السبت، 2 مايو 2020

المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي!

المنهج السوي في ضبط اسم "مرى"- جد الإمام النووي!

الإمام النووي، هو: يحيى بن شرف بن مرا = مرى النووي = (النواوي)، تـ٦٧٦، وهو لا يحتاج إلى تبيين أو تعيين، فإنه أشهر من نار على علَم.

ومن أراد العل والنهل؛ فليقرأ هذه التراجم الخاصة:
-تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي، لتلميذه ابن العطار.
-المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، للسخاوي.
-المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، للسيوطي.

لكني هنا، رمت ضبط اسم جده (مرا)؛ لوجود الخلاف فيه بين أهل العلم، والخطب يسير، ولكنه: الترف العلمي!

وقد بدأت التقييدات في ذلك؛ بسبب نقاش عال في المجموعة الرائدة- مجموعة المخطوطات الإسلامية، قبل سنة تقريباً، من بعض أفاضلها وفطاحلها!

ثم اليوم- يوم السبت ١٤٤١/٩/٩، أرسل الشيخ الوضي عادل العوضي، أكتوبة لطيفة، في ضبط هاته اللفظة (مرا)، لأحد أعضاء المجموعة المباركة، هو الدكتور محمد فاتح قايا.. وليس عندي سوى ما عنده، بل فاق بتصويره لبعض جذاذات المخطوطات!
لكنه ضمُّ الجهود، وصح الورود.

أقول:
لعل الإشكال في هذه الكلمة؛ هو تبع للاختلاف في رسم الياء المتطرفة؛ فبعضهم، يكتب الياء، والألف المقصورة، كلتيها، هكذا (ى) صورة ياء بدون نقط، ويعوّلون في فهم الكلمة، بالسياق.

وعليه؛ فإن وجود كلمة (مرى) هكذا؛ لا يستطاع الجزم بضبطها، إلا إن ضبطت ضبط حرف، فقيل -مثلاً-: بكسر الميم وفتح الراء، أو بكسر الميم مع القصر.
أو يقال: بضم الميم وكسر الراء المشددة، أو بضم الميم مع الياء.

وقد وجدت في بعض الأقصوصات، بخط الإمام النووي، هكذا (مرى)، مع تمدد قليل في ألفها.

وتبع هذا الضبط.. جمٌّ من أهل العلم، لكنه ليس ضبط حرف، وإنما هو ضبط شكل!
إلا ما كان من العلامة سليمان الجمل  في مقدمة (فتوحات الوهاب: ١/ ٢٤) فقد ضبطه بالحرف، فقال: "مرى: بكسر، ففتح المهملة المخففة وبالقصر".

ونأتي الآن إلى ذكر الخلاف في رسمها:
أولاً: رسم ألفها، ألفاً يابسة:
ناسخ (الإيجاز في شرح سنن أبي داوود السجستاني) هكذا (مرا) بالألف اليابسة، ثم قال: "هكذا نقلته من خطه، نفعنا الله بعلومه، آمين".

وكذا في (تحفة الطالبين: ٣٩) بخط الناسخ.

وناسخ (جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحرف والصوت).

والتجيبي في (برنامجه: ٢٤٢)

وابن الفوطي، في (مجمع الآداب في معجم الألقاب: ٥/ ١١٥)

وكذا الزبيدي، في موضعين: (تاج العروس: ٤٠/ ١٤٢) وفي (١٢/ ١٩٤)

ويضم إليهم، العلامة سليمان الجمل؛ إذ رسمها مطوية، وضبطها ضبط حرف.


ثانياً: وجدت السيوطي، يرسمها بياء لازمة، وقال: "بن مرى -بضم الميم، وكسر الراء-؛ كما رأيته مضبوطاً بخطه".
(المنهاج السوي: ٢٥)

وتبعه جم غفير، لكن دون ضبطها بالحرف، بل بالشكل، وليس عليه معول؛ لما قدمت.


ثالثاً: رأيت السخاوي، في (المنهل العذب الروي: ٢١ - ٢٤) هكذا يضبطها (مِرَيْ) على أنه ضبط النووي نفسه في مقابلته لكتابه (الأذكار) مع الشيخ شهاب الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق بن عثمان بن مزهر الأنصاري الشافعي الدمشقي.

قال النووي: "وقابلت معه نسخته هذه، مقابلة مرضية بأصلي، في مجالس آخرها يوم الإثنين الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وأجزت له كل ما يجوز لي تسميعه.
كتبه: يحيى بن شرف بن مِرَيْ بن حسن النواوي عفا الله عنه.
قال السخاوي: ونقلت جميع ذلك من خطه على نسخة بالأذكار".

قلت: وهو ضبط شكل -كما ترى- ولا أدري، هل هو ضبط السخاوي، على ضبط النواوي، أم تصرف من النساخ أو الطباع.


قلت: وبالنظر إلى كتب التراجم؛ نرى أن كلا الاسمين (مِرا) و (مرّي) مزبور مشهور، فقد تسمى به كثير، في القديم والحديث.
وعلى سبيل المثال.. ينظر هنا، فيمن تسمى، بـ (مرا):
(تاريخ ابن خلدون: ٦/ ١٠٦) و (الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة: ٦/ ٢٠٥) و (نهاية الأرب: ١/ ١٤٠) للقلقشندي. وغيرها من المراجع.

وينظر هنا، فيمن تسمى، بـ (مري):
(تاريخ الإسلام: ٤٤/ ٤٩٩) وذكر المحقق عبد السلام تدمري، هناك الخلاف في ضبطه، وذكر مراجع أخر.


والراجح -والله أعلم-؛ أن ضبط اسم جده، هو (مِرَى) بكسر الميم، وفتح الراء، ثم ألف مقصورة، أو يابسة؛ وذلك لأمور:
-أنه صُرح بهذا الضبط، وضُبط ضبط حرف وشكل، وميز بالألف اليابسة؛ قطعاً للوهم في النطق بها، وفي هذا زيادة عِلم.
-أنه ضبط جمع من أهل العلم، وفيهم: أهل ضبط واعتناء.
-لعل التباساً سرى، إلى من  رسمها (مري)؛ إذ لعله وجدها، هكذا (مرى) ولم يمايز بينها، فظنها ياء، فرسمها (مري)!
ولا فرق بينهما، سوى الخط، والتجوز حاصل بينها.

وأما ما نقله السيوطي؛ فجائز أن يكون، اعتمد على رسمها، هكذا (مرى)، فاجتهد في ضبطها بالحرف، اتكالاً على نظائره من الأسماء! فالوهم متطرق إليه.

قلت هذا؛ لأن ضبط ناسخ الإيجاز؛ أصرح وأوضح؛ إذ رأى رسم الإمام النووي، بالألف اليابسة، ولا وهم مُتطرق إليه.

وأما ما ذكره السخاوي؛ فلا يعلم، هل هو ضبط النووي، أو السخاوي، وأياً كان.. فالأمر كما ذكرت في توجيه ضبط السيوطي.
والله تعالى أعلم وأعلى، وهو أكرم وأولى.

هذا ما تيسر جمعه، وما تمحص فهمه؛ فإن أصبت، فهو محض فضل الله تعالى، وإن أخطأت، فلا أعدم -إن شاء الله- أجراً من ربي جل وعلا، ثم تصويباً من إخواني الفضلا.


وكتب: وليد بن عبده الوصابي
١٤٤١/٩/٩


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق