السبت، 6 مارس 2021

بابا، حفظت "الفاتحة".. اشتر لي هدية!

 


بابا، حفظت "الفاتحة".. اشتر لي هدية!


هذه كلمة لطفل، ابن ثلاث سنين، ولسانه، لا يكاد يبين!

وعَدَه والده، بجائزة، إذا حفظ سورة الفاتحة؛ ترغيباً وتحبيبا.


فلما حفظ سورة الفاتحة؛ طلب الجائزة الفائحة!


ضحك الوالد؛ فرحاً وبهجاً، من هذا الإنجاز الوجيز، من جفر صغير، ووعده ثانية، بالجائزة الحائزة!



قال أبو نعيم: وما أجمل، تعليم الأولاد، كتاب الله تعالى، فقد قال عبد الله بن عيسى: "لا تزال هذه الأمة بخير، ما تعلم وِلدانها، القرآن".

‏(العيال: ١/ ٤٨٠) لابن أبي الدنيا.


ورُئي أبو منصور الخياط المقرئ، تـ ٤٩٩، بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ 

قال: غفر لي؛ بتعليمي الصبيان، فاتحة الكتاب!

(سير أعلام النبلاء: ٣٤/ ١٥٢)



وفي (الأجوبة المهمة) عن الحافظ السيوطي: "تعليم الصبيان القرآن.. أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال".

ينظر: (التراتيب الإدارية: ٢/ ١٠٨)


وأسفي، على آباء وأمهات، يعلّمون أبناءهم.. الأغاني الماجنة، والرقصات المايعة ونحوها من بابات الشر والرذيلة!


فبالله عليكم.. كيف لهؤلاء الأطفال، أن يحيوا حياتهم، وقد خبروا الشر من أول وهلة  .. وكيف لهم أن يستقيموا، وقد انتكسوا قبل معرفة الاستقامة، إلا أن يشاء الله لهم الهداية والتوفيق.


والحقيقة: أن ما نشّئ عليه الطفل.. يستمر عليه، في الكثير الغالب، كما قال المعري:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه


وقال أبو الحسن الغزنوي:

كم حسرة لي في الحشا *** من ولدي إذا نشا


وكم أردت رشده *** فما نشا، كما نشا!

(وكان العلامة عبد الله بن حميد.. يتمثل بها)


وقال شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي الشافعي، تـ١٠٠٤، في منظومة (رياضة الصبيان):


وبعد : فالتأديب للصبيان

من أول النشء أتم الشان


لأن تأديب الصبي في صغره

زيادة لحظّه في كبره


ينل بذلك الحظوظ الوافرة

وراحة الدنيا وخير الآخرة


فينبغي لكل جد وأبِ

وقيم الحاكم تأديب الصبي


وتنهر الأم وليدها بالأدب

زجراً له عن الخناء واللعب


إذ قلبه كالشمعة المقصورة

مجوهر يقبل كل صورة


وينبغي لهم بأن يعودوا

أولادهم فعل التقى ليسعدوا



وقال ابن القيم: "وكم ممن أشقىٰ ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة.. بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته له علىٰ شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد؛ رأيت عامته من قبَل الآباء".

(تحفة المودود: ١/ ٣٥١)


وجعْل مكافأة على حفظ شيء، أو إنجازه.. من باب الهبة أو الجعالة، وهي جائزة؛ لأنها لغرض شرعي.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا سبَق إلا في نصل أو خف أو حافرِ).

رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني.


والسبق، هو: "ما يجعل من المال رهناً على المسابقة".

(النهاية: ٢/ ٨٤٤)


وقال ابن القيم: "المسابقة على حفظ القرآن، والحديث، والفقه وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل هل تجوز بعوض؟

منعه أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة، وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك، والصراع، والسباحة.

فمن جوّز المسابقة عليها بعوض، فالمسابقة على العلم، أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم: أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم، أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح".

(الفروسية: ٣١٨)


ومن الطرائف: ما جاء عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: رأيت صبياً ابن أربع سنين، قد حُمل إلى المأمون، قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع، يبكي!

(الكفاية في علم الرواية: ٦٤)



وعلى هذا، أقول: إن تشجيع الأولاد والطلاب، على حفظ القرآن والسنة، والمنظومات العلمية، والأشعار العربية، مقابل مكافأة مالية، أو جائزة عينية ونحوها.. مما يسهّل ذلك، ويرغب إلى ما هنالك.


ولا يورد عليه: أن النية مدخولة، والإخلاص غائب!

فإن هذا المعنى، غير وارد في عقل الطفل أصلاً، بل لا يفهمه.


وكم من جهابذة السلف.. من عالج نيته، برهة من الزمن، حتى استقامت له واستوت، فكيف بطفل غير مكلف، بل لا يعلم شياً من وعن هاته المعاني الكبيرة؟!


عن إبراهيم بن أدهم، قال: قال لي أبي: يا بني، اطلب الحديث، فكلما سمعت حديثاً، وحفظته؛ فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا.

(شرف أصحاب الحديث: ٦٦)



ثم إن هذا الفعل، قد صدر من بعض السلف مع أبنائهم، فحفظوا بهذا العلم، حتى أشير إليهم بالبنان، بعد اكتمال البنيان.


"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين" و(ألهمهم رشدهم، وقهم شر أنفسهم).

والله العاصم والقاسم.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/٢٣


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق