الاثنين، 1 يونيو 2020

تدلي اللها، إلى حقيقة اسم "بديعية" ابن حجة الحموي، وشرحها!

 تدلي اللها، إلى حقيقة اسم "بديعية" ابن حجة الحموي، وشرحها!
 
البديعيات: مصطلح يطلق على القصائد الطويلة، التي تزيد على مائة بيت، وتشتمل كل بيت فيها، على لون أو أكثر من ألوان البديع: اللفظي، والمعنوي.
وهي في الأساس: منظومة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وربما خرج بعضهم، عن هذا القيد، إلى مدح الصحب الكرام، أو الملوك والأمراء ونحوهم.

وأول من ابتكرها، هو صفي الدين الحلي، الذي أملى بديعيته، سنة (٧٣٧) في (١٤٥) بيتاً، سماها: (الكافية البديعية)، وأتى بها على (١٥١) نوعاً، ومن هاته التسمية، جاء الابتكار، وحدا من بعده هذا الاختيار.

فتكون القصائد البديعيات.. قد ولدت في القرن الثامن الهجري، وتناسلت لها قصائد نبوية بديعية، خلال العصور الإسلامية حتى هذا اليوم.

ولقد كانت قبل الحلي، تعرف بالقصائد النبوية المدحية؛ إذ كان الشاعر، يتغنى بحب الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، ويمتدح صفاته، وأخلاقه، وقيمه، ومثله.
ينظر: مقدمة (شرح الكافية البديعية) للحلي، تحقيق: الأستاذ رشيد عبد الرحمن العبيدي.

وقيل: إن أول، من ابتكرها، هو: أمين الدين علي بن عثمان بن علي بن سليمان الأربلي الشاعر الصوفي، تـ٦٧٠.

وممن جرى في هذا المضمار.. العلامة الأديب أبو بكر بن علي بن حجة الحموي الحنفي الأزراري، المولود، سنة ٧٦٧، الذي كان يعمل في بيع الأزرار، فتولع بالأدب، ومهر به.
وقد كان، طويل النفس في النظم والنثر، واسع الباع فيهما، وله مقاطيع بديعة، وإسهابات وسيعة، وإيرادات شسيعة.
وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر وتلميذه أيضاً.
توفي سنة ٨٣٧.
رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار.

وتسمى بديعيته (بديعية ابن حجة الحموي، أو تقديم أبي بكر) سار فيها على طريقة الصفي الحلي، وتقع في (١٢٠) مائة وعشرين بيتاً، وهي في مدح الرسول الكريم، عليه الصلاة وأتم التسليم، وعدّ فيها من أنواع البديع، (١٤٢) مائة واثنين وأربعين نوعاً.
استهلها ببراعة الاستهلال، قائلاً:
لي في ابتدا مدحكم يا عُربَ ذي سلم *** براعة تستهل الدمع في العَلمِ

وكان معجباً بها، مزرياً بغيرها، فاسمعه، يقول -في تحكيمه بين الشيخين: صفي الدين الحلي، وجمال الدين ابن نباتة-:

تصفحت ديوان الصفي، فلم أجد *** لديه من السحر الحلال مرامي

فقلت لقلبي دونك ابن نباتة *** ولا تتبع الحلي، فهو حرامي! 

وقد طبعت بمطبعة بولاق سنة ١٢٩١، ثم طبعة أخرى، في سنة ١٣٠٤، ثم في المطبعة الأدبية ببيروت، عام ١٣٢٣.
ينظر: (معجم المطبوعات: ١/ ٧٦)

ثم إن ابن حجة.. شرح (بديعيته)، في معلمة كبرى، زاخرة بالفنون، فاخرة المتون، وإن كان -عفا الله عنه- غشيها، بالمجون!

ولم أقف لشرحه هذا، على اسم خاص، سوى (شرح البديعية) لكنها طبعت، باسم: (خزانة الأدب وغاية الأرب) لكني، لم أجد هذا الاسم، عند معاصريه، ومن بعدهم، ولم يتبدى سافراً، إلا عند المتأخرين، أمثال: الزركلي، وادوارد كرنيليوس فانديك، وإليان سركيس ونحوهم من العصريين.

ووجدت ابن حجة، في مقدمة شرحه: ١/ ١٨) يقول: "وسميتها: تقديم أبي بكر".

قلت: وهذا ما ذكره السيوطي، في (الإتقان: ١/ ٢٩٧) والسخاوي، في (الجواهر والدرر: ٢/ ٧٢٨) وابن العماد، في (شذرات الذهب: ١/ ٨٩)
والحاج خليفة، في (كشف الظنون: ٢/ ١٩٦٢) والشوكاني، في (الفتح الرباني: ٣/ ١٤١١) وغيرهم.

ثم اختصر هذا الشرح، بكتاب، سماه: (ثبوت الحجة على الموصلي والحلي لابن حجة" منه نسخة في برلين، برقم (٧٣٦٩).

ينظر: (ابن حجة الحموي، شاعراً وناقداً) للدكتور محمود الربداوي، و(البديعيات في الأدب العربي) للأستاذ علي أبو زيد، و (خزانة الأدب) تحقيق الدكتورة كوكب دياب.


وفي تسميتها "تقديم أبي بكر" مطمحان وملمحان:
-الإلماح، إلى نفسه؛ إذ أن كنيته (أبو بكر) فيريد أن يقول: إن بديعيتي، مقدمة على بديعيات غيري.
-الإطماح، إلى تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، على علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 

وهي معلمة رائعة، ومفخرة ذائعة، حوت جواهر ودررا، واحتوت بواهر وغررا، بل ضم بين جنبتيها، من التواليف، رسائل، وجمع إلى لابتيها، من العلوم، وسائل.

قال الحاج خليفة -عنها-: "وهو مجموع أدب، قلّ أن يوجد في غيره، ولعل مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن فيه إلا جودة الشواهد، لكل نوع من الأنواع، مع ما امتاز به، من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين، فإن مصنفه مرتفع عنه كلفة العارية، وهذا وحده مقصود لكل حاذق؛ كذا نقل من خط ابن حجر على ظهر نسخة منها".
(كشف الظنون: ١/ ٢٣٣)
 

وقد شرحها وعارضها وناجزها، كثير من أهل العلم.
فممن عارضها: السيوطي في بديعية رصينة، تقع في مائة وثلاثة وثلاثين بيتاً.

وممن انتقدها.. العلامة عبد القادر بن محمد الطبري المكي، برد، سماه (عليّ الحجة بتأخير أبي بكر ابن حجة).

والعلامة أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن شهاب الدين، باعلوي السقاف الحسيني، تـ١٣٤١، برد، سماه: (إقامة الحجة على ابن حجة).

هذا، ما تيسر تحريره، وما وسع تقريره، من تحرير من سبق، وتقرير من لحق، وإنما، أنا من موائدهم، مؤتدم، ومن أقواتهم، ملتحم، والله العاصم والقاسم.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/١٠/١٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق