الأحد، 9 فبراير 2020

عندما يُذَلّ العزيز!

عندما يُذَلّ العزيز!

رجعت الآن من المسجد.. مرّ بجواري رجل طويل القامة، نحيل الجسد، في الأربعين من عمره المرير- تقريباً.. حملق إلي وشزرني، فارتبت منه، لا سيما في هاته الأيام، ثم سألني سؤالاً غريباً، لم أفطن له!

دخلت البيت، وإذا بطارق يطرق الباب! قلت: اللهم طارقاً يطرق بخير!
خرج أبو النعائم، فوجد رجلاً، قال له: أريد أبا نعيم، خرجت، وإذا ذات الرجل، بيده ورقة؛ فرابني منه ما راب، وأخذني ما ناب وجاب!
قال لي -وهو منكس رأسه-: اقرأ، أنا فلان بن فلان، أسكن بالقرب منك!

أخذت الورقة، وانزوى الرجل في زاوية! قرأتها، وإذا فيها، شكوى ممضة، وحكاية مقضة.. يخبرني فيها، بـ: أنه أستاذ في (مدرسة ...) وهو أب لبنين وبنات، وللدهشة؛ لم أتبين عددهم!
يقسم بالله العظيم؛ أنهم لم يذوقوا طعاماً، منذ الصباح!

مشيت نحوه، وأنا مثقل الخطى، كسير الحال، مبلبل البال!
سلمت عليه، وأنا أسترجع وأحوقل، وإذا بالرجل يبكي بانتحاب! 
نعم، يبكي بكاء دموع!

بكيت لبكائه، وشجوت لشجوه، ونكست رأسي نحو الثرى، وشعرت بأني، أنا الذليل، وناولته نزراً نزيراً، على قدر الوسع والفسح!

حينها، تذكرت ما وجدته في بعض كتب الأدب: قبح الله الضرورة، فإنها توقح الصورة!
وزدت أنا: قبح الله الحاجة؛ فإنها ترقق الديباجة!

وقد صور هذا المعنى؛ عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فقال:
ألا قبح الله الضرورة، إنها؛ *** تكلّف أعلى الخلق، أدنى الخلائقِ!

وسبحان الله، قبل أن أقرأ محتوى ورقته.. قرأت في صورته: الفقر والفاقة، مع صدق ووداعة.. ولما دخلت البيت؛ سألت عن اسمه وسكنه؟ فأخبرت بتطابق ما خط وكتب. 

أقول: إن هذا الموقف، ليس بقصي عن أي فرد في العالَم، ولا نئي عن الخلق أجمعين؛ لأن دوام الحال من المحال، والأيام دوارة، والدنيا في تداول، والدهر قلّب! "فاعتبروا يا أولي الأبصار".
يا نفس كوني على الأهوال صبارة *** هذي صروف الدهر، والأيام دوارة

إن هذا الأستاذ الفاضل، لم يخطر بباله.. أن يصل إلى هذا الحال، فهو موظف لدى الحكومة، وكان يستلم راتباً شهرياً، يكفيه ذل الحال، ويقيه حر السؤال!
ولكن، الغلاء في سعار، والراتب متوقف أو شبهه، والحرب في ازدياد وأوار!
كلما قلنا: عساها تنتهي؟ *** قالت الأيام: هذا مبتداها! 

لم أسطع الكتْب؛ لفدح الخطب، واضطراب القلب، واستيلاء الكرب؛ لذلك، اُرتج علي، فتناثرت الكلم، واختلطت العبارات.. فجاء كلامي فدْماً عياً سمجاً.. ولكن يكفيني: صدق الشعور، وتصوير الموقف، ووصول الهدف.
وأختم، بـ "إنا لله وإنا إليه راجعون" هو وحده المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/٦/١٥ الساعة الثامنة مساء، بـ ح ي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق