الأحد، 5 أبريل 2020

السخرية والاستهزاء بالمرض والوباء!


السخرية والاستهزاء بالمرض والوباء!

"بسم الله الرحمن الرحيم"
الحمد لله ذي الجلال، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذي الجمال.

وبعد:
فإن الناظر في نصوص الوحيين؛ يرى أنها قاضية بتحريم السخرية والاستهزاء والاستهتار؛ لما في ذلك من الاستخفاف والاحتقار والاستصغار.


والاستهزاء بالمؤمنين له ثلاث حالات:
الأولى: الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين- بذواتهم أو صفاتهم، من خَلق أو خُلق.. وهو محرم بالإجماع، قال ابن حجر الهيتمي: "وقد قام الإجماع، على تحريم ذلك".
(الزواجر: ٢/ ٣٣).

الثانية: الاستهزاء بالمؤمنين، بسبب تمسكهم بالإسلام، وهذه ردة عن الإسلام، إن توفر شرط القصد، وانتفى مانع الجهل، قال تعالى: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

وهم -في الحقيقة- لم يستهزؤوا بالله ورسوله وآياته، ولكنهم لما استهزؤوا بإيمان المؤمنين، كان استهزاء بالآمر بالإيمان، وهو الله سبحانه وتعالى؛ فاستحقوا الكفر والإبعاد.

قال شيخ الإسلام: "الاستهزاء بالعلماء والصالحين؛ لأجل ما هم عليه من العلم الشرعي، واتباعهم- للقرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، هو في حقيقته استهزاء بآيات الله تعالى، وسخرية بشرائع دين الله عز وجل، ولا شك أن هذا الاستهزاء كفر يناقض الإيمان، يقول الله تعالى: "وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين"، ولم يجئ إعداد العذاب المهين، إلا في حق الكفار".
(الصارم المسلول: ٥٢).

الثالثة: الاستهزاء بالمؤمنين، بما يحلّ بهم من نوازل وكوارث ومآس وأمراض، وهو محرم؛ لعموم الأدلة في ذلك.
وليس هذا فحسب، بل لا يجوز، حتى السخرية والاستهزاء بالأمراض والأوبئة النازلة بالكفار؛ لأنها أقدار كونية، قدرها الله وقضاها.
أما السخرية منهم، في أفعالهم الشنيعة، وأقوالهم الفظيعة؛ فجائز؛ لأنه استهزاء بشيء يملكونه، ويفعلونه عن اختيار ومشيئة!

بل إن سخرية الإنسان ممن يَسخر منه.. جائزة؛ لقوله تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" إلى غيرها من الآيات، في هذا المعنى، وهو: المقاصاة والمجازاة، وإن كان الصبر، وترك ذلك أولى؛ لأن الله تعالى، قال بعدها: "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".


ولا بد هنا، من التفريق، بين الاستهزاء بما يحل بالكفار من كوارث ونوازل، وبين الفرح بذلك؟
فالاستهزاء، لا يجوز؛ لأن من شأنه، التنقيص والتبخيس، لأمر لا يد لهم في جلبه أو دفعه، فيعود ذلك إلى المقدر سبحانه وتعالى.
وأما الفرح؛ فواجب؛ لأنه يظهر فيه معنى الولاء والبراء، وفيه شفاء لصدور المؤمنين، "ويشف صدور قوم مؤمنين".
ومن أراد الاستزادة، فليراجع هذا الرابط:
(الفرح والسرور بهلاك أهل الكفر والشرور):

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=2342555#post2342555


ثم إن هناك أمراً زائداً، وهو: أن المستهزئ بالأمراض والأوبئة؛ رجل ناقص المروءة، ضعيف الشعور، غليظ القلب، منزوع الرحمة، خسيس النفس، حديد الطبع؛ وذلك لأن الواجب، في حالات الضعف؛ هو المواساة والاسترحام والاستعطاف، لا السخرية والاستهزاء والاستخفاف.


وإن الساخر من الأوبئة والكوارث الكونية، لا يخلو -والله أعلم- من حالين:
-إما أن يريد الاستهزاء بمن حل عليه الوباء لا بنفس الوباء، وهذا معلوم تحريمه في القرآن والسنة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم" وفي البخاري: قال عليه الصلاة والسلام، لأبي ذر -لمن عيره بأمه، وليس هو بلال-: يا ابن السوداء؟- (أعيرته بأمه؛ إنك امرؤ فيك جاهلية).

-وإما أن يقصد الاستهزاء بالوباء نفسه.. وهذا استهزاء من قضاء الله وقدره، وفيه ما فيه؛ إذ هو في الحقيقة، استهزاء برب البلاء، ولكن بطريقة غير مباشرة أو مقصودة.

وإن الإنسان العاقل، ينأى بنفسه عن ما يعرضه في الموبقات، فرب كلمة، أوبقت عليه دينه وأخراه.
وعن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها؛ يزل بها إلى النار، أبعد مما بين المشرق والمغرب) متفق عليه.


وقد يقول قائل: أنا لم أرد هذا، ولا ذاك، ولكن، من باب الظرف والطرف لا غير؟!
أقول له: إن الظرافة والطرافة، تكون فيما أباحه الله لنا (وهو كثير جداً) وفي الحديث، عند الدارمي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء يلهو به الرجل باطل؛ إلا رمي الرجل بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله.. فإنهن من الحق).

ففي الحياة، متسع ومتفسح، في اللهو واللعب والمزاح، ولكن دون المساس بأصول ثابتة، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقا) وحديث (لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جاداً ولا مازحا).
ولا يباح المحرم، إلا لمصالح خالصة أو راجحة، مثل: الكذب من أجل الإصلاح ونحوه من المصالح المتحققة، أما المزاح في الكذب، فلا يحل بحال من الأحوال.

ولا أدري، أي ظرافة وطرافة، في السخرية من الوباء، وفيه: إدخال الشحناء، وبث البغضاء، والكراهية والبلاء.
وأكثر حياة الناس اليوم.. ظرف وطرف! فلم يجدوا مجالاً إلا في أقدار الله الكونية؟!

وأخيراً، أقول لك -كما قال الأول-:
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى *** إن البلاء موكل بالمنطقِ!

رفع الله عنا البلاء والوباء، والزنا والربا، والقلاقل والزلازل والمشاكل، والفتن والمحن والإحن، ما ظهر منها وما بطن.

والله تعالى أعلى وأعلم وأجل وأحلم.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٨/٦




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق