الأحد، 24 أبريل 2022

ليلة ٢١ من رمضان في المسجد الحرام!

 


ليلة ٢١ من رمضان في المسجد الحرام!


من عادتي أنا.. أن لا أحرص في رمضان، على الصلاة في الحرم؛ للزحام الشديد الذي يفضي إلى بعض المخالفات، من تبرج وتفنن، وتزين وتفتن!


مع ما في ذلك من اختلاط النساء بالرجال، والصغار بالكبار، في المخارج، وعلى الأبواب، وعند السلالم!

والله المستعان.


وصار وضع بعض النساء، كما قال القائل:

‏‎وليست كأخرى أوسعت جيب درعها *** وأبدت بنان الكف بالجمراتِ


وعلَت فتيت المسك وحْفاً مرجلاً *** على مثل بدر لاح في الظلماتِ


وقامت ترائي يوم جمعٍ فأفتنت *** برؤيتها من راح من عرفاتِ!


وكأن أبا حازم المدايني، يتحدث عن عصرنا هذا.. حينما نظر إلى امرأة تطوف بالبيت مُسفرة، وكانت من أحسن خلق الله تعالى وجهاً، فقال: أيتها المرأة، اتقي الله، لقد شغلت الناس عن الطواف! فقالت: أما تعرفني؟ قال: من أنت؟ فقالت:

أماطت رداء الخز عن حر وجهها *** وألقت على المتنين برداً مهلهلا


من اللائي لم يحججن يبغين حسبة *** ولكن ليقتلن البريء المغفلا


وقد كان بعض السلف: يطوف بالبيت، فنظر إلى امرأة جميلة، فمشى إلى جانبها، ثم قال:

أهوى هوى الدِّين واللذات تعجبني *** فكيف لي بهوى اللذات والدين؟!

فقالت: دع أحدهما تنل الآخر.


نعم، صحيح، يجب على الرجل غض البصر، ومراقبة الرقيب، ولكن، يجب على المرأة أيضاً: ستر زينتها، وإخفاء مفاتنها؛ لأن لكل ساقطة لاقطة!



تخيلوا، هذا الموقف العجيب، من هذا الصحابي النجيب..

خطب عروة بن الزبير إلى ابن عمر، ابنته، وهما في الطواف، فلم يجبه، ثم لقيه بعد ذلك، فاعتذر إليه، وقال: كنا في الطواف، نتخايل الله بين أعيننا!


لا إله إلا الله، حقاً، إن من يتخايل الله بين عينيه؛ ينأى عن المآثم والمحارم والمغارم، وينفك عن المفاتن والمزاين!



ولا ينكَر.. أن في النساء بقايا، وفي الزوايا خبايا، وحالهن كما قال النميري:

يخمّرن أطراف البنان من التُّقى *** ويخرجن جنح الليل معتجراتِ


عذراً، أسهبت في هذا الأمر، وقد كتبت فيه مقالاً، عنونته، بـ "ظاهرة تبرج النساء في الحرمين الشرفين!

يا زائرة الحرم اتق الإثم واللمم!"


أقول: علاوة على ضيق النفس، وتضيق النفَس!

وإذا ضاقت النفس، وتأففت الروح؛ تعب الجسد، وتبلبل القلب، وتحير اللب، ولم يذق لذة العبادة، وحلاوة الطاعة!



والليلة، ليلة الواحد والعشرين، جاءني بعضهم، وحضني وحرضني على الصلاة في الحرم.

اعتذرت، فأصر وألح، حتى وقعت تحت إلحاحه وإصراره!


ذهبت، وليتني لم أذهب، ليس زهداً في هاته البقعة الشريفة التي صلاها وفضلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والصحب الكرام، ولكن، للزحام الممض والمقض!


أقول: ذهبنا بعد صلاة المغرب، حتى أذن للعشاء ثم أقيمت صلاته، ولا زلنا نخب ونوضع، ولم نصلْ بعد، حتى فاتتنا الركعة الأولى!


فلما خشينا فواتها.. صففنا في درب هناك، يمشيه الناس بأحذيتهم، دون فرش أو بساط، حاشا عِمّة أحدنا، تطوع بها الحاض!

صلينا مع من صفّ وصلى وافترش، ولا تسلني عن ما يخدش هذه الصلاة، من: تخط، ولغط، وغلط!


وحقيقة، إن قدسية المكان، وشرف الزمان.. أضفت عليه جلالة ومهابة،  فاهتبلناها فرصة، لنصلي بنعالنا، (والصلاة في النعال، سنة، تكاد تهجر، وقد صنف فيها شيخنا المحدث مقبل الوادعي، رسالة، على طريقة المحدثين الأقدمين، أسماها: "شرعية الصلاة في النعال")


انطلقنا بعد الصلاة، نهرول لا نلوي على شيء، سوى نشدان مكان لصلاة التراويح (هكذا تروايح أو قيام، في جميع الشهر، دون تفريق في التسمية والوقت، في العشر) لكن المسجد قد امتلأ عن آخره، حتى الساحات الوسيعة هي الأخرى ضجت واكتضت، ولا زلنا في سعينا حتى لغبنا، ثم منّ الله تعالى بموطئ لأقدامنا، أمام دورة للمياة، في إحدى الساحات، فاصطففنا هناك، فرحين بذلك، والحمد لله على كل حال.


ولا شك.. أن هذه الاجتماعات، تشي بخير، وتنم عن حب، وتدل على مسابقة ومسارعة، ولكن ليت الناس، لا سيما أهل مكة.. يتركون فرصة لغيرهم من البلدان البعيدة، الذين لا يكادون يرونه إلا مرة في العمر، وهم يأتونه كل يوم، بل بعضهم كل فريضة!

حتى أن أحد الإخوة أخبرني، عن أحد الإخوة.. أنه اعتمر في إحدى الرمضانات، ٤٠ عمرة!

فقال له صاحبي -ممازحاً، بلهجته-: أها، يعني: أنت مسبب الزحمة!


ناهيك، عن الحكم الشرعي، في حكم تكرار العمرة.. فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.. أنهم كرروا العمرة في سفرة واحدة.

ينظر، للتوسع (المغني: ٥/ ١٧) وفعل عائشة، حادثة عين خاصة، كما في (مجموع الفتاوى: ٢٦/ ٢٧٣)


وهذا، وإن كان يدل على الحب، إلا أنه يسبب زحاماً خانقاً، وتدافعاً مؤلماً.. فإذا اجتمع هؤلاء الماكثين، بأولئك الزائرين.. اكتض الحرم بالآمّين، وغض بالمصلين، فلا تكاد تجد لرجلك موطناً وموطئاً.


وقد كان كبار العلماء، كابن إبراهيم، وابن حميد، وابن باز.. إذا أتوا مكة، لا يقصدون الحرم باستمرار، بل يصلون خارجه، كالعزيزية ونحوها من مناطق حدود الحرم -كما أخبر عنهم الشيخ الفوزان-.

والجمهور.. على أن المضاعفة، تعمّ الحرم كله، كما في (المجموع: ٩/ ٣٢٩) و(زاد المعاد: ٣/ ٣٠٣)



على كل، هذه خاطرة سنحت، وذكرى سمحت، فاقتنصتها، علّ فيها تذكرة وذكرى.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي

١٤٤٣/٩/٢١




هناك تعليق واحد: