الجمعة، 7 فبراير 2020

إزالة الغابشة في تعيين والد فاطمة وعائشة! أو: إزالة القاتمة في تعيين والد عائشة وفاطمة!


إزالة الغابشة في تعيين والد فاطمة وعائشة!
أو
إزالة القاتمة في تعيين والد عائشة وفاطمة!

كثيراً ما يمر بي في كتب التراجم والمشيخات، والبرامج والأثبات.. ذكر المسندتين الكبيرتين: فاطمة وعائشة ابنتا محمد بن عبد الهادي!

وكنت أظن آنذاك، أنهما ابنتا الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي.. بناء على أن حذف بعض أسماء الآباء من التراجم، من المتعارف، لا سيما إذا كان المحذوف مغموراً، والمثبت مشهوراً.

أقول: هذا ما كنت أحدس، ثم تاقت نفسي أن أتثبت من غور ذلك، وأقف على كنه ما هنالك.
فبدأت بحثي، ولكني فوجئت أني لم أجد -حسب اطلاعي- على من اسمها (فاطمة و عائشة) بنت محمد بن أحمد بن عبد الهادي!
فأدركت حينها، أن أباهما آخر، غير صاحبنا الشمس الحافظ الإمام!

وما يوقع في الإشكال، هو: تطابق اسم والدهما باسم صاحبنا، ثم زيادة اسم أحمد، ثم اتفاق نسبيهما تماماً؛ لأنه عمه!

فالحافظ، هو: شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن قدامة المقدسي الحنبلي  الجماعيلي.

ووالد المحدثتين، هو: شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن قدامة المقدسي الحنبلي  الجماعيلي.

ثم وجدت ما يزيح اللثام، ويزيل الركام..
قال تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي، تـ٨٣٢، -في ترجمة والد الشيختين-: "وهو والد شيختينا: فاطمة، وعائشة".
ينظر: (ذيل التقييد: ١/ ١٦٨).

وقال أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، تـ٨٥٢، -وهما شيختاه-: "فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصالحية، أم يوسف، كان أبوها محتسب الصالحية، وهو عم الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي ...".
قلت: فبان أن الحافظ ابن عبد الهادي، ابن عمهما.
وكأنهما -الفاسي والعسقلاني- حدسا إلى لبس وغموض، فأكدا ووكدا.
وقد رويا غليلي، وشفيا عليلي، فجزاهما الله خير الجزاء وأوفاه، وأجزله وأكفاه.

ثم بعد هذا الكشف من الحافظين الماهرين.. عدت إلى التاريخ (والتاريخ: كشف وكاشف وكشاف) ولم أتنبه وقتها، للتاريخ؛ اكتفاء بالشهرة!
فوجدت أن فاطمة قد ولدت سنة ٧١٩، وولادة عائشة كانت سنة ٧٢٤، والشمس الحافظ ابن عبد الهادي، ولد سنة ٧٠٤!
أي: عندما ولدت فاطمة، كان عمر الحافظ خمسة عشرة سنة، وحين ولادة عائشة، كان عمره عشرين سنة!
فكان رواء أنفع للغلة، وشفاء أنجع للعلة!


وهذه ترجمة مختصرة لكل منهما، ولوالدهما:
أما الوالد..
فهو: شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن قدامة المقدسي، محتسب الصالحية، وبهذا عرف وشهر.

سمع على الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد مشيخته، تخريج ابن الظاهري.
ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ٧٤٩.
ينظر: (ذيل التقييد: ١/ ١٦٨) و (الوفيات: ٢/ ٦١) لابن رافع.


وأما فاطمة..
فهي: فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسية ثم الصالحية، أم يوسف.

ولدت سنة تسع عشرة وسبع مئة، (٧١٩) وسمعت الكثير على أحمد بن أبي طالب الحجار، وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي، ويحيى بن سعيد وآخرون من الشام، وحسن الكردي، وعبد الرحيم النشاوي وآخرون من مصر.

قرأ عليها ابن حجر كثيراً من الكتب والأجزاء بالصالحية.
قال: "ونعم الشيخة كانت، ماتت في شعبان، سنة ثلاث وثمانمائة، (٨٠٣) وقد جاوزت الثمانين".
ينظر: (إنباء الغمر: ٢/ ١٨٠) و (المجمع المؤسس: ٢/ ٣٥٠).


وأما أختها..
فهي: عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد ابن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسية ثم الصالحية.

ولدت سنة أربع وعشرين وسبعمائة، (٧٢٤) وأحضرت في الرابعة على أحمد بن أبي طالب الحجار، وسمعت عليه أربعي الطائي، وأربعي الحجار وغير ذلك، وأسمعت صحيح مسلم على جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم، ومعظم السيرة على عبد القادر بن الملوك.

وشاركت أختها فاطمة في كثير من المسموعات والمجازات، وتفردت، وممن أجاز لها: إبراهيم بن صالح بن العجمي من حلب، والشيخ شرف الدين البارزي من حماة، والبرهان الجعبري من بلد الخليل، وعبد الله بن محمد بن يوسف من نابلس، وسمع منها الرحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الإسماع، سهلة الجانب. ومن العجائب: أن ست الوزراء كانت آخر من حدثت عن ابن الزبيدي بالسماع، وماتت سنة ست عشرة وسبع مائة. (٧١٦)
ثم كانت عائشة.. آخر من حدثت عن صاحب (ابن الزبيدي) أبي العباس الحجار بالسماع، وبين وفاتهما مائة سنة!

قرأ عليها ابن حجر كثيراً، وأجازت لأولاده: زين خاتون، ورابعة، ومحمد.

ماتت في ربيع الأول، سنة ست عشرة وثمان مائة" (٨١٦)
ينظر: (إنباء الغمر: ٣/ ٢٥) و (المجمع المؤسس: ٢/ ٣٥٠).


وذكر الفاسي، في (ذيل التقييد: ٢/ ٣٦٥): امرأة أخرى، تسمى: دنيا بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية.
ولم يذكر لها ولادة ولا وفاة ولا أشياخا!
قلت: ويظهر توافق اسمها مع اسمي: عائشة وفاطمة؛ فلعلها أختيهما. والله أعلم.


قلت: وهذه الأسرة العلمية.. غصن من دوحة المقادمة المقادسة الباسقة الواسقة، التي شمرت للعلم، وكابدت في سبيله، حتى بدّت غيرها، وبزّت من سواها.
وأصلهم من جمّاعيل بـ نابلس، ثم ارتحلوا منها، بسبب تسلط النصارى، في أول رجب، سنة ٥٥١، وكان أول المهاجرين، شيخ المقادمة وكبير المقادسة: الشيخ أحمد بن محمد ابن قدامة.
وكانوا كلهم على مذهب السلف في الاعتقاد.
وهم كثيرون، ومن كثرتهم.. ترجم إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، تـ٨٨٤؛ ترجم في (المقصد الأرشد) لنحو خمسين عالماً منهم، فـ "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

هذا ما صار وكان، من الإشهار والبيان، لهاته الأسرة الآسرة بالعلم، والمُسرة بالفهم، رحمهم الله وغفر لهم، وأسكنهم فسيح الجنات، وسقى بقعتهم صيب الودقات.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٤١/٦/٤
الساعة الثانية بعد منتصف الليل من ليلة الخميس. ح ي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق