الأحد، 5 أبريل 2020

إيضاح وبيان عن ليلة النصف من شعبان:

إيضاح وبيان عن ليلة النصف من شعبان:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:

فإن شعبان، هو الشهر الذي يقدُم رمضان، وله مزية: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يكثر الصوم فيه -كما روت ذلك زوجه عائشة رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله يصوم، حتى نقول لا يفطر، ويفطر، حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله، استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان).
رواه البخاري ومسلم.

وليلة النصف من شعبان؛ قد  اضطربت فيها أقوال الناس وأحوالهم.

وهذا تعليق مختصر معتصر، أسأل الله أن يكون خالصاً صواباً، وأن يجعل فيه الهمع والنفع، فأقول -مستعيناً بالمعين، وعليه المتكل، وهو المستعان-:

أما فضلها:
فقد ورد فيه عدة أحاديث، منها: ما هو صالح للاحتجاج، ومنها: ما هو ضعيف لا يحتج به، ومنها: ما هو موضوع باطل.

فمما هو صالح للاحتجاج: ما جاء عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدَع أهل الحقد بحقدهم حتى يدَعوه).
رواه البيهقي، والطبراني، وحسنه الألباني، في (صحيح الجامع، برقم: ٧٧٣) ووافقه الشيخ مقبل الوادعي، في (الأجوبة السنية على الأسئلة التنزانية). 

وقد روي نحوه؛ عن عدد من الصحابة، وهم: أبو بكر الصديق، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وعوف بن مالك، وعائشة -رضي الله عنهم-.

قال الشافعي: "وبلغنا، أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان".
(الأم: ١/ ٢٦٤)

وقال المباركفوري: "اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان، عدة أحاديث- مجموعها: يدل على أن لها أصلاً".
ثم أورد مجموعة أحاديث..
ثم قال: "فهذه الأحاديث بمجموعها؛ حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء، والله تعالى أعلم".
(تحفة الأحوذي: ٣/ ٣٦٥ - ٣٦٧)

قلت: وأما ما ورد فيها، من أحاديث ضعيفة وموضوعة؛ فكثيرة، تطفح بها الكتب والمواقع والمنتديات!
ولا حاجة بي إلى ذكرها.

تنبيه: ذكر بعض العلماء.. أن ليلة النصف من شعبان، هي المرادة، في قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" وقوله تعالى، بعدها: "فيها يفرق كل أمر حكيم".. وحكى الإمام الطبري، القولين، ورجح أنها: ليلة القدر.
ينظر: (جامع البيان: ٢٢/ ٩)

وقال ابن كثير: "ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان -كما روي عن عكرمة-؛ فقد أبعد النجعة؛ فإن نص القرآن، أنها في رمضان.
والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل عن الزهري أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى)؛ فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص".
(تفسير القرآن العظيم: ٧/ ٢٤٦)

"ثم إن هؤلاء القائلين بهذا القول.. زعموا: أن ليلة النصف من شعبان، لها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة".
(مفاتيح الغيب: ٢٧/ ٦٥٣)

وأما قيامها:
فقد استحب بعض العلماء والفقهاء.. قيام هذه الليلة؛ لتعرُّض المؤمن إلى رحمة الله تعالى ومغفرته.

وقد سئل شيخ الإسلام، عن صلاة نصف شعبان؟
فأجاب: "إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده، أو في جماعة خاصة، كما كان يفعل طوائف من السلف، فهو أحسن.
وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدّرة، كالاجتماع على مائة ركعة، بقراءة ألف: "قل هو الله أحد"، دائماً.. فهذا بدعة، لم يستحبها أحد من الأئمة، والله أعلم".
(مجموع الفتاوى: ٢٣/ ١٣١)

وقال شيخ الإسلام أيضاً: "ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار- ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها".
(اقتضاء الصراط المستقيم: ٢/ ٢٣٦).

وقال الشيخ الألباني: "أما إحياء الإنسان، لهذه الليلة وحده بالعبادة المطلقة، في جملة ما تيسر له إحياؤه من ليال؛ رجاء أن يكون لها في استجابة الدعاء، وقبول العبادة.. المزية التي وردت في أحاديث فضلها؛ فليس فيه من بأس.
وهذه الأحاديث.. تكفي داعياً للإقبال فيها على العبادة، وتنفي أن يكون قيام الرجل فيها -بشيء من العبادة المطلقة عن التقييد بعدد معين، أو هيئة مخصوصة-.. بدعة، وإن لم تبلغ هذه الأحاديث درجة الصحيح.
وعلى هذا.. ليس على المسلم من حرج في إحياء هذه الليلة، منفرداً مع ربه -بمختلف أنواع العبادة- من صلاة، وذكر، وقراءة قرآن، ودعاء الأدعية المأثورة الصحيحة -؛ فإن ذلك أرجى للقبول".
(رسالة فيما قرره الثقات الأثبات في ليلة النصف من شعبان: ٦٤) لجماعة من علماء الأزهر، خرج أحاديثها: الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني. 

قلت: وهذا يدخل في الفضل العام، لا خصّها بصلاة مخصوصة، وكيفية مخصوصة، وإنما المقصود: أن يكون الإنسان أقرب إلى الله تعالى، في تجلِّيه تبارك وتقدس، في تلك الليلة، وخير حال تصادفه، وهو في صلاة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء).
أخرجه مسلم.

وقد علمت؛ أنه قد صلاها طوائف من السلف -كما تقدم آنفاً، عن شيخ الإسلام-.

وإنْ ترك الإنسان قيامها؛ ذرء استحباب شيئ، لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ فله ذلك، لكن دون إنكار على غيره، ولا تبديع أو هجر وتفسيق.
والله أعلم.

وأما ما يفعله كثير من المسلمين، من إحداث صلاة فيها، بعدد مخصوص، وقراءة مخصوصة؛ فهو بدعة محدثة.

يقول النووي: "الصلاة المعروفة، بصلاة الرغائب، وهي: ثنتا عشرة ركعة، تصلى بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان، مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان، ومنكران قبيحتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب (قوت القلوب) و(إحياء علوم الدين) ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما؛ فإنه غالط في ذلك.
وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، كتاباً نفيساً في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد -رحمه الله-".
(المجموع: ٣/ ٥٤٨)

قلت: والحديث الذي أشار إليه النووي -رحمه الله- هو ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من صلى في هذه الليلة، خمس عشرة من شعبان؛ مائة ركعة؛ أرسل الله إليه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمِّنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان).
رواه الإمام أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي في كتاب "فضائل شعبان".
ينظر: (تخريج أحاديث الكشاف: ٣/ ٢٦١) للزيلعي.

وهو حديث باطل موضوع، كما قال الإمام النووي -رحمه الله- قبلاً.

ولم يثبت في تخصيص هذه الليلة.. صلاة معينة، أو دعاء معيناً، في شيء من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه الكرام رضي الله عنهم.

وأول ظهور ذلك: كان من بعض التابعين.

قال ابن رجب: "وليلة النصف من شعبان، كان التابعون من أهل الشام، كـ خالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم.. يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.
وقد قيل: أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم: من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم: طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة".
(لطائف المعارف: ١٣٧)

وقال ابن تيمية: "وأما ليلة النصف من شعبان؛ ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد.. بدعة".
(الفتاوى الكبرى: ٤/ ٤٢٨)

وأما صيام يومها:
ففيه تفصيل وبيان: فإن صِيم، على أنه يوم من أيام البيض الثلاثة، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وليس منفرداً عنها؛ فحسن؛ للفضل العام الوارد في أيام البيض.

وإن صيم، على أنه يوم النصف من شعبان؛ فلا؛ لأن حديث الصيام المخصص له؛ حديث موضوع، فلا يصلح الاحتجاج به، والبناء عليه.

قلت: والحديث، هو ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ فقوموا ليلتها، وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلٍ فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر).
رواه ابن ماجه، وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري، رموه بالوضع.

ينظر: (الكاشف: ٢/ ٤١١)، و (ميزان الاعتدال)، و (تخريج الإحياء: ١ /١٦٤)، و (تذكرة الموضوعات: ١ /٣١٢)، و(ضعيف ابن ماجة، برقم: ٢٩٤)، و (السلسلة الضعيفة، برقم:٢١٣٢) و (مشكاة المصابيح، برقم: ١٣٠٨)، و (ضعيف الترغيب، برقم: ٦٢٣).

وللفائدة، فقد وقفت على أجزاء ورسائل، في فضل شعبان، منها:

- جزء (فضائل شعبان) وهو جزء حديثي، للحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر، تـ٦١١.

- (فضائل شعبان)، للإمام أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي، تـ٥٥٠.

- ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان، للإمام أبي الخطاب عمر بن حسن الأندلسي الشهير بابن دحية الكلبي، تـ٦٣٣.

- الكفاية في الرد على من أنكر صلاتي رجب وشعبان، للإمام أبي القاسم بن أحمد بن إبراهيم ابن مطير اليمني التهامي، تـ٨٤٤.

- مختصر في فضل ليلة النصف من شهر شعبان، للشيخ محمد أبو السرور البكري الصديقي، تـ١٠٠٧، وهي من كتاب (النبذة) لجده الشيخ أبي الحسن وشرحه، وسماه: (فيض المنان بشرح مختصر نبذة ليلة النصف من شعبان).
ينظر: (نتائج السفر: ١/ ٦١).

- نصيحة أهل الإيمان في فضل ليلة النصف من شعبان، للشيخ رجب بن محمد العمراني، فرغ منها، سنة ١١١٩.

ولا أدري، ما الذي ذكروه في مصنفاتهم، أو أثبتوه في مؤلفاتهم؟

فإن كان استحباب صلاة أو صيام.. فقد تقدم معك كلام الإمام النووي، في (المجموع: ٣/ ٥٤٨): "ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما؛ فإنه غالط في ذلك".

وقبل أن أختم: أدعو نفسي، وبني جنسي؛ أن نمحو ونزيل، ونغفر ونغسل- ما علق بقلوبنا من أدران وأضغان، وشحناء وبغضاء، وتهاجر وتدابر؛ حتى تدركنا مغفرة الله تعالى في هذه الليلة الفضيلة، بل وفي جميع الليالي والأيام.

وهذا هو الواجب على المسلمين.. أن يكونوا "رحماء بينهم" فلا غل ولا حقد، ولا كراهية ولا حسد، بل "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين".

وهذا سبيل النصر والتمكين: التوحيد والتوحّد، وعدم الاختلاف والتنازع: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين".

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا انفردن تكسرت آحادا

هذا ما تطلّب تحريره وتحبيره وتقريره؛ بياناً للعالَمين، وتذكرة وتبصرة للعالِمين.

والله أعلى وأولى، وأعلم وأحكم، وأجمل وأكمل.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي.

ليلة النصف من شعبان، لعام ١٤٣٧
١٤٤١/٨/١١



هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله.. فما يقول الشيخ في هذا
    المجلد: السلسلة الصحيحة - مختصرة
    رقم الحديث: 1563
    الحديث: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ] . ( صحيح ) . ( المشرك كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى أو في صفاته أو في عبادته . والمشاحن قال ابن الأثير هو المعادي والشحناء العداوة والتشاحن تفاعل منه وقال الأوزاعي أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة ) .

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله.. فما يقول الشيخ في هذا..
    المجلد: السلسلة الصحيحة - مختصرة
    رقم الحديث: 1563
    الحديث: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ] . ( صحيح ) . ( المشرك كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى أو في صفاته أو في عبادته . والمشاحن قال ابن الأثير هو المعادي والشحناء العداوة والتشاحن تفاعل منه وقال الأوزاعي أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة ) .

    ردحذف