الاثنين، 3 فبراير 2020

قراءة في "الرحلة الحجازية" لليوسي.. الرحلة العجيبة، والسفرة الغريبة!

قراءة في "الرحلة الحجازية" لليوسي.. الرحلة العجيبة، والسفرة الغريبة!


قرأت (الرحلة الحجازية) لأبي علي الحسن بن مسعود اليوسي، تـ١١٠٢، بعناية عبد المجيد خيالي، ومراجعة وتقديم أحمد شوقي بنبين..
قرأتها في جلسة اختلستها من غير الزمان، وتسنمتها من نوائب الحدثان، بعد أن هجعت العيون، وأطبقت الجفون، وتلاحمت الشؤون، وتلاطمت الشجون.. روّحت بها عن روحي مما أمضها، ونفست عن نفسي مما أقضها.. فسلا الخاطر، وقرّ الفؤاد، وانشرح الصدر.
والحمد لله على جليل نعمه، وجميل مننه، ولطيف حننه، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه لا رب سواه، ولا إله غيره.

فأقول -وبه أستعين، وله أستكين-: الرحلة الحجازية.. هي رحلة قام بها العلامة الحسن بن مسعود اليوسي، واصطحب معه ابنه محمد، ومعهم جمع من المغاربة.. قصدوا في رحلتهم زيارة البيت الحرام، ويمموا صوب من تهفو إليها الأنام.

وسبحان الله، كيف يتمزع الإنسان شوقاً إلى تيك البقاع، ويتمعط حزناً على تلك الرباع، ويتقطع ألماً على ذياك التلاع.

ولعل هذا، هو إجابة دعوة الخليل إبراهيم عليه السلام، في إخبار الله عنه: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم".
قال ابن كثير: "فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار".
(تفسير القرآن العظيم: ٥/ ٤١٤)

يا كعبة الله الشريفة اشرقي *** للطائفين وحلقي بسماكِ

النور في مبناك باهر *** والعلم والتوحيد في معناكِ

وقد كان الواحد من المتقدمين إذا أراد سفر الحج؛ أعد العدة من سنين؛ لأنه سيمكث في سفره سنينا!
ولا يصبر على بلوى السفر ولأوائه إلا قوي القلب، صلب البدن، حديد الصبر، شديد الحمل.

شوقي إلى الكعبة الغراء قد زادا * فاستحمل القلص الوخادة الزادا

-واسمعوا إلى صاحبنا، مشيراً إلى وعثاء السفر ووصبائه، وهوله ونكبائه، حيث يقول: "وهذه الطريق لا بد فيها من زين وشين، وخشونة ولين، وفرح وقرح، وغنى وعنی، ... والعيد على الغيد، والنعيم للمقيم، والغريب لا يطيب، إن الزعفران عطر العذاری، وغبار الطريق عطر الرجال"!

-ويقول: "ومن أراد أن يكون كذلك.. فعليه باقتحام هذه المسالك، ويتجلد لهذه المهالك، ویری ویشم، ويخفض ويرفع، ويجوع ويشبع، ويعز ويذل، ويكثر ما لديه ويقل، والله تعالى هو الموفق والمعين".

-ويقول: "فإذا حصلت صحة القلب، وقوة الذهب، ومزجتا بقوة الرب..
فحينئذ يشفى الكرب، وتنال الرغب،  ويكمل الطلب، وفي الله الكفاية والرجاء، وإليه سبحانه الملتجا، وليس هذا مخصوصاً من مصر، وإنما هو من أول الأمر، وابتداء السير، وإلا فارقد في بيتك، واغتنم راحتك ودعتك، ولا تتكل على ما ليس في الحمل، فإنه قيل: (اعقلها وتوكل) وبذلك أمر الله تعالى: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، ومن حدثته نفسه أن يبلغ أرض الحجاز، بالخريطة والعكاز، فقد أكذبته نفسه وهو آثم، ويخلف لا قاعد ولا قائم، ويندم حيث لا ينفعه الندم، ويكو بين الوجود والعدم، والعدم أقرب إليه، والوصول أبعد عليه، وهذا ما شهدنا ورأينا، لا ما سمعنا وظننا، والله تعالى يبلغ الأمنية، ويصلح النية بالنبي وصحبه، وآله وحزبه.(١)

إذا امرؤ لم يركب الأهوالا *** ولم يقاس الهم والأثقالا

فأعطه المرود والمكحالا *** وعدّه من أهله عيالا!

-ويصلح هنا، أن أتمثل ببعض أبيات للعلامة جار الله محمود، حيث يقول:
سيري تماضر حيث شئت وحدثي *** أني إِلى بطحاء مكة سائرُ

حتى أنيخ وبين أطماري فتىً *** للكعبة البيت الحرام مجاورُ

يا من يسافر في البلاد منقباً *** إني إلى البلد الحرام مسافرُ

سأروح بين وفود مكة وافداً *** حتى إذا صدروا فما أنا صادرُ


وبعد، فهذه قراءة عابرة لهاته الرحلة الشاقة الحاقة:
*يظهر في الرحلة.. المنزلة العلمية الرفيعة التي وصل إليها العلامة الحسن اليوسي؛ فإنهم لا يكادون ينزلون منزلاً إلا وتهفو نحوه الأفئدة، ويقصد من جميع الأصعدة؛ للفتيا والقراءة والإجازة والاستفادة.

-فقد التقاه الفقيه محمد بن أحمد بن محمد، الملقب، بـ المكنى، وأنشده قصيدة حافلة بالألقاب العلمية، بل جعله مجدد ذلك العصر، ثم طلبه الإجازة له ولبعض أصحابه من أهل بلدته.
قال فيها:
أعالم أهل الأرض في كل ما قطر *** وعلامة الدنيا جميعاً بلا نکرِ

وقدوة أرباب الهداية والتقى *** مجدد دين الله حقاً بذا العصرِ

أيا شيخنا اليوسي یا شیخ وقته *** وعمدة أقطاب الوجود بذا الدهرِ(١)

مقيد هذا، المكنى محمد *** يحبكم سراً وفي ظاهر الأمرِ

يؤمل منكم أن تجيزوه بالذي *** رويتم وروّيتم من العلم والذكرِ

وإن لم يكن أهلاً لما رام منكم *** فإنكم أهل المودة والخيرِ

ومهما تفضلتم بذاك فعمموا *** لإخواننا في الله من أهل ذا المصرِ

كمثل ابن عفان المعظم قدركم *** وذكركم عبد السلام أخا البرِ

كذلك إبراهيم وهو ابن مصطفی *** كذلك سحبان أخي سالم الصدرِ

كذا علي وابن منصور الرضى *** وسائر أعواني على الخير والبرِ

كذاك علي عين أهل سفاقس *** وفاضل من فيها الملقب بالنورِ

فبالله، خذ يا سيدي بخواطري *** على ما ترى نظماً، وإن شئت بالنثرِ

فلا زلت مأوى للفضائل ترتجى! *** ولا زال نهر المجد في أرضكم يجري


-فلما تأملها سيدي الوالد، دفعها إلي، وأمرني أن أجيزه عن إذنه -حفظه الله ورعاه-، فكتبت له  هذه الأبيات:
أيا سيداً قد حاز كل فضيلة *** وعمم بالنعماء والفضل والبرِ

ويا محرز المجد الذي فاح نشره *** وملجأ هذا القطر في فادح الأمرِ

محمد المكنى ابن عالم عصره *** محط رحال الفاضلين مدى الدهرِ

وقد بلغت تلك المعاني کأنها *** حلی زانها الصواغ من خالص التبرِ

وما رمته منا فأهلاً ومرحباً *** وإن لم أكن أهلاً فملتمس العذرِ

أقول وحمد الله أول منطقي *** وذخري ذكر الله في السر والجهرِ

أجزت لكم في كل ما قد رويته *** وما قلت قيل من نظام ومن نثرِ

كذا الرفقاء الماجدون تعمهم *** إجازتنا من قاطنين بذا المصرِ

كذا الماجد النحرير عين سفاقس *** أبو الحسن النوري ذو المجد والفخرِ

وحدثتكم في ذاك عن شيوخنا *** ذوي العلم والعرفان والفضل والقدرِ

ومن شاء يستحصي ففهرس لنا *** تضيء بهم كالأنجم الطلع الزهرِ

على شرطها المعتاد في كل ذروة *** من الفهم والتحصيل والصدق في الذكرِ

فنسأل رب العرش أن يبلغ المنى *** ويصلح شأن الطالبين ومن يقري

بجاه النبي الهاشمي محمد ***  علیه سلام عاطر طيب النشرِ

وأصحابه والآل طراً وصحبه *** عليهم سلامي سرمداً دائم الذكرِ (٢)

فكتبت تحتها: وكتب عن إذن أبيه فلان بن فلان، فوقّع تحتها ما نصه: صحيح ذلك، وكتب الحسن بن مسعود اليوسي كان الله له.


-وقفة: عندما قرأت أبيات الفقيه المكنى، وحرصه على مشاركته الاستجازة بعض صحبه.. لما قرأت ذلك؛ سما في نفسي، ونبا في عيني؛ إذ كبرت نفسه حتى يشارك من لم يحضر فضل من حضر، ولم يحتجز الفضل لنفسه، ويخفيه عن بني جنسه!
كما هو غالب صنيع أهل زمننا الغابر؛ بل إن بعضهم يكذب حتى يدرك التفرد بالرواية، وهو خاوي الدراية!
قلت: وما يفعل هاته الأفعال، إلا صغير النفس، ضعيف الإيمان، قد طبعت الأثرة على قلبه، وقضت على لبه، "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله".

-وممن التقاه: الشيخ محمد الخرشي -شارح مختصر خليل-؛ فقد جاء إليه، وقرأ عليه ورقات من صحيح البخاري، وأجازه، ولما رجعوا من الحج، وجدوه قد مات -رحمه الله وغفر له-.


*ومن ذلك: أنه كثيراً ما يذكر توسلات بدعية، واعتقادات عجيبة في المشايخ والصالحين، والتبرك بهم!
-لما وصلوا مصراتة، قال: "وهذه هي بلاد الولي الصالح المتبرك به حياً وميتاً! القطب سيدي أحمد زروق، نفعنا الله تعالى به"!

-بل حكى عن بعض الناس: أنهم يذبحون شاة، ويمزقونها شذر مذر، ويرمونها في البحر؛ وقاية من الغرق. ولم يعقب!

-وهو كثيراً ما يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وآله.
وحاق الأمر: أن الوسائل في الدعاء توقيفية؛ لأنها في حكم الدعاء، وهو عبادة، كما جاء في الحديث الصحيح: (الدعاء هو العبادة)، فلا يجوز التوسل إلا بما صح وثبت، ولم يثبت التوسل بجاه الأنبياء أو الأولياء أو الصلحاء ونحوهم.


*ومن ذلك: أنه يذكر المناطق التي ينزلها، ويحكم عليها وعلى أهلها ومياهها: مدحاً أو قدحاً..
-فلما ذكر مصر، ذكر أنها خالية من العلم سوى الأزهر!
قال: "وليس في مصر من المساجد المشهورة للإقراء سوى جامع الأزهر، والغير لا تكاد تجد فيه مجلساً للعلم أصلاً، وما كنا نسمعه قبل مشاهدتنا وحضورنا هذه البلد من إفشاء العلم والحث عليه، وكثرة العلماء والمتعلمين، وتعاطي الفنون ومداولتها.. لم نر شيئاً من ذلك، إما لدثوره وانقراضه بموت أهله -كما في الحديث الشريف- وإما لهراء المارين بهذه البلاد، وهدرهم وكذبهم وافتخارهم، بكونهم لقوا أهل العلم والصلاح"!

-وقال: "وأما أحكام القضاء في هذه البلاد، والوقوف على الحدود والفصل بحكم الله وشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وامتثال أمر الله.. فذلك غير موجود، والموصوف بذلك عديم ومفقود".

-وقال: وهذا دأب قضاة القاهرة أيضا. (أعط الفلوس واقطع الرؤوس)!

-ثم اتجه إلى مدح المغرب، فقال: "وما زال التمسك بالسنة المحمدية بمغربنا، -والحمد لله-، وظهور الحق والعدل، وتغيير المنكر وإخفاؤه لمن ابتلي بشيء من ذلك، بخلاف هذه البلاد -والعياذ بالله-، لا حياء ولا خفية، ولا يعيب أحد لأحد فعلاً، فديار الخمر الصراح مشهورة وسط أسواق المسلمين، وديار البواغي كذلك -قبحهم الله وقبح سعيهم- أخرجنا الله منها في الحين، وجعلنا من السالمين، وحفظنا بمنه، آمين".

-ثم كر إلى مدح حمامات مصر، فقال: "والحمامات أيضاً أكثر مما يحصى ويُعد، وجزاهم الله خيراً عن فعلهم في الحمامات، فإذا دخل الإنسان يعطونه مئزرين، ويدخل فيجد بيتاً وحده، وفيها الماء الحار والبارد، فإذا خرج لبسهما أيضاً، فيكون في جميع أحواله مستوراً".

-ثم فر إلى ذم المغرب، فقال: "وأما حمامات المغرب.. ففيها المناكر المفضوحة من كشف العورة، وعدم مبالاتهم بذلك، وازدحامهم على برمة الماء وهم عراة، وينظر بعضهم إلى بعض، فهذا فعل شنیع قبيح".

-وذم أهل مكة، فقال: "واعلم أنه مما يؤذيك في الطواف.. أهل مكة؛ فإنهم لا يتركون لك رأياً ولا عقلاً، وتراهم يتسابقون إلى الحُجاج، ويطوِّفونهم ويطلبون منهم الفلوس، ومن أراد أن يطوف بنفسه، ويستفرغ قلبه لذكر الله وعظمته، ويستحضر نيته، فلا يتركونه أو ينغصون عليه!
وكنت أقاسي منهم العناء التام حتى إني إذا تعلق بي أحد منهم.. أعطيته؛ ليفارقني، و هيهات.
والحاصل: لا تنجو منهم إلا بعد انصرام الحياء، وقبح الوري!، فيا لها من بلية فظيعة، تجد الرجل لا يقدر أن ينظر إلى ما فوقه هيبة وحياء من تلك الأماكن الشريفة، ولا يزالون به حتى ينطق بغير اختيار، ويبدي النفار والفرار!
وبهذا وصفوا أهل مكة، فقد نقل الغزي -نزيل مكة المشرفة في كتابه- قال الشيخ مظفر الأمشاطي:
"أهل مكة: عندهم أنفة وكبر وحسد، والكذب فاشٍ بينهم، والنميمة والخداع، والطمع فيما في أيدي الناس، والبغض للغريب، إلا أن يكون مع الغريب شيء من الدنيا
هم عبيد له حتى يسلبون ما معه، ثم يلمزونه بالسوء، ويسلقونه بألسنة حداد، وقد أنشد بعضهم فيهم قوله:
لا تنكرون لأهل مكة قسوة *** والبيث فيهم والحطيم وزمزمُ

آذوا رسول الله وهو نبيهم *** حتى حماه أهل طيبة منهمُ"!

ثم ثنى بمدح أهل المدينة، فقال: "وأما أهل المدينة.. فمخالفون لهم، في كونهم يغلب عليهم الترحم، وحب الغريب ومواساتهم، والإحسان إليهم، وفي طبعهم الجود والكرم، "يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"".

-وذكر أن الترك: يجعلون الناس بين أيديهم كالذباب أو كالكلاب!

-وقال عن طرابلس: "طيبة الهواء، مسلية للخاطر، منشرحة للصدر، وأكثر أهلها الترك.
قال: وذكر لنا الثقات: أن فيها ثلاثة مساجد، وثلاثمائة خمارة"!

-وقال -عن نساء عين ماضي-: "وقد خص الله تعالى نساء هذه البلدة بحسن وجمال، لا يكاد يوجد في غيرها، وهم ينتسبون للشرف".

-وذكر عن صنهاجة، أنهم: لم يلقوا فيها داراً ولا جاراً، ولا منزلاً ولا قراراً، فبئست القرية، وأما ناسها فكأنهم خشب مسندة!
قال فيها:
فلو أبصر الشيطان صورة وجهها *** تعوذ منها حين يمسي ويصبح

-وقال عن تمززيت أولاد عباد: "وهي بلدة قليلة، خالية من شياطين الإنس، وأهلها همج مسلمون، لا ينفعون ولا يضرون"!

-وقال عن بسكرة: "وليس فيها من يضيف ولا من يقري"!

-وذكر أنهم منذ جاوزوا تازة.. ما رأوا أهل العقول والصلاح والكرامة!

قال أبو نعيم: والذي أراه -والله أعلم-، أن إطلاق المدح أو الجرح لبلدة كاملة بأهلها وما فيها؛ غير متوجه؛ وذلك لاستحالة الإحاطة، وتغير الأزمان، وتبدل بني الإنسان، فهي أحكام أشبه ما تكون بالفردية! والله أعلم.

*ومن ذلك: نقد الوالد العلامة لبعض الأشعار الغالية، والأفعال الخاطئة..
-مثل: نقده قول القائل:
يا ابن الأكارم من عدنان قد علموا *** وتالد المجد بين العم والخالِ

أنت الذي نزل الأيام منزلها *** وتمسك الأرض من خسف وزلزالِ

وما مددت مدى طرف إلى أحدٍ *** إلا قضيت بأرزاق وآجالِ

فقال: "قد والله أخطأ الشاعر، هذا من خواص الباري سبحانه وتعالى، هلا قال:
يا مالك الملك يا من لا شريك له ***  یا بارئ الخلق من سفل ومن عالِ

أنت الذي تنزل الأيام منزلها *** وتمسك الأرض من خسف وزلزالِ".


-ونقد بعض أفعال بعض الحجاج، كإيقادهم الشموع على ظهور الجمال في الوقدة، فحكم ببدعيتها.

-ونقد تولي المرأة، قال: "ونزلنا بموضع منها يسمونها: غابة ابن علوش، وسبب نزولنا: أن امرأة يقال لها: أم النون بنت بنو عكازة، ولها ولد يقال له: الكدوم، وأبوها كان ملكاً في قومه، ثم مات، وتولى الملك بعده ابنها، وهو الموجود الآن، وهي أيضاً ملكة، فأرادت أن تحج معنا، فحصرت الركب، فأقام عليها، فجاءت عشية النهار بالطبول والمزامر، وخيلها ورماتها، فضربت لها قبة من حرير ونزلت، وما رأيت أقلّ من هؤلاء الناس عقلاً وديناً وأمانة وتمييزاً.
ويدل على ذلك: تملك المرأة عليهم، وانقيادهم لطاعتها، حتى إنها تفعل فيهم ما أرادت، وقد قال عليه السلام: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) ولا يلقاك أحد منهم، إلا وترى الخيانة في عينيه".


*ومن ذلك: أنه كان يعرّج على بعض المسائل والأحكام، كأحكام الحج والعمرة، والتنبيه على بعض البيوع.

-ومن ذلك: ذكره بعض التنبيهات الجغرافية والمعرفية والعبادية..
ذكر أن الميقات في زمنه.. في رابغ، ولم يعد الناس يعرفون الجحفة التي هي الميقات المحدد في الشرع، بل ليست على ممر الحاج، قال: "والحاصل أن العمل جرى برابغ حتى لا تجد من يعرف الجحفة، ولا من يخبرك عنها".

-وذكر أنه يقال: أن أهل الكهف في منطقة النكيزات، وأن هناك آثار البنيان العتيق، ولا ماء فيها، ووصفها بالقبح والصلابة!

قلت: لعله يعني بذلك، ما ذكره ابن عاشور، في قوله: "ويوجد مكان بأرض سكرة، قرب المرسى من أحواز تونس، فيه كهوف صناعية، حقق لي بعض علماء الآثار من الرهبان النصارى بتونس: أنها كانت مخابئ لليهود يختفون فيها من اضطهاد الرومان القرطاجنيين لهم.
ويجوز أن يكون لأهل كلتا الملتين، اليهودية والنصرانية، خبر عن قوم من صالحيهم، عرفوا بأهل الكهف، أو كانوا جماعة واحدة ادعى أهل كلتا الملتين خبرها لصالحي ملته، وبني على ذلك اختلاف في تسمية البلاد التي كان بها كهفهم".
(التحرير والتنوير: ١٥/ ٢٦٤).

قلت: ولا يعرف -والله أعلم- على وجه التحديد، مكانهم ولا زمانهم..

قال الفخر الرازي في (تفسيره: ٢١/ ٤٥٣) -بعد أن ذكر عدة أقوال في تعيين زمانهم ومكانهم-: "العلم بذلك الزمان، وبذلك المكان.. ليس للعقل فيه مجال، وإنما يستفاد ذلك من نص، وذلك مفقود، فثبت أنه لا سبيل إليه".

قلت: وحدد بعض المؤرخين.. يقول ابن الأثير: "كان أصحاب الكهف أيام ملك اسمه: دقيوس، ويقال: دقيانوس، وكانوا بمدينة للروم اسمها: أفسوس، وملكهم يعبد الأصنام ... وكانوا من الروم، وكانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، وكانت شريعتهم شريعة عيسى عليه السلام.
وزعم بعضهم: أنهم كانوا قبل المسيح، وأن المسيح أعلم قومه بهم، وأن الله بعثهم من رقدتهم بعد رفع المسيح، والأول أصح".
(الكامل في التاريخ: ١/ ٣٢٥).

-وذكر أن قرى الحجاز كلها.. أخصاص، وبنيان قليل!
قلت: أما اليوم، فعمائرها تناطح الجبال، بعد أن كان اعتمادهم على الجمال!

-ونبه أن وادي فاطمة هو مر الظهران.
قلت: وفاطمة، هي زوجة بركات بن أبي نمي -أحد حكام مكة المكرمة- لا كما يظن البعض، أن المقصود: فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.

-وأفاد أن باب بني شيبة.. هو باب السلام عند العامة.

-وأفاد أن مسجد نمرة.. بناه علي بن أبي طالب.
قلت: وقد يسمى: مسجد عرفة، ومسجد إبراهيم خليل الرحمن. -كما عند الأزرقي-.

-وذكر أن العمل في عهده جاري على التعجيل في المبيت بمنى، ومن أراد أن يزيد المبيت مخالفاً للناس؛ فإنه يخاف على نفسه وماله.
قال: "وقد كنا أردنا ذلك، فلم يتمكن الأمر، ولم يوفق أحد على ذلك"!

قلت: أما اليوم، فلعل كلا الأمرين يستويان: التأخر والتعجل، ولم يعب فعل أحدهما.

-وذكر أن كراء الديار في أيام الحج.. غال كثير، ومن لم يقدر على الكراء، يبني خيمته بـ باب الشبيكة، إلا أن السرق هناك كثيرون مع التحفظ.

-وذكر أن عنب وسفرجل ورمان الطائف من وادي العباس، ليس لذلك نظير في الدنيا أصلاً بلا ارتياب إلا أنه لا يشبعه إلا من كثر رياله، وقوي نواله!

-وذكر أن "ماء زمزم يتركك خاوي الركبتين والضلع، بادي الأنين والوجع، ضعيف الحركات، أصفر الوجنات، وذلك كله خير وشفاء من كل ضر"!

-وذكر أن ميزاب الكعبة.. صنعه السلطان أحمد بن محمد ابن السلطان مراد، وهو من فضة مموه بالذهب، منصوب فوق الحجر، وذلك سنة اثنتين وعشرين وألف (١٠٢٢)، وأخذ الميزاب العتيق، وهو الآن في خزائنهم بالقسطنطينية الكبرى يتبركون به".

-وذكر طواف الوداع، وقال: "واعلم أنه لا هدي على من تركه، بخلاف طواف القدوم، فعلى من تركه هدي، والله أعلم".

قلت: طواف الوداع واجب في قول الجمهور، وعلى تاركه فدية دم، سواء كان تركه لعجز أو نسيان أو سهو، ولا يعذر في تركه إلا الحائض.

-وقال -عن الحجر الأسود-: "ومن يطمع أن يجده خالياً فهو خال، ولكن مع هذا الزحام كله، واجتماع الخلق إليه من كل فج عمیق، فلكل نصيب، فمن رأى تخالف الخلق عليه، وازدحامهم.. ييأس من البلوغ، ثم لا يشعر حتى يقبله ويصدر مجبور الخاطر، ولله الحمد والمنة".

قلت: وهذه آية ظاهرة في بركة ذاك المكان الطاهر، الذي وطئه الأنبياء والصحابة، والأنقياء والقرابة.


*ومن ذلك: ذكره بعض عجائب وغرائب المياه والأرواح والموت والغارات..
-فمن أنواع المياة:
ماء دفنة، مثل اللبن لوناً وطعماً!
وثان: ماء يورث الحمى.
وثالث: ماء يقطع الأكباد.
ورابع وخامس: ماء عذب فرات، وماء مر أجاج، وهما قريبان من بعضهما.
وسادس: ماء يغلي كالقدر.
وسابع: ماء يستنبط بذراع، وماء يستنبط بأربعة حبال.
وثامن: ماء شربه يورث الهم والغم لا ينساغ بوجه ولا حال.
وتاسع: ماء يسهل البطن إسهالاً مفرطاً مضراً.
وعاشر: ماء من شربه وهو في صحة واعتدال، نفعه، ومن شربه وهو في ضعف وهزال، قتله.
وحادي عشر: ماء يقتل الإنسان كالسم الناقع.
وثاني عشر: ماء يفسد المزاج.
وثالث عشر: ماء يورث الكسل.
ورابع عشر: ماء يحرق لحرارته، وبجانبه ماء بارد.
وخامس عشر: ماء أمرّ من الحنظل.

-ومن أنواع الرياح:
ذكر ريحاً تحرق الفؤاد، وتمزق الأكباد، في مورد التميمي بالقرب من درنة، فإذا شرب الإنسان سقط على الفور!
وثانية: ريحا تخرج من البحر كريح الفرن، وقد أغشي على كاتب هذه الرحلة من الظهر إلى الليل.
وثالثة: ريحا كالنار، في وادي النار، من أصابته يلتوي عنقه ويخر صريعاً، وأمره والده أن يلبس ثياباً غليظة ثقيلة، وكان إذا ظهر من جسده شيء تحرق، ومات بهذه الريح سبعة عشر مائة جندي!
وكان هناك طبيب تركي يعالج من هذه الريح، بدقيق الفول ملتوتاً بالماء، فسأله كاتب الرحلة، فقال: إن هذه الريح تمزق في الفؤاد، فتحدث ثقباً في الرئة، فإذا شرب من هذا الفول، انسدت تلك الثقب فلا يضره شرب الماء بعد ذلك، وإذا شرب الماء وحده مات في الحين.
ورابعة: مثل هذه الريح، وهو ريح ناري في كركارش، ومات جراءه من الناس والإبل الكثير.
وخامسة: ريحا شرقي.. أذهب الماء، ونشف القرب، فترى القربة مشدودة ممتلئة، كما هي، فإذا فككت عفاصها لم تلق فيها إلا الريح، والجلد الصحيح" وذلك في مفازة مقطع الكبريت.
وسادسة: ريحا تقلع الثوب عن صاحبه، وتذهب به كرهاً، وكثير من الناس بلغ الدار عرياناً، وضل في هذه الريح خمسة وعشرون رجلاً فلم يظهر لهم أثر، ولا بلغ عنهم خبر!

-ومن الغارات:
ذكر أنهم رأو على شاطئ النيل قبالة بولاق نحواً من أربعمائة فارس، أظهروا أنهم يلعبون فرحاً بالحجاج، والكيد معرب عنهم، وما قهرهم إلا الرصاص والخوف من الموت.

وأخبر، أن هؤلاء قد يقتلون ويمثلون أشر ما يكون.

وهؤلاء القطاع النهاب السراق.. عانوا منهم في أكثر من موطن، ولكن دحرهم الله وقهرهم.

وذكر عن بعض الأماكن: أن فيها لصوصاً ماهرين، يقول عن أهل دمّد: يسرقون النوم من الأجفان!
وقال عن أهل تاجورة: فإنهم يسرقون هدب الأشفار!

-ومن الموت:
عجائب موت كثير من الحجاج بسبب الأوبئة القاتلة، والجوع والعطش، والرياح والأتربة القاضية
ففي ريح واحدة.. مات سبعة عشر مائة جندي!
وفي ريح كركارش.. مات جراءها من الناس والإبل الكثير.
وعلى كل، ففي هذه الرحلة، قد "مات من الناس، ما لا يعد ولا يحصى: عطشاً وحراً، وسيراً قوياً"


قلت: وقد طالت رحلتهم حتى ملّوا السفر، وملهم السفر، وتكبد أهليهم آلام الشوق، وأسقام الجوى..
فها هو أحد إخوته، يرسل بقصيدة كلها تولع وتلوع، وشوق وتباريح.

قال كاتب الرحلة: "ومن جملة ما كتبه إلى الأخ الشقيق الولي الرفيق:
كتبت ودمعي واكف يترقرق *** يجم على إنسان عيني فيغرقُ

وصار السهاد آلف العين واصطلى *** لظى البين قلب في جواه يحرقُ

ولم أر كالبين الممض مهنداً *** وثيئاً به بين الجوانح يرشقُ

إلى الله أشكو ما ألاقي من الأسى *** ومن عصبة دمعي بهم يتدفقُ

فواجري ماذا أجنّ من الجوى *** ومن عظم الشوق الفؤاد يمزقُ

أعد الليالي ليلة بعد ليلة *** كما قال قبل العامري المموقُ

أخي وابن أمي بنتَ عني فلم أجد *** سلّواً وباب الصبر عني مغلقُ

وخلفتموني مفرداً لا أنيس لي *** ولا واجداً خلاً به أترفقُ

وسرتم وسار القلب نحو مسيركم *** فجسمي مغترب وقلبي مشرقُ

أقول -وقد سالث من العين عبرة-: *** متى يجمع الشمل الشتيت المفرق؟

فأسأل رب العرش تعجيل أوبة *** لكم دون ما سوء یکون ويعلقُ

فنعطى مطالباً، ونقضي مآرباً *** ونكفى مراهباً بشيء وتغلقُ

علیکم سلام الله ما ذر شارق *** وما ناح قمري بروض مطوقُ

سلام كعرف المسك طاب له الشذا *** يصبك منه حيثما کنت ریّقُ


قلت: هذه بعض القراءات والتقييدات لهذه الرحلة المتعبة الملغبة، التي أتعبتني وأنا قاعد على فراشي، وبين يدي أهلي وأطفالي؛ لأني كنت أسير معه بقلبي، وأتوقف إذا وقفوا، وكأني أشاركهم النجود والأعناق، وأشاطرهم الظفر والإخفاق -أظفرنا الله بمنه وكرمه-.

وقد استغرقت رحلتهم من يوم خروجهم من ديارهم إلى رجوعهم إليها؛ عشر سنوات وسبعة أشهر إلا خمسة أيام!

فقد خرجوا أول ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وألف ١٠٩٢، ثم توقفوا، ثم ابتدؤوا الرحلة من تمززيت، يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الأولى عام أحد ومائة بعد الألف.
ورجعوا يوم الأحد الخامس والعشرين من شوال ١١٠٢.

فـ لا إله إلا الله.. من أجل حج أيام؛ تصرمت من أعمارهم أعواما، وأنفقوا أموالاً ضخاما، ولاقوا أهوالاً عظاماً!
إنه الإذعان للواحد الديان .. إنها الاستجابة لداعي الإنابة .. إنها التقوى الذي تورث القوى .. إنه الاستشعار بعظمة الآمر، التي تتقطع في سبيله المرائر!
ألم يقل خبيب بن عدي:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزعِ


فيا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، هب لنا قوة من عندك، تغنينا وتكفينا وتؤوينا وتحمينا وتهدينا وتقينا، أنت ولينا، فاغفر لنا وارحمنا، وأنت أرحم الراحمين.


وهذا ملخص الرحلة إجمالاً، بذكر مواطن نزولهم، وتسمية طرقهم، دون التعريج على تفاصيلها؛ لأنها قد تقدمت تضاعيفها:
وصلوا مراكش أول ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وألف، وسلكوا طريق رباط سلا، ثم رباط آزمور، وبعد ثلاث سنين رحلوا منها يوم الإثنين لثلاث بقين من صفر لقرية الزاوية البكرية، وخرجوا منها يوم الإثنين أوائل رجب عام ١٠٩٨هـ، ونزلوا بشعاب حمود، ورحلوا منها أول صفر إلى قرية صنهاجة صفرو، ونزلوها يوم الأحد التاسع من الشهر، ثم رحلوا منها يوم الأربعاء أواسط جمادی الثانية عام مائة وألف، ونزلوا فاساً يوم الخميس من غده بدار علي بن رحمون بدرب العلوج بالطالعة، ولها باب ينفذ لدرب السراج، فلم تستقم له أيضاً سکنی، وبقوا فيه سبعة أشهر ونصفاً، وخرجوا منه يوم الأحد لثمان بقين من المحرم لتمام المائة، ونزلوا بقرية تمززيت، وهناك خلفوا العيال، فخرج مع والده من الدار يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الأولى عام واحد ومائة وألف، وتوجه والده لفاس، فأقام فيه شهراً ويومين، ثم خرج الركب ورحل منه يوم السبت الرابع عشر من جمادی الثانية، وباتوا عند أولاد الحاج، على حاشية وادي سبو، ورجع المترجم لأخذ ما بقي، وبات بمطيطة، ثم اجتمعوا مع الوالد عند أهل الوادي، ويوم الأربعاء بات عند مكناسة بوادي قنصرة، ورجع المترجم لمدينة تازة، ثم سافروا ووصلوا لعين ماضي، ثم نزلوا بقرية سيدي خالد، ورحلوا لإقليم الزاب، فدخلوا بسكرة، ومروا بمقام سيدنا عقبة، ثم حمة توزر، وباتوا بحمة قابس، ومن وادي الرأس إلى النيل ما ترى ماء حلواً يجري على وجه الأرض، وبلغوا قبالة جزيرة جربة، ونزلوا بمليتة، وأقاموا بطرابلس تسعة أيام، وباتوا بتاجورة، ثم مسراتة، وهناك آخر ما تراه من البنيان إلى مصر، وباتوا بخراب أجدابية، وصعدوا قبة الجبل الأخضر، وهو حد برقة البيضاء، وبلغوا مورد التميمي، ووصلوا سوق درنة، وبلغوا جرجوب، ووردوا منهل الشمامة، وبلغوا وادي الرهبان، ثم وصلوا قبالة بولاق يوم الجمعة الرابع عشر من شوال، ثم بلغوا عجرود ووادي التيه، وسطح العقبة، ثم وصلوا مكة، وأقاموا بها خمسة عشر يوماً،(٣) ثم زاروا المدينة المنورة، ثم رجعوا إلى مصر، وأقاموا بمصر أربعة أشهر وتسعة أيام، ثم خرجوا من مصر، يوم الخميس الخامس عشر من جمادی الثانية، وبلغوا عين ماضي خامس شوال، ثم بلغور تازة، وبلغوا الدار بتمززيت يوم الأحد الخامس عشر من شوال ١١٠٢.
ينظر: (الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام: ١/ ٥ - ٦).
للقاضي عباس بن إبراهيم السملالي المراكشي التعارجي المالكي، تـ١٣٧٨.

"ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم"


وكتب: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/٦/٧



ح..................
(١) قُطْب، جمعها: قطوب وأقطاب وقِطَبة.
والقطب لغة: المحور القائم المثبت في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليه الطبق الأعلى.
وقد يطلق القطب، على سيد القوم، ويطلق أيضاً على ملاك الشيء ومداره، ولعل هذا هو ما اصطلح عليه أهل التصوف، من اعتقادهم بأن الأقطاب أو الأغواث أو الأبدال.. لهم التصرف في أقضية الوجود وأقداره! وهي عقيدة باطلة مائلة فائلة.
ينظر من مراجع القوم: (الفتوحات المكية: ٢/ ٤٥٥) للشيخ ابن عربي الحاتمي، و (اليواقيت والجواهر: ٢/ ٧٩) للشيخ عبد الوهاب الشعراني.
وينظر من مراجع أهل السنة (هذه هي الصوفية) للشيخ عبد الرحمن الوكيل، و (الفكر الصوفي: ٣٤٣) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.

وأما الحديث، المروي في ذلك.. فيقول ابن القيم: "أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد.. كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها: (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضاً، فإنه منقطع".
(المنار المنيف: ١٣٦)

(٢) الوسائل في الدعاء توقيفية، فلا يجوز التوسل إلا بما صح وثبت، ولم يثبت التوسل بجاه الأنبياء أو الأولياء أو الصلحاء ونحوهم.

(٣) وقد تعجبت جداً؛ أن تكون هذه الرحلة الطويلة العريضة؛ للحج والعمرة، ثم لم يكثوا فيها إلا خمسة عشر يوماً! فالله أعلم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق