الجمعة، 5 مارس 2021

قاموس "الأعلام" معلمة علمية تراجمية ثقافية!

 قاموس "الأعلام" معلمة علمية تراجمية ثقافية!


كتاب "الأعلام" (واسمه كاملاً: (الأعلام.. قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين..


تأليف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي، تـ١٣٩٦)


كتاب عظيم، وسفر فخيم، تعب عليه ولغب، وسافر من أجله حتى جشب.

تصفح وقرأ.. الكم الكثير، والجم الوفير، من الكتب والمخطوطات، وراسل جمعاً وجماً من أهل العلم والثقافة والجاه والقدر، وصبر وثابر، حتى أوتيت ثماره، شهية للآكلين، دنية من الشاربين.


وهي مَعلمة.. أفنى فيها عمره، وأسال ماء عينيه، وأذاب شحمتهما، في سبيل إخراجه في حلة سيراء، وبزة مونقة.


وهو مشروع عمره (وما أجمل، أن يكون للإنسان، مشروعاً في حياته!) فقد ظل سبعين سنة.. يصحح وينقح، ويراجع ويضارع، حتى خرج بهذه الصورة النيقة.


بدأ -رحمه الله-.. الكتابة، في كتابه، عام ١٣٣٠، في نحو العشرين، من عمره، حتى وفاته، عام ١٣٩٦.


قال -في ترجمة معروف الرصافي-: "وكان من بواعث أسفي.. أني عام باشرت جمع مادة الكتاب- سنة ١٣٣٠ - ١٩١٢م.. لم أُعنَ بتقييد المصادر؛ ذهاباً إلى أن الكتاب، سيكون معجماً مدرسياً.. فأعدت الكرة على ما تيسر الرجوع إليه، فأسندته إلى بعض أصوله، وبقي غير القليل، غفلاً من الإسناد".

(الأعلام: ١/ ٢١)


وقال -رحمه الله- في مقدمة الطبعة الثانية، وقد لحقتها طبعات-: "هذا نتاج أربعين عاماً -خلا فترات استجمام وفتور، وانصراف إلى بعض مشاغل الحياة-.. أمضيتها في وضع (الأعلام) وطبعه أولاً، ثم متابعة العمل فيه، تهذيباً وإصلاحاً وتوسعاً، وإعداده للطبع ثانياً.

وما أطمع من وراء ذلك، في أكثر من أن يكون لي، في بنيان تاريخ العرب الضخم، رملة أو حصاة!

أخرجت دور الطباعة، في خلال ربع قرن انقضى بين طبعتي الكتاب الأولى والثانية، مجموعة كبيرة من المصنفات، بينها أمهات في السير والأحداث والتراجم".

(الأعلام: ١/ ١٣)


وهذه المعلمة.. كانت أمنيته الأثيرة لديه، فاسمعه يقول: "كان من أماني النفس.. وضع كتاب، يتناول بالذكر، كل من عرض له خبر، أو دون له اسم- في تاريخ العرب والمستعربين- من جاهليين وإسلاميين، متقدمين ومتأخرين، غير أني رأيت في ذلك عبئاً، لا ينهض به الفرد، وميداناً يقصر عن اقتحامه الجهد".

(الأعلام: ١/ ١٩)


ولم يكن قيامه بهاته المهمة، اعتباطاً، بل؛ لأن الحاجة كانت، داعية إليها..

فاسمعه، يقول -في مقدمة الطبعة الأولى-: "في الخزانة العربية فراغ، وفي أنفس قرائها حاجة، وللعصر اقتضاء. يعوز الخزانة العربية، كتاب يضم شتات ما فيها من كتب التراجم، مخطوطها ومطبوعها.

وقد حاولت بهذا الكتاب.. أن أملأ جانباً صغيراً من هذا الفراغ، وأمضي بعض تلك الحاجة، وأقوم بشيء مما يقتضيه العصر، وعساي أن أوفق".

(الأعلام: ١/ ١٩)


وقد بين شرطه، في كتابه، فقال: "أن يكون لصاحب الترجمة.. علم تشهد به تصانيفه، أو خلافة، أو ملك، أو إمارة، أو منصب رفيع، كوزارة، أو قضاء كان له فيه أثر بارز، أو رياسة مذهب، أو فن تميز به، أو أثر في العمران يذكر له، أو شعر، أو مكانة يتردد بها اسمه، أو رواية كثيرة، أو يكون أصل نسب، أو مضرب مثل. وضابط ذلك كله: أن يكون ممن يتردد ذكرهم، ويسأل عنهم".

(الأعلام: ١/ ٢٠)


وقال: "فاكتفيت بأشهر الرجال والنساء ذكراً، وأثبتهم في صحيفة الأجيال عملاً، وتعمدت الإيجاز ما استطعت.

ولم أتعرض للأحياء من المعاصرين؛ مخافة الوقوع فيما لا أحمد، والإنسان قد يتغير.

وأثبت تراجم طائفة من المتأخرين، قد أكون أهملت كثيراً من طبقتهم في المتقدمين؛ ثقة بأن كتب المؤرخين، مفعمة بأخبار هؤلاء، وحرصاً على استبقاء ما لم يدون من سير أولئك.

وكان حق الاستشراق، فيما قدمه، بعض رجاله من خدمة للعربية.. أن أترجم لجماعات منهم، خلفوا آثاراً فيها تأليفاً بها، أو نشراً لبعض مخطوطاتها".

(الأعلام: ١/ ١٩)


والكتاب.. قد أعجب به العلماء، ولهج بذكره الحكماء، وهرع الطلعة، لاقتنائه، والكرع من مائه.

حتى لقد أصبح، مرجعاً بل مصدراً، ينهل منه الباحثون، ويرده الواردون، ويتفيؤه المشمسون.


يقول الشيخ علي الطنطاوي: "الكتاب العظيم (الأعلام).. أحد الكتب العشرة، التي يفاخر بها هذا القرن، القرون السابقات".

(المذكرات: ١/ ١٢٥)


ويقول الأستاذ عبد العزيز الرفاعي: "ولقد قلت ذات مرة: إنه لو سئلت عن أعظم كتاب عربي، صدر في القرن الرابع عشر الهجري؛ لقلت، دونما تردد: إنه كتاب (الأعلام) للزركلي -رحمه الله-؛ ذلك أنه قد بذل في هذا الكتاب، من المجهود ومن الإتقان، ما لم يبذل في غيره، مع أنه كتاب ضخم، وكما هو معجم للرجال والمشاهير من الأعلام، فهو أيضاً، مخزن كبير لأسماء المراجع والمصادر، بل هو منجم زاخر".

(فوات الأعلام: ٩)


ويعد كتاب (الأعلام).. مدخلاً وباباً، إلى كثير من كتب التراجم والسير، فيستطيع الباحث من خلاله، العودة إلى المصادر الأصيلة، بيسر وسهولة، فمنهجيته، تقوم على رد الباحث، إلى مصادر المترجَم، مع الإتيان على الترجمة، في كلمات قليلة، تفهم المقصود، وتفي بالمراد.


والزركلي.. منصف أمين، فهو لا يغمط الآخرين حقهم، ولا يبخس الناس أشياءهم؛ فتجده، في طول الكتاب وعرضه، يعترف بفائدة من فلان، ويشير إلى عائدة من علان..

فمثلاً: 

مكث كتاب (الأعلام)، عند العلامة أحمد عبيد، ما يزيد على عشرين سنة، وهو يزيد ويعلق ويحقق.. فلما أراد مؤلفه، طباعته.. دفع نسخته إليه!

وهذا فعل عجيب من العلامة أحمد عبيد، تشي بنفس أبية، تنأى عن السفول والدنو والأثرة، وحقه: أن يذكر، فيشكر، وقد فعل صديقه الزركلي؛ فكان يذيل كل زيادة زادها أحمد عبيد، باسمه!

بل ذكره منوهاً وشاكراً، -كما أظن- في مقدمة الطبعة الخامسة.


وقال عنه: "وحمل عني، عبء استخراج الخطوط المكنوزة، في خزائن دمشق".

(الأعلام: ١/ ١٧)


وأقول: كفى الزركلي، شرفاً وفخراً.. ما كتب حوله من: تتمات، وتذييلات، وتعقبات، واستدراكات، وانتقادات، وتصحيحات، فلولا فخيم أمره، وعظيم أثره؛ لما حفل بهاته الأعمال، التي توافر عليها، ثلة من أهل العلم والأدب، تجاه فرد!


فقد صارت هاته المعلمة، مجالاً لأقلام كثير من الباحثين الفاحصين، فشرعوا سفينته، ونصبوا خيامهم ببابته..


وممن أذكر، من أعمال الأعلام، حول كتاب (الأعلام) ما يلي:


-إتمام الأعلام، تأليف: نزار أباظة، و محمد رياض المالح.


-تتمة الأعلام، تأليف: محمد خير رمضان يوسف.


-ذيل الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-مع العلامة الزركلي في كتابه الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


الأعلام لخير الدين الزركلي: مراجعات وتصحيحات، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-توشيح كتاب الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-نظرات في كتاب الأعلام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة.


-الإعلام بما وقع في أعلام الزركلي من الأوهام، تأليف: أحمد بن إبراهيم العلاونة، وهو ضمن الجزء الثاني من "ذيل الأعلام".


-النسب التي شرحها العلامة الزركلي في كتابه الأعلام، تأليف: محمد بن عبد الله الرشيد.


-الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام، تأليف: محمد بن عبد الله الرشيد.


-قراءة نقدية في كتاب الأعلام، تأليف: إبراهيم بن سعد الحقيل.


-الإفهام والإسهام فيمن ليس في الأعلام، تأليف: إبراهيم بن عبد الله الحازمي.


-ترتيب الأعلام على الأعوام، تأليف: زهير ظاظا، و محمد نزار تميم، و هيثم نزار تميم.


-فوات الأعلام مع الاستدراكات والإسهام في إتمام الأعلام، تأليف: عبد العزيز الرفاعي.


-معجم الأعلام، تأليف: بسام الجابي.


وهناك بعض المقالات، تناولت معلمة الزركلي، بالتنقيح والتصحيح، منها:


-العلامة أحمد عبيد.. له ملاحظات عليه، وهي منثورة في ثنايا أجزائه، في أماكن كثيرة، من هوامش (الأعلام) 


-العلامة سالم كرنكو، تقدم بثلاث صفحات، في نقد الطبعة الأولى.


-العلامة محمد أحمد دهمان، في مقال نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد ٥٣ الجزء الثاني ربيع الآخر ١٣٩٨، سماه: تحقيقات وتصحيحات لكتاب الأعلام.


-العلامة عبد الفتاح أبو غدة، في الكثير من كتبه وتحقيقاته.


-العلامة إسماعيل بن علي الأكوع، في مقال، نشر له، في مجلة العرب السنة الثامنة محرم وصفر ١٣٩٤، من ٥٦٢ إلى ٥٦٩.


-العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، في كلمة أشار بها، قال: "وللأستاذ محمد أحمد دهمان، مقال ذكر فيه أوهام الزركلي، في الأعلام، ولدي ضعفها، فإن نشطت، جمعت ما هنالك في كتيب مستقل" ولا أدري، أنشرت، أم لا؟


-الأستاذ عدنان جوهرجي، فيما كان ينشره في الصحف والمجلات.


-الأستاذ محمد غسان، الذي أصدر نقداً للطبعة الأولى، أجاد فيه وأنصف -كما قال الزركلي-.


وقد وُجهت لقاموس (الأعلام) نقدات عديدة، ولا يخلو تأليف، من خطأ، فهذا طبع البشر، وهو دليل استيلاء النقص والضعف والخور.

والله المستعان.

ولكن: كفى المرء نبلاً، أن تعد معايبه!


ومن تيك الانتقادات:

-لم يترجم إلا قليلاً من الأنبياء، وترك البقية.


-لم يترجم لسلاطين الدولة العثمانية، مع أنه ترجم للمماليك والمستشرقين.


-لم يترجم لبعض المشاهير، من القدماء والمعاصرين.


-ترجم لكثير ممن لا يستحق أن يترجم؛ لما في سيرته من سفه ومجون.


ولا شك، أنه من الممكن، الإجابة عن بعض هاته التنقيدات، ولكني لست في صدد ذلك، وفي ظني، أنه قد تصدى، بعضهم، لذلك، فالله أعلم.


وقد قال بعضهم: إن كتاب (الأعلام) منقول عن كتاب باللغة التركية، لكن الزركلي.. لم يذكر ذلك الكتاب، ولم يشر إليه، ولا إلى مصنفه!


والحقيقة.. أن هذا غير صحيح، بل هو تشابه في الاسم، حاشا الرسم.


وربما استفاد منه الزركلي، وحذا حذوه، وتسنم خطاه، أما أن يكون أخذه كلية.. فهذه فرية، ما لها من مرية.


وقد بيّن عوار هذا الكلام، المحقق الفاضل أحمد العلاونة، وهو به خبير، وبعمله بصير.


رحم الله -الزركلي- رحمة واسعة، وأسكنه الجنات الشاسعة.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي

١٤٣٧/٥/٢٥

١٤٤٢/٧/٢٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق