الاثنين، 1 مارس 2021

يشتغل بالريال، ولا يَدَيّنُه!

 يشتغل بالريال، ولا يَدَيّنُه!


بالأمس، قابلت رجلاً، طيب القلب، بشوش الوجه، شاكر اللسان.. سألته عن حاله وعياله؟

وكان مما أخبرني: أنه كان يعمل براتب كبير، ومع أزمة كورونا، تركه ذلك العمل الأثير!

فاضطر، أن يعمل براتب قليل!


قال لي: الحمد لله، من راتب، بـ  .....، إلى راتب، بـ ..، لكن: الواحد يشتغل بالريال، ولا يدينه!


يعني: لأن يعمل الواحد، بمبلغ زهيد، خير له، أن يستلفه!

(ومعلوم، ما في الدَّين، من الشين) لكن:

(وللضرورات حال، لست تدريه)!


أخذت أكرر هذه الكلمة؛ مستلمحها ومستملحها!

رغم، عاميتها، إلا أنها كانت في المحز، وأصابت المفصل!



أقول: وما أجمل وأكمل.. أن يعيش الإنسان، في ظل عمل حلال، يقيه حر الحال، وذل السؤال!


وإن حقراء الناس، إذا رأوا رجلاً، -وإن كان صاحب فضل وعلم-؛ لم يواته العمل، ولم يحالفه الحظ.. نظروا إليه شزراً، وسلقوه بألسنة حداد، وقالوا فيه "منكراً من القول وزورا"!


ولكن العاقل.. لا يعبأ بسفلة الناس، ولا يبال بحكم الرعاع، فإنهم، لا يفكرون إلا في الدنايا؛ لأنهم كذلك، ولا يحكمون إلا وفق الدينار والدرهم؛ لأنهم عبيد، لم يتحرروا من رق حاق العبودية!


فيا أيها الفقير.. عش سخي اليد، رضي النفس، رخي البال، ولا ترقق خدك لأحد من خلق الله، فـ (الخلق كلهم، عيال الله).


ومن تاه عليك، فته عليه، ومن تكبر، فزده تكبراً، فإن (الكبر على المتكبرين، صدقة)!


وأنشد المبرد:

إذا تاه الصديق عليك كبراً *** فتُه كبراً على ذاك الصديقِ


فإيجاب الحقوق لغير راعٍ *** حقوقك، رأس تضييع الحقوقِ


روي عن الحسن البصري، (وقيل: عن ابن المبارك) أنه سئل عن التواضع؟ فقال: هو التكبر على الأغنياء!


يريد: الترفع، وعدم التذلل لهم؛ طمعاً في مالهم، أو جاههم.


فأخذ هذا المعنى شاعر، فنظمه، قائلاً:

لم ألق مستكبراً، إلا تحول لي *** عند اللقاء له الكبر الذي فيهِ


ولا حلا لي من الدنيا ولذتها *** إلا مقابلتي للتيه بالتيهِ


وقال آخر:

زِنْ من وزنك، بما وزنك *** وما وزنك به، فزنهُ

من جا إليك، فرُح إليه *** ومن جفاك، فصد عنهُ



وحذار حذار.. أن يروا منك ضعفاً وفقراً، أو يسمعوا منك أنّة وخوراً.. فإن فعلت، فقد جعلت نفسك، رخيصة للرخاص، ووضعت روحك، رحاً للنقاص!


ولله إمامنا المطلبي، فيما روي عنه:

ولا ترِ للأعادي قط ذُلاًّ *** فإن شماتة الاعدا، بلاءُ!


ولله شيخنا المعري، في لاميته:

اُكتم الأمرين: فقراً وغنى *** واكسب الفلس، وحاسب من بطلْ


على أن بعض النوكى.. يكاد يغشى عليهم، حين يرون معوزاً، عزيزاً.. يطرحهم ودنياهم، ويخليهم ومتعهم!


ويحدسون -وقد حاسوا وخاسوا- أن كل من ألصق بالرغام، أُرغم وعلقم!

لا، بل العزيز حاله واحدة، لا تتغير ولا تتبدل، كيفما تقلب، وحيثما تغلب.


ولا أريد الإطالة، حتى لا أسبب الملالة، وإلا، فإن الوطاب، مليئ، والحبل، غارب، والجرح، نازف، والأنف، راعف -أرعفت أنف، من لا يستحي-!


ووالله، لم أرد الكتْب، ولم أقصد السهب، ولكن، الكلمة، وقعت على الكلْم، فنكأته، فأبت علي نفسي -وكثيراً ما تتأبى- إلا، أن تقشر عصا، شيخة، في عقول صبية، شاهت وجوههم، ولم يختشوا مما عليها، بل احتشوا فخراً وتيها!


وأجدني متمثلاً، قول شيخي عمر ابن مظفر:

أنا مثل الماء، سهل سائغٌ *** وإذا أسخن، آذى وقتلْ


أنا كالخيزور، صعب كسره *** وهو لدنٌ، كيفما شئت، انفتلْ



اللهم إنا فقراء إليك، أعزاء بك، أذلاء لك، أقوياء منك.. فكن لنا، حيث كنا، و(اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك)


وكتب العزيز المعتز: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٢/٧/١٥


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق