الأحد، 8 مارس 2020

ما هكذا يكون الدفاع! كلمة في الذب عن الإمام الألباني

ما هكذا يكون الدفاع!
كلمة في الدفاع عن الإمام الألباني.

الحمد لله الآمر بالقسط والحق، والصلاة والسلام على القائم بالعدل، والقائل بالصدق.

وبعد:
فقد قرأت في ثبَت (هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري) لجامعه الدكتور عبد العزيز بن فيصل الراجحي، فرأيت فيه إذكاء للخلاف بين العلامة المحدث الكبير محيي السنة أبي عبد الرحمن ناصر الدين الألباني، وبين العلامة إسماعيل الأنصاري -بلّ الله جدثيهما بوابل صيب-؛ فقفّ شعري، واقشعر جلدي، وضاق صدري، وحزن فؤادي.. من بعض الكلمات النابية في حق إمام السنة محمد ناصر الدين الألباني؛ بزعم الدفاع عن العلامة إسماعيل الأنصاري، فتناولت قلمي، وأردت تسطير دفاع عن إمام السنة في عصره، فأقول:

إن الدفاع عن العلماء وإنصافهم؛ خلق نبيل، وأدب جليل، لا سيما ممن كرع منهم ونهل، ولكن لا يكون على لمز علماء آخرين؛ لأن هذا من باب قول القائل:
ومن أزال منكراً بأنكرا؛ *** كغاسل بولاً بحيضٍ أغبرا!

وهذا ما جرى من الدكتور عبد العزيز -هداه الله-؛ إذ كال التهَم، وأتى بالظلَم في حق المحدث الألباني!
وهاكم بعض ما تفوّه به وفاه:

-أولاً: اتهم العلامة الألباني.. بأن عادته: أن لا يقبل النقد، وإن كان علمياً! 

أقول: إن كتب الشيخ الألباني، غاصّة بذكر من نبأه بخطأ، أو نبهه على وهم.
وتراجعات الإمام الألباني -رحمه الله- كثيرة معلومة مشهورة، بل جمع الشيخ أبو الحسن الشيخ، ما تراجع عنه الشيخ الألباني، في كتاب، سماه: (تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحاً وتضعيفا).

وكان -رحمه الله- يذكر تراجعه في الموضع نفسه الذي أخطأ فيه، وقد كان بإمكانه، أن يحذف القول الخطأ، ويبقي القول الصواب قبل طبع الكتاب، ولكنه الصدق والورع.

ومثل هذا: ما جاء في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: هامش رقم ١ ص ٤١) حيث قال عن حديث: (اتقوا الحديث عني، إلا ما علمتم)؛ 
صحيح، أخرجه الترمذي وأحمد وابن أبي شيبة، وعزاه الشيخ محمد بن سعيد الحلبي في (مسلسلاته: ١ /٢) إلى البخاري؛ فوهم.
ثم تبين لي: أن الحديث ضعيف، وكنت اتبعت المناوي في تصحيحه لإسناد ابن أبي شيبة فيه، ثم تيسر لي الوقوف عليه؛ فإذا هو بيِّن الضعف، وهو نفس إسناد الترمذي وغيره، راجع كتابي (سلسلة الأحاديث الضعيفة) المجلد الأول". اهـ.

-ثانياً: اتهم الشيخ، بالإصرار على رأيه وإن كان خطأً.

أقول: وهذا لازم خطير يلزم كلامه، والكل يعلم خطر المُصر على الخطأ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ويل لأقماع القول؛ الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون).
رواه أحمد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
ويكفي في الرد عليه.. ما ذكرته في النقطة الأولى.

-ثالثاً: اتهم الشيخ، بالتعصب لأقواله، وإن كانت خاطئة.

أقول: والتعصب مذموم، ومن العلماء؛ أشد ذمّاً وإثماً، فكيف يصدر هذا ممن حارب التعصب طوال حياته.
وللقارئ الكريم، أن يراجع مقدمة (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ليرى كيف أنه -رحمه الله- شنّ حرباً متزنة على المتعصبين، وكيف بيّن أن التعصب من أسباب رد الحق، وهذا جرم كبير -وهو ما اتُهم به الشيخ الألباني من عبد العزيز- فيا للعجب!

وقد برأه من هذا النبز الغميز؛ علماء اللجنة الدائمة للإفتاء؛ فقد جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة: ١٢/ ٣٢٤) قولهم: "الرجل معروف لدينا بالعلم والفضل، وتعظيم السنة وخدمتها، وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة في التحذير من التعصب والتقليد الأعمى، وكتبه مفيدة، ولكنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم، يخطئ ويصيب، ونرجو له في إصابته أجرين، وفي خطئه أجر الاجتهاد، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب؛ فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ؛ فله أجر واحد) متفق عليه".
الشيخ عبد العزيز بن باز - الشيخ عبد الرزاق عفيفي - الشيخ عبد الله بن غديان - الشيخ عبد الله بن قعود.

-رابعاً: وصم رد الشيخ الألباني على الشيخ الأنصاري؛ بأنه كلام طويل غير مُتّزِن!

أقول: لا أخفي القارئ الكريم، فعند هذه اللفظة؛ أُصبت بالغثيان والجيشان، وتناولت قلمي بيد مرتجفة، وعلقت على موطن الكتْب من الكتاب، بهذه الكلمات: "أتدري ما تقول يا عبد العزيز، وما يخرج من فيك، أم أنك تقول ما لا تعلم؟
وأحلاهما مر، ولا مصير لك إلا إلى أحدهما، فاختر"؟!

خامساً: وصف كلام الشيخ الألباني في الأنصاري؛ بأنه بغير حق، قائلاً: (إلى آخر مزاعم الشيخ الألباني فيه)!
ثم قال: (وأن سبب هذه الفتنة بين الشيخين، هو الألباني -عفا الله عنه-)!

أقول: صوّر الدكتور، الشيخ الألباني، وكأنه يحرص شديداً على مهاجمة الآخرين!
لا، بل إن الشيخ -على زعم المنافح المكابح- هو السبب في المجادلات وما خلفته أو تخلفه من الخلافات، التي حصلت بينه وبين غيره من الأشياخ!

يا دكتور عبد العزيز؛ ألا كان يكفي أن تحسّن صورة شيخك العلامة -وهو حسن، بحمد الله-؛ دون تناول هذا الرمز العظيم!
حقاً، إن سبب أكثر الفتن بين العلماء؛ هو من الطلاب، وهذا دليل على ذلك، فالله المستعان.

-سادساً: وصم الشيخ الألباني، بالحدّة والتسرع، فقال: (وكم أحدث الشيخ الألباني، بتسرعه، وحدّته في الرد؛ في النزاعات، والخلافات، والردود، والفرقة)!

أقول: لا قوة إلا بالله، حين أن يوصم الشيخ من متسرع، بالتسرع، وبالتسبب في الفرقة والخلاف!
أهكذا أُمرنا بالتأدب مع العلماء؟! اللهم لا.
حتى -يا عبد العزيز- لو كنت في صدد الرد على الشيخ الألباني؛ لا يحسُن بك أن تفوه بالكلمات الفجّة، والألفاظ النابية.

وحقاً، إن الحق فوق الجميع، ولا معصوم إلا الوحيين، ولكن: أين نحن من قول الله: "وقولوا للناس حسنا" فكيف بالعلماء الذين جاء الثناء عليهم في القرآن الكريم، والسنة المطهرة؟!
أين نحن من الإذعان لقول الله تعالى، وقول رسوله عليه الصلاة والسلام؟!
أم أننا ننسى الآداب حين أن نتحيز لعالم أو قريب؟!
فالله المستعان.

-سابعاً: ذكر أن العلامة الألباني، ردّ على الشيخ حمود التويجري، بحدّة وشدة، مع سعة صدر الشيخ حمود ومحبته له).

أقول: غفر الله للشيخين الجليلين، فقد رد كل منهما على الآخر، ولكن لم يخلفا ضغينة بينهما، أو قطيعة، بل كان الوصال والزيارة؛ فلمَ ندس أنوفنا بينهما، وما دخلنا -نحن الطلاب- بين القامات الكبار، خصوصاً، وأنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا!
فـ "إنا لله وإنا إليه راجعون"؟!

وأضيف: إن كلام الدكتور، يشي بأن الحدة والشدة، كانت من طرف واحد، هو الألباني!
وهذا مجانب للصواب؛ فالرد والتخشين كان من العالمَين الفاضلين.
ولست في حاجة، أن أشير إلى بعض ردود شيخ مشايخنا حمود التويجري -رحمه الله- على بعض من الأعلام.

-ثامناً: قال عن الشيخ إسماعيل: (ومن عرفه؛ علم أني مقصر في وصفه، ورأى عظم جناية الشيخ الألباني عليه)!

أقول: نعم، مقصر في الكلام عن الشيخ الأنصاري، ومحذر من الشيخ الألباني، فلم تنل إلا التقصير في العالمين الجليلين!

وأتوقع أن العلامة الأنصاري، لم يكن يرضى هذا اللمز الفج منك، عن علامة الدنيا الألباني -رحم الله الجميع-.

تنبيه: لعل هذه الخشونة والسخونة.. سمة في الدكتور عبد العزيز، فإني رأيت له توهيماً للعلامة الأنصاري، وكلاماً وشجباً لشيخ مشايخنا العلامة صالح الأركاني، وتوهيناً لآخرين، وتشكيكاً في البعض.. 

ولست في صدد الرد على وهن أو وهم في كتابه، بل تناولت ما يتعلق بالعلامة الألباني -رحمه الله-.

ونحن أُمرنا أن نقول الحق والصدق، وندفع بالحسن والرفق، مع الموافق والمخالف، فما بالنا نعرض عن الهدي النبوي؟!

هذا ما أردت كتبه؛ غَيرة على عرض العلامة الألباني، وإحقاقاً للحق، وإبطالاً للباطل، وهو أهل للزهق والدمغ.
وايم الله، أني لم أكتب ما كتبت إلا حين رأيت التعدي من الدكتور، وأن من تهجم عليه، قد رحل إلى ربه جل وعلا، فلم أحتمل طعنه الواضح، وتحامله الجامح، في العلامة الألباني، فرأيت أن قد استوجب علي الدفاع عن عرض الشيخ، وإلا، فإني مشوش الفكر، ومعكر الخاطر، وأنا في غنى عن الردود وما والاها.

كتبت هذه الكليمات، التي أرجو من ربي، أن يجعلها في ميزان حسناتي، والله يغفر لي وللجميع.
و(سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٤/٣٠
١٤٤١/٧/١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق