الخميس، 17 ديسمبر 2020

ظاهرة تبرج النساء في الحرمين الشريفين! يا زائرة الحرم اتق الإثم واللمم!

 ظاهرة تبرج النساء في الحرمين الشريفين! يا زائرة الحرم اتق الإثم واللمم! 


كلما دخلت أحد الحرمين؛ أتذكر قول وكيع الرؤاسي: خرجنا مع سفيان الثوري، في يوم عيد؛ فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا؛ غض أبصارنا!


قلت: ولا مقارنة بين الحرم والسوق؛ كيف، وقد جاء عن عبد الله بن عمر: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي البقاع خير، وأي البقاع شر؟ قال: خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق).

رواه الطبراني في الكبير.


كيف، والحَرمان أفضلها وأمثلها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي، أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام، أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه).

رواه أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.


ولكن وللأسف البالغ؛ فإن الفتن قد عمت وطمت وغمت وجمت وحمت وصمت!

ولا عاصم إلا الله تعالى. 


وإن النفس لتطمئن، وينشرح الفؤاد، ويصفو العقل، وتأنس الروح.. بزيارة بيت الله الحرام، والترّوي من نميره، والاستنشاق من عبيره..


لكن الزائر؛ يجد ما يعكر الصفو، ويكدر الخاطر، من لباس بعض المسلمات، إما لضيقته، أو زينته، أو ريحته، أو فتحته، أو شفته، أو شقته وهكذا إلى ما لا نهاية من أنواع التبرج والسفور!


كم يُفرح برؤيتهن وهن يتسابقن في الخيرات، ويسارعن إلى القربات، طاعة لرب البريات، ولكن مما يحزن ويشجن.. أن يُرين وقد أبدين زينتهن، أو أظهرن بعض جسدهن.


ومن البليات: ما نراه من زحام النساء بالرجال في الطواف والمسعى، وربما حصل التضايق والتلاصق.. والنبي صلى الله عليه وسلم، قال للنساء: (استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق؛ فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به). 

رواه أبو داوود، عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه.


هذا هو الإذعان والاستجابة، لنداء الشرع الحنيف والإنابة.. هذا، وهي الطريق، فكيف بالمسجد، فكيف بالحرمين؟!


والمصيبة الصابّة: أن تكون هذه الأفعال المشجية، والألبسة المخزية؛ من الشواب كثيراً، بَيد أن الكبيرة، تكون -غالباً- متسربلة حياء، بل تختمر وتعتجر!

على أن الكبيرة القاعدة، قد تجعد وجهها، واحدودب ظهرها.. فزهد الناس فيها، ورغبوا عنها، على خلاف الصغيرة الشابة؛ فإن النفوس إليها متجهة، والأنظار نحوها ملتهبة!


قال ابن العربي المالكي: "وإنما خص القواعد بذلك دون غيرهن؛ لانصراف النفوس عنهن، ولأن يستعففن بالتستر الكامل؛ خير من فعل المباح لهن من وضع الثياب".

(أحكام القرآن: ٣/ ٤١٩)


ولعمري، لا أدري، ما الذي فعلته نساء الصحابة الكرام، بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أحدث النساء؛ لمنعهن المسجد، كما مُنِعَهُ نساءُ بني إسرائيل).

رواه البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها.


وفي حديث ابن عمر، عن النبي ‎صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد؛ فأذنوا لهن).

رواه الجماعة إلا ابن ماجة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.


قال العيني: "فيه: أنه ينبغي أن يأذن لها، ولا يمنعها مما فيه منفعتها، وذلك إذا لم يخف الفتنة عليها، ولا بها.

وقد كان هو الأغلب في ذلك الزمان؛ بخلاف زماننا هذا، فإن الفساد فيه فاشٍ، والمفسدون كثيرون ... وعن مالك: إن هذا الحديث ونحوه محمول على العجائز. وقال النووي: ليس للمرأة خير من بيتها، وإن كانت عجوزاً. وقال ابن مسعود: المرأة عورة، وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان. وكان ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، يقوم يحصب النساء يوم الجمعة يخرجهن من المسجد. وقال أبو عمرو الشيباني: سمعت ابن مسعود -حلف فبالغ في اليمين-: ما صلت امرأة صلاة أحب إلى الله تعالى من صلاتها في بيتها إلا في حجة أو عمرة، إلا امرأة قد يئست من البعولة. وقال ابن مسعود، لامرأة سألته عن الصلاة في المسجد يوم الجمعة، قال: صلاتك في مخدعك، أفضل من صلاتك في بيتك، وصلاتك في بيتك، أفضل من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك، أفضل من صلاتك في مسجد قومك. وكان إبراهيم يمنع نساءه الجمعة والجماعة. وسئل الحسن البصري، عن امرأة حلفت إن خرج زوجها من السجن، أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين،، فقال الحسن: تصلي في مسجد قومها لأنها لا تطيق ذلك،، لو أدركها عمر، رضي الله تعالى عنه، لأوجع رأسها".

(عمدة القاري: ٦/ ١٥٧)


قال أبو نعيم: إذا كان الإمام العيني، في القرن التاسع؛ يقول: (إن الفساد فاش، والمفسدون كثيرون)!؛ فلا ندري ما نقول في أيامنا هذه الفِساد، وما فيها من السِفاد؟!


ويروى عن سفيان الثوري، أنه كره اليوم؛ (يعني: أيام سفيان) الخروج للنساء إلى العيد!


قلت: وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: عن الإمام أحمد: أنه سئل عن النساء يخرجن في العيد؟ قال: لا يعجبني في زماننا هذا، إنهن فتنة!

قال الشيخ: وهذا يعم سائر الصلوات.

 

قال أبو نعيم: إذا كان هذا قول عائشة، وابن المبارك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، في نساء زمانهم؛ فكيف لو رأى ما في الحرمين، بل كيف لو رأى ما في الأسواق، بل كيف لو رأى ما في برامج التواصل الاجتماعي مما تشيب له فود الولدان، ويشبب الشيبان؟!


وإنه والله، لمؤسف ومخجل ومحزن؛ أن ترى امرأة بلباس فاضح، وتبرج صارخ!

وتزداد الدهشة؛ حين أن تعلم، أنها تخرج من عند أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها!

ثم تتساءل: لم تلبس هذا اللبس المثير المبير؟!

فلا تجد جواباً، إلا ...!

والله المستعان.


وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم، ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير في من لا يغار.


وقال محمد بن علي بن الحسين: كان إبراهيم عليه السلام، غيوراً، وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب.

(المغني: ٧/ ٣٠١)


قال أبو نعيم: رضي الله عنك، أبا الحسن، أي علوج وأي خدوج في زمنك التقي النقي؟!

كيف لو رأيت علوج زمننا، وعلجات دهرنا، وهم يعملون في مكان واحد، وتحت سقف واحد مع ضحك ومزح وخلوة؟!

كيف لو رأيت، حتى بعض ممن يحسب من أهل الدين والغيرة؛ وقد انتكس وارتكس وانعكس وانبجس وانفطس واندعس وانخلس؛ فخرج بفتاوٍ شاذة (ومن طلب الشذوذ؛ وجده)؟! 

كيف كيف؟! 

نسأله تعالى الصيانة والإعانة. 


ومن أرزى الرزيات: أن تخرج الأنثى؛ متعطرة متبخرة متعثرة متبخترة.. والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول:(أيما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة)!

رواه مسلم، عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما.


فالنبي صلى الله عليه وسلم، ينهى المرأة من حضور المسجد، وهي متبخرة أو متعطرة، فكيف إذن بمن تذهب إلى السوق بهذه الطريقة!


يقول عليه الصلاة والسلام عنها: (أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت؛ فمرت على قوم؛ ليجدوا ريحها؛ فهي زانية). 

رواه النسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.


وقال تعالى: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى". 


قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.

وعند بن أبي حاتم من طريق شيبان عن قتادة قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج إذا خرجن من البيوت فنهين عن ذلك.

ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: قال: عمر ما كانت إلا جاهلية واحدة، فقال له ابن عباس: هل سمعت بأولى إلا ولها آخرة؟

ومن وجه آخر عن ابن عباس قال: تكون جاهلية أخرى.

(فتح الباري: ٨/ ٥٢٠)


أختاه: احمدي الله، أن رزقك ووفقك زيارة بيته الحرام، سواء كنت من أهل مكة أو من خارجها.. فإنها والله نعمة جليلة، حُرمها ملايين من المسلمين في شتى أنحاء المعمورة، إما بسبب العجز الجسدي، وإما بسبب العجز المادي!


كم من أم وشابة.. تبكي وتتلهف شوقاً لبيت الله الحرام، والكعبة المشرفة، ولكنهن ماذا يصنعن؟

قعدت بهن القدرة، وأخّرهن العجز؛ فجلسن راضيات بقدر الله، ولكن مع التهاب نفس، وسفوح دمع، ونزوع قلب!

عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: دخل قوم حُجاج، ومعهم امرأة تقول: أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة ترينه؛ فلما رأوه، قالوا: هذا بيت ربك، أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي! بيت ربي! حتى وضعت جبهتها على البيت؛ فوالله ما رفعت إلا ميتة.

(صفة الصفوة: ٢/ ٥٢٩)


هكذا كان شوقهم وتلوعهم إلى بيت الله الحرام.


وقال وهيب بن الورد : بينما امرأة في الطواف ذات يوم، وهى تقول: يا رب ذهبت اللذات، وبقيت التبعات، يا رب سبحانك وعزتك.. إنك لأرحم الراحمين، يا رب ما لَك عقوبة إلا النار ، فقالت صاحبة لها، كانت معها: يا أخية، دخلت بيت ربك اليوم قالت : والله ما أرى هاتين القدمين -وأشارت إلى قدميها- أهلاً للطواف حول بيت ربي، فكيف أراهما أهلاً أطأ بهما بيت ربي؟! وقد علمتُ حيث مشتا وإلى أين مشتا؟!

(محاسبة النفس: ٤٣) لابن أبي الدنيا.


هكذا كان تأدبهم وتخلقهم، مع بيت الله الحرام!

وأقول: رحمك الله أيتها الصالحة، كيف لو رأيت بنات جنسك، وهن في كامل زينتهن، ضاربات بأرجلهن؟! وربما كان هناك د، ما هو أشده وأشوه!

فاللهم غفراً.


وأنتِ يا أمة الله، يسرك الله عز وجل، وأنعم عليك وتفضل؛ فلا يكون شكر هذه النعمة بالتبرج، وليّ الناس أعناقهم نحوك بالتفرج!


اخرجي وأنت بذلة تفلة، غير متزينة بشيء من أنواع الزينة، حاشا الزينة الباطنة، طهارة قلبك، ونقاء سريرتك، وصلاح نيتك.


لا تظهري شيئاً من جسدك أو شعرك أو خلخالك أو قرطك أو كحلك أو نحرك أو ساعدك أو ساقك أو أي عضو من أعضائك، أو زينة من زينك؛ لأنك درة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، تؤثر فيك الرياح والروائح، ولأن الأنظار حولك لوافح!


أختاه: كم من ضعيف الإيمان، ورقيق الديانة، ومفتون بالأنثى؛ هرب إلى حرم الله؛ ليجدد إيمانه، ويقوي يقينه، ويخلو بنفسه مع ربه: داعياً راجياً شاكياً باكياً، ولكنه ما إن يرى مفاتنك ومغابنك، حتى تنزعه نفسه إلى لهوه وتصابيه، وتذكار ماضيه ولياليه، فيتشوش قلبه، ويتبلبل لبه، ويتفرق جمعه، ويتشتت مجمعه، وكنتِ أنتِ السبب في ذلك!


وقد كان بعض السلف: يطوف بالبيت، فنظر إلى امرأة جميلة، فمشى إلى جانبها، ثم قال:

أهوى هوى الدين واللذات تعجبني *** فكيف لي بهوى اللذات والدين؟!

فقالت: دع أحدهما تنل الآخر.


ينظر: (ذم الهوى: ٢٤) لابن الجوزي، و(روضة المحبين: ٤٧٩) لابن قيم الجوزية.


لا أدري، بماذا أفسر خروجك بالزينة الظاهرة، وأنت في حرم الله، وفي مكان مسّهُ رسول الله عليه الصلاة والسلام!

آه، والله إن القلب ليذوب حياء، والنفس تقطر خجلاً، والجبين يتفصد عَرقاً.. حين أن يتفكر، أن هذا البيت، طاف حوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحب الكرام؛ ثم هو يأتي شيئاً مما يكرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم!


ألا تستشعرين العظمة والجلال، ألا تشعرين بخوفك من ذي الجلال؟! لماذا لا يكون ذهابك إلى الحرمين؛ خطوة إلى توبتك من تقصيرك، ورجوعك إلى جادة أمرك؟! 


تخيلوا، هذا الموقف العجيب، من هذا الصحابي النجيب..

خطب عروة بن الزبير إلى ابن عمر، ابنته، وهما في الطواف، فلم يجبه، ثم لقيه بعد ذلك، فاعتذر إليه، وقال: كنا في الطواف، نتخايل الله بين أعيننا!

أخرجه أبو نعيم وغيره.

(جامع العلوم والحكم: ١/ ١٢٨)


قلت: ولا ندري نحن، ماذا نتخيل ونتخايل، في طوافنا وأنساكنا؟! 

ثم إن ابن عمر، نأى عن كلام حلال، في أمر حلال.. فكيف بمن يتحدث في حرم الله، عن النساء والفراش؟!

رب صونك.


أخذ الله بأيدينا لمراضيه، ووفقنا في الحق لمراميه، وجنبنا مواقع الغضب، ومواطن العطب. 


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.

١٤٤٠/٧/١٦ في المسجد الحرام.

 ١٤٤٢/٥/٣ م ح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق