السبت، 23 مايو 2020

إثمد العينين في جواز التهنئة بالعيدين!


إثمد العينين في جواز التهنئة بالعيدين:

التهنئة: خلاف التعزية، تقول: هنأه بالأمر والولاية، تهنئة وتهنيئاً، وهنأه هنْأ، إذا قال له: ليهنك وليهنئك.

والتهاني -من حيث الأصل- من باب العادات، و(الأصل في العادات الإباحة)، حتى يأتي دليل يخصّه، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.

والعادة: هي كل ما اعتادته الفطر السليمة، من المعاملات، ولم يأت فيه نص، بالحل، أو الحرمة. 

ودليلها: ما أخرجه مسلم -في قصة تأبير النخل-، وفيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم، أعلم بأمر دنياكم).

وقال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي في (منظومة القواعد):

والأصلُ في عاداتنا الإباحهْ *** حتى يجيءَ صارفُ الإباحهْ

وليس مشروعاً من الأمور *** غير الذي في شرعنا مذكور 

قال -رحمه الله- معلقاً على ذلك: 
"وهذان الأصلان العظيمان، ذكرهما شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتبه.
وذكر: أن الأصل، الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه: أن العادات، الأصل فيها الإباحة، فلا يحرم منها إلاّ ما ورد تحريمه ... فالعادات: هي ما اعتاد الناس من المآكل، والمشارب، وأصناف الملابس، والذهاب، والمجيء وسائر التصرفات المعتادة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله، إما نصّاً صريحاً، أو يدخل في عموم، أو قياس صحيح، وإلا، فسائر العادات حلال، والدليل على حلها، قوله تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا" فهذا، يدل على أنه خلق لنا ما في الأرض جميعه؛ لننتفع به على أي وجه من وجوه الانتفاع".
(المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي: ١/ ١٤٣).
وينظر: (الموافقات: ٢/ ١١٢- ٢٤٦) ففيه مزيد علم في المسألة.


قال أبو نعيم: فإذا علم، معنى العادات، وتقرر، أن: التهاني من بابها؛ فإنه لا ينكر منها، إلا ما أنكره الشارع، ولذا: مرّر الإسلام جملة من العادات- التي كانت عند العرب، بل رغّب في بعضها، كصلة الأرحام ونحوها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية وغيرها.

والتهنئة بالعيدين؛ هو من باب الفرح بهذا اليوم المبارك، ولإتمام الصيام والقيام، وفعل ذلك.. ليس حدثاً، أو بِدعاً، بل قد فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يعلم لهم مخالف، فكان كالإجماع.

عن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا من العيد، يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنكم).
قال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة جيد.
ينظر: (الجوهر النقي: ٣/ ٣٢٠)
وقال السيوطي في، (الحاوي: ١/ ٨١): "إسناده حسن".

وكذلك ذكره ابن حجر، واحتج على مشروعية ذلك، بهذه الرواية التي رواها البيهقي.
قال البيهقي: (باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في يوم العيد: تقبل الله منا ومنك).
وحسنه الألباني في (تمام المنة: ١/ ٣٥٤).

وأخرج أبو أحمد الفرضي، في (مشيخته) والمحاملي، في (صلاة العيدين) عن جبير بن نفير قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك).
وحسن إسناده، ابن حجر.
ينظر: (فتح الباري: ٢/ ٤٤٦)

وأخرج الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) عن صفوان بن عمرو السكسكي قال: سمعت عبد الله بن بُسر، وعبد الرحمن بن عائذ، وجبير بن نفير، وخالد بن معدان، يقال لهم في أيام الأعياد: (تقبل الله منا ومنكم) ويقولون ذلك لغيرهم.

وأخرج الطبراني في (الدعاء) قال شعبة: لقيني يونس بن عبيد في يوم عيد، فقال: (تقبل الله منا ومنك). وهذا سند مسلسل بالحفاظ المكثرين، والمعمري تُكُلِّم فيه بكلام لا يضره هنا.
ينظر: (الحاوي: ١/ ٩٤)


ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، شيء في التهنئة بالعيدين.. 
وقد ورد في ذلك حديثان: أحدهما: يبيح، والآخر: يحظر!

أما المبيح.. فعن خالد بن معدان قال: لقيت واثلة بن الأسقع، يوم عيد، فقلت: تقبل الله منا ومنك، فقال: نعم، تقبل الله منا ومنك، لقيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، في يوم عيد، فقال: (تقبل الله منا ومنك).
وهو ضعيف جداً، ففي إسناده: محمد بن إبراهيم الشامي، وهو ضعيف، وقد تفرد به مرفوعاً، وخولف فيه.
ينظر: (كوثر المعاني الدراري: ١٠/ ٢٢٥) للشيخ محمد الخضر الشنقيطي.

وأما المحظر.. فقد أخرج ابن عساكر، من حديث عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم؟ فقال: (كذلك فعل أهل الكتابين) وكرهه.
وهو موضوع، ففي إسناده عبد الخالق بن خالد بن زيد بن واقد الدمشقي، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو نعيم: لا شيء.
ينظر: (الحاوي: ١/ ٩٤)


وإليك مذاهب أهل الحديث، والفقه، والنظر.. في حكم التهنئة في العيدين:

-أهل الحديث:
قال ابن بطة العكبري في (الإبانة الكبرى: ١/ ٨٧١): "وكذلك يتلاقى الناس، عند انقضاء شهر رمضان، فيقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك) بهذا مضت سنة المسلمين، وعليه جرت عاداتهم، وأخذه خلفهم عن سلفهم".

وتأمل وقوله: (مضت سنة المسلمين)؛ فهو كإجماع منهم خلفاً عن سلف -كما سلف-. 

-المذهب الحنفي:
قال الطحطاوي: "والتهنئة بقوله: تقبل الله منا ومنكم، لا تنكر بل مستحبة؛ لورود الأثر بها ... والمتعامل به في البلاد الشامية والمصرية، قول الرجل لصاحبه: عيد مبارك عليك ونحوه، ويمكن أن يلحق هذا اللفظ بذلك، في الجواز الحسن واستحبابه؛ لما بينهما من التلازم".
(حاشيته على المراقي: ٢/ ٥٢٧)

-المذهب المالكي:
سئل مالك: أيكره للرجل أن يقول لأخيه، إذا انصرف من العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر الله لنا ولك. ويرد عليه أخوه مثل ذلك؟
قال: لا يكره.
(المنتقى: ١/ ٣٢٢).

وأخرج ابن حبان في (الثقات) عن علي بن ثابت قال: سألت مالكاً عن قول الناس في العيد: تقبل الله منا منك؟ فقال: ما زال الأمر عندنا كذلك.

وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة، وقال: لم يزل يعرف هذا بالمدينة.
ينظر: (الحاوي: ١/ ٩٤)

-المذهب الشافعي:
قال الشربيني: "قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا، كلاماً في التهنئة بالعيد، والأعوام، والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي: أنه أجاب عن ذلك؛ بأن الناس، لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه، أنه: مباح، لا سنة فيه ولا بدعة".
(مغني المحتاج: ١/ ٣١٤).

وفي (حاشية الجمل: ٣/ ٧٠): "ويجوز، أن تطلب التهنئة، في أيام التشريق، وما بعد الفطر؛ لعدم المانع؛ ولأن المقصود منها التودد وإظهار السرور ... ويدخل وقت التهنئة بدخول الفجر، لا بليلة العيد".

-المذهب الحنبلي:
جاء في (سؤالات أبي داوود: ٦١) قال أبو داود: سمعت أحمد، سئل عن قوم، قيل لهم يوم العيد: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: أرجو أن لايكون به بأس.

-أهل النظر:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس‏:‏ ‏(‏عيدك مبارك‏)‏ وما أشبهه، هل له أصل في الشريعة أم لا؟‏ وإذا كان له أصل في الشريعة، فما الذي يقال‏؟‏ أفتونا مأجورين.
فأجاب:‏ أما التهنئة يوم العيد، يقول بعضهم لبعض -إذا لقيه بعد صلاة العيد‏-: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك‏.‏. فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة، أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة، كأحمد وغيره. 
لكن قال أحمد:‏ أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد، أجبته؛ وذلك لأن جواب التحية، واجب، وأما الابتداء بالتهنئة، فليس سنة مأموراً بها، ولا هو -أيضاًـ مما نهى عنه، فمن فعله، فله قدوة، ومن تركه، فله قدوة، والله أعلم‏". 
(مجموع الفتاوى: ٢٤/ ٢٥٣) و (الفتاوى الكبرى: ٢/ ٢٢٨).

وقال الشيخ ابن عثيمين: "التهنئة بالعيد، قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع؛ فإنها الآن من الأمور العادية، التي اعتادها الناس، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد، واستكمال الصوم والقيام". 
(مجموع فتاوى ابن عثيمين: ١٦/ ٢٠٨).

تنبيه: لا بأس بالتهنئة، قبل العيد، وذلك؛ لأن القصد منها، التودد، وإظهار السرور، وإدخال الفرح، واستباق البر.
أما القول، بأن ذلك بدعة؛ فغريب؛ إذ أن أصل المسألة، ليست عبادية، حتى تدخلها البدعة، والبدعة، مختصة بالعبادات، لا العادات -على القول الصحيح الرجيح-.

قال شيخنا عبد الرحمن البراك -كما في موقعه-:
(التهنئة بالعيد، قبل صلاة العيد.. الأمر فيها واسع، فلا ينبغي التشديد في ذلك، والتهنئة عادة حسنة، ولا يقال: إنها سنة). 

وقال الشرواني الشافعي: "ويؤخذ من قوله (في يوم العيد): أنها لا تطلب، في أيام التشريق، وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام، ولا مانع منه؛ لأن المقصود منه: التودد، وإظهار السرور.
ويؤخذ من قوله (يوم العيد) أيضاً؛ أن وقت التهنئة، يدخل بالفجر، لا بليلة العيد، خلافاً لما في بعض الهوامش.
وقد يقال: لا مانع منه أيضاً، إذا جرت العادة بذلك؛ لما ذكره من أن المقصود منه: التودد، وإظهار السرور، ويؤيده، ندب التكبير في ليلة العيد".
حواشي الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج: ٣/ ٥٦)

تنبيه آخر: ليس للتهنئة، كلمات مخصوصة، لا يجوز تعدّيها، ويحظر غيرها.. بل تكون بكل ما اعتاد الناس، من كلمات الدعاء، وعبارات الصفاء، فلا تأنيب أو تثريب!
وإن اقتصر، على ما اقتصر عليه الصحابة رضي الله عنهم، من قول: تقبل الله منا ومنكم؛ فحسن، ولكن، دون منع سواها.


وراجع -إن شئت- رسالة: "وصول الأماني بأصول التهاني"، للحافظ جلال الدين السيوطي السموطي، وهو مطبوع ومطرز.
و "جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها"، لابن حجر البحر، وهو مطبوع ومطرز.
و"نيل الأماني في شرح التهاني"، للحسن اليوسي.
و"رسالة في التهنئة بالأعياد"، للشيخ عبد الله بن درويش الركابي السكري الشيبي الدمشقي الحنفي، وغيرهم من أهل العلم والفهم.

وأما الأجزاء التي أُلّفت في العيدين؛ فهي كثيرة وفيرة.


هذا ما تمّ نقله من كلام أهل العلم، وهو واضح بجلاء؛ أن التهنئة بالعيدين، مشروعية مباحة، من حيث الجملة، وقد صحت من فعل السلف.
ولكن، إذا صاحب العادات، بعض المقاصد الحسنة؛ أوصلها إلى الأجر والزلفى.

وعليه؛ فلا ينكر على من فعله، ولا يشنع عليه، بل هو مأجور -إذا احتسب تهنئته-؛ لدعائه؛ وإدخاله السرور على قلوب المهنَئين؛ ولأن المباح يدور مع الأحكام الشرعية، إذا احتفّت به قرائن.

فأقول للجميع: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله علينا وعليكم، وكل عام وأنتم بخير، وفي أمن وأمان، وسلامة وسلام..
وسلام السلام عليكم.


وكتب: أبو نعيم وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٩/٩/٢٨
١٤٤٠/١/١
١٤٤١/٩/٣٠

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق