السبت، 30 أبريل 2022

مـا أعـز العِـزّة!

 مـا أعـز العِـزّة!


الآن، رأيت رجلاً يبدو عليه الرياش، وطيب المعاش -ريش بلباس التقوى- يقول لآخر: هل تريد زكاة؟!

قال له: لا بأس، جزاك الله خيراً.


قال له: أنت يمني؟!

قال: نعم.


وإني لمن قوم كأن نفوسهم *** بها أنَف أن تسكن اللحم والعظما!


مضى الغني إلى سيارته، وأتى له بقليل من الأرز، ثم قال له: لكن، أمانة، تأكلونها!


فما كان من ذاك الفقير، إلا أن احمر وجهه، وزم شفتيه، وحملق نحوه، ثم قال له: خذ زكاتك، فإني لست بحاجة إليها!


إني أحرِّض أهل البخل كلهم *** لو كان ينفع أهل البخل تحريضي


ما قلّ مالي إلا زادني كرماً *** حتى يكون برزق الله تعويضي


رد الغني -بصَغار؛ لأنه هو من جلبه على نفسه، وقد كان في عزة وفسحة من أمره-: أرجوك، لا تردها، خذها!


رد الفقير -بشموخ-: لا، والله لا آخذها!


قال الغني: طيب، انظر فقيراً آخر، وأعطِها إياه؟!

قال الفقير: لا، لا أعرف، عليّ بإخراج زكاتي وكفى!


لا تطلبن معيشة بمذلةٍ *** واربأ بنفسك عن دنيّ المطلبِ


وإذا افتقرت فداوِ فقرك بالغنى *** عن كل ذي دني كجلد الأجربِ


فليرجعن إليك رزقك كله *** لو كان أبعد من مقام الكوكبِ


هذا ما كان وبان قبل دقائق وثوان..

وقد تمنيت من الغني -هداه الهادي-.. أن لا يستعمل هذا الأسلوب الجلف الجافي؛ وعليه، أن يتحرى لصدقته، دون سؤال أو جرح لمشاعر الناس، ونهنهة لعزتهم؛ لأن غضب الفقير "العزيز"، يقسم ويقصم!


أبلغ سليمان أني عنه في سَعةٍ *** وفي غنى غير أني لست ذا مالِ


شحاً بنفسي أني لا أرى أحداً *** يموت هزلاً، ولا يبقى على حالِ


والفقر في النفس لا في المال نعرفهُ *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المالِ


وقد أعجبت بعزة الفقير، الذي أسقط الفاني على الباقي، فحبات أرز تفنى، وذلة النفس، أثرها باق لا يندمل!


فلا ترضى بمنقصة وذل *** وتقنع بالقليل من الحطامِ


فعيشك تحت ظل العز يوم *** ولا تحت المذلة ألف عامِ

 


بغض النظر، عن الأسلوب، إلا أني شعرت بالفقير، وهو يُصفع من هذا الغني، -ربما دون قصد- فثار وفار وطار، ولم يصبر على الخسف، بل رد الصفعة بأصفع وأفظع!


لو رشفة الماء بعض المنِّ كدَّرها *** ماتوا عطاشى على الرمضا وما رَشفُوا


الحلم والنبل والإيثار عن كرمٍ *** والعزم والحزم والإقدام والأنَفُ


وأقول: أيها المزكي والمتصدق: غلّف زكاتك، واكس صدقتك؛ بجمال الكلمة، وحسن النظرة، وطيب الطعمة؛ لأنها واجبة عليك، ليس لك فيها منّة، ولا يجوز أن يكون منك أذية ولا أذى "يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى".


وعجزت عن شكر الذين تجردوا *** للباقيات، وصالح الأعمالِ


لم يخجلوها بالسؤال عن اسمها *** تلك المروءة والشعور العالي


هذا ما أردت سطره؛ علّ فيها عبرة وذكرى، للأغنياء والفقراء، (اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك)


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٩/٢٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق