الاثنين، 17 مايو 2021

نـمْ يا صـغيــري!

 

نـمْ يا صـغيــري!


(نم يا صغيري سوف تقتلك الدموع)

طاف المدينة يرتجي ماء أو خبزاً؛ ليسدّ بها رمقه مع أخيه.

طاف وطاف حتى تعب وأعيا، فدخل بيتاً مهجوراً، لا سكان فيه ولا جلاّس، -وهو لا يعلم أنه مهجور- يعلّل نفسه بنازل يراه، فيرقّ له ولأخيه ويرحمهما!

ولكن: خاب ظنه، وأخطأ حدسه.. طال الوقت، ولم يأت أحداً!


انتظر وانتظر، والجوع يسيطه بسياطه اللاهبة التي لا ترحم.

ينظر إلى نفسه، ثم إلى أخيه نظرة حزن وشفقة:

أخي، لا أملك لي ولك شيئاً!

أخي، ماذا أصنع.. بذلت الأسباب الشرعية، متوكلاً على الله تعالى، ولم أجد شيئاً!

أخي، ها أنت ترى جسدي الناحل الذي لا يقوى على العمل!

أخي، تعلم أنّا دون أب يكفينا المسألة، وأم نأوي إليها إذا مرضنا أو احتجنا!

أخي، ها هي أجسادنا عارية، إنها تقطعت وتمزقت، بعد أن بليت!

أخي، الجوع أضر بي كما أضر بك!

أخي، هل تظن أني وجدت شيئاً، وخبأته عنك؟!


لا وربي، لم أجد شيئاً، فالناس قلوبهم قاسية، ووجوههم كالحة، نسوا أن الأيام دول "وتلك الأيام نداولها بين الناس" والدهر قلّب، والأيام حبالى.


أرجوك -أخي- اصبر وتحمل وتجلد وتعزى، فالفرج آت لا محالة؛ فإن الله كريم حليم عظيم.. سيرحمنا ولا بد، ودعك من البشر، فإنهم كدر، وإن أعطوك، فلا تسلم من مَنّهم وتعييرهم.


-هيا، نمْ يا أخي؟

-لم أستطع النوم.. وكيف أنام، والجوع يوقظني، والعطش يجلدني؟!

-نم، واطلب النوم، وارتجيه.. ها هو حضني الصغير لك فراشاً، ويدي الصغيرتين لك دفاء!

أرجوك، نم، نم، نم.

أرجو أن نستيقظ، وقد جعل الله لنا فرجاً ومخرجاً..

لعل كريماً، يرجو الله والدار الآخرة.. يضع أمامنا خبزاً وماء، فنطرد به هذا الوحش الضاري بداخلنا!


ناما، ونامت معهما أحلامهما، ولم ينم جوعهما القارص!

ولا أدري،  هل استيقظا على حلمهما، أم أنهما ظلا طاويين؟!


وايم الله، لو رأيتكما، لكان لي معكما شأناً، وأناشد الله، من وجدهما.. أن يبلّ ريقهما، ويشبع بطنهما، ويكسو جسديهما، ويمسح دمعهما، وله الجنان -بإذن الرحيم الرحمن.


صغيراي.. اقبلا كليماتي المجتزأة، فإن نفسي حزينة جريحة، فتلعثم اللسان، واضطرب البنان، وتعثر الجنان.


أرجو لكما -حبيباي- شبعاً وريّاً، وثوباً وزياً، وحسناً ورِياً..


وسلام الله عليكما ورحمته وبركاته.



تتمة:

رأى الدكتور فوزي الحطيني، منشوري هذا (نم يا صغيري) فكتب هاته الأبيات مع مدخلها:

هذا منظر محزنٌ صاعق للضمير، مقلق لكل نفس فيها ومضة إيمان، أرسلها أخونا وليد بن عبده وعلّق عليها بألم ينزّ حسرة وقهراً، ولقد ثنّيتُ على مداخلته شعراً، ولكنّ ضغوط العمل شغلتني عن إرسالها، وها هي أمامكم عصارة ألألم :

بات الصغير وسوط الجوع يلهبهُ

      ويطرد النوم عن ذاوي مآقيه

البردُ يلسعُهُ ، والجوعُ ينهشُهُ 

         والغمّ أمطرهُ أقسى بلاويهِ

وحيد درب شقاء لا أنيس به

       إلا شقيق شريك الهمِّ والتيهِ 

لا حوْلَ له في درْءِ شِقْوتِهِ

      فالدهر حاربهُ بالويلِ يصليهِ

باتا ولا بيت يحمي من برودته

           ولا مُغيث فتنقذُهم أياديهِ

ضمَّ الكبير أخاهُ ضمّ والدةٍ

   بجسمه من صقيع البردِ يحميهِ

فاعجب لعاري بلا ثوبٍ يُدثّرهُ

         يأتي بدفءٍ لعريانٍ ويُدْفيهِ

واعجب لقومٍ عَمُوا عن بؤس واحدهم

        وبعضُ ما بذّروا قد كان يكفيهِ

               ••••  ••••  ••••

          د . فوزي الحطّيني 

            ١٧ /  ٥ / ٢٠١٦م



وكتب -من أدمعتموه-: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٣٧/٨/٨



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق