الخميس، 21 أبريل 2022

ظلمات المنظمات!

 


ظلمات المنظمات!


لا زلت أذكر وأتذكر، تلك المحاضرة القيمة، التي ألقاها على مسامعنا- أحد مشايخ أهل السنة والجماعة، في عرصة عريضة، تسَع الآلاف والألاف (وكثيرة ما كانت تقام، أعادها الله في وئام) لكني لا أذكر على وجه اليقين أين كانت.. هل في الجراحي أو حيس أو الحسينية أو بيت الفقيه، وأجزم أنها في واحدة منها، محدساً، أنها في حيس؛ لأن بها منظمة -قمئت وقمعت-.


وأتذكر تماماً.. غيرة الشيخ، وارتفاع صوته، وانتفاخ أوداجه -وإن كنت لم أرها؛ لأني كنت صغيراً وبعيداً- (كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم) وكان مما حذر منه، وأنذر عنه: منظمة أدرى وغيرها من المنظمات التخريبية التغريبية التحريضية!


واترك خلائق قوم لاخلاق لهم *** 

واعمِد لأخلاق أهل الفضل والأدَبِ


حتى أذكر حينها، وأنا صغير، لا أعي معنى المنظمة، وما هي المنظمة، وما تريد المنظمة؟! إلا أني شعرت حينها بالخوف والوجل من الانتقام، ممن حذر منهم، وظلْت طيلة المحاضرة، أحاذر أن يقذفوا علينا بقاذف -قذفوا وحذفوا وخذفوا-!


انتهت المحاضرة، وعاد كل إلى داره، وظلّت "المنظمة" أحمل عنها السوء والشر والضر والمنكر -وهي كذلك- وإن دَسّت السم في الدسم!


وإِذا الفتى عرف الرشاد لنفسهِ *** هانتْ عليه ملامة الجُهّالِ


ولا زالت المنظمات تتوالى، وصوتها يتعالى، وعملها ينتشر، وصيتها يشتهر، في ربوع بلادي الحبيبة الفقيرة؛ زعماً لإطعام وإيواء، لكنها بلواء ولأواء!


وللأسف، لم يسمع بعض قومي لصراح الشيخ الصريح، وصراخه الصريخ، وتحذيره الجلل، حتى مُكن لهذا الخراب والحراب، والفساد والإفساد.


وما كل من مددت ثوبك دونه *** لتستره فيما أتى، أنت ساتره


وإني لأعجب جداً، بل وأسخر، بله أشنأ وأمقت.. من يحسن بهم الظن، ويتوقع منهم الخير الخالص، ويكأنه لم يقرأ قول الله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"؟!


ما قيمة الناس إلا في مبادئهم *** لا المالُ يبقى ولا الألقابُ والرتبُ


فحاشاهم، نعم، حاشاهم.. أن ينفقوا شيئاً من أموالهم، لله خاصة، وللمؤمنين خالصة، إلا أن يشوبوها بشوائبهم المقذية، ويخلطوها بأخلاطهم المعدية؛ لأنهم لا يرجون لله وقاراً، ولا يبتغون عند الله ثواباً، "إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا" "أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون".


وإني لأعلم مِن وعَن كثير من بني قومي.. مَن يقول: نصبر على الجوع والعطش، ولا نصبر على وحر العار، وحر النار.


كل المصائبِ إنْ جلّت وإنْ عَظُمَتْ *** إلا المصيبة في دِين الفتى جَلَلُ


ولكن هؤلاء الأتن الأنتان النتنى؛ لا يكشفون عن وجوههم الكالحة، ولا يضِحون عن حقيقتهم الفاضحة، بل يدسون ويدلسون ويموهون، ويظهرون الطيب، ويتظاهرون بالحسن!


وأسفي.. أن يُستعمل بعض بني قومي أداة، ويركب مطية؛ لتمليح صورهم القبيحة، وتلميع أجسامهم القريحة؛ مقابل بعض وبضع دريهمات، فـ (تعس عبد الدينار) "ألا ساء ما يزرون" "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون".


فأنت امرؤ منّا خُلقتَ لغيرنا *** حياتك لا نفعٌ وموتُك "نافعُ"!


ونحمد الله تعالى.. أن قامت أمة بالحق وتقوم؛ فكشفت زيفهم، وأظهرت بهرجهم، وأحبطت سعيهم؛ فاستمع لهم العقلاء، الذين يبغون الله والدار الآخرة، ولا يبتغون الفساد في الأرض.

فالحمد لله رب العالمين.


أما من اتبع هواه، وأذعن للشيطان، وأراد الطريق عوجاً؛ فلا كلام معه؛ لأنه "اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله"؟!


إذا ما الهوى استولى على الرأي لم يَدَع *** لِصاحبه في ما يراه صوابا


آخر:

‏‎والنفس إن صلحت، زكت، وإذا *** خلت من فطنة، لعبت بها الأهواء


آخر:

‏‎إذا أنت لم تعصِ الهوى، قادكَ الهوى *** إلى بعض ما فيه عليك مقالُ


ونأمل من الحكام والمسؤولين، وذوي الحل والعقد.. أن يقطعوا الصلة، ويقطّعوا أوصال هاته المنظمات الفاسدة والمفسدة، التي تصد "عن ذكر الله وعن الصلاة"، وتدعو إلى تحرير المرأة، وتحرر الشاب، ووأد الفضيلة، ونشر الرذيلة، وخلع ربقة الشريعة، ونقض عرى الإسلام، والخروج من الدين بالكلية، والانسلاخ من الأسرة، والسفر إلى ديار الغرب؛ للعمل في السوء والشر والفحشاء والمنكر!


وليس بعامر بنيان قوم *** إذا أخلاقهم كانت خرابا


وقال:

كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم *** ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب


وقال:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن تولت مضوا في إثرها قدما


وقال:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا


ويا أهل اليمن.. إن لم تطرد الحكومات هذه المنظمات ويخرجوها من دياركم؛ فأخرجوها أنتم من قلوبكم، واطردوها من نفوسكم، واحفظوا بناتكم وأهليكم؛ فإنكم عنهن تسألون، إن لم تحوطونهن بنصح! و"فساد النساء سببه الأول؛ تساهل الرجال".

كما قال الشيخ بكر أبو زيد، في رسالته الفذة الفردة "حراسة الفضيلة" فاقرئيه يا كميلة؛ لتدركي خطر الحركات العميلة، حفظك الله في كل صغيرة وجليلة.


وحقيقة، إن البنت اليمنية.. بها يقتدى ويحتذى ويجتدى ويهتدى؛ لأنها أبت إلا التلفع بالخمار، والاعتجار بالجلباب، والتغطي بالحجاب، والحمد لله على أنعامه وإنعامه.


فلا تبالي بما يلقون من شُبهٍ *** وعندك "الدين" إن تدعيه، يستجبِ


وهؤلاء.. أسلافك:

قال ابن عبيد الله السقاف: "وكانت صبيخ -بلدة بحضرموت- مهد علم، ومغرس معارف؛ حتى لقد اجتمع فيها أربعون عذراء يحفظن (إرشاد ابن المقري)!


وذكر الشيخ سليمان بن عبد الوهاب الأهدل.. أن نساء زبيد خصوصاً الأهدليات؛ كن يحفظن مسائل (المنهاج) ويراجعنها، وهنَّ يطحنَّ الذرة على الرحى!.


والمراكز والمساجد العلمية.. فيها الآلاف من حفظة كتاب الله تعالى، وحافظات سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدرسن ويدرّسن شتى الفنون، ومنهن المؤلفات والمصنفات والمحققات والباحثات والعالمات.. فناشدتكن الله، إلا لحقتن بركب الصالحات، "فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل" "والآخرة خير وأبقى".


والخير في نساء المسلمين، في أنحاء المعمورة، لا يهي ولا ينتهي، فـ (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله.. لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) رواه البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.


اللهم خذ بأيدينا إليك، واجعل أعمالنا في رضاك، وارفع الغمة عن الأمة، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٢٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق