السبت، 13 مارس 2021

تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي!

 

تحرير في سلفية جمال الدين القاسمي!


قرأت نقاشاً، عن سلفية العلامة جمال الدين القاسمي بين مؤيد؛ وذلك لما عُلم عنه -رحمه الله- من اعتقادٍ لمذهب السلف، ودفاعٍ شديد عنه، وطبعٍ لكتب أهله، وغيرها من أفعاله الحميدة المجيدة.


وبين معارض؛ وذلك لما حصل منه -عفا الله عنه- من ثناء لبعض أهل البدع، كالجهم وابن عربي، والنصير الطوسي ونحوهم.


حتى وصمه بعض المتسرعين: بالفجور والضلال والإضلال!

وتالله، لقد قفّ شعري، وانعقد لساني- حين قراءتي هذا الوصف!

ولكن: الله القاضي بين عباده، "إن الله يحكم ما يريد".


فأحببت أن أدلي بدلوي القاصر، وأرمي بسهمي العاثر.. ولكن بعد الرجوع لبعض ما كتبه، وما كُتب عنه -رحمه الله-، فكان ما ستقرأه -أخي الكريم- هو نتاج تلك المطالعة، وأرجو أن تكون قاضية على تيك المنازعة.


وآمل من ربي سبحانه.. أن أكون وُفقت للصواب، وإلى الله المرجع والمآب.

فأقول -مستعيناً بالله في التحقيق، ومنه التوفيق-:


وُلد العلامة جمال الدين القاسمي في سنة ١٢٨٣ه‍ ولازم الاشتغال بالعلم صغيراً، وأكبّ على حفظ المتون، ومعرفتها، وفهمها فهماً دقيقاً حتى برز وهو في سن مبكرة،

وقد لازم والده، وغيره من مشايخ عصره وعلمائه.


وكان ذا خلق لطيف، ومعاملة حسنة، وحب للآخرين، ورفق بالعالمين.. مما جعل له صيتاً حسناً، وذكراً عطراً بين الموالف والمخالف.


وكان -رحمه الله- على عقيدة أهل زمانه، وما درج عليه أهل بيئته وأوانه، من طرق صوفية، وأوراد بدعية، إلى الثلاثين من عمره، فقرأ كتب شيخ الإسلام، وابن القيم؛ فتنور عقله، وزكى فؤاده، وابتهج قلبه؛ فاعتزل تلك الفرق كلها، وأقبل على طريقة السلف الصالح، فيها يؤلِّف ويؤالف، وعنها يدافع ويحاجف.


قال شيخ الإسلام: "والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية".

(منهاج السنة: ٢/ ٢٦٢)


ومع رجوعه التام، لمذهب السلف الصالح.. إلا أنه بقيت هناك شوائب، ورسبت رواسب، ظهرت في بعض تواليفه.


فقد وُجد في بعضها، ما يشوب، من مدحه لابن عربي الحاتمي، والنصير الطوسي، والجهم بن صفوان، ودعوته إلى المقاربة بين الشيعة والسنة وغيرها من الأخطاء.


فأقول في ذلك:

هناك بعضاً من الأخطاء كانت قبل رجوعه لمذهب السلف؛ لأنه ابتدأ التأليف، وهو في الحادية والعشرين من عمره!

فكان في تلك المؤلفات، شيئاً مما تأثر به من مشايخه وأهل بلاده..

حتى إنه كان يكتب في بعضها: الأشعري النقشبندي؛ لأنه كان قبلاً، كذلك.

ففي سنة ١٣٠٦ه‍ قال في آخر المولد، الذي هذَّبه من مولد عائشة الباعونية: 

"تم على يد مختصره: الفقير محمد جمال الدين أبي الفرج القاسمي الأشعري الدمشقي النقشبندي الخالدي الشافعي".

كتاب: (جمال الدين القاسمي أحد علماء الإصلاح الحديث في الشام: ٣٠٤).


يقول الدكتور نزار أباظة عن عام ١٣١٣ه‍: 

"ذلك العام، الذي يجب أن نجعله بداية التفتح الحقيقي عند الشيخ -يعني: القاسمي- فيما أخذ به نفسه، وعُرف به بين الناس، وغدا صاحب دعوى لها أبعادها ... استحكمت عنده -فيما أظن- وتبلورت تماماً عند عام ١٣٢١ه‍ عام رحلته إلى مصر؛ لأنه هو نفسه جعل ذلك العام -كما أشرنا من قبل- حداً فاصلاً بين مؤلفاته التي أجازها -وهي تمثل أفكاره- وبين مؤلفاته، التي قال: "إن له فيها وقفة ونظرا".

كتاب: (جمال الدين القاسمي أحد علماء الإصلاح الحديث في الشام: ٣٠٧)


وهناك بعضاً من أخطائه وآرائه، في بعض مؤلفاته.. كانت بعد رجوعه لمذهب السلف، كتأليفه لكتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) الذي فرغ منه عام ١٣٣٠ه‍، والذي مدح فيه وأثنى على الجهمية والمعتزلة‍!



فأقول في ذلك:

لا جرم أن نقول عن هذا: أخطأ -رحمه الله- وجل من لا يسهو، والعصمة عن الجميع بمعزل، ويعذر فيها؛ لأنها لم تكن هذه الأمور، منهجاً له، منها وإليها يصدر، وإنما أخطاء وقعت له في مسيرته العلمية والعملية، لها أسبابها،

ومنها:

١- نشأته نشأة صوفية أشعرية حتى الثلاثين من عمره -كما قدّمنا- فلا شك أنها بقيت بعض الرواسب.


٢- شيوخه الذين تلقى عنهم، ونهل منهم، وشرب من معينهم.. كان أكثرهم على هذا المشرب.


٣- كثير من المخطوطات، لم تكن قد نُبشت وأُخرجت للعيان؛ ليكون على بصيرة أكثر من أمره.


٤- لم يطل به العمر؛ ليتراجع عن بعض اعتقاداته الخاطئة؛ إذ كان عمره -رحمه الله- حين وفاته ٤٩ عاماً فقط.


فلهذه الأسباب وغيرها، والنظر في كتبه السلفية الأخرى.. لا بد من الاعتذار له، وغفران نزر زلاته في بحر حسناته، والدعاء له، والترحم عليه.


وليس هذا ببدع من القول أو الفعل، بل لا يزال العلماء مختلفين ويختلفون في أشخاص، وفي أفكار -وإن كانت خاطئة- فهذا يبدّع، وذاك يلمّع، وكل يقدِّم أدلته وبراهينه، والحق واحد لا يتعدد، والفصل يوم الدين عند الواحد الأحد.


لكن أن نجعل ممن أثنى على شخص، أو تبنى رأياً خاطئاً.. مهيعاً للنيل منه، أو أن نلحقه بمن أثنى عليه، أو نخرجه من السلفية التي تبناها، وذاذ عنها، ونافح من أجلها، وتحمل في سبيلها السجن، ونابي الكلمات، وقاسي العبارات.. فهذا شطط في الرأي، وخروج عن الإنصاف، بل لا بد من إقامة الحجة، وفهم المحجة.


ومن يستطيع، أن يقول: أن العلامة القاسمي، أقيمت عليه الحجة في أخطائه؟!


وقد اعتذر له العلامة عبد المحسن العباد، في أثناء رده على أباطيل المالكي، مستعضداً بما في كتبه الأخرى، من ذم البدع والمبتدعة.


وقد أثنى عليه، كثير من أهل العلم، كالشيخ أحمد شاكر، -بل وجد بخطه وهو يطلب منه الإجازة-، والشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ محمد أمان الجامي وغيرهم من أهل العلم والفضل.


وقد ظن بعض الناس أن كتابه: (تاريخ الجهمية والمعتزلة) هو مدح محض لهاتين الفرقتين الضالتين!


والصواب: إنما هو تاريخ لهما،

مع ذكر بعض مما لهما وما عليهما، ولكنه وقع -رحمه الله- في بعض الزلل من الثناء عليهما، والاعتذار لهما.


وقد حاول بعض الباحثين -كالشيخ محمد المغراوي- التشكيك في نسبة كتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) للمؤلف!

ولكن الحق: أنه كتابه، كتبه ببنانه، وصاغه بجنانه.

وإن الباحث إبراهيم الحسن، في رسالته للماجستير (القاسمي ومنهجه في التفسير).. أثبت صحة نسبة الكتاب للقاسمي، وذكر أن هذا الكتاب نشر في (مجلة المنار) في حياة المؤلف.


وينظر في نقضه، كتاب (الصواعق المرسلة على كتاب تاريخ الجهمية والمعتزلة) للشيخ عبد الحميد خليوي الرفاعي الجهني!

ولم أطلع عليه.



قلت: ولعل ثناء الجمال على الجهمية والمعتزلة.. كان سياسياً، لا دينياً عقدياً.


ووجدت له شيئاً من ذلك، وهي مسألة يقول بها، بعض العلماء!

ينظر: (حياة البخاري: ٥٤) للقاسمي.


أقول: وإن المتأمل.. يظهر له في هذا الكتاب (تاريخ الجهمية والمعتزلة) تناقضاً واضحاً، حتى أن العلامة الألوسي، استشكل ذلك في بعض رسائله إليه!


فبينما هو يعتذر لهم، ويصفهم بالاجتهاد، وأن خطأهم مغفور؛ نراه ينقل -في نفس الكتاب- أقوالاً لابن تيمية وغيره، تقضي بضلالهم وتضليلهم، دون ردٍ لهذه الأقوال، بل إقرار لها.


وله كلام قوي، في الرد على الجهمية والأشاعرة وغيرهم.


بل وهو يقرر عقيدة السلف، في الأسماء والصفات، في بعض كتبه، -خصوصاً تفسيره: (محاسن التأويل)- يرد على الجهمية، وبعض أفراد المعتزلة كالزمخشري وغيره.


وأفاد الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف: أن حب القاسمي للتقريب، والاتحاد بين الفرق الإسلامية.. ربما هو الذي دفعه إلى مثل هذا الثناء، لكنه أخطأ في سلوك هذا المسلك فـ -غفر الله له-.


وقد كان -رحمه الله- كثيراً ما يلتمس المعاذير، لأصحاب المذاهب المخالفة فيما ذهبوا إليه؛ بغية هداية أتباعهم إلى عقيدة السلف، وتحبيبهم لذلك.


فإذا تبين لك هذا.. فبعيد بل مُحال على الجمال القاسمي.. أن يمدحهم، موافقاً لهم في عقدهم، وهو المنافح عن السلفية وكتبها، ونال في ذلك ما نال، من أذى ووبال.


وها هو يقول -رحمه الله-: "أعدل المذاهب، مذهب السلف؛ فإنهم أثبتوا النصوص بالتنزيه من غير تعطيل ولا تشبيه، وذلك أن المعطلين، لم يفهموا من أسماء الله تعالى وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوقات، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، فمثّلوا أولاً، وعطّلوا آخراً، فهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته تعالى بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، فعطلوا ما يستحقه سبحانه وتعالى، من الأسماء والصفات اللائقة به عز وجل، بخلاف سلف الأمة، وأجلاء الأئمة، فإنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه نبيه من غير تحريف ولا تشبيه".

(محاسن التأويل: ٤/ ٥٢٢٧)


وتفسيره هذا (محاسن التأويل).. مليئ بالاعتقادات السَّنية، والعبارات السُّنية، والإثباتات الصفاتية، والنقولات عن ابن القيم وابن تيمية، فهل يفعل هذا إلا من كان على العقيدة السلفية؟!


وقد نظم من شعره، ما يرد به على بعض الجاحدين، الذين اتهموه ووشوا به إلى الوالي، فقال:


زعم الناس بأن *** مذهبي يدعى الجمالي


وإليه حينما أفتي *** الورى، أعزو مقالي


لا وعَمر الحق *** إني سلفي الانتحالِ


مذهبي ما في *** كتاب الله ربى المتعالي


ثم ما صح من *** الأخبار لا قيل وقالِ


أقتفي الحق ولا *** أرضى بآراء الرجالِ


وأرى التقليد جهلاً *** وعمى في كل حالِ



وقال في هذا المعنى أيضاً:

أقول كما قال الأئمة قبلنا *** صحيح حديث المصطفى هو مذهبي


أألبس ثوب القيل والقال بالياً *** ولا أتحلى بالرداء المُذهبِ

(مجلة المنار: ١٧/ ٦٢٨)


ونجد أنه -رحمه الله- يكتب في رسالة منه، للعلامة نعمان الآلوسي، سنة ١٣١٦ه‍ يقول: "فإلى الله المشتكى، من جماعة نبذوا الآثار ظهرياً، وأضحى مذهب السلف بينهم نسياً منسياً، خلا جماعة من أحبابنا الصادقين، فإنهم في مشربهم السلفي- عقد الشام الثمين، وقد نالتنا وإياهم، محنة سلفت من نحو ثلاثة أعوام".

يقصد: حادثة المجتهدين. (ولي فيها مقالة -يسرها الله-).


ثم إنه نشر كثيراً، من كتب شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وكتبها بقلمه، وراسل بها بعض المحسنين، كالوجيه محمد حسين نصيف.


حتى ذكر عن نفسه.. أنه كتب ثمانية وعشرين رسالة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بل إن بعضها ليس له نسخة خطية، إلا ما كتبه هو -رحمه الله-!


واسمع إليه -رحمه الله- يقول: "إني -ولله الحمد- نشأت على حب مؤلفات شيخ الإسلام، والحرص عليها، والدعوة إليها، وأعتقد أن كل من لم يطالع فيها.. لم يشم رائحة العلم الصحيح، ولا ذاق لذة فهم العقل، وهم يعلمون ما ندعوا إليه، وما نسعى لإشهاره. فطوراً يرموننا بالاجتهاد، وطوراً بما قدمنا، وسيأخذ الحق بناصيتهم -إن شاء الله-".

 كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وكانت بينه، وبين العلامة السلفي محمود شكرى الآلوسي.. مراسلات عن أمر السلفية والسلف، وعن طباعة كتبها، وحث الناس عليها، ونشرها بين العامة.


وقد جمع رسائلهما الشيخ محمد بن ناصر العجمي، في كتابه: (الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي، ومحمود شكري الآلوسي) ومن قرأ الكتاب، أدرك مقدار الجهود التي حملها هذان العالمان، وتبين له قدر الهم الذي طُوقاه في إيصال عقيدة السلف للخلف.. فلله درهما، وعلى الله شكرهما.


وقال في رسالة، أرسلها للشيخ محمد نصيف -رحمه الله-: "ولا يخفى عليكم.. أن أعظم واسطة لنشر المذهب السلفي، هو طبع كتبه، وأن كتاباً واحداً تتناوله الأيدي على طبقاتها، خير من مائة داع وخطيب؛ لأن الكتاب يبقى أثره، ويأخذه الموافق والمخالف، وأعرف أن كثيراً من الجامدين اهتدوا بواسطة ما طبعناه ونشرناه، اهتداء ما كان يظن، والحمد لله على ذلك".

كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وقال أيضاً في هذه الرسالة: "وقد أمر السيد شكري أفندي.. أن أعرض ذلك عليكم، وهو يعلم أنني ممن يتعشقون آثار شيخ الإسلام، ويسعى لها جهده، حتى إني كنت جمعت ثمانية وعشرين رسالة بخطي، استكتبت منها، من بلاد شاسعة، ثم طبعت في مصر من نحو عامين، والآن عندي من رسائله وفتاويه الصغرى، ما أعدّه أعظم كنز".

كتاب (محمد جمال الدين القاسمي).


وهذا العلامة البيطار، يقول للقاسمي عند تحوله لمنهج السلف مبكراً: "يا جمال.. احمد الله على أن انتهيت وأنت في سعة من عمرك، ولحيتك سوداء، فتتمكن من الاستمتاع بعقلك، ويتسع الوقت لنشر فضلك".


وكان يقول لطلابه: "عليكم أن تفكروا بتفكير خصوم السلفية، وتأتوني بحججهم وشبههم؛ لأرد عليها".


وقال مرة لأحد طلابه، وقد أراد حضور مجلس للصوفية: "لا تكثّر سواد المبتدعة، ولا تكن قدوة سيئة لغيرك".

كتاب (شيخ الشام: ٩١) للأستاذ محمود مهدي الإستانبولي.


بل إن الكوثري الجهمي.. وصمه وعابه بأنه من السلفية!

في تعليقه على (دفع شبه التشبيه).


فهذه دلائل وبينات.. تشهد للرجل -رحمه الله- أنه سلفي بل مجدد للسلفية في زمانه وأوانه في بلدانه.


وليس كل من أثنى على مبتدع، يلحق به في اعتقاده..


فالشوكاني -رحمه الله- بعد أن ألّف رسالة (الصوارم الحداد في تكفير ابن عربي والرد على من دافع عنه) رجع بأخرة عن هذا التكفير، في كتابه (البدر الطالع: ٢/ ٣٧) قائلا: "وكان تحرير هذا الجواب، في عنفوان الشباب، وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء، وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفاً لهذه الشريعة البيضاء، الواضحة التى ليلها كنهارها، ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام ...".


فهل يحق لنا.. أن نبدّع الشوكاني، أو أن نخرجه من دائرة السلف التي تشبث بها، وتعلق بعروها؟!


تنبيه: وقفت بأخرة، على رسالة للقاسمي، بعنوان: (نقد كتاب "النصائح الكافية") والنصائح، من تأليف السيد محمد بن عقيل العلوي، تـ١٣٥٠، نال فيها من معاوية رضي الله عنهما، أيما نيل، بل وألمح فيها إلى بعض الصحابة.


وقد رد عليها السيد حسن بن شهاب العلوي، بكتاب (الرقية الشافية) وبين تهافته وتخافته!

ورد عليه غيره.


ولكن، عندما وقفت على نقد القاسمي، فوجئت بتبجيله لابن عقيل التبجيل الزائد، بل واعتذر له الاعتذار البارد، ورد على خصومه، وأوضح أنها مسألة جرى فيها الخلاف، وأن الإمامية وشيعة اليمن والمعتزلة أو القدرية، أخذوا بما أخذ به ابن عقيل!


وأحدس أن رأي القاسمي هذا، ليس من باب الرضا به، والتقرير له، إنما هو من باب الرفق بالمخالف، والتنزل معه، أو الاحتيال له؛ ليعود ويؤوب، وهذا تلمسه في تواليفه، ويؤكده.. ما ذكره غير واحد عنه، منهم: العلامة محمد بن حسين بن سليمان الفقيه، تـ١٣٥٤، وقد زاره إلى دمشق، قال: "وكان شديد الميل إلى توحيد كلمة المسلمين".

(ينظر: مقدمة تحقيق استلفات نظر الموحدين: ١٨) تحقيق خضر بن سند)


وإلا، فإن القاسمي.. يقرر في كتابه هذا؛ أن من طعن في معاوية، فقد أزرى بكثير من الصحابة، وأن الطعن فيه، يستلزم الطعن في مرويه، وفي كل من أقام معه ببلدته، أو قاتل تحت رايته، وأزرى بخيار التابعين؛ لأنهم رووا عنه، ومَن رفض مروياتهم؛ فقد هدم جانباً كبيراً من السنة، وشذ شذوذاً غير معقول. 


وأكد أن خلاف المعتزلة، يعتبر به ويؤخذ، وأن لهم قدراً ووزناً، وسرد مجموعة منهم، على أنه يتأكد في نسبة بعضهم إلى الاعتزال.


أقول: وهذا الكتاب كتبه في عام ١٣٢٣، أي، وهو في الأربعين من عمره، الـ ٤٩!


مما يشير، إلى أن القاسمي، لم يتخل من امتداح المعتزلة والأخذ برأيهم، وإن خالفهم في عقدهم!


وقال: وأما احتجاج البخاري بالمرجئة؛ فإنه لم يحتج بهم، ويروي لهم، لهذا العنوان -أعني: الإرجاء- وإنما خرّج رواية الصدوق الثبت منهم، وهذا ما يهمّ الراوي والمتحمل، مهما كان مذهب المروي عنه ومشربه.

ينظر: (نقد النصائح الغالية: ٤١)



وعلى كل، فالخطأ من طبيعة البشر، لكن أن نجعل من خطأ الشخص منهجاً له وعقيدة، فهذا ظلم وشطط، وحيف وخلط.

والله يتولانا بعنايته، ويكلؤنا برعايته.


كتبه: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.

١٤٣٩/٥/٢٣

١٤٤٢/٧/٢٩


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق