الثلاثاء، 16 مارس 2021

فاجعة نيوزيلندا.. فاجعة لهم!

 فاجعة نيوزيلندا.. فاجعة لهم!


استيقظتُ قبيل صلاة الجمعة ١٤٤٠/٧/٧، نظرت في محمولي، فوقع بصري على مقطع فيديو، فتحته -وليتني لم أفتحه- رأيت عجباً وغرباً، وحرباً ورهباً، ولم أترك لبصري العنان، بل زممته، وقمت لصلاة الجمعة.


ووالله لم أصدِّق ما لمحته؛ ظاناً أنها لعبة حربية، مما انتشر هذه الأيام من لُعب الحرب الخطيرة بين العامة والهامة، ولم يُستفد منها سوى ضياع الوقت!


ذهبتْ ظنوني إلى أمور أخرى، تدور حول الغرابة الشديدة من هذا الحدث المستبشع، والخبث المستشنع، والنجس المستنقع، والرجس المستفضع.


أخبرت مَن بجواري، مستفهماً ومستبهماً ومستلهماً؛ فأكّدوا لي: أن هذا حدث حقيقي؛ ليهودي حاقد حاسد -وهل هُم إلا كذلك- أفرغ رصاصاته -أُصيب بها- على مجموعة من المسلمين البُرءاء، والمصلين النسكاء.


حزن قلبي، ووجِع صدري، وبكت عيني؛ من هول الفاجعة، وصول الباقعة، وأحسب أن هذا واقع كل مسلم.


ولكن، مما يسلينا، ومن النصر يدنينا: أن بأعدائنا أضعاف أضعاف ما حلّ بنا، فـ "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" وقتلانا في الجنان، وقتلاهم في النيران.


وإنا نحسب هؤلاء القتلى -والله حسيبهم- شهداء؛ فقد توافرت لهم مجموعة من العلامات، منها:

-أنهم كانوا في رباط وصلاة.

-وأنهم في سبيل الله.

-وأن قاتلهم كافر بائر.

-وأنهم مغدور بهم.


وقد ‏بوّب البخاري، بابٌ: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا".

وساق بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دعا صلى الله عليه وسلم، على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين يوماً، -وكانوا سبعين رجلاً-

قال أنس: أُنزل في الذين قتلوا ببئر معونة؛ قرآن قرأناه،ثم نُسخ بعد: "بلِّغوا قومنا؛ أنا قد لقينا ربنا؛ فرضي عنا، ورضينا عنه".


و‏حزننا عليهم، وعلى ما يحلّ بإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ حزنٌ شرعي طبعي، بل هو واجب عيني.


جاء عند البخاري: ‎أن النبي صلى الله عليه وسلم، حزن؛ لما بلغه، مقتل القراء من أصحابه، في حادثة بئر معونة.

بل قال أنس: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حزن حزنا قط أشد منه).


فيؤخذ من هذا: الحزن لمصاب المسلمين أينما كانوا، وحيثما حلوا؛ لأن رابط الإسلام أعظم رابطة، وأقوى آصرة، فمن لم يحزن لمصاب المسلمين؛ فليُراجع إيمانه، ويتفقد إيقانه؛ فعلى الولاء والبراء بين الأنام؛ تدور رحى الإسلام.


ولكن يجب التنبيه؛ إلى أن حزننا؛ لا يقتضي القنوط واليأس، أو الإحباط والتعس، ولكن حزننا مربوط بقضاء الله وقدره، وحكمته وقدرته، وفي ذلك من الأسرار والحِكَم، ما لا نعلمه أو نفقهه.


يقول ابن القيم، في (شفاء الغليل: ٤١٩): "ولو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالُنا.. من حكمة الله في خلقه؛ لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع، مع قصور أذهاننا، ونقص عقولنا ومعارفنا، وتلاشيها، وتلاشي علوم الخلائق جميعهم، كتلاشي ضوء السراج في عين الشمس، وهذا تقريب، وإلاّ فالأمر فوق ذلك".


وقال أيضاً، في (شفائه: ٤١٨): "وكيف يتوهم ذو فطرة صحيحة، خلاف ذلك، وهذا الوجود شاهد بحكمته، وعنايته بخلقه أتم عناية، وما في مخلوقاته من الحكمة، والمصالح، والمنافع، والغايات المطلوبة، والعواقب الحميدة؛ أعظم من أن يُحيط به وصف، أو يحصره عقل".


وقال أيضاً، في (شفائه: ٤١٨): "وجماع ذلك: أن كمال الرب تعالى وجلاله، وحكمته، وعدله، ورحمته، وإحسانه، وحمده، ومجده، وحقائق أسمائه الحسنى؛ تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة، وجميع أسمائه الحسنى، تنفي ذلك، وتشهد ببطلانه".


قال أبو نعيم -كان الله له ومعه-: إنّ الإسلام، منذ بدء أمره، وبزوغ فجره، وهو يتعرض لمؤامرات ومناكفات، ومساومات ومحاولات.. للقضاء عليه، والفتّ في عضده، وتشويه أحكامه، وبثّ الشبهات حوله، وإلقاء الشهوات لأتباعه، ومحاولة إغواء أهله، تارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب، من شتّى النِّحل والمِلل، فقد سقطوا عليه بكلكلهم، وأتوا إليه بجلجلهم.. من يهود، ونصارى، ومجوس، ووثنيين، ومنافقين، وماسونيين، وعلمانيين، وليبراليين، وحداثيين، وآخرين من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، سلاحهم: التشكيك والتحكيك، ثم التفكيك والتدكيك، ولكن "إن ربك لبالمرصاد" "وما يضرون إلا أنفسهم وما يشعرون" "إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون".


ولا يزداد -بحمد الله ومنِّه- إلا انتشاراً، ولا يزيد كفرهم إلا انشطاراً؛ لأنه دين الله سبحانه، الذي رضيَه "ورضيت لكم الإسلام دينا" وهو دين الفطرة "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" و(كل مولود يولد على الفطرة) بل حَكَم الله تعالى بالكفر، على من لم يدِن به "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".


وإن الكافر؛ منزوع الإيمان، فاقد لليقين؛ فماذا نتوقع من شر البرية، الذين ‏قال الله عنهم: "أولئك هم شر البرية" "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا" (أولئك شرار الخلق عند الله).


ولكني تعجبت؛ ألِهذا وصل الحدّ، اللعب بالدِّماء، وتمزيق الأشلاء، وإزهاق الأنفس البريئة، وإسكات الأجساد المَريئة؟!


رجعت إلى الوراء قليلاً؛ لأقلِّب صفحات التاريخ في عقلي؛ فوجدت أن هذا الفعل الجبان؛ هو فعل أسلافهم، "قل یأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلینا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلَّتهم" "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد".


وتدبروا ختام الآية "العزيز الحميد" فـ "العزيز" هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون".

وكأن في العبارة إشارة، إلى أن هؤلاء الكافرين، مهما كادوا وسادوا وشادوا؛ فإن الله غالبهم وهازمهم، وقد فعل سبحانه وتعالى، وجعل العزة للرسول عليه الصلاة والسلام، والصحب الكرام، ومن تتبع أثرهم، ولزم غرزهم، ولكنه التمحيص "أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم نبأ الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" فهذا وعد الله "والله لا يخلف وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".


و "الحميد" هو المحمود على كل حال، وفي كل حال، وفي هذا إشارة، إلى حمد الله تعالى، والصبر عند المصائب، والاسترجاع، "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاءه ما يسر به.. قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) وإذا جاءه ما يكره.. قال: (الحمد لله على كل حال) وليس هذا عجز وخور، بل هو دواء يعقبه نصرٌ وظفَر؛ إذا صدقنا الله، "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".

ففي هذه الآية، حكاية عن طائفتين من المؤمنين: طائفة جاهدت في سبيل الله حتى قضت نحبها، وطائفة على العهد باقية، وعلى الطريق ماضية، لم تغيِّر سبيل الجهاد، ولم تبدل نهج الرشاد، فهي في جهادين: جهاد السيف والسنان، وجهاد الهوى والشيطان.


فإذا نحن واصلنا هذا الطريق اللاحب، ولم نلتفت لمخذل أو مخدر لاعب؛ وصلنا إلى العز والسؤدد، والشرف والقعدد، قال عليه الصلاة والسلام: (بشِّر هذه الأمة: بالسناء، والدين، والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا؛ لم يكن له في الآخرة من نصيب)

والرسول عليه الصلاة والسلام؛ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.


وجاء في البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم.. حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)


والمعروف في التاريخ: أن القسطنطينية؛ كانت عاصمة الكنيسة الشرقية للأرثوذكس، ورومية؛ عاصمة الكنيسة الغربية للكاثوليك.. وقد فتحت القسطنطينية، وسيأتي فتح رومية، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.


فدين الله باق، وخفاق في الآفاق: "يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".


أيطفئ نور الله نفخة فاجر *** تعالى الذي بالكبرياء تفرّدا


جاء عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).


وفي رواية عند أحمد: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر، ولا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).


قال تميم الداري: (قد عرفت ذلك، في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم؛ الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً؛ الذل والصغار والجزية)


فاثبتوا -أيها المسلمون-:على دينكم، وعودوا -أيها الشباب- إلى رشدكم، والتزمن -أيتها النساء-:بحجابكن ونقابكن، وتمسكوا -أيها الناس- بكتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى االه عليه وسلم، واعتزّوا بهويتكم، وافخروا بدينكم، وأميتوا عصبتكم، وادفنوا جاهليتكم، واحرصوا على أخلاقكم، وذودوا عن شرفكم، والهجوا بلغتكم، وأقبلوا على علمكم، وثابروا عملكم، وانشروا وعيكم، وتراحموا بينكم، وناصحوا مخطئكم، وأرشدوا ضالكم، وراقبوا ربكم في كل أعمالكم وأحوالكم: "إن الله كان عليكم رقيبا".


انظروا ماذا عندنا، وماذا عندهم؟!

عندنا: إسلام، وعبادة، وفضيلة، وشرف، وعرض، وخلق، وعفة، وعفاف، وزواج..

وعندهم: كفر، وخمر، وزنا، وسفاح، وشهوة، ورذيلة، وضيق، وانتحار، واغتصاب..

"قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا" "فأيُّ الفريقين أحق بالأمن"؟!


إن هلاك الظالمين.. قادم قريب "إنما نعدّ لهم عدّا" وإن الإسلام قادم، والمسلمون قادمون.


ولا تغتروا بحضاراتهم، ولا تلتفتوا لعمرانهم، ولا تنبهروا بتقنياتهم؛ فقد حذركم ربكم من ذلك، فقال تعالى: "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد".


هذا هو حظهم "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" وقال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (أولئك عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)


لكن المؤمن؛ يوقن لقاء ربه، ويرجو جنة الفردوس؛ فيعمل الصالحات، ويجتنب الموبقات "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا".


مع أن حضارتهم هذه؛ مآلها للزوال والضلال والانحلال، "كأن لم تغنَ بالأمس" وهم يتحدثون عن إفلاس مريع، وإنكاس فظيع، فـ "لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً".


جاء عند أحمد: أنه ‏لما كان ‎يوم أحد، وانكفأ المشركون؛  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استووا؛ حتى أثني على ربي، فصاروا خلْفه صفوفاً، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدُّون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك)


اللهم أعز دينك، وأعلِ كلمتك، وانصر أولياءك، اللهم أذل الشرك والمشركين، وامحق الكفر والكافرين، ودمر أعداءك أعداء الدين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي

١٤٤٠/٧/٨


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق