السبت، 7 مارس 2020

آلدِّين.. مطية لشهوتك؟! زُمّ نفسك يا رجل!


آلدِّين.. مطية لشهوتك؟! زُمّ نفسك يا رجل!

إن الإنسان.. إن لم يَزُمّ نفسه خطامها، ويلجم لجامها، ويكبح جماحها، ويكسر رماحها؛ أودتْ به المهالك، وأردته أضيق المسالك!

وأعجبتني هذه الجملة: "إذا دللت نفسك، وأعطيتها كل ما تهوى؛ فسيصعب عليك فـطامها، عندها ستشعر بضعفِها، وقلة شأنها. أما إذا دربتها على مغالبة الصعاب؛ فستكون عظيمة، ولن تخذلك أبدا".

قال أبو نعيم: لا سيما؛ إتْباع الشهوات، واتّباع النزوات، فلا يزال طالبها في لهث دائم، ولا ينفك صاحبها في نكث هائم، لا تفُكّه، ولا يفكها؛ حتى تُفك نفسه، أو يكون فضحه في الدنيا قبل الأخرى! وقد كانت.

قال ابن الجوزي: "ربما هجم الشيطان على الذكي الفطن، ومعه عروس الهوى قد جلاها، فيتشاغل الفطن بالنظر إليها، فيستأسره، وأقوى القيد الذي يوثق به اﻷسرى: الجهل، وأوسطه في القوى: الهوى، وأضعفه: الغفلة، وما دام درع اﻹيمان على المؤمن، فإن نبل العدو لا يقع في مقتل".
(تلبيس إبليس: ٣٧).

وصدق من قال، وهو أبو الحجاج البلوي:
إذا أعطيت بطنك مشتهاه *** وفرجك سؤله؛ أنت البهيمهْ

وأخشى أن يقال غداً لك: اذهب *** فما لك عندنا -والله- قيمهْ

أتطمع أن تنال نعيم الاخرى *** وقد آثرت دنياك الذميمهْ؟!

إن المرء إذا أعطى نفسه كل ما اشتهت، ولم ينهها.. تاقت إلى كل باطل، وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجلة، وطلاوة حائلة.

والشهوات وإتباعها واتباعها.. لا تتعلق بزواج أو إعزاب، أو التزام أو انفكاك.. (وإن كانت هذه أمور تحجز) لكنها تحجز من: قصر النظر، وغضّ البصر، وتفقد القلب المنيب، وداوم مراقبة الرقيب.. وما سوى ذا؛ فلا -والله- لا تكفيه نساء الدنيا أجمع، ولو صام وقام وتركع؛ لأن قلبه فارغ، ولبه والغ، وفمه فاغر، وبصره ناظر!
وقد سمعنا وبصرنا!

وخبّروني، عمن كان هذا حاله، كيف له الكفاية، وهو يتتبع كل مليح وحالية؟!

والرقيب؛ إن قلبي ليولمني، وصدري يوسمني، من أفعال بعض من لا خلاق له، بل هو محلوق الحياء، وإن كان ذو لحية، ومنتوف اللباس، وإن كان ذو أغطية!

برز الثعلب يوماً *** في ثياب الواعظين!
يمشي في الأرض يهدي *** ويسب الماكرين!

يعظ قائلاً: احذروا فتنة النساء؛ ثم هو يبحث عنهن، لا، ويغازلهن، ليس هذا فحسب، ويعافسهن! -جمع الله له البلاء، وأنزل به اللأواء، وزارته الأدواء، وواتته الأقذاء-.

كان في الصباح يحذر من الشيطان، والنفس، والهوى، والدنيا، ويستشهد ببيت:
إني بليت بأربع يرمينني *** بسهام قوس ما لها تعثير
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ***
يا رب أنت على الخلاص قدير

فلما كان الليل البهيم؛ -خلا هذا البهيم- بإحدى الحُرَم المحرّمات! وقد كان قال للناس، قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما)! لكنه خلا؛ لأن النهي -بزعمه- لا يعنيه، بل هو يمليه!
وبعد الخلوة؛ لا أدري ما صنع؟! ولكن: رجل وامرأة.. لا أدري ما يكون؟!
رب صونك.

وليس الأمر مصادفة أو موافقة، بل تخطيط وتمطيط وتنطيط وتبسيط، حتى كان ما كان!

"وأما التماوت، وخشوع النفاق؛ فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح: تصنعاً ومراءاة، ونفسه في الباطن شابة طرية، ذات شهوات وإرادات، فهو يخشع في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة.. رابض بين جنبيه؛ ينتظر الفريسة".
(كتاب الروح: ٢٣٣)


ولا أدري، لربما علم زوج المسكينة، المغرورة بذاك الحتريف العتريف؛ فطلقها، وانتهب أولادها، وقعدت في بيتها تقاسي: الحرمان والندمان والألمان والجلمان..
والغر الغمر؛ لم يلاقِ شياً من ذلك، بل رجع إلى كرسيِّه، وزاول مهنته المحرّمة على جنسيِّه!

يقولون: الرجل؛ لا يعيبه شيء! والمرأة؛ يعيبها كل شيء!
من أوحى إليكم بهذا التسويغ البليغ؟! شيطانكم النزيغ، أو عقلكم اللديغ؟!

لا أشمت بمن زل أو مل أو حل أو خل، ولكني أتميز غيظاً.. ممن جعل الدين ستاراً لشهواته، ومرتعاً لنزواته، وأحبولاً لجموحاته.. سواء كان إماماً أو واعظاً أو قارياً أو راقياً أو مدرساً أو مرشداً! يا ويل هؤلاء، من رب الأرض والسماء.

إن هؤلاء يفسدون أكثر من الفاسدين؛ لأنهم يغرّون المساكين، ويبعدون السالكين، ويشوهون دين رب العالمين!
ألا شاهت وجوههم، وخابت سمومهم، وذابت شحومهم.. ألا كبتوا ومقتوا ووقتوا.

والعار والشنار والنار وغضب الجبار؛ لمن غطى فضايح (ولا أقول: فضيحة) هؤلاء الأنجاس الأرجاس الأتعاس الأنحاس الأبلاس الأحلاس الأخناس الأبجاس، على حساب الدين والعفة والغَيرة والشرف.

ويا ليتها كانت تغطية، ثم تنحية؟! لا؛ بل تغطية، ثم ترقية!

فيعاد هذا الثعلب الماكر البائر السادر الغادر الناكر الجائر.. إلى منصبه الديني (الذي ربما يستحى -والله- من ذكره)!؛ ليعيد كراته ومراته، في شهواته ونزواته!

وعندما يقول غيور؛ لمَ تعيدون هذا المتلطخ بالجريمة، وتُئيبونه بالغنيمة؟!
تكون الإجابة الدحضة، والمدافعة اللججة، والعلة العللة: إن الناس يتساءلون: ما بال فلان أُقيل من مكانه! ومن ثَمّ يتشوه الدين، ويُساء الظن بأصحاب هذا المهين!

ولا أدري، هل قرؤوا أو سمعوا أو فقهوا أحكام النبي عليه الصلاة والسلام، مع أصحابه الكرام، الذين أقام على بعضهم -رضي الله عنهم- الحد الشرعي، والعزر الردعي، فيما قارفوه أو قاذفوه؟!
أأنتم أهدى أم رسول الله؟! أأنتم أحرص أم رسول الله؟! أأنتم أرحم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ثم ألا ينظر هؤلاء القصار الضغار العسار؛ إلى ضحايا هذا الذئب الناصح، والقط القاسح، والكلب الكاسح.. ومن اكتوى بعاره وقاره، واشتوى بحاره وناره!

إن فعل هؤلاء الأنصاف الأقذاف الأجلاف الأحلاف؛ تسويغ لأفعال الفاسقين، وإعانة على عقر الآخرين، من البنات والبنين! -وإن لم يقصدوا- فليس لنا قصدهم، بل علينا ظاهرهم، والله تعالى يتولى سرائرهم.

والمصيبة كل المصيبة؛ أن تتدخل العواطف، في الأحكام الشرعية، والحدود الردعية، وتغليب مصلحة الرجل على الأنثى، أو تبرئة الصاحب على البعيد.. إلى غيرها من الهزلات والمهزلات.. وبهذا العِوج؛ يُقضى على الحدود، وتسهّل الفواحش، وتؤتى المحرمات، وينزى على الحُرمات، ويؤتى الدين من قِبَل هؤلاء "عمائم على بهائم"!

ونصيحي لـ نصفي: لا تثقي بأجنبي، ولو كانت لحيته إلى سُرّته، وسجدته على جبهته، ودمعته ملء حدقته.. فالشهوة مضرومة في الأجساد، لا تطفو ولا تخبو، كالنار تحت الرماد، إذا نُكشت؛ بدّت وندّت!

لا تتحدثي إلى أجنبي ولا تواصليه أو تراسليه، إلا إن كانت ضرورة، دون خضوع وتكسر، أو تأنث وتعثر، "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا" وبإذن زوجك أو محرمك، فإن هذه هي البداية البادية.
(ومعظم النار؛ من مستصغر الشرر)!

أخيتي: صارحي زوجك أو محرمك بكل ما يجري لك ويحصل، ولا تخافي العاقبة؛ فإنها حميدة -بإذن الله-؛ لأنك في نفسك صادقة، وبربك واثقة..
واعلمي، إن كل توقع سيء منك في إخبارك أهلك بما حصل لك من شاب أو شابة.. أهون بكثير من سكوتك عما يجري لك من أذايا ورزايا وبلايا.. فأخبري أهلك، وتوكلي على ربك "والعاقبة للمتقين" واحمد ربك، أن لا زال الرشأ خارج البئر، فلا تهابي ولا تخافي إلا الله، والله أكبر.

أختي: لا تتأثري أو تتعثري بجمال رجل، أو لباقته، أو أدبه، أو علمه، أو ماله، أو منصبه؛ فكل هذا لنفسه، ولا تدري؛ ربما أهله منه في شقوة ولقوة، وشهقة ونهقة.. ثم إنك لست إلا لرجل واحد في العالمين، ومن الملايين والبلايين.. فكوني له زوجة وخادمة وأم وأخت وبنت وصاحبة وكل شيء؛ يكن لك كل شيء..

وإن لم تكوني مُرجلة؛ فلك أب أو أخ أو قريب أو أم أو أخت أو قريبة أو صاحبة.. فكونوا لبعضكم، وتعاهدوا في نصحكم، واستعينوا بربكم "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".


رباه، إني فذٌ من جماعة، وفردٌ من قطاعة، وإنك تعلم بغضي لما حصل ويحصل من تعديات وتحديات، وتجاملات وتحاملات..

رباه، خذ للمظلوم من الظالم، والمهضوم من الهاضم، والملوم من اللائم، والمصلوم من الصالم، والمهدوم من الهادم.

رباه، إنك أقدر وأغير وأثأر، وأنا بشر ضعيف، أغار ولا أقدر، ولكني أوقن وأومن أن أفعالك وَفق مصلحة لا نعلمها، بل تقصر عنها أبصارنا، وتحار فيها أفكارنا.
رب، هذا قدري فيما أملك، فلا أواخذ فيما لا أملك.

الوجِع: وليد أبو نعيم.
١٤٤١/١/١٢


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق