الأربعاء، 13 أبريل 2022

مـع سائـق أُجـرة!


مـع سائـق أجـرة!


من عادتي الغالبة في معاملتي مع الآخرين -سواء كان شراء أو ركوباً أو نحو ذا-.. أن أبدأهم بالسؤال عن الحال والعيال، والبلاد والعباد، وربما مازحت قليلاً، ولكن ليست هذه صفة لازمة لي مع الكل، بل مع من أحدسه يحب ذلك؛ لأن الناس طبائع ومعادن!


وكثيراً ما تنتج الأسئلة، قاسماً مشتركاً بيننا، إما في معرفة رمز أو بلدة أو خُلق أو موهبة -والحمد لله-.


وأحسب فعلي هذا؛ من إدخال السرور على المسلم، فكم يسرّ المسؤول حينما تشاركه أحواله، ثم تتوج ذلك، بالدعاء والثناء.


على حدّ قول الشاعر:

وليس بأوسعهم في الغنى *** ولكن معروفه أوسعُ


وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال.. أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه دَيناً، أو تطعمه خبزاً)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الشيخ الألباني.


وكل يعمل بقدر وكده وطاقته، وهذا قدْري وقدَري.


ألا ليقل من شاء ما شاء إنما *** يلام الفتى فيما استطاع من الأمرِ


وسئل الإمام مالك: أي الأعمال تحب؟ فقال: "إدخال السرور على المسلمين، وأنا نذرت نفسي أفرّج كربات المسلمين!


فـ بخ بخ أيها الإمام اليماني، وأين نحن من أخلاقكم العالية، المشابهة لأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وهاكم قصتي مع سائق الأجرة:

ركبت بالأمس سيارة، سألت سائقها، عن الأجرة، فأخبرني بالقيمة، فقلت له ممازحاً: أعطيك نصفها؛ لأن سيارتك بدون مكيف!

ضحك، وقال: ما في مشكلة، أعطيني النصف، وأشغل لك المكيف كمان -أو عبارة نحوها-!


ضحكت، وأخذت في أسئلتي الخفيفة التي لا تضجر؛ -لأن بعض الأسئلة تمغر وتنغر، وتضجر وتسجر-! وأخذ هو في أسئلته البريئة.. حتى وصلنا قاسماً مشتركاً بيننا- في أشخاص نعرفهم، وبلاد نعرفها!


وإنا لنقري الضيف قبل نزوله *** ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك


ثم سألته سؤالاً، كان فيه كلْمه ووجعه وألمه وبثه وشكواه.. سألته عن أهله وولده؟!

فأجاب بتنهد: يا ليت وانا عندهم، نفطر سوى، لكن، ما نسوي، الظروف!


وكل باب وإن طالتْ مغالقهُ *** يوماً له من جميل الصبر مفتاحُ


كانت هذه الكلمة الجارحة لروحه ونفسه وقلبه، هي نهاية وصولنا إلى حيث أريد!


لا يعرف الشوقَ إلا من يكابدهُ *** ولا الصبابةَ إلا من يعانيها!


استأذنته، ودعوت له، وغادرته يفترّ عن بسمة ظاهرة، لكنها تخفي تحتها أواراً وناراً .. إن في قلبه جروحاً غائرة، وقروحاً نائرة .. بل إن روحه ممزعة ومنزعة!


فاصبر على نعمى الحياة وبؤسها *** نعمى الحياة وبؤسها سيانِ


يمسي ويصبح، وينام ويقوم، ويأكل ويشرب.. بمفرده، يعدّ النجوم إن كان يراها .. يبيت على وساوس، ويصحو على هواجس .. يمنّي النفس بالآمال من حين إلى حين .. يؤمل آمالاً ويرجو نتاجها .. يكد ويجد ويجهد من أجل لقمة العيش .. لا يريد غنى وثروة، بل ينشد عفافاً وكفافاً!


والحرب يبعثها القوي تجبراً *** وينوء تحت بلائها الضعفاءُ!



هذه قصة علي، وكم مِن مِثل عَلي هذا.. إنهم كمٌّ كثير كبير وفير، ولكن: لنا ولهم الله، وكفى بالله وكيلاً.


أنا الشقي بأني لا أطيق لكم *** معونة، وصروف الدهر تحتبسُ


ولإخواني: إن استطعتم إدخال سرور، ورسم بسمة، وفتح باب أمل.. فافعلوا، فـ "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا" و(الراحمون يرحمهم الرحمن)


لا تهين الفقير؛ علّك أن تر *** كع يوماً، والدهر قد رفعهْ!


وإن لم تسطيعوا.. فأسألكم بالله، لا تقلقوا باب فأل، ولا تنكئوا جروحاً كامنة، ولا تنقشوا دمّلاً متورمة، فـ (كما تدين تدان) و(الجزاء من جنس العمل)


وإن عجزت عن الخيرات تفعلها *** فلا يكن دون ترك الشر إعجازُ



وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٩/١١



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق