الاثنين، 4 مايو 2020

تلاعب بالزكاة من بعض الوكاة!


تلاعب بالزكاة من بعض الوكاة!

فرَضَ الله على الأغنياء صدقةً تُؤخذ من أموالهم، فتردّ على فقرائهم -كما في وصية النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل حينما بَعثه إلى اليمن-.

والزكاة: تنمية للمال، وطهرة لصاحبها، وفيها من المنافع الدينية والدنيوية، الشيء الكثير، والجم الوفير.

قال تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"؛ فهي فريضة واجبة حق لله تعالى، وفيها حق للفقير، يُعطاها بشرف وعزة، لا بمهانة وذلة؛ لأن المزكّي ليس متفضلاً في إعطائها، بل هي واجبة عليه كالصلاة والصيام، وسائر فرائض الإسلام.

وإن زكاة المال؛ أصبحت لدى بعض أصحابها؛ منّة وأذى، وأذية وقذى؛ والله تعالى يقول: "يأيها الذين آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى"؛ فحكَم الله عليها بالبطلان الأخروي، وإن أجزأت في الدنيا؛ وذلك لتلبّسها بهذه الخبائث التي اتّصف بها بعض من عباد الله.

قال النووي: ‏"وينبغي، أن يدفع الصدقة؛ بطِيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المَنُّ بها، وإذا مَنَّ بطل ثوابها".
(روضة الطالبين: ٢/ ٢٠٥)

وقال ابن تيمية: "ولا يمن عليه بذلك، ولا يؤذيه؛ فإنه قد علم: أن الله هو المان عليه؛ إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة لله عليه، وعلى ذلك الشخص؛ فعليه هو: أن يشكر الله؛ إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك: أن يشكر الله؛ إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه- من رزق، أو علم، أو نصر، أو غير ذلك.
ومن الناس: من يحسن إلى غيره؛ ليمن عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه، وتعظيمه، أو نفع آخر. وقد يمن عليه، فيقول: أنا فعلت بك كذا.. فهذا لم يعبد الله، ولم يستعنه، ولا عمل لله، ولا عمل بالله.. فهو المرائي، وقد أبطل الله صدقة المنان، وصدقة المرائي، قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين * ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير"".
(مجموع الفتاوى: ١٤/ ٣٣٠)


فصار لإخراج الزكاة؛ أشكالاً وأحوالاً، وترى في ذلك أنكالاً وأهوالا!

وهاك بعض أحوالهم وأهوالهم:
-بعض؛ يعطي زكاة ماله، لبعض من يعملون عنده، ليس للإحسان إليهم، بل لينقصهم من أجرهم، أو ليلغي الحوافز والعمولات.

-وقسم؛ يعطي الفقير، ويملي عليه كمّاً هائلاً من كلمات العلو والترفع، والجنو والترقع!

-وفرق؛ يعطيها، ويهمس في أذن المُعطى: هذه زكاة مالي؛ أرجوك أن تدعو لي! -وهذا أأْدبهم- وكأن المال مقابل الدعاء!

-وشكل؛ يجزِّئها إلى دريهمات أو ريالات أو دنانير قليلة، على أُمّة من الناس، وهي ربما، لا تفي حاجة الطفل الصغير، فضلاً عن رب أسرة، وصاحب عائلة.

-وصنف؛ يعطيها؛ ليتخذ بها عند من أعطاهم يداً وصنيعة، كمسؤول أو مرموق ونحوه!

-ونوع؛ يعطيها؛ بذلة واحتقار، وجعْل المتصدَق في إصغار، وربما إسماعه كلمات نابية، تنبو عنها الأسماع!

-وجزء، لا يعطيها إلا بالوقوف أمام محله ومتجره، أو مدّ الأيدي إليه وسؤاله.

إلى غير تيك الأصناف التلاعبية، والأشكال التلاحبية؛ التي يندى لقذعها، الجبين، وتسخن من شنعها، جبهة الجنين!

ولعل سبب هذه الخلال: الحسد والبخل والأثرة، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُوكِي فيُوكَى عليك).
وفي رواية: أنفقي وانفحي أو انضحي، ولا تُحصي؛ فيُحصي الله عليكِ، ولا توعي؛ فيوعي الله عليكِ). متفق عليه.

قال ابن الجوزي: "ثم نظرت في التجار؛ فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص، حتى لا يرون سوى وجوه الكسب، كيف كانت، وصار الربا في معاملاتهم فاشياً، فلا يبالي أحدهم من أين تحصل له الدنيا!
وهم في باب الزكاة؛ مفرطون، ولا يستوحشون من تركها، إلا من عصم الله".
(صيد الخاطر: ١٦٦)


وبهذا؛ صارت الزكاة الواجبة المفروضة على الأغنياء.. تُخرج بأشكال وأطوار- لا يرضاها الله الملك العلام، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا يقرها دين الإسلام.

فيا أيها الغني: اعلم أن هذه الزكاة معلقة بذمتك، لا تبرأ إلا بتأديتها بدون أذية، وتنقيتها دون شكية؛ فأدّها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، واحذر أن تأتي معها بما يخدشها ويشوشها، أو يسوهها ويشوهها، فإن الله سائلك عن كل صغيرة وكبيرة، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صوابا.

هذه نصيحة من مستغنٍ بالله عن خلق الله.
أرجو أن تلقى آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، وصدوراً حاوية.
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.
وكتب: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٨/٨/٢٥
١٤٤٠/٩/١٣
١٤٤١/٩/١١

#أمالي_رمضانية
#أنابيش_الكنانيش


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق