الاثنين، 6 أبريل 2020

رحيل الأديب الغيور اللوذعي اليلمعي علي بن عبد الله الواسعي

رحيل الأديب الغيور اللوذعي اليلمعي علي بن عبد الله الواسعي:

وفاة علم

قرأت اليوم الاثنين ١٤٤١/٨/١٣، نبأ وفاة الأستاذ الصحفي الطبيب الأديب الغيور اليلمعي علي بن عبد الله الواسعي.

مات -رحمه الله وغفر له-، نئياً قصياً عن البلد والولد.. فقد مات في دولة تركيا، بهذا الوباء الحال، فيروس كورونا! فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون"، (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى).

والأستاذ علي، من مواليد عام ١٣٤٩ / ١٩٣٠م بمدينة آنس، محافظة ذمار، منطقة جهران، في الجنوب الغربي من العاصمة صنعاء الشماء.

سكن العاصمة صنعاء، ولبث فيها، حتى عام ٢٠١٤م، فسافر، ولا يريد السفر، ولكن (مكره أخاك لا بطل)!

متزوج، وأب.. لثلاثة أبناء، وثلاث بنات -حفظهم الله ورعاهم، وجعلهم خير خلف لخير سلف-.

كان -رحمه الله- متشوفاً للعلم والمعرفة من صغره، فقد دخل الكتاب، ثم المدرسة العلمية، الذي درس فيها: الفقه، والعربية، والتفسير، وأصول الفقه، وأصول الدين.

وكان -رحمه الله- متشوقاً؛ ليرى المدارس والجامعات العملاقة في بلده الذي عاش ردحاً من الزمن، في منأى عن العالَم الخارجي!
قلت: (وفي هذا خير وشر، ليس المكان محل تفصيله).

وكان يسعى بجده وكده؛ ليخرج بلده الحبيب (اليمن السعيد) من وهدة رقاده، والرجوع له إلى سالف مجده وأمجاده.

أسس مجلة الإرشاد؛ لتكون نبراساً وضاءاً، ومقباساً وقاداً، للجيل اليمني المثابر، وظل رئيساً لتحريرها مدة (١٢) اثني عشر عاماً.

ثم أسس مجلة النور، ثم مجلة التحرير؛ لنفس الهدف العلمي، والسمو الروحي.

وكتب مقالات أسبوعية متفرقة ومتنوعة، في بعض الصحف اليمنية، منها: الصحوة ـ الوحدة ـ الميثاق ـ ٢٦ سبتمبر.

ثم عمل بوازارة الصحة، مديراً عاماً للصحة الوقائية، بعد ابتعاثه عام ١٩٦٦م، لدوارت صحية، إلى دمشق الفيحاء.

ثم انتقل إلى العمل الإعلامي، فعمل في إذاعة صنعاء، فكان مشرفاً على البرامج، وكان يكتب ويقدم بعض البرامج، كبرنامج "أضواء على الدّستور" و "جريدة الصّباح" و "الأسرة" كما أنشأ برنامج "فتاوى".

ثم عمل في المجلس الوطني، ثم تسلم نائباً للأمين العام، لمجلس الشورى.

وخلّف تراثاً مطبوعاً ومخطوطاً، من ذلك:
-جمع مذكرات العزي صالح السنيدار، وطبعت، باسم (الطريق إلى الحرية).

-كتاب عن رحلاته إلى أوربا وأمريكا وأندونيسيا وباكستان.

-حوار مع ملحد.

-بحث عن المرأة.

-تأملات مجنون.
ويقول عن هذا الكتاب: "الإنتاج الذي أعتز به أكثر من غيره؛ هو "تأملات مجنون"؛ وذلك لأنني مررت بحالة فقدت فيها وعيي، وفي نفس الوقت كنت أشعر بأن حالتي غير طبيعية.. وبعد أن شفيت -والحمد لله- صوّرت كل ما مر بي في تلك الحالة".

أقول: ولكن، يلفّك العجب، ويحفّك الغرب.. حين أن تبحث عن ترجمة واسعة للعالم العامل؛ فلا تجد إلا نتفاً وأفتات، من مقالات ولقاءات!
ثم تتلفت أخرى، إلى تراثه- من مقالات ومؤلفات؛ فلا تظفر منها، ولو بلمظة ولا ومضة!

وللأسف، كم في بلدان العالَم من علماء فضلاء، وأشياخ نبلاء، ولكنهم في غياهب النسيان، وفي سباسب السهوان، لا سيما بلدي الحبيب، المسكين اللهيب، المغلوب على أمره: قبلاً وحالاً، فهم دوماً- في رزوح أو نزوح!
فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون"، و (لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم).

وكان - مترجمنا الفقيد-؛ يسوؤه ما يرى من تخلفات ومخالفات ما بعد الثورة اليمنية، فاسمعه يقول: "الذي تحقق من الآمال؛ "الثورة" على الوضع الذي كنا نعيش فيه.. أما الذي لم يتحقق بعد؛ فهو تنقية الثورة مما لحق بها.. وما زلنا نجاهد لكي يعود لها وجهها الإسلامي المشرق".

وكان صاحبنا؛ أديباً إسلامياً خالصاً، كارهاً للحداثة والتغريب، فانظره عندما سئل:
"كيف تنظرون إلى رافعي راية الحداثة في الأدب، وماذا تقولون لهم؟
فأجاب: يكفي في الرد عليهم:
-أن دعوتهم منقولة من الغرب حرفياً، وليس فيها من العربية غير الكلمات العربية!
-كما أنها، ليست مجرد مذهب في الأدب -كما يزعمون- بل إنها تُخفي وراءها، هدفاً لكل مقوماتنا.. إنها واحدة من الحركات الهدامة التي ابتلينا بها منذ زمن بعيد".

واقرأه، -مبيناً حيز الحرية المزعومة-: "هناك دائرة، من تعداها لا يقبل منه ذلك، أما ضمن هذه الدائرة- دائرة الإسلام وثوابه، فكل رأي يدخل ضمن الاجتهاد.. ولكن هؤلاء يريدون القفز فوق الإسلام، ويريدون أن يسمع لقولهم.. مع أن الحرية المطلقة التي لا قيد عليها قط؛ ليست إلا خيالاً، ومَن يتغنون بذلك ليس عندهم هذه الفوضى بل هناك قيود يقفون عندها".

وكان -طيب الله ثراه-؛ لا يهادن في الدين، كما يفعل بعض الرقعاء، أو يهاود في القيم، كما هي تراخيص الرخصاء، رغم سفره إلى دول غربية عديدة.

وما أعظم موقفه ذاك، مع المرأة الغربية، التي مدّت يدها لمصافحته، أمام جمع من الناس؛ فرفض مصافحتها بلطف واحترام، مكتفياً رد السلام بالكلام؛ مبيناً لها، أن دينه يحرم عليه ذلك!
فغضبت أولاً، فلما علمت صلابته وصرامته؛ أكبرته وأعظمته!

قلت: وتالله، إنه لموقف يعجز عنه الكثير.. فعندما تقرأ، سير أو مذكرات بعض الأدباء؛ تصك سمعك، وتقذي عينك، تيك العلاقة الخسيسة التعيسة بينهم وبين نساء أحنبيات، وربما كان أمام أزواجهن!
وعندي أمثلة على ذلك وشواهد، لكني أطوي عنها كشحاً:

سيعيد الله كلاً منهمُ *** وسيجزي فاعلاً ما قد فعلْ
"ذلك بما قدمت أيديكم" و(والله الموعد).

بل لا يكتفي بعضهم بالعجز والضعف والخور، بل يمضي يدلل ويعلل، ويسوغ ويفرغ لموقفه المحرم المذمم!
وهذا لعمري، من الخذلان؛ أن تفعل معصية، ثم تدافع عنها!

وفي هذا المقام، أذكر موقف الشيخ الأديب الغيور علي الطنطاوي، عندما كان يحلق لحيته!
قال: "أما حلق اللحية؛ فلا والله ما أجمع على نفسي بين الفعل السيء، والقول السيء، ولا أكتم الحق؛ لأني مخالفه، ولا أكذب على الله، ولا على الناس.
وأنا أُقر على نفسي، أني مخطئ في هذا، ولقد حاولت مراراً، أن أدع هذا الخطأ، ولكن غلبتني شهوة النفس، وقوة العادة، وأنا أسأل الله أن يعينني على نفسي حتى أُطْلقها"، ثم علق في الحاشية، قائلاً: "وقد أعانني، فله الحمد".
(مع الناس: ١٧٧)

ربما، أطلت، وخرجت عن الهدف والقصد من السيرة، ولكنها زفرة غريب، في زمن عجيب؛ لأنه قلّ وندر- أن ترى أديباً متديناً!
نعم، وللأسف، قلما تلد الأمهات مثل فقيدنا الغيور: علي الواسعي؛ نفرح به ونأنس، وعلى كلٍ، فالله حافظ دينه، أياً كان أهله.

وإنك قارئ -أيها القارئ-، في سحنته؛ الصدق والصلاح، والسداعة والوداعة مع الصلابة والصداعة، وغزر النظر، وثقب البصر..

ولا أدري، لمَ تذكرني صورته، بشيخي الأديب المحقق: عبد الرحمن بن عبد القادر المعلمي -حفظه الله وأعزه-؟ ربما؛ لتقاربهما، في: الشبه الحسي والمعنوي، وفي الأدب، والهدوء، والتؤدة، والعمل بصمت، والبعد عن الأضواء، والغيرة على التوحيد والأعراض.

ملاحظة: استفدت ترجمة الفقيد، من بعض المقالات واللقاءات معه، ومن مقال الدكتور الفاضل أحمد بن محمد الجهمي المصباحي -وفقه الله-.

أسأل الله تعالى، أن يرحم هذا الغيور الفاضل، وأن يسكنه بحبوحة جنته، وأن يشفي أهله وذويه، ويلهمهم السلو والصبر، ويجزل لهم الفضل والأجر.

وكتب: وليد بن عبده الحطامي الوصابي.
١٤٤١/٨/١٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق