الاثنين، 30 مارس 2020

المَقَامَةُ الكُوْرُوْنِية! (فيروس كورونا)!


المقامة الكورونية! (الوبائية)

قال لوين بن جوين: فتحت هاتفي ذات مساء، فألفيت رسالة همساء، من شيخ همام، وأستاذ أُمام، يلمح لي، بصنع مقامة كورونية، وما أحدثته من أحداث كونية.

فتبطّأت، وعن ذلك تلكّأت؛ لقصور باعي، وشدة التياعي، ونأيي عن الأهل والولد، وبعدي عن الصحب والبلد، لكني بعد تشاور مع نفسي، وتخابر مع بني جنسي.
أقدمت على الكتْب القادح، عن ذلك الخطب الفادح.

فأقول -ومن ذي الطول، أستمد الحول-:

بينا نحن ذات يوم، في جمع من القوم، نتجاذب أطراف الحديث، ونتجابذ الأدب القديم والحديث؛ إذ نطق أحد الحضور، بخبر خطير مفطور!
وكان في الجالسين، أحد الدارسين، فحملق في الناطق وحذلق، وقال: من تكون أيها الأحذق؟!
قال: أنا كرين بن برين، العربي الثمين- أحد بني قحطان، العرب القرمان.

وأنت من تكون أيها الأذلق، الجميل الأبلق؟
قال: أنا لوين بن جوين، العربي القمين، أحد بني عدنان، العرب الشجعان.

قال لوين بن جوين: يا أخا العرب، حدثنا، ما هو الخطب؟

قال كرين بن برين: إن هناك وباء تخطى القرونا، يسمى: فيروس كورونا، نشأ من دولة الصين، آكلي  القذر والنتين، أرْداهم صرعى، وتركهم قفعى!

ففغرنا الأفواه، واحتارت الأنباه، وبقينا مدهوشين، ولِما سمعنا، مشدوهين!

وتابع كرين بن برين.. يقال: إن هذا الفيروس، مزروع ومغروس، وهو سريع الانتشار، شديد الانشطار!

قال لوين بن جوين: يبعد أن يكون هذا الفيروس، من صنع أهل الصين أو الغرب أو الروس!
وإن كان؛ فهو بأمر الله جل جلاله، وتقدس جماله وكماله.
ولعله لنا خير، وعليهم شر وضير.. وأين نحن من تيك الدولة، التي بيننا وبينها مليون جولة!

قال كرين بن برين: ولكنه معدٍ، وللأنفس مقذٍ.. إنه ينتقل عن طريق اللمس والحس والجس، ناهيك عن الضم واللثم والقضم!

رد لوين بن جوين -ببرود وجمود-: دعك من الضم والشم، واللثم والقضم.. صف لي أعراضه، وما هي أحراضه؟

فأجاب كرين بن برين: إنه يشلّ العظام والمفاصل، ويفلّ الصدر والكلاكل، ويأخذ الرأس بالصداع، والأعضاء بالانصداع، ويسربل الجسد بالحمى، والروح بالغمى، ويضيق الأنفاس، على الناس!

قال لوين بن جوين: عجيبة هذه الأوصاف، وغريبة هذه الأرصاف.. وكأنك تتحدث عن الكرفس، ولا أعني: نبتة الكرفس! لا، بل هو مرض وحرَض، زار مدينة الحديدة المجيدة، وهذه هي أعراضه، وأوصابه وأنقاضه!

قال كرين بن برين: ولكنه وباء أصاب العالم، وغيّر المنار والمعالم، وهو الآن، قد دار على الكرة الأرضية، فجعلهم في حالة مرَضية، سوى بلاد اليمن السعيد، الذي يعيش الفقر الشديد!

رد لوين بن جوين: ما شاء الله، وسبحان الله، والحمد لله، كل شيء بقضاء وقدر، ولا يغني حذر من قدر، ولعلها رحمة من الله سبحانه، بتلك البلاد المزدانه.

مسكينة هي اليمن، بلاد الفقه والحكمة والإيمان واليمن.. فلا زالت ترزح تحت نير الحرب، والقصف والضرب، مع معاناتها المرض والسقم، والفقر والعدم، ولكن، "إن الله لطيف بالعباد" أهل الحضر والبواد.

قال كرين بن برين: حمداً للحميد، وشكراً للمجيد؛ فإن هذا الوباء، على المسلمين خفيف، لكنه على الكافرين عنيف، فالأعداد في ازدياد، والأرقام في ارتياد!

قال لوين بن جوين: إن الله عدل حكيم، وإن عذابه شديد أليم؛ فإن دول الغرب الكافرة، قد تجبرت وقهرت، وها هي تدور عليها الدائرة!

بل إنهم تحدوا الجبار، وتعدوا على القهار، فها هو يقصمهم، ويفل قوتهم ويقسمهم (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته) فلا يقاوِم!

وقد ظهرت دول الغرب الكافرة، على حقيقتهم الماكرة؛ فإنهم يتشدقون بحقوق الإنسان، ويتفيهقون بتحرير النسوان!
وها هم، يميطون اللثام عن وجوههم القبيحة، ويكشفون الحجاب عن أخلاقهم الوقيحة؛ فقد تخلوا عن إنقاذ النفوس، في سبيل الكؤوس والفلوس!

بل خرج من يصول ويجول، ويقول: ماذا.. حتى لو مات الملايين، في سبيل الرسماليين!
إلى غير ذا، من السخف والهذاء، الذي ينم عن الأثرة والجشع، ويشي بالوأد البشع!

قال كرين بن برين: وذلك على عكس الدول الإسلامية، فإنهم أظهروا الرابطة الإخوانية، والرحمة النفسانية، وأوعزوا إلى شعوبهم، الاهتمام بشؤونهم.
وأمروهم، بالحجر، للمصح؛ عملاً، بحديث: (لا يورد ممرض على مصح) مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والاعتماد على رب البرية.

قال لوين بن جوين: ولكن العجب من بعض العرب، فهم مثل الجرب..
أعني: بني عَلمان والأذناب، من يلصقون الإسلام بالإرهاب؛ لا زالوا في غيهم يعمهون، فهم لا يعلمون ولا يفقهون، بل ربما كان النصارى، واليهود الحيارى؛ أقوم منهم قيلا، وأهدى سبيلا!

قال كرين بن برين: ما بال هذه الخشارة، وما شأن تيك الخثارة؟! فإني أعلمهم، "يسارعون فيهم" للتغريب، ويسعون نحوهم، في طمس التعريب!
"وما هم بضارِّين به من أحد" وإن سعوا للأبد "إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" ولن ينفعهم التعلمن أو التحدث، ولا التبرلل ولا الهويدا!

قال لوين بن جوين: لا زالوا يعلقون رفع الوباء بالماديات، مشككين في قدرة رب البريات!
وليتهم، عملوا بالمادة، مع سير الجادة، في رد الأسباب إلى المسبب، الراحم وحده والمعذب؟!

قال كرين بن برين: دعك وشأنهم، فهذا هو ديدنهم، لكن "إن ربك لبالمرصاد" "وعد الله لا يخلف الله الميعاد".

قال لوين بن جوين: ولو ترى، إلى فدح الخسارات، وإلى حجم الانهيارات.. إنه شيء مهول، وكأنها كارثة التتر والمغول، وإن كانت هذه أبعد زماناً، لكنها أوسع مكاناً!

قال كرين بن برين: بل، لو رأيت، كيف أعلنوا العجز، وتواصوا بالحجر والحجز؛ للحد من انتشاره، والسد عن انتصاره!

قال لوين بن جوين: وقد لزم الناس البيوت، ولاذوا بالصمت والسكوت، وأقفلت المساجد والمآذن، وغلقت المسارح والمواطن، وسكرت الأسواق والسهرات، والحفلات والسمرات، ولاذ الناس إلى الجبار، ورفعوا أصواتهم بالجُآر!

قال كرين بن برين: ولو رأيتني أنتشي، وأنا في طريقي نحو الحرم وأفتشي؛ لأداء العمرة؛ وطرد الغمرة- وقد أعلنوا منع الطواف؛ حفظاً لأرواح الطُوّاف؛ لرأيت الدمع واكفاً، والقلب على الوصب عاكفاً..

وتلمظت بزورته، والدرور بدورته، ذات ليلة جمعة مباركة، ولكنه كان خلواً من الجمعة والمحاركة!
فلا إله إلا الله، ولا بلاغ إلا بالله، إليه المرجع وإليه المآب، و"إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب".

قال لوين بن جوين: ولو سمعت، المؤذن، وهو يصدح في الأذان باكياً، ويتلعثم في الإعلان راجياً، لا يستطيع إكماله، ولا يريد إهماله!
قائلاً: صلوا في رحالكم .. صلوا في رحالكم!
والصالحون حين سماع هاته الكلمة، كأنهم في كَلمة، تشتبك دموعهم، ويتذكرون جموعهم وخشوعهم!
حتى النساء في المنازل، تفطرت قلوبهن لهذه النوازل!

قال كرين بن برين: ولو نظرت إلى رواد الجوامع، وقاصدي بيوت الله الرواكع، والناس هواجع.. كيف تقرحت منهم الأكباد والقلوب، وسالت دموعهم حتى بلّت الجيوب!

قال لوين بن جوين: لا عجب في ذلك، ولا غرابة فيما هنالك؛ فإن النبي الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، قد أخبر عن أمثالهم، وحدث عن أشباههم، فقال: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) وهذا حال الموفقين الأماجد.

قال كرين بن برين: ولو نظرت إلى حالي، وأنا في مكان عن الناس خالـ(ـي).. لا أخرج إلا لِماما، وإذا خرجت؛ أكون لابساً الجوارب والكمامـ(ـا)!

قال لوين بن جوين: إن العزلة، خير لك بالجملة وفي الجملة، وفي الأثر: (العزلة؛ خير من جليس السوء) وأكثر الناس، اليوم في ندوب ونتوء، وقد حذِر الناس السلام، بل حتى الكلام؛ خشية الإصابة، وحفظاً للإطابة!
وهم في هرج ومرج، ولا دخول ولا خرج.
عاكفون على الأخبار، وهاربون من الأخطار، وواقون أنفسهم عن الأضرار!

قال كرين بن برين: ولكن، للأسف، لقد أظهر هذا الفيروس الحقير، تعلق الكبير والصغير، بالأسباب المادية، وضعف الاستناد إلى رب البرية!

قال لوين بن جوين: لكن في الله الأمل، مع حسن الظن والعمل، والله لا يعذب الأحباب، وهو سبحانه غني عن التعذيب والعذاب، ولكن الباطل قد كثر حتى أزبد وأرعد، والحق انحسر حتى أبعد وأقعد!

قال كرين بن برين: صدقت، وبالحق نطقت؛ وإن بوادر الانحسار في الأفق لائحة، وسوانح الشفاء في الخلق واضحة.

قال لوين بن جوين: نسأل الله العافية والشفاء، ورفع الضر والوباء.
ونرجوا، أن تكون في هذه البلايا، رجوع البرايا، إلى القاهر القهار، القادر الجبار.

ونرجو، أن يكون فيما نزل؛ سبباً في صلاح القول، وإصلاح العمل، وبعداً عن الزلل، ونأياً عن الخطل، وحذراً من المطل.

ونرجوا، أن يكون سبيلاً لترك الصغائر والكبائر، وقلع الفواقر والبواقر، وقفل دور السينما والاختلاط، وغلق زور اللغط والانحطاط.


وأختم داعياً وشاكياً وراجياً: (اللهم إنه قد عظُمَ الخطْب، واشتدّ الكرب، وتفاقم الشر، وتراكم الضر، ولا إلٰه إلا أنت، بك المشتكى، وإليك الملتجى، وعليك المرتجى، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولاحول ولا قوة إلا بك العزيز الحكيم، العلي العظيم).

(اللهم لا راد لقضائك، ولا سخط على بلائك- أمرت فأطعنا، وابتليت فرضينا، فأمطرنا غيث إحسانك، وأذقنا برد رحمتك، وألهمنا جميل صبرك، وثبت قلوبنا على طاعتك، فلا عون إلا بك، ولا ملجأ إلا إليك، إنك أرحم الراحمين، وأعدل الحاكمين).

"إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"، وألقاكم في عفو وعافية إلى يوم الدين، وسلام الله عليكم في الأولين والآخرين.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤١/٨/٦
يوم الاثنين (الأهون الأوهد)، بمكة المكرمة -حفظها الله وسائر ديار المسلمين من كل مغرمة-.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق