سبحانه، الذي رضيَه "ورضيت لكم الإسلام دينا" وهو دين الفطرة "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" و(كل مولود يولد على الفطرة) بل حَكَم الله تعالى بالكفر، على من لم يدِن به "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".


وإن الكافر؛ منزوع الإيمان، فاقد لليقين؛ فماذا نتوقع من شر البرية، الذين ‏قال الله عنهم: "أولئك هم شر البرية" "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا" (أولئك شرار الخلق عند الله).


ولكني تعجبت؛ ألِهذا وصل الحدّ، اللعب بالدِّماء، وتمزيق الأشلاء، وإزهاق الأنفس البريئة، وإسكات الأجساد المَريئة؟!


رجعت إلى الوراء قليلاً؛ لأقلِّب صفحات التاريخ في عقلي؛ فوجدت أن هذا الفعل الجبان؛ هو فعل أسلافهم، "قل یأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلینا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلَّتهم" "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد".


وتدبروا ختام الآية "العزيز الحميد" فـ "العزيز" هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون".

وكأن في العبارة إشارة، إلى أن هؤلاء الكافرين، مهما كادوا وسادوا وشادوا؛ فإن الله غالبهم وهازمهم، وقد فعل سبحانه وتعالى، وجعل العزة للرسول عليه الصلاة والسلام، والصحب الكرام، ومن تتبع أثرهم، ولزم غرزهم، ولكنه التمحيص "أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم نبأ الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" فهذا وعد الله "والله لا يخلف وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".


و "الحميد" هو المحمود على كل حال، وفي كل حال، وفي هذا إشارة، إلى حمد الله تعالى، والصبر عند المصائب، والاسترجاع، "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاءه ما يسر به.. قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) وإذا جاءه ما يكره.. قال: (الحمد لله على كل حال) وليس هذا عجز وخور، بل هو دواء يعقبه نصرٌ وظفَر؛ إذا صدقنا الله، "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".

ففي هذه الآية، حكاية عن طائفتين من المؤمنين: طائفة جاهدت في سبيل الله حتى قضت نحبها، وطائفة على العهد باقية، وعلى الطريق ماضية، لم تغيِّر سبيل الجهاد، ولم تبدل نهج الرشاد، فهي في جهادين: جهاد السيف والسنان، وجهاد الهوى والشيطان.


فإذا نحن واصلنا هذا الطريق اللاحب، ولم نلتفت لمخذل أو مخدر لاعب؛ وصلنا إلى العز والسؤدد، والشرف والقعدد، قال عليه الصلاة والسلام: (بشِّر هذه الأمة: بالسناء، والدين، والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا؛ لم يكن له في الآخرة من نصيب)

والرسول عليه الصلاة والسلام؛ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.


وجاء في البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم.. حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)


والمعروف في التاريخ: أن القسطنطينية؛ كانت عاصمة الكنيسة الشرقية للأرثوذكس، ورومية؛ عاصمة الكنيسة الغربية للكاثوليك.. وقد فتحت القسطنطينية، وسيأتي فتح رومية، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.


فدين الله باق، وخفاق في الآفاق: "يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".


أيطفئ نور الله نفخة فاجر *** تعالى الذي بالكبرياء تفرّدا


جاء عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).


وفي رواية عند أحمد: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر، ولا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).


قال تميم الداري: (قد عرفت ذلك، في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم؛ الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً؛ الذل والصغار والجزية)


فاثبتوا -أيها المسلمون-:على دينكم، وعودوا -أيها الشباب- إلى رشدكم، والتزمن -أيتها النساء-:بحجابكن ونقابكن، وتمسكوا -أيها الناس- بكتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى االه عليه وسلم، واعتزّوا بهويتكم، وافخروا بدينكم، وأميتوا عصبتكم، وادفنوا جاهليتكم، واحرصوا على أخلاقكم، وذودوا عن شرفكم، والهجوا بلغتكم، وأقبلوا على علمكم، وثابروا عملكم، وانشروا وعيكم، وتراحموا بينكم، وناصحوا مخطئكم، وأرشدوا ضالكم، وراقبوا ربكم في كل أعمالكم وأحوالكم: "إن الله كان عليكم رقيبا".


انظروا ماذا عندنا، وماذا عندهم؟!

عندنا: إسلام، وعبادة، وفضيلة، وشرف، وعرض، وخلق، وعفة، وعفاف، وزواج..

وعندهم: كفر، وخمر، وزنا، وسفاح، وشهوة، ورذيلة، وضيق، وانتحار، واغتصاب..

"قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا" "فأيُّ الفريقين أحق بالأمن"؟!


إن هلاك الظالمين.. قادم قريب "إنما نعدّ لهم عدّا" وإن الإسلام قادم، والمسلمون قادمون.


ولا تغتروا بحضاراتهم، ولا تلتفتوا لعمرانهم، ولا تنبهروا بتقنياتهم؛ فقد حذركم ربكم من ذلك، فقال تعالى: "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد".


هذا هو حظهم "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" وقال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (أولئك عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)


لكن المؤمن؛ يوقن لقاء ربه، ويرجو جنة الفردوس؛ فيعمل الصالحات، ويجتنب الموبقات "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا".


مع أن حضارتهم هذه؛ مآلها للزوال والضلال والانحلال، "كأن لم تغنَ بالأمس" وهم يتحدثون عن إفلاس مريع، وإنكاس فظيع، فـ "لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً".


جاء عند أحمد: أنه ‏لما كان ‎يوم أحد، وانكفأ المشركون؛  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استووا؛ حتى أثني على ربي، فصاروا خلْفه صفوفاً، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدُّون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك)


اللهم أعز دينك، وأعلِ كلمتك، وانصر أولياءك، اللهم أذل الشرك والمشركين، وامحق الكفر والكافرين، ودمر أعداءك أعداء الدين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي

١٤٤٠/٧/٨


الاثنين، 15 مارس 2021

وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق الملتاني:

 وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق الملتاني:

#وفاة_علم

بلغني وفاة مجيزنا الشيخ أنيس الحق بن شرف الحق بن عبد الحق الملتاني الباكستاني، يوم أمس السبت ١٤٤١/٧/١٩.


وهو خرّيج عمه، الشيخ المسند المعمر: شمس الحق بن عبد الحق الملتاني، الذي توفي ليلة ٢٧ من رمضان سنة ١٤٢٦، وعمره فوق المائة.


ويروي الشيخ شمس الحق.. عن والده عبد الحق عن السيد نذير حسين.


وقد كان من القلائل، الذين يروون عن نذير حسين بواسطة واحدة.


رحمهم الله رحمة الأبرار، وأسكنهم جنات تجري تحتها الأنهار.

إنا لله وإنا إليه راجعون.


وكنت قد سمعت عليه عبر البث: بعض "التذكرة" لابن الملقن، و"نخبة الفكر" كاملة، يوم السبت ١٤٣٩/٨/٢٦، مع الإجازة العامة.


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤١/٧/٢٠

السبت، 13 مارس 2021

تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي!

 

تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي!


قرأت نقاشاً، عن سلفية العلامة جمال الدين القاسمي بين مؤيد؛ وذلك لما عُلم عنه -رحمه الله- من اعتقادٍ لمذهب السلف، ودفاعٍ شديد عنه، وطبعٍ لكتب أهله، وغيرها من أفعاله الحميدة المجيدة.


وبين معارض؛ وذلك لما حصل منه -عفا الله عنه- من ثناء لبعض أهل البدع، كالجهم وابن عربي، والنصير الطوسي ونحوهم.


حتى وصمه بعض المتسرعين: بالفجور والضلال والإضلال!

وتالله، لقد قفّ شعري، وانعقد لساني- حين قراءتي هذا الوصف!

ولكن: الله القاضي بين عباده، "إن الله يحكم ما يريد".


فأحببت أن أدلي بدلوي القاصر، وأرمي بسهمي العاثر.. ولكن بعد الرجوع لبعض ما كتبه، وما كُتب عنه -رحمه الله-، فكان ما ستقرأه -أخي الكريم- هو نتاج تلك المطالعة، وأرجو أن تكون قاضية على تيك المنازعة.


وآمل من ربي سبحانه.. أن أكون وُفقت للصواب، وإلى الله المرجع والمآب.

فأقول -مستعيناً بالله في التحقيق، ومنه التوفيق-:


وُلد العلامة جمال الدين القاسمي في سنة ١٢٨٣ه‍ ولازم الاشتغال بالعلم صغيراً، وأكبّ على حفظ المتون، ومعرفتها، وفهمها فهماً دقيقاً حتى برز وهو في سن مبكرة،

وقد لازم والده، وغيره من مشايخ عصره وعلمائه.


وكان ذا خلق لطيف، ومعاملة حسنة، وحب للآخرين، ورفق بالعالمين.. مما جعل له صيتاً حسناً، وذكراً عطراً بين الموالف والمخالف.


وكان -رحمه الله- على عقيدة أهل زمانه، وما درج عليه أهل بيئته وأوانه، من طرق صوفية، وأوراد بدعية، إلى الثلاثين من عمره، فقرأ كتب شيخ الإسلام، وابن القيم؛ فتنور عقله، وزكى فؤاده، وابتهج قلبه؛ فاعتزل تلك الفرق كلها، وأقبل على طريقة السلف الصالح، فيها يؤلِّف ويؤالف، وعنها يدافع ويحاجف.


قال شيخ الإسلام: "والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية".

(منهاج السنة: ٢/ ٢٦٢)


ومع رجوعه التام، لمذهب السلف الصالح.. إلا أنه بقيت هناك شوائب، ورسبت رواسب، ظهرت في بعض تواليفه.


فقد وُجد في بعضها، ما يشوب، من مدحه لابن عربي الحاتمي، والنصير الطوسي، والجهم بن صفوان، ودعوته إلى المقاربة بين الشيعة والسنة وغيرها من الأخطاء.


فأقول في ذلك:

هناك بعضاً من الأخطاء كانت قبل رجوعه لمذهب السلف؛ لأنه ابتدأ التأليف، وهو في الحادية والعشرين من عمره!

فكان في تلك المؤلفات، شيئاً مما تأثر به من مشايخه وأهل بلاده..

حتى إنه كان يكتب في بعضها: الأشعري النقشبندي؛ لأنه كان قبلاً، كذلك.

ففي سنة ١٣٠٦ه‍ قال في آخر المولد، الذي هذَّبه من مولد عائشة الباعونية: 

"تم على يد مختصره: الفقير محمد جمال الدين أبي الفرج القاسمي الأشعري الدمشقي النقشبندي الخالدي الشافعي".

كتاب: (جمال الدين القاسمي أحد علماء الإصلاح الحديث في الشام: ٣٠٤).


يقول الدكتور نزار أباظة عن عام ١٣١٣ه‍: 

"ذلك العام، الذي يجب أن نجعله بداية التفتح الحقيقي عند الشيخ -يعني: القاسمي- فيما أخذ به نفسه، وعُرف به بين الناس، وغدا صاحب دعوى لها أبعادها ... استحكمت عنده -فيما أظن- وتبلورت تماماً عند عام ١٣٢١ه‍ عام رحلته إلى مصر؛ لأنه هو نفسه جعل ذلك العام -كما أشرنا من قبل- حداً فاصلاً بين مؤلفاته التي أجازها -وهي تمثل أفكاره- وبين مؤلفاته، التي قال: "إن له فيها وقفة ونظرا".

كتاب: (جمال الدين القاسمي أحد علماء الإصلاح الحديث في الشام: ٣٠٧)


وهناك بعضاً من أخطائه وآرائه، في بعض مؤلفاته.. كانت بعد رجوعه لمذهب السلف، كتأليفه لكتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) الذي فرغ منه عام ١٣٣٠ه‍، والذي مدح فيه وأثنى على الجهمية والمعتزلة‍!



فأقول في ذلك:

لا جرم أن نقول عن هذا: أخطأ -رحمه الله- وجل من لا يسهو، والعصمة عن الجميع بمعزل، ويعذر فيها؛ لأنها لم تكن هذه الأمور، منهجاً له، منها وإليها يصدر، وإنما أخطاء وقعت له في مسيرته العلمية والعملية، لها أسبابها،

ومنها:

١- نشأته نشأة صوفية أشعرية حتى الثلاثين من عمره -كما قدّمنا- فلا شك أنها بقيت بعض الرواسب.


٢- شيوخه الذين تلقى عنهم، ونهل منهم، وشرب من معينهم.. كان أكثرهم على هذا المشرب.


٣- كثير من المخطوطات، لم تكن قد نُبشت وأُخرجت للعيان؛ ليكون على بصيرة أكثر من أمره.


٤- لم يطل به العمر؛ ليتراجع عن بعض اعتقاداته الخاطئة؛ إذ كان عمره -رحمه الله- حين وفاته ٤٩ عاماً فقط.


فلهذه الأسباب وغيرها، والنظر في كتبه السلفية الأخرى.. لا بد من الاعتذار له، وغفران نزر زلاته في بحر حسناته، والدعاء له، والترحم عليه.


وليس هذا ببدع من القول أو الفعل، بل لا يزال العلماء مختلفين ويختلفون في أشخاص، وفي أفكار -وإن كانت خاطئة- فهذا يبدّع، وذاك يلمّع، وكل يقدِّم أدلته وبراهينه، والحق واحد لا يتعدد، والفصل يوم الدين عند الواحد الأحد.


لكن أن نجعل ممن أثنى على شخص، أو تبنى رأياً خاطئاً.. مهيعاً للنيل منه، أو أن نلحقه بمن أثنى عليه، أو نخرجه من السلفية التي تبناها، وذاذ عنها، ونافح من أجلها، وتحمل في سبيلها السجن، ونابي الكلمات، وقاسي العبارات.. فهذا شطط في الرأي، وخروج عن الإنصاف، بل لا بد من إقامة الحجة، وفهم المحجة.


ومن يستطيع، أن يقول: أن العلامة القاسمي، أقيمت عليه الحجة في أخطائه؟!


وقد اعتذر له العلامة عبد المحسن العباد، في أثناء رده على أباطيل المالكي، مستعضداً بما في كتبه الأخرى، من ذم البدع والمبتدعة.


وقد أثنى عليه، كثير من أهل العلم، كالشيخ أحمد شاكر، -بل وجد بخطه وهو يطلب منه الإجازة-، والشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ محمد أمان الجامي وغيرهم من أهل العلم والفضل.


وقد ظن بعض الناس أن كتابه: (تاريخ الجهمية والمعتزلة) هو مدح محض لهاتين الفرقتين الضالتين!


والصواب: إنما هو تاريخ لهما،

مع ذكر بعض مما لهما وما عليهما، ولكنه وقع -رحمه الله- في بعض الزلل من الثناء عليهما، والاعتذار لهما.


وقد حاول بعض الباحثين -كالشيخ محمد المغراوي- التشكيك في نسبة كتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) للمؤلف!

ولكن الحق: أنه كتابه، كتبه ببنانه، وصاغه بجنانه.

وإن الباحث إبراهيم الحسن، في رسالته للماجستير (القاسمي ومنهجه في التفسير).. أثبت صحة نسبة الكتاب للقاسمي، وذكر أن هذا الكتاب نشر في (مجلة المنار) في حياة المؤلف.


وينظر في نقضه، كتاب (الصواعق المرسلة على كتاب تاريخ الجهمية والمعتزلة) للشيخ عبد الحميد خليوي الرفاعي الجهني!

ولم أطلع عليه.



قلت: ولعل ثناء الجمال على الجهمية والمعتزلة.. كان سياسياً، لا دينياً عقدياً.


ووجدت له شيئاً من ذلك، وهي مسألة يقول بها، بعض العلماء!

ينظر: (حياة البخاري: ٥٤) للقاسمي.


أقول: وإن المتأمل.. يظهر له في هذا الكتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) تناقضاً واضحاً، حتى أن العلامة الألوسي، استشكل ذلك في بعض رسائله إليه!


فبينما هو يعتذر لهم، ويصفهم بالاجتهاد، وأن خطأهم مغفور؛ نراه ينقل -في نفس الكتاب- أقوالاً لابن تيمية وغيره، تقضي بضلالهم وتضليلهم، دون ردٍ لهذه الأقوال، بل إقرار لها.


وله كلام قوي، في الرد على الجهمية والأشاعرة وغيرهم.


بل وهو يقرر عقيدة السلف، في الأسماء والصفات، في بعض كتبه، -خصوصاً تفسيره: (محاسن التأويل)- يرد على الجهمية، وبعض أفراد المعتزلة كالزمخشري وغيره.


وأفاد الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف: أن حب القاسمي للتقريب، والاتحاد بين الفرق الإسلامية.. ربما هو الذي دفعه إلى مثل هذا الثناء، لكنه أخطأ في سلوك هذا المسلك فـ -غفر الله له-.


وقد كان -رحمه الله- كثيراً ما يلتمس المعاذير، لأصحاب المذاهب المخالفة فيما ذهبوا إليه؛ بغية هداية أتباعهم إلى عقيدة السلف، وتحبيبهم لذلك.


فإذا تبين لك هذا.. فبعيد بل مُحال على الجمال القاسمي.. أن يمدحهم، موافقاً لهم في عقدهم، وهو المنافح عن السلفية وكتبها، ونال في ذلك ما نال، من أذى ووبال.


وها هو يقول -رحمه الله-: "أعدل المذاهب، مذهب السلف؛ فإنهم أثبتوا النصوص بالتنزيه من غير تعطيل ولا تشبيه، وذلك أن المعطلين، لم يفهموا من أسماء الله تعالى وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوقات، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، فمثّلوا أولاً، وعطّلوا آخراً، فهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته تعالى بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، فعطلوا ما يستحقه سبحانه وتعالى، من الأسماء والصفات اللائقة به عز وجل، بخلاف سلف الأمة، وأجلاء الأئمة، فإنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه نبيه من غير تحريف ولا تشبيه".

(محاسن التأويل: ٤/ ٥٢٢٧)


وتفسيره هذا (محاسن التأويل).. مليئ بالاعتقادات السَّنية، والعبارات السُّنية، والإثباتات الصفاتية، والنقولات عن ابن القيم وابن تيمية، فهل يفعل هذا إلا من كان على العقيدة السلفية؟!


وقد نظم من شعره، ما يرد به على بعض الجاحدين، الذين اتهموه ووشوا به إلى الوالي، فقال:


زعم الناس بأن *** مذهبي يدعى الجمالي


وإليه حينما أفتي *** الورى، أعزو مقالي


لا وعَمر الحق *** إني سلفي الانتحالِ


مذهبي ما في *** كتاب الله ربى المتعالي


ثم ما صح من *** الأخبار لا قيل وقالِ


أقتفي الحق ولا *** أرضى بآراء الرجالِ


وأرى التقليد جهلاً *** وعمى في كل حالِ



وقال في هذا المعنى أيضاً:

أقول كما قال الأئمة قبلنا *** صحيح حديث المصطفى هو مذهبي


أألبس ثوب القيل والقال بالياً *** ولا أتحلى بالرداء المُذهبِ

(مجلة المنار: ١٧/ ٦٢٨)


ونجد أنه -رحمه الله- يكتب في رسالة منه، للعلامة نعمان الآلوسي، سنة ١٣١٦ه‍ يقول: "فإلى الله المشتكى، من جماعة نبذوا الآثار ظهرياً، وأضحى مذهب السلف بينهم نسياً منسياً، خلا جماعة من أحبابنا الصادقين، فإنهم في مشربهم السلفي- عقد الشام الثمين، وقد نالتنا وإياهم، محنة سلفت من نحو ثلاثة أعوام".

يقصد: حادثة المجتهدين. (ولي فيها مقالة -يسرها الله-).


ثم إنه نشر كثيراً، من كتب شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وكتبها بقلمه، وراسل بها بعض المحسنين، كالوجيه محمد حسين نصيف.


حتى ذكر عن نفسه.. أنه كتب ثمانية وعشرين رسالة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بل إن بعضها ليس له نسخة خطية، إلا ما كتبه هو -رحمه الله-!


واسمع إليه -رحمه الله- يقول: "إني -ولله الحمد- نشأت على حب مؤلفات شيخ الإسلام، والحرص عليها، والدعوة إليها، وأعتقد أن كل من لم يطالع فيها.. لم يشم رائحة العلم الصحيح، ولا ذاق لذة فهم العقل، وهم يعلمون ما ندعوا إليه، وما نسعى لإشهاره. فطوراً يرموننا بالاجتهاد، وطوراً بما قدمنا، وسيأخذ الحق بناصيتهم -إن شاء الله-".

 كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وكانت بينه، وبين العلامة السلفي محمود شكرى الآلوسي.. مراسلات عن أمر السلفية والسلف، وعن طباعة كتبها، وحث الناس عليها، ونشرها بين العامة.


وقد جمع رسائلهما الشيخ محمد بن ناصر العجمي، في كتابه: (الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي، ومحمود شكري الآلوسي) ومن قرأ الكتاب، أدرك مقدار الجهود التي حملها هذان العالمان، وتبين له قدر الهم الذي طُوقاه في إيصال عقيدة السلف للخلف.. فلله درهما، وعلى الله شكرهما.


وقال في رسالة، أرسلها للشيخ محمد نصيف -رحمه الله-: "ولا يخفى عليكم.. أن أعظم واسطة لنشر المذهب السلفي، هو طبع كتبه، وأن كتاباً واحداً تتناوله الأيدي على طبقاتها، خير من مائة داع وخطيب؛ لأن الكتاب يبقى أثره، ويأخذه الموافق والمخالف، وأعرف أن كثيراً من الجامدين اهتدوا بواسطة ما طبعناه ونشرناه، اهتداء ما كان يظن، والحمد لله على ذلك".

كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وقال أيضاً في هذه الرسالة: "وقد أمر السيد شكري أفندي.. أن أعرض ذلك عليكم، وهو يعلم أنني ممن يتعشقون آثار شيخ الإسلام، ويسعى لها جهده، حتى إني كنت جمعت ثمانية وعشرين رسالة بخطي، استكتبت منها، من بلاد شاسعة، ثم طبعت في مصر من نحو عامين، والآن عندي من رسائله وفتاويه الصغرى، ما أعدّه أعظم كنز".

كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وهذا العلامة البيطار، يقول للقاسمي عند تحوله لمنهج السلف مبكراً: "يا جمال.. احمد الله على أن انتهيت وأنت في سعة من عمرك، ولحيتك سوداء، فتتمكن من الاستمتاع بعقلك، ويتسع الوقت لنشر فضلك".


وكان يقول لطلابه: "عليكم أن تفكروا بتفكير خصوم السلفية، وتأتوني بحججهم وشبههم؛ لأرد عليها".


وقال مرة لأحد طلابه، وقد أراد حضور مجلس للصوفية: "لا تكثّر سواد المبتدعة، ولا تكن قدوة سيئة لغيرك".

كتاب (شيخ الشام: ٩١) للأستاذ محمود مهدي الإستانبولي.


بل إن الكوثري الجهمي.. وصمه وعابه بأنه من السلفية!

في تعليقه على (دفع شبه التشبيه).


فهذه دلائل وبينات.. تشهد للرجل -رحمه الله- أنه سلفي بل مجدد للسلفية في زمانه وأوانه في بلدانه.


وليس كل من أثنى على مبتدع، يلحق به في اعتقاده..


فالشوكاني -رحمه الله- بعد أن ألّف رسالة (الصوارم الحداد في تكفير ابن عربي والرد على من دافع عنه) رجع بأخرة عن هذا التكفير، في كتابه (البدر الطالع: ٢/ ٣٧) قائلا: "وكان تحرير هذا الجواب، في عنفوان الشباب، وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء، وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفاً لهذه الشريعة البيضاء، الواضحة التى ليلها كنهارها، ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام ...".


فهل يحق لنا.. أن نبدّع الشوكاني، أو أن نخرجه من دائرة السلف التي تشبث بها، وتعلق بعروها؟!


تنبيه: وقفت بأخرة، على رسالة للقاسمي، بعنوان: (نقد كتاب "النصائح الكافية") والنصائح، من تأليف السيد محمد بن عقيل العلوي، تـ١٣٥٠، نال فيها من معاوية رضي الله عنهما، أيما نيل، بل وألمح فيها إلى بعض الصحابة.


وقد رد عليها السيد حسن بن شهاب العلوي، بكتاب (الرقية الشافية) وبين تهافته وتخافته!

ورد عليه غيره.


ولكن، عندما وقفت على نقد القاسمي، فوجئت بتبجيله لابن عقيل التبجيل الزائد، بل واعتذر له الاعتذار البارد، ورد على خصومه، وأوضح أنها مسألة جرى فيها الخلاف، وأن الإمامية وشيعة اليمن والمعتزلة أو القدرية، أخذوا بما أخذ به ابن عقيل!


وأحدس أن رأي القاسمي هذا، ليس من باب الرضا به، والتقرير له، إنما هو من باب الرفق بالمخالف، والتنزل معه، أو الاحتيال له؛ ليعود ويؤوب، وهذا تلمسه في تواليفه، ويؤكده.. ما ذكره غير واحد عنه، منهم: العلامة محمد بن حسين بن سليمان الفقيه، تـ١٣٥٤، وقد زاره إلى دمشق، قال: "وكان شديد الميل إلى توحيد كلمة المسلمين".

(ينظر: مقدمة تحقيق استلفات نظر الموحدين: ١٨) تحقيق خضر بن سند)


وإلا، فإن القاسمي.. يقرر في كتابه هذا؛ أن من طعن في معاوية، فقد أزرى بكثير من الصحابة، وأن الطعن فيه، يستلزم الطعن في مرويه، وفي كل من أقام معه ببلدته، أو قاتل تحت رايته، وأزرى بخيار التابعين؛ لأنهم رووا عنه، ومَن رفض مروياتهم؛ فقد هدم جانباً كبيراً من السنة، وشذ شذوذاً غير معقول. 


وأكد أن خلاف المعتزلة، يعتبر به ويؤخذ، وأن لهم قدراً ووزناً، وسرد مجموعة منهم، على أنه يتأكد في نسبة بعضهم إلى الاعتزال.


أقول: وهذا الكتاب كتبه في عام ١٣٢٣، أي، وهو في الأربعين من عمره، الـ ٤٩!


مما يشير، إلى أن القاسمي، لم يتخل من امتداح المعتزلة والأخذ برأيهم، وإن خالفهم في عقدهم!


وقال: وأما احتجاج البخاري بالمرجئة؛ فإنه لم يحتج بهم، ويروي لهم، لهذا العنوان -أعني: الإرجاء- وإنما خرّج رواية الصدوق الثبت منهم، وهذا ما يهمّ الراوي والمتحمل، مهما كان مذهب المروي عنه ومشربه.

ينظر: (نقد النصائح الغالية: ٤١)



وعلى كل، فالخطأ من طبيعة البشر، لكن أن نجعل من خطأ الشخص منهجاً له وعقيدة، فهذا ظلم وشطط، وحيف وخلط.

والله يتولانا بعنايته، ويكلؤنا برعايته.


كتبه: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٩/٥/٢٣

١٤٤٢/٧/٢٩


الاثنين، 8 مارس 2021

تنبيه على وهم في قولٍ وعزو!

 تنبيه على وهم في قولٍ وعزو!


انتشر في أيام كورونا واشتهر، مجموعة من الكتب والآثار والأقوال، عن الأوبئة والطواعين.


ومما وجدته، هذا النقل: "‏والصين أوبأ الأرض، وهي محل الطواعين والأمراض القتّالة، وأهلها يتحرزون من ذلك غاية التحرز"! 

(طبائع البلدان) للموفق البغدادي، (من أهل القرن السابع الهجري)


قال أبو نعيم: عندما رأيت هذا الكلام.. رجعت إلى بحث سريع؛ فلم أجد هذا القول في كتب المظان..

وبحثت عن هذا الكتاب المشار إليه! (طبائع البلدان) للموفق البغدادي؛ فلم أجده.

والذي وجدت له كتاباً، بهذا العنوان (طبائع البلدان) هو أبو معشر البلخي الفلكي، تـ٢٧٢.


ثم رأيت الأستاذ عبد الله الشبراوي، يخبر: أنه يقوم على تحقيقه، لكن العجيب، أن الكتاب، لا يعرف!


لكن، الدكتور محمد كامل جاد، في مقدمة تحقيقه، لكتاب (النصيحتين) تتبع تواليف الموفق، تتبعاً يدل على تعبه في الجمع والتمحيص، ولم يذكره!

والرجل مدير المخطوطات، بمركز جمعة الماجد.

(أفاده الشيخ حيدر جمعة الجزائري)


وسأل الدكتورُ عبد الحكيم الأنيس، الدكتورَ محمد كامل جاد.. عن هذا الكتاب؟ فقال: لم يمر علي.


ثم بحثت عن مدى صحة هذا الكلام.. فوجدت مَن يثبته، ومَن يثبت خلافه!

قال السيرافي: "وبلاد الصين.. أصح وأقل أمراضاً، وأطيب هواء، لا يكاد يُرى بها أعمى، ولا أعور، ولا من به عاهة".

(رحلة السيرافي: ٥١).


وقال لسان الدين ابن الخطيب الغرناطي: "فإن قيل: ما عندكم في أصل هذا الوباء، ومذ كم ظهر في الأرض؟! قلنا: هذا الواقع، ابتدأ بأرض الخِطا(١) والصين، في حدود أربعة وثلاثين وسبع مائة.. حدث بذلك غير واحد، ممن يوثق به من أولي الرحلة و الجولان، كالشيخ القاضي الحاج أبي عبد الله عبد الله بن بطوطة و غيرهم".

(مقنعة السائل من المرض الهائل: ٧٥)


وورد نحو هذا، عن ابن خاتمة، في (تحصيل غرض القاصد)


قلت: ولعل الاختلاف، في هذا.. يعود إلى تعدد الأزمنة والأمكنة، أو غير هذا، فالله أعلم.


وعلى كل؛ من وجد هذا القول معزواً إلى عَلم أو كتاب؛ فليفدني مشكوراً.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤١/٧/١٣


ح.......

عن ابن خاتمة، قال: "وبلاد الخِطا، بلسان العجم: هي بلاد الصين".

السبت، 6 مارس 2021

بابا، حفظت "الفاتحة".. اشتر لي هدية!

 


بابا، حفظت "الفاتحة".. اشتر لي هدية!


هذه كلمة لطفل، ابن ثلاث سنين، ولسانه، لا يكاد يبين!

وعَدَه والده، بجائزة، إذا حفظ سورة الفاتحة؛ ترغيباً وتحبيبا.


فلما حفظ سورة الفاتحة؛ طلب الجائزة الفائحة!


ضحك الوالد؛ فرحاً وبهجاً، من هذا الإنجاز الوجيز، من جفر صغير، ووعده ثانية، بالجائزة الحائزة!



قال أبو نعيم: وما أجمل، تعليم الأولاد، كتاب الله تعالى، فقد قال عبد الله بن عيسى: "لا تزال هذه الأمة بخير، ما تعلم وِلدانها، القرآن".

‏(العيال: ١/ ٤٨٠) لابن أبي الدنيا.


ورُئي أبو منصور الخياط المقرئ، تـ ٤٩٩، بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ 

قال: غفر لي؛ بتعليمي الصبيان، فاتحة الكتاب!

(سير أعلام النبلاء: ٣٤/ ١٥٢)



وفي (الأجوبة المهمة) عن الحافظ السيوطي: "تعليم الصبيان القرآن.. أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال".

ينظر: (التراتيب الإدارية: ٢/ ١٠٨)


وأسفي، على آباء وأمهات، يعلّمون أبناءهم.. الأغاني الماجنة، والرقصات المايعة ونحوها من بابات الشر والرذيلة!


فبالله عليكم.. كيف لهؤلاء الأطفال، أن يحيوا حياتهم، وقد خبروا الشر من أول وهلة  .. وكيف لهم أن يستقيموا، وقد انتكسوا قبل معرفة الاستقامة، إلا أن يشاء الله لهم الهداية والتوفيق.


والحقيقة: أن ما نشّئ عليه الطفل.. يستمر عليه، في الكثير الغالب، كما قال المعري:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه


وقال أبو الحسن الغزنوي:

كم حسرة لي في الحشا *** من ولدي إذا نشا


وكم أردت رشده *** فما نشا، كما نشا!

(وكان العلامة عبد الله بن حميد.. يتمثل بها)


وقال شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي الشافعي، تـ١٠٠٤، في منظومة (رياضة الصبيان):


وبعد : فالتأديب للصبيان

من أول النشء أتم الشان


لأن تأديب الصبي في صغره

زيادة لحظّه في كبره


ينل بذلك الحظوظ الوافرة

وراحة الدنيا وخير الآخرة


فينبغي لكل جد وأبِ

وقيم الحاكم تأديب الصبي


وتنهر الأم وليدها بالأدب

زجراً له عن الخناء واللعب


إذ قلبه كالشمعة المقصورة

مجوهر يقبل كل صورة


وينبغي لهم بأن يعودوا

أولادهم فعل التقى ليسعدوا



وقال ابن القيم: "وكم ممن أشقىٰ ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة.. بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته له علىٰ شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد؛ رأيت عامته من قبَل الآباء".

(تحفة المودود: ١/ ٣٥١)


وجعْل مكافأة على حفظ شيء، أو إنجازه.. من باب الهبة أو الجعالة، وهي جائزة؛ لأنها لغرض شرعي.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا سبَق إلا في نصل أو خف أو حافرِ).

رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني.


والسبق، هو: "ما يجعل من المال رهناً على المسابقة".

(النهاية: ٢/ ٨٤٤)


وقال ابن القيم: "المسابقة على حفظ القرآن، والحديث، والفقه وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل هل تجوز بعوض؟

منعه أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة، وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك، والصراع، والسباحة.

فمن جوّز المسابقة عليها بعوض، فالمسابقة على العلم، أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم: أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم، أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح".

(الفروسية: ٣١٨)


ومن الطرائف: ما جاء عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: رأيت صبياً ابن أربع سنين، قد حُمل إلى المأمون، قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع، يبكي!

(الكفاية في علم الرواية: ٦٤)



وعلى هذا، أقول: إن تشجيع الأولاد والطلاب، على حفظ القرآن والسنة، والمنظومات العلمية، والأشعار العربية، مقابل مكافأة مالية، أو جائزة عينية ونحوها.. مما يسهّل ذلك، ويرغب إلى ما هنالك.


ولا يورد عليه: أن النية مدخولة، والإخلاص غائب!

فإن هذا المعنى، غير وارد في عقل الطفل أصلاً، بل لا يفهمه.


وكم من جهابذة السلف.. من عالج نيته، برهة من الزمن، حتى استقامت له واستوت، فكيف بطفل غير مكلف، بل لا يعلم شياً من وعن هاته المعاني الكبيرة؟!


عن إبراهيم بن أدهم، قال: قال لي أبي: يا بني، اطلب الحديث، فكلما سمعت حديثاً، وحفظته؛ فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا.

(شرف أصحاب الحديث: ٦٦)



ثم إن هذا الفعل، قد صدر من بعض السلف مع أبنائهم، فحفظوا بهذا العلم، حتى أشير إليهم بالبنان، بعد اكتمال البنيان.


"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين" و(ألهمهم رشدهم، وقهم شر أنفسهم).

والله العاصم والقاسم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/٢٣


الجمعة، 5 مارس 2021

قاموس "الأعلام" معلمة علمية تراجمية ثقافية!

 قاموس "الأعلام" معلمة علمية تراجمية ثقافية!


كتاب "الأعلام" (واسمه كاملاً: (الأعلام.. قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين..


تأليف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي، تـ١٣٩٦)


كتاب عظيم، وسفر فخيم، تعب عليه ولغب، وسافر من أجله حتى جشب.

تصفح وقرأ.. الكم الكثير، والجم الوفير، من الكتب والمخطوطات، وراسل جمعاً وجماً من أهل العلم والثقافة والجاه والقدر، وصبر وثابر، حتى أوتيت ثماره، شهية للآكلين، دنية من الشاربين.


وهي مَعلمة.. أفنى فيها عمره، وأسال ماء عينيه، وأذاب شحمتهما، في سبيل إخراجه في حلة سيراء، وبزة مونقة.


وهو مشروع عمره (وما أجمل، أن يكون للإنسان، مشروعاً في حياته!) فقد ظل سبعين سنة.. يصحح وينقح، ويراجع ويضارع، حتى خرج بهذه الصورة النيقة.


بدأ -رحمه الله-.. الكتابة، في كتابه، عام ١٣٣٠، في نحو العشرين، من عمره، حتى وفاته، عام ١٣٩٦.


قال -في ترجمة معروف الرصافي-: "وكان من بواعث أسفي.. أني عام باشرت جمع مادة الكتاب- سنة ١٣٣٠ - ١٩١٢م.. لم أُعنَ بتقييد المصادر؛ ذهاباً إلى أن الكتاب، سيكون معجماً مدرسياً.. فأعدت الكرة على ما تيسر الرجوع إليه، فأسندته إلى بعض أصوله، وبقي غير القليل، غفلاً من الإسناد".

(الأعلام: ١/ ٢١)


وقال -رحمه الله- في مقدمة الطبعة الثانية، وقد لحقتها طبعات-: "هذا نتاج أربعين عاماً -خلا فترات استجمام وفتور، وانصراف إلى بعض مشاغل الحياة-.. أمضيتها في وضع (الأعلام) وطبعه أولاً، ثم متابعة العمل فيه، تهذيباً وإصلاحاً وتوسعاً، وإعداده للطبع ثانياً.

وما أطمع من وراء ذلك، في أكثر من أن يكون لي، في بنيان تاريخ العرب الضخم، رملة أو حصاة!

أخرجت دور الطباعة، في خلال ربع قرن انقضى بين طبعتي الكتاب الأولى والثانية، مجموعة كبيرة من المصنفات، بينها أمهات في السير والأحداث والتراجم".

(الأعلام: ١/ ١٣)


وهذه المعلمة.. كانت أمنيته الأثيرة لديه، فاسمعه يقول: "كان من أماني النفس.. وضع كتاب، يتناول بالذكر، كل من عرض له خبر، أو دون له اسم- في تاريخ العرب والمستعربين- من جاهليين وإسلاميين، متقدمين ومتأخرين، غير أني رأيت في ذلك عبئاً، لا ينهض به الفرد، وميداناً يقصر عن اقتحامه الجهد".

(الأعلام: ١/ ١٩)


ولم يكن قيامه بهاته المهمة، اعتباطاً، بل؛ لأن الحاجة كانت، داعية إليها..

فاسمعه، يقول -في مقدمة الطبعة الأولى-: "في الخزانة العربية فراغ، وفي أنفس قرائها حاجة، وللعصر اقتضاء. يعوز الخزانة العربية، كتاب يضم شتات ما فيها من كتب التراجم، مخطوطها ومطبوعها.

وقد حاولت بهذا الكتاب.. أن أملأ جانباً صغيراً من هذا الفراغ، وأمضي بعض تلك الحاجة، وأقوم بشيء مما يقتضيه العصر، وعساي أن أوفق".

(الأعلام: ١/ ١٩)


وقد بين شرطه، في كتابه، فقال: "أن يكون لصاحب الترجمة.. علم تشهد به تصانيفه، أو خلافة، أو ملك، أو إمارة، أو منصب رفيع، كوزارة، أو قضاء كان له فيه أثر بارز، أو رياسة مذهب، أو فن تميز به، أو أثر في العمران يذكر له، أو شعر، أو مكانة يتردد بها اسمه، أو رواية كثيرة، أو يكون أصل نسب، أو مضرب مثل. وضابط ذلك كله: أن يكون ممن يتردد ذكرهم، ويسأل عنهم".

(الأعلام: ١/ ٢٠)


وقال: "فاكتفيت بأشهر الرجال والنساء ذكراً، وأثبتهم في صحيفة الأجيال عملاً، وتعمدت الإيجاز ما استطعت.

ولم أتعرض للأحياء من المعاصرين؛ مخافة الوقوع فيما لا أحمد، والإنسان قد يتغير.

وأثبت تراجم طائفة من المتأخرين، قد أكون أهملت كثيراً من طبقتهم في المتقدمين؛ ثقة بأن كتب المؤرخين، مفعمة بأخبار هؤلاء، وحرصاً على استبقاء ما لم يدون من سير أولئك.

وكان حق الاستشراق، فيما قدمه، بعض رجاله من خدمة للعربية.. أن أترجم لجماعات منهم، خلفوا آثاراً فيها تأليفاً بها، أو نشراً لبعض مخطوطاتها".

(الأعلام: ١/ ١٩)


والكتاب.. قد أعجب به العلماء، ولهج بذكره الحكماء، وهرع الطلعة، لاقتنائه، والكرع من مائه.

حتى لقد أصبح، مرجعاً بل مصدراً، ينهل منه الباحثون، ويرده الواردون، ويتفيؤه المشمسون.


يقول الشيخ علي الطنطاوي: "الكتاب العظيم (الأعلام).. أحد الكتب العشرة، التي يفاخر بها هذا القرن، القرون السابقات".

(المذكرات: ١/ ١٢٥)


ويقول الأستاذ عبد العزيز الرفاعي: "ولقد قلت ذات مرة: إنه لو سئلت عن أعظم كتاب عربي، صدر في القرن الرابع عشر الهجري؛ لقلت، دونما تردد: إنه كتاب (الأعلام) للزركلي -رحمه الله-؛ ذلك أنه قد بذل في هذا الكتاب، من المجهود ومن الإتقان، ما لم يبذل في غيره، مع أنه كتاب ضخم، وكما هو معجم للرجال والمشاهير من الأعلام، فهو أيضاً، مخزن كبير لأسماء المراجع والمصادر، بل هو منجم زاخر".

(فوات الأعلام: ٩)


ويعد كتاب (الأعلام).. مدخلاً وباباً، إلى كثير من كتب التراجم والسير، فيستطيع الباحث من خلاله، العودة إلى المصادر الأصيلة، بيسر وسهولة، فمنهجيته، تقوم على رد الباحث، إلى مصادر المترجَم، مع الإتيان على الترجمة، في كلمات قليلة، تفهم المقصود، وتفي بالمراد.


والزركلي.. منصف أمين، فهو لا يغمط الآخرين حقهم، ولا يبخس الناس أشياءهم؛ فتجده، في طول الكتاب وعرضه، يعترف بفائدة من فلان، ويشير إلى عائدة من علان..

فمثلاً: 

مكث كتاب (الأعلام)، عند العلامة أحمد عبيد، ما يزيد على عشرين سنة، وهو يزيد ويعلق ويحقق.. فلما أراد مؤلفه، طباعته.. دفع نسخته إليه!

وهذا فعل عجيب من العلامة أحمد عبيد، تشي بنفس أبية، تنأى عن السفول والدنو والأثرة، وحقه: أن يذكر، فيشكر، وقد فعل صديقه الزركلي؛ فكان يذيل كل زيادة زادها أحمد عبيد، باسمه!

بل ذكره منوهاً وشاكراً، -كما أظن- في مقدمة الطبعة الخامسة.


وقال عنه: "وحمل عني، عبء استخراج الخطوط المكنوزة، في خزائن دمشق".

(الأعلام: ١/ ١٧)


وأقول: كفى الزركلي، شرفاً وفخراً.. ما كتب حوله من: تتمات، وتذييلات، وتعقبات، واستدراكات، وانتقادات، وتصحيحات، فلولا فخيم أمره، وعظيم أثره؛ لما حفل بهاته الأعمال، التي توافر عليها، ثلة من أهل العلم والأدب، تجاه فرد!


فقد صارت هاته المعلمة، مجالاً لأقلام كثير من الباحثين الفاحصين، فشرعوا سفينته، ونصبوا خيامهم ببابته..


وممن أذكر، من أعمال الأعلام، حول كتاب (الأعلام) ما يلي:


-إتمام الأعلام، تأليف: نزار أباظة، و محمد رياض المالح.


-تتمة الأعلام، تأليف: محمد خير رمضان يوسف.


-ذيل الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-مع العلامة الزركلي في كتابه الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


الأعلام لخير الدين الزركلي: مراجعات وتصحيحات، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-توشيح كتاب الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-نظرات في كتاب الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-الإعلام بما وقع في أعلام الزركلي من الأوهام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة، وهو ضمن الجزء الثاني من "ذيل الأعلام".


-النسب التي شرحها العلامة الزركلي في كتابه الأعلام، تأليف: محمد بن عبد الله الرشيد.


-الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام، تأليف: محمد بن عبد الله الرشيد.


-قراءة نقدية في كتاب الأعلام، تأليف: إبراهيم بن سعد الحقيل.


-الإفهام والإسهام فيمن ليس في الأعلام، تأليف: إبراهيم بن عبد الله الحازمي.


-ترتيب الأعلام على الأعوام، تأليف: زهير ظاظا، و محمد نزار تميم، و هيثم نزار تميم.


-فوات الأعلام مع الاستدراكات والإسهام في إتمام الأعلام، تأليف: عبد العزيز الرفاعي.


-معجم الأعلام، تأليف: بسام الجابي.


وهناك بعض المقالات، تناولت معلمة الزركلي، بالتنقيح والتصحيح، منها:


-العلامة أحمد عبيد.. له ملاحظات عليه، وهي منثورة في ثنايا أجزائه، في أماكن كثيرة، من هوامش (الأعلام) 


-العلامة سالم كرنكو، تقدم بثلاث صفحات، في نقد الطبعة الأولى.


-العلامة محمد أحمد دهمان، في مقال نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد ٥٣ الجزء الثاني ربيع الآخر ١٣٩٨، سماه: تحقيقات وتصحيحات لكتاب الأعلام.


-العلامة عبد الفتاح أبو غدة، في الكثير من كتبه وتحقيقاته.


-العلامة إسماعيل بن علي الأكوع، في مقال، نشر له، في مجلة العرب السنة الثامنة محرم وصفر ١٣٩٤، من ٥٦٢ إلى ٥٦٩.


-العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، في كلمة أشار بها، قال: "وللأستاذ محمد أحمد دهمان، مقال ذكر فيه أوهام الزركلي، في الأعلام، ولدي ضعفها، فإن نشطت، جمعت ما هنالك في كتيب مستقل" ولا أدري، أنشرت، أم لا؟


-الأستاذ عدنان جوهرجي، فيما كان ينشره في الصحف والمجلات.


-الأستاذ محمد غسان، الذي أصدر نقداً للطبعة الأولى، أجاد فيه وأنصف -كما قال الزركلي-.


وقد وُجهت لقاموس (الأعلام) نقدات عديدة، ولا يخلو تأليف، من خطأ، فهذا طبع البشر، وهو دليل استيلاء النقص والضعف والخور.

والله المستعان.

ولكن: كفى المرء نبلاً، أن تعد معايبه!


ومن تيك الانتقادات:

-لم يترجم إلا قليلاً من الأنبياء، وترك البقية.


-لم يترجم لسلاطين الدولة العثمانية، مع أنه ترجم للمماليك والمستشرقين.


-لم يترجم لبعض المشاهير، من القدماء والمعاصرين.


-ترجم لكثير ممن لا يستحق أن يترجم؛ لما في سيرته من سفه ومجون.


ولا شك، أنه من الممكن، الإجابة عن بعض هاته التنقيدات، ولكني لست في صدد ذلك، وفي ظني، أنه قد تصدى، بعضهم، لذلك، فالله أعلم.


وقد قال بعضهم: إن كتاب (الأعلام) منقول عن كتاب باللغة التركية، لكن الزركلي.. لم يذكر ذلك الكتاب، ولم يشر إليه، ولا إلى مصنفه!


والحقيقة.. أن هذا غير صحيح، بل هو تشابه في الاسم، حاشا الرسم.


وربما استفاد منه الزركلي، وحذا حذوه، وتسنم خطاه، أما أن يكون أخذه كلية.. فهذه فرية، ما لها من مرية.


وقد بيّن عوار هذا الكلام، المحقق الفاضل أحمد العلاونة، وهو به خبير، وبعمله بصير.


رحم الله -الزركلي- رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي

١٤٣٧/٥/٢٥

١٤٤٢/٧/٢٢

أنتِ خائنة!


أنت خائنة!


هذه كلمة، طالما سمعت وتسمع ممن يتخذ له خدينة وصاحبة، قبل الزواج، أياً كان نوع هذه الصداقة، قلّت أم كثرت..


ويضيف الأرعن: خانت ربها وأهلها.. فلا بد أن تخونني!


تظن المسكينة.. أنها بصداقتها لهذا الذئب؛ ستحوز رضاه، وتكسب ودّه، وتكون عرسه الجميلة..


وما علمت، أنها نزوة وشهوة لا غير؛ فما إن تنتهي زمالة الدراسة، أو مهنة العمل، أو نحوها من اللقاءات، إلا ويفكر في اختيار شريكة عمره الحقيقية، لا الوهمية!


تناديه: ها أنا ذا.. ألست جميلة؟ ألم أربّي نفسي لك؟ ألا تذكر قَسمك، أن أكون زوجتك؟!


ينظر إليها، أو يكلمها من وراء حجاب، وهو يتأرنح ويبتسم ابتسامة ماكرة، قائلاً: أنت خائنة.. بلا شرف ولا مروءة، ولا دين ولا كرامة!


آه، ما أقسى هاته الكلمات، وما أحر هذه العبارات، وما أقض تيك الجمل، وما أمض هاتيك الكلم!

ولكن:

يداك أوكتا، وفوك نفخ *** أنت الجانية، فعلام الصرخ؟!


تصبح المغمومة.. مأكولة مأدومة، مرذولة مذمومة؛ كالشعير: مأكول مذموم!

يأكله الناس، ثم يذمونه، وهذا مَثل لمن يؤخذ منه ما يشتهى، ثم يرمى بعد المنتهى! 


ترد عليه المغلوبة، وقد علاها الرحضاء، وسيطرت عليها الدهشة، وتهيأت للسقوط والإغماء، قائلة: أنا خائنة.. أنا  .. أنا؟!


يرد عليها بصفاقة: نعم، أنت الساقطة.. ومَن غيركِ؟ أنت الذي خنت ربك، ثم خنت أهلك .. مشيت معي  .. هاتفتيني .. راسلتيني  .. واصلتيني.. مَن يؤمنني، أن لا تفعلي مع غيري، كما فعلت معي؟!


ثم يضيف الخبيث: والحمد لله، خطبتُ فتاة مؤدبة مهذبة، من بيتها، لا من هاتفها!

فتاة، لا تعرف إلا بيتها  .. فتاة، لم أعرفها، إلا من أخواتي  .. فتاة، لم تعرف صوت ذكرٍ إلا صوت أبيها وإخوانها ومحارمها .. فتاة، لم يرها أجنبي قط .. فتاة، لم تتزين إلا لي وحدي من دون العالمين .. فتاة، صبرت على نفسها، حتى أتاها نصيبها .. فتاة، لا يهمني جمالها الخلاب، بقدر ما يجذبني عفتها وعفافها..


تسمع -المغفلة- هذه الكلمات، وصدرها، يغلي كالمرجل، ونبضات قلبها في تسارع وازدياد، وضغطها قد ارتفع وزاد!

استعجم لسانها.. ماذا تفعل؟! ماذا تقول؟!


ولسان حالها:

تجنى علي الذنب، والذنب ذنبه *** وعاتبني ظلماً، وفي شقه العتبُ


وأعرض لما صار قلبي بكفه *** فهلا جفاني حين كان لي القلبُ


وكأني بها، تتمثل:

تجاهلت وصلي حين لجت عمايتي *** فهلا صرمت الحبل إذ أنا مبصر


ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته *** نصيب، وإذ رأيي جميع موفر


ولكنما آذنت بالهجر بغتة *** ولست على مثل الذي جئت أقدر


قال ابن القيم: "إن من أحب شيئاً، سوى الله تعالى، ولم تكن محبته له لله تعالى، ولا لكونه معيناً له على طاعة الله تعالى.. عذِّب به في الدنيا قبل يوم القيامة.

كما قيل:

أنت القتيل بكل من أحببته *** فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي


فإذا كان يوم المعاد، ولى الحكَم العَدْل سبحانه، كل محب ما كان يحبه في الدنيا، فكان معه: إما منعماً أو معذباً، ولهذا، يمثل لصاحب المال ماله، شجاعاً أقرع يأخذ بلهزمتيه؛ يعني: شدقيه، يقول: أنا مالك .. أنا كنزك، ويصفح له صفائح من نار، يكوي بها جبينه وجنبه وظهره، وكذلك عاشق الصور، إذا اجتمع هو ومعشوقه على غير طاعة الله تعالى، جمع الله بينهما في النار، وعذِّب كل منهما بصاحبه؛ قال تعالى: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" ...  والمقصود: أن من أحب شيئاً، سوى الله - عز وجل؛ فالضرر حاصل له بمحبوبه.. إن وجده، وإن فقده، فإنه إن فقده، عذب بفواته، وتألم على قدر تعلق قلبه به، وإن وجده، كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته.. أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة".

(إغاثة اللهفان: ١/ ٣٨)


وقال: "وقد قضى الله تعالى.. قضاء لا يرد ولا يدفع: أن من أحب شيئاً سواه.. عذِّب به، ولا بد أن من خاف غيره، سلِّط عليه، وأن من اشتغل بشيء غيره، كان شؤماً عليه، ومن آثر غيره عليه، لم يبارك فيه، ومن أرضى غيره بسخطه، أسخطه عليه ولا بد".

(الوابل الصيب: ١٥)


وإذا تم الزواج.. فإن انعدام الثقة، تكون ملازمة لهما، حية بينهما، ماشية إليهما، إلا أن يشاء الله تعالى.


وربما، أصيبا بالوسواس في تصرفاتهما، وإن تابا، إلا أنهما يحدثا أنفسهما، بماضيهما المظلم، فلا يزالا على ذلك، حتى يتركا بعضهما، أو تكون حياتهما، جحيماً لا يطاق.


جمعتْ -الممكورة- ما بقي من شرفها -إن كان بقي- ورجعت تجر أذيال القهر والذل والحرمان!


ولا أدري، هل تكتفي بهذه التجربة الفاشلة، أم ستعود كرة ثانية "تلك إذاً كرة خاسرة"!


ولا أدري، إن كن صديقاتها، أخذن العبرة من أختهن، أم يُردن، تجربة فاشلة، لا حد لها، ولا منتهى.


انتهت قصتها، في كلمة.. (خائنة).


ومن روائع المنفلوطي: "قلتم لها: إن الحب أساس الزواج، فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال، مصعدة مصوبة، حتى شغلها الحب عن الزواج، فعنيت به عنه!


قلتم لها: لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك، فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك، والعذاب الأليم!


قلتم لها: نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها، ويلائم ذوقُها ذوقَنا، وشعورُها شعورَنا، فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومباهج أنظاركم، لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس حياتكم، صفحة صفحة، فلم ترَ فيه غير أسماء الخليعات المستهترات، والضاحكات اللاعبات، والإعجاب بهن، والثناء على ذكائهن وفطنتهن، فتخلعت، واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتكم، ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف، تعرض نفسها عليكم عرضاً، كما تُعرض الأمَة في سوق الرقيق ، فأعرضتم عنها ونَبَوتُم بها، وقلتم لها: إنا لا نتزوج النساء العاهرات، كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات، إذا سلمت لكم نساؤكم، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة، وقد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت"!

(العبرات: ٤٥) 


والعجيب، أن هؤلاء العوجى العرجى.. يستدلون بحديث (ما رأيت للمتحابين مثل الزواج)!

والحقيقة: أنهم أتوا أمراً كبارا، وجاؤوا بمنكر من الفهم وزورا، ولا يخفى سقطهم، إلا على الرعاع المساكين، الذين لا يفرقون بين التمرة والجمرة، فاللهم مسكنا بالإسلام، حتى نلقاك به.


ومعنى الحديث باختصار (وإلا، فقد أشبعته بحثاً في مقال، بعنوان: "شَعْبُ الزجاج في توجيه حديث: لم يُرَ للمتحابَِّين مثل الزواج" فليراجع ثَم): إذا أحب رجل امرأة؛ عن طريق رؤيتها مصادفة، أو سماعه عنها، أو وصفها؛ فعلاجه ودواؤه: أن يتزوجها، وليأت البيت من بابه، لا أن يخبرها، أو يهاتفها، أو يراسلها؛ لأن بعدها: مقابلة ومغازلة، وبعدها: أمور تعرفونها!


ومن تأمل قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".. رأى أن التواد والتحاب، مشروط بالزواج، لا قبله، فمتى حصل النكاح المشروع؛ حصلت المودة والمحبة والرحمة. 

وفي الآية إشارة، إلى أن الحب قبل الزواج؛ حب زائف حائف جائف، بل يكون سبباً لاهتراء الأواصر، واجتراء العواصر. 


ولطالما واصلنني، فتيات.. باكيات شاكيات داميات، من هذه المواقف.. فأحزن وأشجن، وأكاد أجنن -حفظ الله علينا ديننا وعقلنا وعفافنا-.

فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون" و"حسبنا الله ونعم الوكيل" و"لا حول ولا قوة إلا بالله" العزيز الحكيم، العلي العظيم.


هذه كلمة، احتبست في فؤادي برهة، ثم نفثتها، فكتبتها، علّ فتاة صادقة، يكون بها نفعها، وأرجو ذلك، إن ربي على كل شيء قدير.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٣٨/٤/٢٥


الأربعاء، 3 مارس 2021

إسفاف نزار!

 إسفاف نزار!


إن نزار قباني، شاعر مسف منحط، لم يزد، أن عرّى المرأة من لباسها، ولم يكتف، بل زاد، فعراها من كرامتها وحيائها وحشمتها، وصوّرها دمية من سقط المتاع، يُلهى بها ويلعب، بل تباع وتشرى!


وعجبي، ممن يقرأ له للالتذاذ، أو يكتب شعره للاستشهاد.. ما الذي تجده في شعره، سوى القحة؟! كيف تتغنى بشعر، يصف لك العهر والخنا؟! أي شعور تشعره، وأنت تقرأ ما ووري وخبئ.. ليكشفه هذا المهتوك؟!


ولا يعترضن علي معترض.. بأننا نقرأ للجاهليين، نعم، نقرأ لهم، ويوجد لبعضهم، سفل وإسفاف، ولكن لم يصل سقوط أحدهم، في الجملة، ما وصلت إليه سفالة نزار!

ثم إننا نقرأ شعرهم؛ للاستدلال والاحتجاج، لا للتسلية والتزجية.


إنني أذكر، ذات ليلة بئيسة، أعطاني فيها، أحد الأصدقاء، ديواناً، لنزار.. تصفحته، وإذا بي -والله- أخجل، مما وجدته.. إنه صم أذني، وأخرس لساني.. أطبقته، دون عودة؛ شاجباً عائباً.


وما أحرى النشء والشبيبة اليوم.. في انتقاء ما يقرؤون، واختيار ما يسمعون، واصطفاء ما يغذون به عقولهم العطشى، فـ "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".

أخذ الله بنا للمراضي، وجُنبنا المخازي.


وكتب: وليد أبو نعيم

١٤٤٢/٧/١٨

الاثنين، 1 مارس 2021

يشتغل بالريال، ولا يَدَيّنُه!

 يشتغل بالريال، ولا يَدَيّنُه!


بالأمس، قابلت رجلاً، طيب القلب، بشوش الوجه، شاكر اللسان.. سألته عن حاله وعياله؟

وكان مما أخبرني: أنه كان يعمل براتب كبير، ومع أزمة كورونا، تركه ذلك العمل الأثير!

فاضطر، أن يعمل براتب قليل!


قال لي: الحمد لله، من راتب، بـ  .....، إلى راتب، بـ ..، لكن: الواحد يشتغل بالريال، ولا يدينه!


يعني: لأن يعمل الواحد، بمبلغ زهيد، خير له، أن يستلفه!

(ومعلوم، ما في الدَّين، من الشين) لكن:

(وللضرورات حال، لست تدريه)!


أخذت أكرر هذه الكلمة؛ مستلمحها ومستملحها!

رغم، عاميتها، إلا أنها كانت في المحز، وأصابت المفصل!



أقول: وما أجمل وأكمل.. أن يعيش الإنسان، في ظل عمل حلال، يقيه حر الحال، وذل السؤال!


وإن حقراء الناس، إذا رأوا رجلاً، -وإن كان صاحب فضل وعلم-؛ لم يواته العمل، ولم يحالفه الحظ.. نظروا إليه شزراً، وسلقوه بألسنة حداد، وقالوا فيه "منكراً من القول وزورا"!


ولكن العاقل.. لا يعبأ بسفلة الناس، ولا يبال بحكم الرعاع، فإنهم، لا يفكرون إلا في الدنايا؛ لأنهم كذلك، ولا يحكمون إلا وفق الدينار والدرهم؛ لأنهم عبيد، لم يتحرروا من رق حاق العبودية!


فيا أيها الفقير.. عش سخي اليد، رضي النفس، رخي البال، ولا ترقق خدك لأحد من خلق الله، فـ (الخلق كلهم، عيال الله).


ومن تاه عليك، فته عليه، ومن تكبر، فزده تكبراً، فإن (الكبر على المتكبرين، صدقة)!


وأنشد المبرد:

إذا تاه الصديق عليك كبراً *** فتُه كبراً على ذاك الصديقِ


فإيجاب الحقوق لغير راعٍ *** حقوقك، رأس تضييع الحقوقِ


روي عن الحسن البصري، (وقيل: عن ابن المبارك) أنه سئل عن التواضع؟ فقال: هو التكبر على الأغنياء!


يريد: الترفع، وعدم التذلل لهم؛ طمعاً في مالهم، أو جاههم.


فأخذ هذا المعنى شاعر، فنظمه، قائلاً:

لم ألق مستكبراً، إلا تحول لي *** عند اللقاء له الكبر الذي فيهِ


ولا حلا لي من الدنيا ولذتها *** إلا مقابلتي للتيه بالتيهِ


وقال آخر:

زِنْ من وزنك، بما وزنك *** وما وزنك به، فزنهُ

من جا إليك، فرُح إليه *** ومن جفاك، فصد عنهُ



وحذار حذار.. أن يروا منك ضعفاً وفقراً، أو يسمعوا منك أنّة وخوراً.. فإن فعلت، فقد جعلت نفسك، رخيصة للرخاص، ووضعت روحك، رحاً للنقاص!


ولله إمامنا المطلبي، فيما روي عنه:

ولا ترِ للأعادي قط ذُلاًّ *** فإن شماتة الاعدا، بلاءُ!


ولله شيخنا المعري، في لاميته:

اُكتم الأمرين: فقراً وغنى *** واكسب الفلس، وحاسب من بطلْ


على أن بعض النوكى.. يكاد يغشى عليهم، حين يرون معوزاً، عزيزاً.. يطرحهم ودنياهم، ويخليهم ومتعهم!


ويحدسون -وقد حاسوا وخاسوا- أن كل من ألصق بالرغام، أُرغم وعلقم!

لا، بل العزيز حاله واحدة، لا تتغير ولا تتبدل، كيفما تقلب، وحيثما تغلب.


ولا أريد الإطالة، حتى لا أسبب الملالة، وإلا، فإن الوطاب، مليئ، والحبل، غارب، والجرح، نازف، والأنف، راعف -أرعفت أنف، من لا يستحي-!


ووالله، لم أرد الكتْب، ولم أقصد السهب، ولكن، الكلمة، وقعت على الكلْم، فنكأته، فأبت علي نفسي -وكثيراً ما تتأبى- إلا، أن تقشر عصا، شيخة، في عقول صبية، شاهت وجوههم، ولم يختشوا مما عليها، بل احتشوا فخراً وتيها!


وأجدني متمثلاً، قول شيخي عمر ابن مظفر:

أنا مثل الماء، سهل سائغٌ *** وإذا أسخن، آذى وقتلْ


أنا كالخيزور، صعب كسره *** وهو لدنٌ، كيفما شئت، انفتلْ



اللهم إنا فقراء إليك، أعزاء بك، أذلاء لك، أقوياء منك.. فكن لنا، حيث كنا، و(اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك)


وكتب العزيز المعتز: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/١٥


رذالة ورذيلة!

رذالة ورذيلة!


قهر وأسى، من بعض الأفعال المشينة، التي أصبحت لدى البعض كالشراب السائغ!


وما ذاك، إلا لغياب الوازع الديني، والرادع الذاتي، والانفتاح على هذه الحضارة الزائفة المزيفة، التي تمجد الرذيلة، وتنأى وتُنئي عن الفضيلة.

فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون".


وأجد -والله- غصة في حلقي، وحشرجة في صدري.. لما أقرأ وأسمع وأشاهد.. من تبرج وسفور، وعجز وفجور، وبُعد عن هدي الإسلام ونفور!


وكم وكم، من قصص الخزي والعار- التي تحصل ليل نهار، والآباء والأزواج والإخوان بمعزل عنها ومنأى، وكأنهم يعيشون في مجتمع طاهر طهور مطهر!


ثقة عمياء للنهاية، وترك الحبل على غاربه، والبعض الآخر: على العكس من ذلك؛ شكوك بلهاء للنهاية، والمتوسطون قليل! فالله المستعان.


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٣٨/٦/٢

الدَّهْرُ قُلّب!

 الدَّهْرُ قُلّب!


يعيش أناس في دول مستقرة الحال، مرتاحة البال، لا يشكون فقراً، ولا يهمون عيشاً، ويسمعون أخباراً وشكايات.. من مسلمين في دول أخرى، فلا يؤبهون لهم، بل ربما، أرسلوا قهقهات، وأحدثوا شماتات، وكأنهم في ضمان من الديمومة والاستمرار!


أقول لهم، باختصار: إن النعم التي عندكم الآن، كانت عندهم في قديم الزمان، بل أفضل منكم وأكثر وأوفر، وربما أن بعضهم: كان ممن يتصدق عليكم!


فاحمدوا الله تعالى، واشكروه سبحانه، وحافظوا على النعم، بالاعتراف والطاعة، وإلا، "فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون".


إن للدهر صولة فاحذرنها *** لا تبيتن قد أمنت الدهورا


قد يبيت الفتى معافىً فَيَرْدَى *** ولقد كان آمناً مسرورا


وكتب: وليد أبو نعيم.

١٤٤١/٧/٦