الاثنين، 8 مايو 2023

الترقيم الشيطاني!

 


الترقيم الشيطاني!
لا أتكلم في هذا المقال عن الترقيم الكتابي العلمي الذي يتعلق بالكتابة، وهو عربي صميم، لم نأخذه من الغرب -كما ادعى البعض- ولكن، تأخر التأليف عنه، فأول من ألف فيه هو شيخ العروبة..
أقول: لا أتكلم عن هذا الترقيم، بل أتكلم عن ترقيم شيطاني، مأخوذة تسميته من فعله المشؤوم، وهو كتابة رقم هاتف العاشق المأفون!

إنه الترقيم للفتيات، في الأسواق والحدائق والمتنزهات والمولات والأماكن العامة!

إنه الترقيم لإغواء الفتاة المسكينة الضعيفة، وابتزازها، وإيقاعها في الفخ المنصوب، والطعم المسموم، وبعدها تظل حبيسة في يد هذا المرقّم المرغم!

إنها طريقة معاصرة ماكرة لإلقاء الشباك للمرأة حتى تقع فيها، ومن ثَم أخذها لقمة سائغة!

يقول عبد الله عفيفي: "وكان من أكبر المآثم عند العرب؛ أن يلتقي الرجل بالفتاة، فيبدأها بالكلام أو يلقي إليها السلام، وربما هاج ذلك شراً عقاماً، وقد يكون من ذوي قرباها، والراغبين في خطبتها، فتحول تحيته دون ما يبتغي".

إنني هنا، أذّكر هذا الشاب الغاوي، بالرقيب العليم المنتقم شديد الحساب وسريعه.. حتى يرجع إلى ربه، وينيب لخالقه، ويقلع عن هذا الفعل المشين الذي يقضي على خلقه وحيائه، وعلى حياته أيضاً، وحياء وحياة غيره!

إنني أذّكر فيه ضميره وقلبه -إن كان له قلب وضمير- أن يبعد عن هذه الطريق المركوسة التي أوقعت كثيراً من الفتيات في الأوحال والأوساخ.

إنني أذكره بقرب الأجل، وسرعة الموت الذي يخطف الأرواح في لمحة البصر، إن كان يخاف الله والدار والآخرة.

إنني أذكره بسوء الخاتمة، إن هو استمر على هذه الأفعال القبيحة، التي أطاحت بكثير من الفتيات في الخزي والعار، وغضب الجبار، وسوء الخاتمة!

‏قال ‎ابن تيمية: "وأعرف شخصاً من أصحابنا، لما حضرته الوفاة، جعل يقول:
حبيبي ها قد جئتك، حتى خرجت نفسه.. ومثل هذا كثير".
(منهاج السنة: ٦/ ٩)

إنني أذكره بيوم الحساب، وسؤال الله له على رؤوس الأشهاد.. عن ما كان يفعل في الدنيا، من مخاز ومساوي.

إنني أذكره بالفضيحة يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة "وعرضوا على ربك صفاً" "ولقد جئتمونا فرادى".

إنني أذكره بنخوته وشممه وعروبته -إن كانت بقيت فيه بقية باقية- فتدله على مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال:

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

إني امرؤ سمح الخليقة ماجد *** لا أتبع النفس اللجوج هواها

هكذا قال الشاعر الجاهلي، الذي لا يؤمن بالله، ولكنه يؤمن بالخلق والشهامة، فأين أنت منه أيها الشاب المرقّم المعاكس؟!

وقالت الخنساء -تصف أخاها-:
لم تره جارة يمشي بساحتها *** لريبة حين يخلي بيته الجار

وقال مسكين الدارمي:
ما ضر جاري إذ أجاوره *** ألا يكون لبيته ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر

ويصم عما كان بينهما *** سمعي وما بي غيره وقر

وقال أيضاً:
وإني امرؤٌ منّي الحياء الذي ترى *** أعيش بأخلاق قليلٌ خداعها

وقال عامر بن الحارث، الملقب: أعشى باهلة -يرثي أخاه لأمه المنتشر بن وهب-:
لا يهتك الستر عن أنثى يطالعها *** ولا يشد إلى جاراته النظر

وقال ناصر الدين المطرزي:
وإني لأستحيي من المجد أن أُرى *** حليف غوانٍ، أو أليف أغاني

وقال عروة بن الورد:
وإن جارتي ألوت رياح ببيتها *** تغافلت، حتى يستر البيت جانبه!

وقال ابن جزي:
وكم من صفحة كالشمس تبدو *** فيسلي حسنها قلب الحزين

غضضت الطرف عن نظري إليها *** محافظة على عرضي وديني

وقال:
أيا من كففت النفس عنه تعففاً *** وفي النفس من شوقي إليه لهيب

ألا إنما صبري كصبر، وإنما *** على النفس من تقوى الإله رقيب

والأشعار في هذا الباب، كثيرة وفيرة؛ لذيوعها وشيوعها لديهم، دون تحريض أو تحضيض!

إنني أذكرك -أيها المرقم- بعارك وأهلك وقريباتك، هل تحب لهن هذا الفعل الأرعن؟!
إن كنت كذلك.. فقد ماتت فيك الغَيرة، والحمية الإسلامية، والشهامة القبلية.
وإن كنت غير ذلك -وهذا ما أظنه فيك-؛ فكيف تحب طريقاً للآخرين، لا ترضاه لأهلك؟
(وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم) فانأ عن هذا الطريق المريب، والدرب المشوك قبل أن تندم عاجلاً وآجلاً، في الدنيا والأخرى.

إنني أكتب لك، وأنا على ثقة أن كلماتي هذه، ستلقى في قلبك مكاناً لقبولها، والعمل بها، فكن كما ظننتك.

وأنت أيتها الفتاة، لا تلقي لهذه الأوراق الملفوفة بالسموم بالاً؛ لأن فيها حتفك وموتك، فهل تحبي القتل البطيئ؟!

إن في هذه الأوراق الملفوفة.. إهدار عفتك، وقضاء على كرامتك؛ فهل تحبي لنفسك هذه المأساة؟!

إياك والفضول، فكم أوقع في المستنقعات الأسنة، والمستقذرات العفنة- ولم يستطعن الخلاص؛ لأنه دحض وزلق!

لا تجربي طريقاً قد جربه غيرك، فصيرن حياتهن جحيماً ووبالاً، وعذاباً أليماً.

يقول حافظ شيرازي:
من جرب المجرَّب *** حلّت به الندامة!

إن في هذه الأوراق.. طلاقك وتسريحك، والتفريق بينك وبين أولادك وأفلاذ أكبادك.. هذا إن كنت متزوجة.
وإن كنت عازبة، فهي سبب لعنوستك، وصد الناس عن طرق الباب لخطبتك؛ لأنك لم تتق الله في نفسك، ولم تراقبيه، والله يقول: "إن الله كان عليكم رقيبا"

هذه نصيحة لك وله، إن قُبلت، فصدارة، وإن رُدّت، فيا خسارة.

وسلام الله عليكم.

وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٩/٨/٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق