الخميس، 23 أبريل 2020

قول: "رمضان كريم" من التهاني، وليست من المناهي!

قول: "رمضان كريم" من التهاني، وليست من المناهي!

يهنئ الناس بعضهم بعضاً، بشهر رمضان، بشتى الكلمات، وجم العبارات، وكلهم ينشد الفرحة، ويقصد السرور، وأكثر ما نسمعه ونراه، هو من هذا القبيل الذي لا يخرج عن المشروع والإباحة، ومن تلك التهاني والدعوات: رمضان كريم!

فإنهم يقصدون بها: إنشاء الدعاء للمقول له، كأنهم يقولون: جعل الله هذا الشهر، شهر كرم وكرامة.

أو أنهم يريدون: أن رمضان موطن الخير والكرم، لا أنه معطي بذاته الكرم!

وهو استعمال شائع في العربية، ناهيك عن وروده في القرآن الكريم، قال الله تعالى: "إنه لقرآن كريم"، وقال تعالى: "إني ألقي إلي كتاب كريم"، وقال تعالى: "إن هذا إلا ملك كريم"، ونحوها من الآيات في هذه البابة.

وهذا من باب نسبة الشيء إلى سببه، لا مُسبِّبه، ولا يفهم العربي من عبارة "رمضان كريم".. أنه يعطي الكرم بنفسه، وإنما الكرم كائن فيه، والمجاز: أسلوب شائع في لغة العرب!


وقد استدل بعض المُشنِّعين المُشغِّبين، بفتوى للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، وقد فهموها، على غير مراد الشيخ، وحملوها من النهي، ما لم يحمله الشيخ!

والبيان: إن فتوى الشيخ، كانت متجهة حول أمر كبار، وعمل فجار، وهو -على ما جاء في نص السؤال-: "حينما يقع الصائم في معصية من المعاصي، ويُنهى عنها، يقول: "رمضان كريم!
فما حكم هذه الكلمة‏؟‏ وما حكم هذا التصرف‏؟‏

هنا، غضب الشيخ -ومن لا يغضب لهذا الفهم الأعوج، بل العوج الأبلج، والترخص الأعرج-!

فكان من جواب الشيخ: "حكم ذلك، أن هذه الكلمة "رمضان كريم"؛ غير صحيحة، وإنما يقال: "رمضان مبارك" وما أشبه ذلك؛ لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً، وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام.
وكأن هذا القائل: يظن أنه لشرف الزمان، يجوز فيه فعل المعاصي، وهذا خلاف ما قاله أهل العلم: بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل، عكس ما يتصوره هذا القائل.
وقالوا‏:‏ يجب على الإنسان، أن يتقي الله عز وجل، في كل وقت، وفي كل مكان، لا سيما في الأوقات الفاضلة، والأماكن الفاضلة، وقد قال الله عز وجل‏:‏ ‏"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
فالحكمة من فرض الصوم؛ تقوى الله عز وجل- بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏(من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل.. فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏)، فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس، وصيانة لها عن محارم الله، وليس كما قال هذا الجاهل‏:‏ إن هذا الشهر لشرفه وبركته.. يسوغ فيه فعل المعاصي‏"!
(مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين: ٢٠/ رقم السؤال: ٢٥٤)

فواضح هذا البيان، لكل إنسان؛ أن الشيخ أراد التغليظ على السائل، في اتخاذه رمضان، شهر عصيان؛ لأنه يعطي الكرم بنفسه -على ترخصه المهين-!

ولم يرد الشيخ؛ المنع من قول هذه الكلمة إطلاقاً.
وهذا معلوم في قواعد الفقه: أن المباح قد يمنع من باب سد الذرائع، وهذا ما فعله الشيخ في جوابه الرصين.

ودليلي على ذلك: أن الشيخ، قد استعمل هذا اللفظ "رمضان كريم" كثيراً، في كتبه وفتاويه، ومن ذلك:
(الضياء اللامع: ٢/ ١٦٥) وفي (٤/ ٤٥٧)
وفي (جلسات رمضانية، عام ١٤١٠)
وفي (مجموع فتاوه: ٢٠/ ١٩١)


وممن استعملها من المعاصرين:
-الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، كما في (الخطب المنبرية: ٢٦)
-والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، كما في (فتاواه ورسائله: ٤/ ٢٠٧)
-والشيخ عبد الرحمن المعلمي، كما في (آثاره: ٢٢/ ٨٠)
-والشيخ عبد العزيز ابن باز، كما في (فتاوى نور على الدرب: ١٦/ ٨) فقد كررها مرتين في صفحة واحدة.


وممن استعملها من المتقدمين:
-لسان الدين ابن الخطيب، كما في (الإحاطة: ٢/ ٢٣٤)
-والمقري، كما في (نفح الطيب: ٧/ ٤٣٩)
-وابن الجوزي، كما في (بستان الواعظين: ٢٣٣)


وأخيراً، أقول: لا شك، أن التقيد، باللفظ النبوي، في كل موطن أو مناسبة، ومن ذلك، قول: "شهر مبارك"؛ أولى وأجلى، ولكنا هنا، نتحدث عن جواز وحرمة.
وكل لفظ يؤدى به التهنئة، ولا يحمل محرماً؛ فالتهنئة به جائزة.


هذا غيض من فيض، ولولا ما حصل من تعنت البعض -هداهم الله- في التضييق على الناس، وتحريم ما أحل الله تعالى من الأقوال والأفعال- لولا ذلك؛ لما أطنبت وأسهبت، وأرجو أن لا أعدم خيراً وأجرا، "وعلى الله قصد السبيل".


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٩/١
رمضان الكريم، جعله الله شهر تأييد وتكريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق