الخميس، 30 أبريل 2020

المغتالون لرمضان!


المغتالون لرمضان!

يفرح المسلمون بحلول شهر رمضان المبارك ويستبشرون، ويأنسون ويبتهجون.
ولكن عند المحص والفحص في الأسباب الباعثة على الفرح؛ تجد الناس في ذلك أصنافاً.

فمنهم من يفرح برمضان؛ لأنه شهر القرآن والطاعة، ولما وردت فيه من الفضائل الفخيمة، والمزايا العظيمة،
وهذا هو فرح المؤمنين، الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقدومه، قائلاً: (أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك).

فإن نفوسهم إليه مشتاقة، والقلوب إليه متلهفة، والعيون فيه باكية، والأنفس خاشعة؛ لأنهم يزدادون فيه من طاعة الرحمن، ويسابقون ليحوز الجنان، ويحظون بالنظر إلى الرحيم الرحمن.
كيف، وقد كان بعضهم: يقفل تجارته في رمضان؛ ليتفرغ التفرغ التام، للصلاة والصيام والقيام.

"أما بعد -عباد الله- فأوصيكم ونفسي بتقواه، فإنما الرابح في الدنيا والآخرة من اتّقاه. وأحذركم ونفسي معصيته، فإنما الخاسر في الدنيا والآخرة من عصاه.
هذا شعبان قد ودّعناه، وقد علمتم ما أودعناه، فكم من مَساوٍ وقبائح، ومخازٍ وفضائح!
وهذا رمضان قد حان نزوله، فبماذا نستقبله؟ أترانا نُصِرّ على مساوينا، ونستمر على مخازينا؟ فإن كان ذلك؛ فإنها لأجحف خسارة، وأخسر تجارة".
(مجموع آثار المعلمي: ٢٢/ ٩٢)

وهؤلاء، هم بالجائزة فائزون، وللفضائل حائزون، "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".


وفريق آخر: يفرح برمضان فرحاً دنيوياً؛ لما فيه من زيادة المطعومات، وأنواع المشروبات، وكثرة النوم، ومخالطة القوم، والإقبال نحو المسلسلات ونحوها من الغفلات!

وهؤلاء هم المغتالون لرمضان، والطاعنون له في خاصرته.
وهم -في الغالب- يدخل عليهم رمضان ويخرج؛ وهم هم، لا يغيرون أخطاءهم، ولا يبدلون سيئاتهم، بل ربما فقدوا بعضاً من حسناتهم، وضاعفوا آثامهم!

"فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان.. كان الذي تفوته المغفرة فيه؛ محروماً غاية الحرمان، وفي صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، صعد المنبر، فقال: (آمين آمين آمين) قيل: يا رسول الله -إنك صعدت المنبر، فقلت-: آمين آمين آمين؟ فقال: إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له، فدخل النار؛ فأبعده الله! قل آمين؟ فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه، أو أحدهما، فلم يبرهما، فمات، فدخل النار؛ فأبعده الله! قل: آمين؟ فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده، فلم يصل عليك، فمات، فدخل النار؛ فأبعده الله! قل: آمين، فقلت: آمين).
(لطائف المعارف: ٢١١)

رمضان: يشكو هؤلاء الذين اتخذوه مطية لشهواتهم، ومنفذاً للذاتهم، يمرحون في لعبهم، ويسرحون في لهوهم.
نهارهم نائمون، وليلهم صاخبون، على أنواع الألعاب والأعطاب، من مسلسلات وأضحوكات، ونحوها من الأحبولات!

وأكثر ما يشغل هذا الصنف؛ هي القنوات الفضائية التي جعلت رمضان؛ ميداناً للمسابقات، ومرتعاً للمسلسلات، ومحطاً للأقصوصات!
حتى صار رمضان عندهم، مرتبطاً بهذه الملاهي، وذاك التلاهي، فإن فقدوها؛ فقدوا حلاوة رمضان!
وقد شهدت بنفسي، في زمن وبلد ما.. أن الكهرباء كانت منقطعة؛ فحزن هؤلاء وشجنوا!
حتى أن بعضهم: استلفوا المال؛ ليشتروا ما يقوم مقام الكهرباء!
وعند وقت القصة أو المسلسل؛ تراهم زرافات ووحدانا إلى بيت هذا المكهرب!


ويا للحسرة.. أن ترى القنوات الإسلامية(!) في هذا الشهر الفضيل: يكثفون من الأناشيد، والأغاني، والأشعار، مع ما يصحب كثيراً منه؛ من: اختلاط، وكشف عورات، وضياع أوقات: "أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء"! ولا قوة إلا بالله.
ولم يسلم من هذا الدغل والدخل، إلا القليل، والله المستعان!

وكان "يجب لليالي رمضان؛ أن تكون حية عند المسلمين، لا بما هم عليه من السهرات الوقحة، واللهو الماجن، والشهوات القاتلة؛ فإن هذا النوع من الإحياء؛ هو في حقيقته: إماتة لحكمة الصوم، وقتل لِسرّه وخيره، ومحو لروحانيته، وآثاره النافعة".
(آثار العلامة محمد البشير الإبراهيمي: ٢ /٢٩٣).

يا هؤلاء، ارجعوا إلى باريكم، وعودوا إلى خالقكم، فهو يناديكم باسم الإيمان، ويبين لكم ثمرة الصيام، قائلاً: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

اقرؤوها مرات، وأمعنو النظر فيها كرات، "لعلكم تتقون".. بالله عليكم، أيّ تقوى تكسبونها من هاته الغفلات الليلية، والنومات النهارية؟!
أين فائدة الصوم المؤثرة في أرواحكم؟!
أين ثمرة القيام المغيّرة من نفوسكم؟!
أين أين؟!

اقرؤوا في سيرة قدمائكم.. كيف كانوا يفرحون برمضان، ويكرمونه الإكرام اللائق به.. نهارهم صائمون لا نائمون، وليلهم قائمون لا لاعبون..

اقرؤوا سيرهم وحالهم مع القرآن الذي أنزل في رمضان؟
كم ختمة ختموها في رمضان بتدبر وخشوع، وبكاء وخضوع..

نفوسهم كنفوسنا، وقلوبهم كقلوبنا، وأجسامهم كأجسامنا، ولكنهم فاقونا بالجد والاجتهاد، والانتصاب بين يدي رب العباد، فطهروا قلوبهم؛ ونحن غششناها، وزكوا نفوسهم؛ ونحن دسسناها!

نسأل الله تزكية نفوسنا، والنأي بها عن ما يشغلها عن باريها، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.
والله الموفق.


كتبه: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٩/١
١٤٤١/٩/٧



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق